اعتاد الباحثون في مجال الشخصية على اعتبار كلّ من الإبداع والقيادة موضوعين يقعان ضمن مجال دراستهم، واعتقدوا أن الأشخاص المبدعين يمتلكون سمات طبع مميزة، وأن القادة لهم شخصياتهم التي تجعلهم في موضع متميز مقارنة بأتباعهم.
وقد شاع هذا المنحى في الدراسات الخاصة بالشخصية في جانب منه، لأنه كان يتفق بدرجة كبيرة مع الأفكار النمطية الشائعة حول العظمة، فقد اعتبرت العبقرية خصلة شديدة الاتساع تشتمل على قوى عقلية ودافعية تتجاوز الحد الطبيعي؛ فالعبقري الحقيقي يمثل عقلاً ذا قوى عامة كبيرة، تحوّل صدفة نحو هدف خاص محدد. كما اعتبر الناس أن العباقرة في كثير من النشاطات سياسية كانت أو ثقافية، يتشابهون فيما بينهم بدرجة تتجاوز ذلك التشابه الموجود بين كل عبقري وزملائه الآخرين في نفس مجال النشاط. ووفقا لهذه الوجهة من النظر، فإن الأخوة العقلية والانفعالية بين (مايكل أنجلو وجاليليو) وحتى مع (يوليوس قيصر) هي أكبر من تلك الأخوة الموجودة بينه وبين أي فنان من الدرجة الثالثة، يقوم بتلطيخ سقف كنيسة صغيرة أو يفسد كتلة من المرمر.
لقد حاول الباحثون في مجال الشخصية أن يختبروا الفرض القائل بأن المبدعين والقادة لهم سمات مميزة وقابلة للتحديد؛ والإجراء المعتاد يتمثل في اكتشاف مجموعات من الأشخاص الذين يختلفون إما في الإبداع أو في القيادة، كما يستدل من خلال الاختبارات أو التقديرات، ثم جعل هؤلاء الأشخاص يملؤون مجموعات من الأسئلة الخاصة بالشخصية.
وقد اشتملت البحوث حول القيادة في النصف الأول من هذا القرن، والبحوث حول الإبداع في النصف الثاني منه، على عدد هائل من الدراسات التي قامت بذكر الارتباطات بين درجات الإبداع أو القيادة، وبين مئات من مكونات الشخصية. وقد كانت نتائج هذه الجهود مخيبة للآمال، إذ لم يتمخض البحث إلا عن عدد قليل من السمات الشخصية التي تصلح لأن تكون مؤشرات تنبئية عامة، إذ لم يكن المبدعون مجرد نوع منفصل عن القادة وحسب، بل تطلب الأمر أيضا التمييز بين الأنماط اﻟﻤﺨتلفة من الإبداع والقيادة كل على حدة.
ومع تحول عالم الإنجاز شيئا فشيئا نحو الإنقسام والتخصص في سعي الباحثين نحو مؤشرات تنبئية مضمونة، فإن وجهة النظر الرومانسية أصبحت تبدو أقرب إلى الأسطورة منها إلى النظرة الثاقبة، وأخذ الباحثون يتخلون عن فكرة النمط العبقري العام، ويرفضون الفكرة القائلة إن الشهرة المتحققة قد يكون لها أساس في مجال الصفات الشخصية.
ويمكن تقديم عدد من المبررات لتفسير هذا التحرر من الوهم، فقد لا تكون عمليات تقدير القيادة كافية وربما كانت اختبارات الإبداع أيضا غير صادقة، كما أن مجموعة الخصائص الشخصية ربما كانت ملوثة بالتصنع والافتعال، أو ربما كان الأمر حقيقة هو أنه لا توجد هناك شخصية تشكل أساس العظمة.
ولكن هذه البحوث لم تنجح في فصل العبقرية عن الموهبة، وبين الموهبة وعدم التميز، فمعظم المفحوصين الذين تم عليهم هذه البحوث كانوا من طلبة الجامعات الذين يدرسون مقررات (هيديا) في علم النفس، وأشك في أن العديد من أصحاب العقول ذات المرتبة الأولى، قد قاموا بملء الاستبيانات. فإذا كان علينا أن نكتشف الخصائص المميزة لشخصية المبدعين والقادة من مستوى العبقرية، فإننا يجب أن نجعل من أصحاب العقول المتميزة التي لا شك فيها مركز اهتمامنا العلمي.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat