العباس ع يماثلُ البدريين في نيّاتهم الإيمانية، قال الامام الصادق ع في زيارته لعمه العباس ع: أشهد وأشهد الله أنك مضيت على ما مضى به البدريون والمجاهدون..) هذا هو الوسام الخامس الذي يضعه الامام الصادق ع على صدر عمه العباس ع حيث شهد له بهذه الشهادة، فجعله يماثل البدريين الذين أقروا عيني الرسول ص بصدق نيّاتهم قبل القتال، حيث قام المقداد بعد أن قال الرسول ص لأصحابه: أشيروا عليَّ في هذه الحرب، فقال:(يارسول الله إنها قريش وخيلاؤها، وقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله، والله لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا (نوع من الشجر صلب) وشوك الهراس لخضناه معك، ولا نقول لك ما قالت بنو اسرائيل لموسى: (قالوا يا موسى انا لن ندخلها ابدا ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا انا ها هنا قاعدون).
ولكنا نقول: (اذهب انت وربك فقاتلا انا معكم مقاتلون، والله لنقاتلن عن يمينك، وشمالك، ومن بين يديك، ولو خضت بحرا لخضناه معك، ولو ذهبت بنا الى برك الغماد (بلاد الحبشة) لتبعناك).فأشرق وجه رسول الله ص، ودعا له وسر لذلك وضحك كما يذكر ذلك المؤرخون. (الصحيح من سيرة الرسول الأعظم: 5/385)
طلب النبي ص من أصحابه أن يشيروا عليه في أمر الحرب، مع أن أمرها كان مقضيا من قبل الله عزوجل، ليستخرج دخائل نفوسهم، وليميز المنافق من المؤمن والجبان من الشجاع، والذي يفكر في مصلحة نفسه من الذي يفكر من منطلق التكليف الشرعي.
ان موقف هؤلاء البدريين الذين اسروا رسول الله ص، كان ينطلق من الايمان المطلق بالله تعالى، والتصديق بالرسول الكريم ص كما كان موقفهم يتوخى رضى الله تعالى برضى رسوله، فحبذوا أن يخوضوا البحر مع الرسول ص؛ لأن ذلك عين الإخلاص في طاعة الله، وهكذا أصبح البدريون متلاحمين، قد ربطوا مصيرهم بمصير نبيّهم.
وقد اخلصَأصحابُ الحسين ع معه إخلاصا مطلقا، مما جعلهم متلاحمين معه في ذلك الموقف التاريخي الصعب، فأبوا إلا الاستشهاد معه بعد أن أحلّهم من بيعته، وطلب منهم ان يتخذوا هذا الليل جملا لينجوا بأنفسهم من القتل، لكنهم أبوا إلاأن يمضوا قدما معه قدما حتى الاستشهاد في سبيل الحق، وقالوا للحسين ع: أنحن نخلّي عنك؟ وبماذا نعتذر إلى رسول الله...؟ بدأهم بذلك العباس ع.
ولأهمية شهادة الإمام الصادق ع في حق عمه العباس ع لابد أن ننظر إلى حقيقتها اللغوية لتتبين لنا عظمتها، قال الرازي في مختار الصحاح: (الشهادة: خبر قاطع).
وقال الفيومي في مصباحه المنير: (شهدت الشيء: اطلعت عليه، وعاينته) واستعمل لفظ (أشهد) في القسم نحو: (أشهد بالله لقد كان كذا، أي أقسم، فتضمن لفظ اشهد معنى الشهادة، والقسم، والإخبار، فكأن الشاهد قال: (أقسم بالله لقد اطلعت على كذا وانا الان اخبر به).
ومما مر من النصوص اللغوية، نفهم عظمة كلمة الإمام الصادق ع: (أشهد وأشهد الله انك مضيت على ما مضى به البدريون والمجاهدون في سبيل الله..) حيث يقسم الإمام ع بأن عمّه العباس قد بلغ هذه المرتبة، مرتبة المضي على نية البدريين، حيث أخلص العمل لله مع أخيه الحسين ع، كما أخلص البدريون مع رسول الله ص بل ماثلهم في هذه النية، حيث أحلَّه الحسين ع من البيعة، وجعله حرا من الالتزام بالتكليف الشرعي الذي يوجب عليه حماية الامام المعصوم، لكنه أبى إلا أن يكون ملتزما بهذه الحماية حتى الاستشهاد!!
بينما الامر يختلف مع اهل بدر، حيث استشارهم النبي ص في الحرب، ولم يضع عنهم تكليف الجهاد، وحماية الرسول ص، ولو وضعه عنهم لكان الأمر مختلفا تماما؟ فهذه مفارقة ينبغي الالتفات اليها، وبعد:
فالعباس ع شهيد، ولكن ليس كالشهداء، حيث له (عند الله منزلة يغبطه عليها جميعهم، بشهادة الإمام زين العابدين ع... فبخ بخ لك يابن علي هذه الشهادات المفعمة بالإعجاب من أئمة الهدى عليهم السلام...!!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat