صفحة الكاتب : د . نضير الخزرجي

المنبرُ الحسيني ومراحل تطوره
د . نضير الخزرجي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  المجلس الحسيني أو المنبر الحسيني، مادته هي الخطابة، وفي التاريخ فإن الخطابة سبقت الشعر، فالخطابة قديمة، ويُقال عن شعيب أنه كان شيخ الخطباء، وكذلك الأنبياء إبراهيم (ع) ومحمد (ص).. وقد جعل اللهُ تعالى الخطابة جزءاً من العبادة، فنحن نصلي العيدين والجمعة، والصلاة تحتوي على الخطابة، ويقول أرسطو: (الخطابة هي القوة القادرة على الإقناع).
أما المنبر فهو أحد معالم المجلس، والرسول (ص) عندما كان يخطب في بداية الإسلام، كان يخطب واقفاً، فوضعوا له جذع نخلة يتكئ عليها، وفي السنة السابعة صنعوا له منبراً، وكان عليه الصلاة والسلام، يستعمل عصا ويتوكأ عليها وقت الخطبة، واشتهر قوله (ص): (إن أتخذ منبراً فقد اتخذه أبي إبراهيم، وإن أتخذ عصا فقد اتخذها أبي إبراهيم..). وبالنسبة لإقامة مجلس الإمام الحسين (ع)، فنعلم أن الرسول (ص) بكى الإمام الحسين (ع)، وكذلك الإمام علي (ع). فالمجلس الحسيني كان موجودا في بداية القرن الأول الهجري. ويعتقد أن أربعة أشخاص، كانوا أول من أسس المجلس الحسيني، وهم: الإمام علي السجاد، وزينب الكبرى، وأم كلثوم، وفاطمة بنت الحسين (ع).
 في القرن الأول الهجري، كانت الدولة الأموية هي المسيطرة، ولم تكن هناك مجالس كما نعرفها، بل كانت سرية، واشتهر من الراثين في هذه الفترة (سليمان بن قتة العدوي) المتوفى سنة 126 هـ، وبعد سقوط الأمويين وقيام العباسيين، بدأت الصحوة للمجلس الحسيني على يدي الإمام جعفر الصادق (ع)، فكان يشجعُ الشعراء الذين كانوا يمثلون دور الخطباء، وبقي الشعرُ هو الأساس في الأدب العربي، وظهر إلى جانب الشعراء القصاصون والمنشدون (الرواديد).. وقبل ظهور المذياع، كانت المجالس والمقاهي والدواوين تستقبل القصاصين، وهي مهنة قديمة، وكان القصاصون يروون ما حدث في كربلاء، وكذلك المنشدون، خصوصاً في القرن الثاني الهجري، أولئك كانوا يمثلون المجلسَ الحسيني في تلك الفترة.
 أما في القرنين الهجريين الثالث والرابع، تطور المنبر بعد فترة الكبت، فبرزت المجالسُ بشكل كبير، نظراً لقيام دول مثل الأدارسة في شمال أفريقيا، والفاطميين في مصر، والبويهيين في إيران والعراق، والحمدانيين في حلب.. وهنا أخذ المنشدون والشعراء والمداحون دورهم في فترة الدول الإسلامية الشيعية، مثل دولة الحمدانيين التي نبغ فيها المتنبي.. وفي تلك الفترة، ظهر أسلوب جديد في الأدب الحسيني، فظهرت القصائدُ الطوال التي تتجاوز مائة بيت. فالشاعر يسردُ فيها قصة ما حدث في كربلاء، فهو يقرأ المقتل منظوماً.. تلك الدول شجعت الشعراء على النظم، فنرى الشعراء الموالين لأهل البيت (ع)، ينظمون القصائد الطوال في أهل البيت، ويضمنون فيها مفردات عقائدية، كالتوحيد والنبوة والإمامة.. كل ذلك يطرح من خلال القصائد الحسينية، وكان هناك المنشدون والمداحون الذين يحفظون الشعر ويلقونه، وقد وجدوا في هذا الجو الفرصة لتطوير المجلس بشكل كبير.
 إذن، لدينا مرحلة التأسيس في عهد الإمام السجاد (ع)، ثم مرحلة التأصيل في عهد الإمام الصادق (ع)، ثم مرحلة الإنتشار.. وقال المقريزي في خططه: كان الفاطميون، في يوم عاشوراء، ينحرون الإبل والبقر لإطعام الناس، ويكثرون النوح والبكاء، ويتظاهرون بكل مظاهر الحزن والأسف، واستمروا على ذلك حتى انقرضت دولتهم، وجاء عهدُ الأيوبيين الذين مثّلوا أدوار الأمويين والعباسيين مع الشيعة، وأضاف المقريزي إلى ذلك: وفي يوم عاشوراء من سنة 396 هـ جرى الأمر فيه على ما يجري في كل سنة، من تعطيل الأسواق، وخروج المنشدين إلى جامع القاهرة، ونزولهم مجتمعين بالنوح والنشيد.. ثم ظهرت مرحلة جديدة، فانتشار المجالس الحسينية مع قلة الخطباء، اضطر البعض لوضع مجالس حسينية مكتوبة، يقرأها الخطباء وغير الخطباء، فيلقي الشخصُ المجلس لأهله أو حارته، واشتهرت هذه الظاهرة في القرنين الهجريين التاسع والعاشر، وعرفت تلك المرحلة بالروضة، نسبة إلى كتاب (روضة الشهداء) للواعظ الكاشفي المتوفى سنة 910 هـ. ومن كتاب الروضة جاءت كلمة (روزه خون) أي قارئ كتاب روضة الشهداء. واشتهرت كتب المقاتل التي ظهرت خلال مراحل زمنية متباينة، وبلغ عددها 120 مقتلاً، والمقتل سرد لما جرى من حوادث يوم العاشوراء، وهناك كتب أخرى فيها مقاتل وغير مقاتل، ومجموع المقاتل وما يوازيها بلغ عددها نحو 240 كتاباً، وتعتبر مادة خصبة للخطيب، وشجعت على تطوير المجلس الحسيني.
في مرحلة الاستعمار (البريطاني والفرنسي والبرتغالي وغيرهم)، كان المجلس الحسيني يمثل صوت الأمة، كما حدث في ثورة العشرين في العراق، وفي شمال أفريقيا كانت الخطابة بشكل عام، عامل دفع للأمة ونهضتها لاسيما أثناء الصلاة، فخطبة صلاة الجمعة نسميها (الخطبة السياسية)، وألصق شيء لدى الأمة هي الخطبة، وما يوفره المجلس الحسيني ينقل الأمة إلى وضع أفضل.. وفي مرحلة الاستعمار، احتاجت الأمة فيها إلى أشياء جديدة، فبدأت بإنشاء المعاهد الخطابية في المؤسسات الدينية، وهدفها تخريج الخطباء، وهي مرحلة بدأت في الهند، ثم انتقلت إلى باكستان، ثم العراق.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . نضير الخزرجي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/23



كتابة تعليق لموضوع : المنبرُ الحسيني ومراحل تطوره
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net