صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الثَّامِنَةُ (١٨)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

{وَمَا ظَلَمْنَٰهُمْ وَلَٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّٰلِمِينَ}.

الخلافاتُ التي لها أَوَّل وليس لها آخِر تُشكِّل أَحد أَخطر أَسباب الفشل سواءً على صعيدِ الفرد أَو على صعيدِ الجماعة، وهي عائقٌ أَمام النَّجاح والتقدُّم والإِنجاز.

كُلُّ الجماعات في العالَم تعيشُ الخِلافات، إِلَّا أَنَّ الفرق بينها هو؛ أَنَّ الجماعات النَّاجحة تديرُ خلافاتها بمعاييرَ منطقيَّة واضحة فلا تدعها تنفجِر، وإِذا انفجرت فعندهاسدودٌ للسَّيطرةِ على آثارِها.

أَمَّا الجماعات الفاشِلة؛ فقد صوَّرتُ حالها!.

إِنَّ الجماعة التي لا تعرف كيفَ تُدير خلافاتها ومشاكلها تظلِم نفسها لأَنَّها تُضعف جبهتَها وتُشتِّت قوَّتها وتُمزِّق صفوفها بيدِها {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ}.

فكُلُّ خلافٍ عندنا يتطوَّر إِلى انشقاقٍ وفِراقٍ وطلاقٍ.

يحصل هذا في الأُسرة والمُؤَسَّسة والحُسينيَّة والمرجعيَّة والمَوكب والحزب والسُّلطة وعلى كُلِّ المُستويات، على الرَّغم من كُلِّ التَّجارب التي نمتلكها لكنَّنا مازِلنا نجهل حلَّمشاكلِنا!.

فالمشاكلُ عندنا مُزمنةً!.

ومِن أَسبابِ ذلك أَنَّنا نتهرَّب من البحث في حلولِها فكثيراً ما نُرحِّلها إِلى إًِشعارٍ آخر ظنّاً مِنَّا بأَنَّ الزَّمن كفيلٌ بحلِّها.

هذا صحيحٌ فيما يخصُّ نسبةً ضئيلةً جدّاً من المشاكل، أَمَّا الأَعمَّ الأَغلب فإِنَّ ترحيلها يُعقِّدها ويُضخِّمها أَكثر فأَكثر ككُرةِ الثَّلج المُتدحرِجة من علٍّ.

ولا ننسى فإِنَّ الخُوض في الخِلافات لحلِّها بحاجةٍ إِلى شجاعةٍ وإِلى تضحيةٍ في آنٍ واحدٍ لا يتمتَّع بهما كثيرُون.

يقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {إِذَا هِبْتَ أَمْراً فَقَعْ فِيهِ فَإِنَّ شِدَّةَ تَوَقِّيهِ أَعْظَمُ مِمَّا تَخَافُ مِنْهُ}.

لذلكَ ترانا عادةً ما نُورِّث مشاكلنا للأَجيال، خاصَّةً على مُستوى [الأُسر العلميَّة] و [العشائر] فالأَجيالُ تتوارث الخِلافات حتَّى أَنتجت حِقداً وكراهيَّةً وبغضاءً {فَأَغْرَيْنَابَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ} إِنعكست على المُجتمع كلَّهُ! وبالتَّالي على الدَّولة والعمليَّة السياسيَّة برُمَّتِها!.

والمشكلةُ ليست في ذاتِ الخِلاف والإِختلاف فهوَ من سُنن الحياة وهو صبغة الله وفطرتهُ التي فطرَ النَّاسَ عليها {صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ} كما في قولهِتعالى {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ}.

بل أَنَّ من فلسفةِ بعثةِ الرُّسلِ والأَنبياءِ حلُّ الخِلافاتِ بينَ النَّاسِ {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِفِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍمُّسْتَقِيمٍ}.

والاختلافُ في كلِّ شيءٍ من آيات الله تعالى ودليلُ عظمتهِ وقُدرتهِ ورحمتهِ في نفسِ الوقت {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَلَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ}.

يقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {يَعْلَمُ عَجِيجَ الْوُحُوشِ فِي الْفَلَوَاتِ وَ مَعَاصِيَ الْعِبَادِ فِي الْخَلَوَاتِ وَ اخْتِلَافَ النِّينَانِ فِي الْبِحَارِ الْغَامِرَاتِ وَ تَلَاطُمَ الْمَاءِ بِالرِّيَاحِ الْعَاصِفَاتِ}.

ويقُولُ (ع) {وَكَذَلِكَ السَّمَاءُ وَالْهَوَاءُ وَالرِّيَاحُ وَالْمَاءُ فَانْظُرْ إِلَى الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنَّبَاتِ وَالشَّجَرِ وَالْمَاءِ وَالْحَجَرِ وَاخْتِلَافِ هَذَا اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَتَفَجُّرِ هَذِهِ الْبِحَارِ وَكَثْرَةِ هَذِهِالْجِبَالِ وَطُولِ هَذِهِ الْقِلَالِ وَتَفَرُّقِ هَذِهِ اللُّغَاتِ وَالْأَلْسُنِ الْمُخْتَلِفَاتِ}.

حتَّى أَصحابَ رسولِ الله (ص) وبحضورهِ بين ظهرانيهِم كانُوا يختلفُونَ {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِمَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}.

وقولهُ تعالى {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.

ففي الآيةِ تصريحٌ بالمُشاجرات والخلافات التي تحصل بينَ أَصحابِ الرَّسول (ص) وفي نفسِ الوقت فيها حلٌّ لذلك، وهو الأَهم، والذي تُشيرُ إِليهِ الآية الكريمة {وَإِذَاجَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّاقَلِيلًا} وقولهُ تعالى {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.

*يتبع


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/04/30



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الثَّامِنَةُ (١٨)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net