هذا هو الوسام الرابع الذي يضعه الإمام الصادق ع على صدر عمّه العباس عليه السلام، حيث شهد له بهذه الشهادة، كما ورد ذلك في الزيارة.
ولنولِّ باهتمامنا شطرَ اللغة العربية لنرى مكانة ((النصيحة)) في نصوصها التي تكشف لنا عن معانيها؛ ومن ثمَّ لنرى علاقتها بالعباس عليه السلام.
قال الرازي في ((مختار الصحاح)): ((نصحه ونصح له نُصحاً- بالضم- ونَصاحة- بالفتح- وهو باللام أفصح)).
قال اللهُ تعالى:- ((وأنصح لكم)) والاسم:- النصيحة.
والنصيح، الناصح.
وقوم نصحاء بوزن فقهاء.
وقال:- (الفيّومي) في (المصباح المنير):- (نصحت لزيد) هذه اللغة الفصيحة، وفي لغة يتعدّى بنفسه؛ فيقال:- نصحته. والنصح: هو الإخلاص والصدق والمشورة والعمل.
وقال ابن منظور في لسان العرب: (نصُحَ الشيء: خلص، والناصح:- الخالص من العسل وغيره، والنصح:- نقيض الغِش).
وفي الحديث؛ ((إن الدينَ النصيحة لله ولرسوله وللكتاب وللأمة المسلمين ولعامتهم)).
وقال أبن الأثير في نهايته:- (النصيحة كلمة يُعبّر بها عن جملة؛ هي إرادةُ الخير للمنصوح له، وليس يمكن أن يعبّر عن هذا المعنى بكلمة واحدة تجمع معناه غيرها).
وقال الشريف الجرجاني في تعريفاته:- (النصح إخلاص العمل من شوائب الفساد، والنصيحة هي الدعاء إلى ما فيه الصلاح والنهي عمّا فيه الفساد).
ومما مرّ نخلص إلى ما يأتي:-
1- إن النصحَ مصدر.
2- إن النصيحةَ أسم.
3- إن النصح يساوي الناصح، أي انه أسم فاعل.
4- إن الفعل(نصح) لازم، ويتعدى باللام وهو أفصح.
5- إن النصح ضد الغش، والناصح هو الخالص.
6- النصح: هو إخلاص العمل عن شوائب الفساد.
7- النصيحة: هي الدعاءُ الى ما فيه الصلاح...
8- النصيحة هي: إرادة الخير للمنصوح له، ولا تستطيع أية كلمة أن تقومَ مقامها.
أما في الحديث: (النصيحة لله....) فأن النصيحةَ هنا معناها الاعتقاد بالله وبوحدانيته، وإخلاص النية في عبادته، أما النصيحة لرسوله فهي التصديق بنبوته، ورسالته، والانقياد لما أُمر به ونهى عنه، أما النصيحة للأئمة فهي طاعتهم في الحق.
وبعد...
فنصيحة أبي الفضل العباس (سلام الله عليه) تنطبق في اللغة وفي الحديث على ما قامَ به من عمل تُجاه أخيه الحسين عليه السلام حيث كان عمله لا تشوبه شائبة الغِش، لا في القول، ولا في واقع الحال، بل أخلص له الإخلاص كله في صحبته ومرافقته... فكان عليه السلام إطاعة محضة وانقيادا تاماً لكل ما يصدر عن أخيه الحسين عليه السلام لعلمه بأن الحسين ع يستحق ذلك كله منه، لأنه امتداد للرسول ص، ولأنه إمامه الذي تجب طاعته عليه، وقد صرّح بذلك في رجزه يوم حمل على العدو - في وادي الطفوف - وهو يقول:-
(واللهِ إن قطعتمو يميني *** إني أحامي أبداً عن ديني
وعن إمامٍ "صادقِ اليقين" *** نجلِ النبي الصادقِ الأمين)
فشهادة الإمام الصادق لعمه العباس لم تكن بدافع من القرابة القريبة أو من الحماس الديني، بل لما كان يتصف به العباس عليه السلام من الإخلاص والوفاء لأداء الأمانة، أمانة الوديعة التي أوصى بها رسول الله ص أمته قائلاً: (إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي....) فقد حافظ العباس عليه السلام على عترة رسول الله ص، واخلص لها وصدقها في هذا الحفاظ إلى أبعد مديات الصدق حتى مضى في سبيل ذلك شهيدا...!!؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat