لا أشك في أن أسئلة أدب الأطفال وثقافتهم انتقلت من المعالجة الوصفية والتاريخية في السبعينات إلى المعالجة النقدية في أُخريات التسعينيّات. فقد كنّا - في بداية السبعينيّات- نبحث عن صيغ تضمن الاعتراف الرسمي والشعبي بهذا الأدب الوليد، ونجهد في أن ننقِّب عن تاريخه، وصوره التراثية، وجهود روادَّه، ووسائله المقروءة والمسموعة، وترسيخ أجناسه وتحقيق التوازن بينها وتشجيع الأطفال على الإقبال عليها... وشرعنا، رويداً رويداً، ننتقل إلى أسئلة مغايرة، تدورحول حقوق الطفل، وعلاقة أدبه بواقعه، وتوافر الطبيعة الفنية فيه.ثم ترسّخَتْ هذه الأسئلة في شكل جديد للخطاب الثقافي، عماده السؤال عن منظومة القيم، والاستراتيجية الثقافية العربية الإسلامية، والصورة المستقبلية للطفل العربي. والظن بأن هذا الكتاب يحاول التشبُّث بهذا الشكل الجديد للخطاب الثقافي الموجَّه للطفل العربي، ويسعى إلى أن يربطه بالخطاب الثقافي العربي العام في حاضره وتطلُّعاته، ويبدأ يناقش أثر الثقافة العربية السائدة في شخصية الطفل، وأساليب تربية الإبداع والقراءة لديه، ويلاحق أثر وسائل الإعلام في لغته، وطبيعة الأدب المترجم المقدَّم له، وإشكالية قصص الخيال العلمي، وتكوين ثقافة الطفل ضمن الصناعة الثقافية العربية.. وعلى الرغم من أن المنهج التحليلي ميّال إلى الانتقال من الثقافة إلى الأدب، فاننا آثرنا الانطلاق من المعالجة النقدية للأدب حتى نتمكّن من تقديم صورة تحليلية لأبرز جوانب ثقافة الطفل العربي، تُعيننا على اقتراح الاتجاه الجديد في هذه الثقافة، وتسمح لنا بقيادته إلى الارتباط العضوي بالمجتمع العربي في حاضره ومستقبله، دون أن نتخلّى عن نقده وملاحظة إيجابيّاته وسلبيّاته. وليس النقد هدفاً، بل وسيلة إلى تعديل صيغة الخطاب الثقافي العربي الموجَّه للطفل، وهذا التعديل هو الغرض الذي نحاول تحقيقه
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat