هذا هو الوسام الثاني الذي وضعه الإمام الصادق عليه السلام على صدر عمه العباس عليه السلام, حيث شهدَ له بهذا التصديق، كما جاءت هذه الشهادة المقدسة في الزيارة.
إن (التصديق- في اللغة – وزانه "تفعيل" ، وهو صيغة من صيغ المبالغة، ومعناه:- كثير الصدق. (شذا العرف في فن الصرف - ص50) .
كما أن "التصديق "يساوي في معناه "الصدّيق". قال (الرازي) في "مختار الصحاح":- " -الصدّيق بوزن السكّيت – الدائم الصدق" .
ويطلق "التصديق على الإيمان" ، حيث قال (الطريحي) في - مجمع البحرين -:-"الإيمان - لغة -:- هو التصديق المطلق....".
وقال (الراغب- في مفرداته ص277):- يقال:- الصدّيق لمن صدق بقوله، واعتقاده، وحقق صدقه بفعله. وقال:- "وَاذْكُرْ فِي الكِتابِ إِبراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا". وتفسيره :- "إنّ إبراهيم حقّق ما أورده قولا، بما تحرّاه فعلاً".
ومن كل ما مرّ، نخلص إلى أنّ أبا الفضل كان صدّيقاً وليا، لأنه كان دائم الصدق والتصديق معاً - في القول والمودة -، حيث كان مستوعبا أخاه الحسين عليه السلام، عارفاً خفاياه، مطلعا على المزيد من أسراره، لم يحدث – يوماً من الأيام – أن اعترض عليه - ولو مرة واحدة في اتجاهاته كلها، بل كان (ع) كله رضىً، وطاعة لأخيه الحسين عليه السلام، فكان – في هذه الظاهرة، ظاهرة الصدق والتصديق - كأبيه أمير المؤمنين عليه السلام مع رسول الله (ص)، حيث كان يصدّقه في الأقوال، ويصدقه في الأفعال، حتى نزلت في حقه الآية:- " وَالذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ" . سورة الزمر. الدر المنثور . السيوطي . عن أبي هريرة عن (فضائل الخمسة في الصحاح الستة:- 1/333)
فرّقت العرب – في أمثالها – بين "الصدق والتصديق" حيث قالت:- "أخوك من صدقك لا من صدّقك" فالتصديق يكون عندها في الأقوال، بينما يكون "الصدق" عندها في الأفعال؛ فكان عليٌ أمير المؤمنين عليه السلام، أوضح مثل في هذا التفريق, حيث كان يصدقه في المواقف "الحرجة" – التي تنكص فيها الرجال، وتفر منها الأبطال – ويمضي معه مستقيماً إلى حد بذل النفس... وهذا ليس ادعاء، إنما هو ثابت في التاريخ، لا يختلف فيه اثنان، وهل من أحد يتنكر، أو ينكر "حادثة الفراش" يوم وقى (علي) فيها رسول الله وفداه بنفسه!؟ كانت حياة علي عليه السلام مع أبن عمه كلها تضحية وفداءً، طفحت بها صفحات التأريخ قديماً وحديثاً، فكانت دائماً مثار الإعجاب والإكبار...
أصبح العباس عليه السلام – في كربلاء – امتدادا طبيعياً لأبيه أمير المؤمنين علي عليه السلام في "تصديقه وصدقه" لأخيه الحسين، بل صار عليه السلام درساً في الإخوة الصادقة بل قدوة يُقتدى بها، وكأن هذه الأبيات التي يرويها لنا أبو حيان التوحيدي – في كتابه:- "الصداقة والصديق" ص 14 – ما قيلت إلا فيه عليه السلام:-
إن أخا الهيجاءِ منْ يسعى معك *** ومن يضرُّ نفسَه ليجمعك
ومن إذا صرف زمان صدعك *** بدَّدَ شملَ نفسهِ ليجمعك
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat