صفحة الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي

ملامح من تاريخ "اليهود المسيحيين" – (2)
نبيل محمد حسن الكرخي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الخلاف بين بولس وكنيستي انطاكية وأورشليم

كتب ديفيد سيلفا: (في غلاطية 1-2، شدّد بولس على استقلالية رسالته وسلطته الرسولية عن اية مرجعية أو وكالة بشريّة. بما أنه كان على خلاف مع المعلمين الذين بدوا أنّهم على علاقة مع أورشليم، نأى بولس بنفسه عن رُسل أورشليم كمصدر ممكن لمأموريته الإرسالية، بينما أكّد أيضاً على تثبيتهم لماموريته الإرسالية من الله)[1]! وهذا يعني ان بولس كان يريد "سحب البساط" من تحت اقدام قادة اليهود المسيحيين لصالح نفسه، ليصبح هو الممثل الوحيد للمسيح في الأرض!!

ولم يخلُ العهد الجديد من اشارات الى الخلاف بين بولس وتلاميذ المسيح قادة اليهود المسيحيين، وقد اشرنا اليها اكثر من مرَّة في مقالاتنا[2]، نلخِّصها بالتالي:

§ اتهم بولس كلا من بطرس وبرنابا بالرياء {في غل (2: 11-21)}، بطرس الذي خاطبه المسيح بقوله كما في متى (18:16) {ترجمة الكاثوليكية}: (انت صخر وعلى هذا الصخر سأبني كنيستي فلن تقوى عليها أبواب الجحيم)!!

§ رغبة بولس بالانفصال عن برنابا ليتصدر هو المشهد! فتذرّع بمرقس لينال غايته. كما في أعمال الرسل (36:15-1:16). ونجد مرقس بعد ذلك يظهر في رسائل بولس بأنّه من معاونيه{رسالته الى فيلمون (24) ورسالته الى اهل كولوسي (10:4) ورسالته الثانية الى تيموثاوس (11:4)}، مما يعني انه لم يكن السبب الحقيقي في الخلاف بين بولس وبرنابا[3]!

§ الخلاف بين أبُلُّس وبولس: تجد موضوعه في رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس (4:3) و(12:16) وأعمال الرسل (24:18-6:19) وأعمال الرسل (47:10) و(38:8)، و(6:19) و الرسالة إلى العبرانيين (2:6).

§ الخلاف بين يعقوب وبولس: يروي لوقا في أعمال الرسل (15: 19و20و28) إن يعقوب هذا هو الذي اقترح عدم إلزام المؤمنين من أصل وثني (غير يهودي) بالعمل بالشريعة (التوراة) وان مجمع سنة 50م قد اخذ برأيه. وهذا القول نشك ان يعقوب قاله نظراً لأنه من أشد المدافعين عن الالتزام بالاعمال والعمل بشريعة التوراة، كما في رسالته. انظر رسالة يعقوب (2: 16ـ20). في مقابل تخلي بولس عن العمل بالشريعة (التوراة) واتخذ لنفسه شريعةً جديدةً وديناً جديداً، أنظر رسالته الاولى الى اتباعه في مدينة كورنثوس (9: 19-23).

ونتيجة الخلافات بين بولس و تلاميذ المسيح قادة اليهود المسيحيين، فقد ظهرت اشارات عديدة الى هذا الخلاف في رسائل بولس وكالتالي:

ـ في رسالة بولس الأولى إلى أهل تسالونيكي افتتحها بذكر اسمه واسم معاونيه سلوانس (سيلا) وتيموثاوس، وهما غير يهوديان من جهة الاب، ولم يذكر بولس في هذه الرسالة أياً من تلاميذ المسيح مثل بطرس وبرنابا ويعقوب وغيرهم.

ـ رسالة بولس الثانية إلى أهل تسالونيكي أفتتحها أيضاً بذكر اسمه واسم سلوانس (سيلا) واسم تيموثاوس فقط دون الإشارة إلى غيرهم من الرسل والتلاميذ.

ـ رسالة بولس إلى أهل غلاطية افتتحهـا بولس بذكر اسمه فقط، وذكـر فيـها صراحة وجود مخالفـين لـه فـي العقيدة انظر (1: 6و7).

ـ رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس ذكر فيها صراحة وجود مؤمنين لا يعترفون بصلب المسيح كما هو حال برنابا في إنجيله، انظر (18:1).

ـ في رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس يذكر فيها بولس صراحة وجود دعوات مخالفة لدعوته من بين أكابر الرسل. انظر (11: 4و5 ). و(11: 13-15) و(11:12) و(8:1).

ـ رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس (15:1) يعترف فيها بتخلي اتباعه في مقاطعة آسية عنه.

لقد مرّت تعاليم بولس بمرحلتين، الاولى هو محاولته اثبات ان تعاليمه هي الصحيحة لأنه تلقاها مباشرة من المسيح، نظراً للخلاف الذي كان قائماً بينه وبين تلاميذ المسيح، والثانية محاولة تلاميذ بولس تجاوز خلاف بولس مع تلاميذ المسيح بأن نسبوا كتابات منحولة الى أسماء بعض تلاميذ المسح وقادة اليهود المسيحيين لإيهام الاجيال الجديدة بأنهم كانوا جميعاً دعوة واحدة وبشارة واحدة وإيمان واحد بالمسيح!!

كتب ديفيد سيلفا وهو يتحدث عن رسالة غلاطية المنسوبة الى بولس: (النقطة الاساسية الاولى التي كان عليه أن يُشدِّد عليها كانت المصدر الإلهي للإنجيل الذي أتى به أصلاً للغلاطيين {غلاطية 1: 11-12}. السبب الأول والأفضل الذي يوجب عليهم مقاومة قيادة المعلمين المنافسين، هو أن بولس اتاهم برسالة الله لهم بشكل دقيق وتام. وكبرهان على هذا التصريح الجريء، ذكّرهم باللقاء الذي قلب حياته رأساً على عقب. لقد كان بولس أكثر غيرة للتوراة مما كان يمكن لمنافسيه أن يكونوا. لقد كان غيوراً للعهد لدرجة انّه اضطهد المسيحيين اليهود باعتبارهم تهديداً لهذا العهد {في تقليد فينحاس ومتاثياس}. لقد شدّد بولس على شخصيته القديمة ليوضّح نقطتين: أولاً، لا أحد يستطيع أن يدّعي المعرفة عن طريقة العيش بحسب التوراة أكثر من بولس، ثانياً، وحدهُ اللهُ حقاً كان بإمكانه تحويل هكذا شخص لما أصبح عليه الآن، كارزاً بإنجيل حرٍّ من التوراة {غلاطية 1: 15-16، 23-24}. غعلان يسوع المسيح الذي اعطاهُ اللهُ لبولس كان تجديداً، وتفويضاً وتوصيلاً للإنجيل بينما كان سيتابع بولس من دون شك العمل بإنعكاسات ذلك التواصل لعقود من السنين، ألحَّ على أنَّ الإنجيل بكُلِّيَّتهِقد اُعطِيَ له هناك في البريّة. فهو بكلمات أخرى، لم يعتمد على أي إنسان ليعلمه عن خطة الله في المسيح. ومن ناحية الدعم أكّد قائلاً إنَّه "لم يستشر لحماً ولا دماً" "ولم يصعد الى اورشليم" للتشاور مع القادة البشريين لحركة يسوع، بل بالاحرى قضى ثلاث سنوات بمفرده {غلاطية 1: 16-17}، كارزاً بالانجيل في مملكة النبطيين. عندها فقط ذهب الى اورشليم ليتعرف ببطرس وليلتقي أيضاً بيعقوب أخي الرب {ولكن ليس بآخرين}، ماكثاً هناك بالكاد أسبوعين. لم يذهب بولس كتلميذ مدرسة بل كرسولٍ نِدٍّ وكواعظ للإنجيل. في هذه المرحلة، استنجد بولس بتعهد رسمي {غلاطية 20:1}، محذّراً إيانا مجدّداً من كونه يبني قضية شبه رسمية، وليس أنَّه كان يشاركنا برحلة إيمانه فحسب. السنوات الإحدى عشرة الى الاربع عشرة {حسب الطريقة التي نعُدّ بها السنوات الأربع عشرة في غلاطية 1:2} قضاها في سوريا وكيليكيا، مما جعله يبقى "مجهولاً" بالوجه بالنسبة للمسيحيين في اليهودية. يُظهر السرد الروائي حتى الآن استقلاليّة بولس عن قيادة أورشليم واعتماده على الله في مأموريته وفي الرسالة التي أعلنها {اول نقطتين اعلاه}. بينما يسرد بولس بإسهاب هذا الاجتماع المنفرد مع يعقوب ويوحنّا وبطرس من ناحية، ونفسه وبرنابا من ناحية أُخرى، ينتقل بولس الى النقطة الثالثة، التي هي بالتحديد مصادقة رُسُل أورشليم على رسوليته ورسالته. أصرَّ بولس على أنَّه ذهب الى اورشليم بناءً على طلب من الله {"بموجب رؤيا"، غلاطية 2:2}، بدل أن يكون تابعاً لرسل أورشليم. وهناك سلّم الإنجيل الذي كان يكرز به {غلاطية 1: 21-24}، جالباً معه مهتدياً أممياً غير مختون يُدعى تيطس {غلاطية 2: 1،3}. لو شعر رسل أورشليم بالحاجة لتصحيح أو لتكميل أية ناحية من إنجيل بولس، لكانت هذه هي المناسبة المؤاتية. بدل ذلك، وعندما رأوا يد الله العاملة في الجهود الإرسالية التي قام بها بولس وبرنابا بمفردهما {غلاطية 8:2}، وعندما فهموا هذا على أنّه انسكاب لنعمة الله وعطفه {غلاطية 9:2}، صادق رسل اورشليم على كون بولس وبرنابا شركاء لهم في الرسالة و"لم يضيفوا شيئاً" على رسالة بولس {غلاطية 6:2}. فلماذا إذّن سيطالب أيٌّ كان الأممبالختان الآن؟ ينبغي أن يأخذ الغلاطيون هذا الأمر كبرهان على أن إنجيل بولس قد حظي بإعتراف رسل أورشليم، مهما قال المنافسون بخلاف ذلك)[4].

نقمة اليهود و"اليهود المسيحيين" على بولس

بعد رحلة بولس الثالثة، بحسب ما جاء في اعمال الرسل، رجع بولس الى اورشليم ليواجه آلاف اليهود المسيحيين الناقمين عليه، نقرأ في اعمال الرسل (21: 18-21) {فاندايك}: (وفي الغد دخل بولس معنا إلى يعقوب، وحضر جميع المشايخ. فبعد ما سلم عليهم طفق يحدثهم شيئا فشيئا بكل ما فعله الله بين الأمم بواسطة خدمته. فلما سمعوا كانوا يمجدون الرب. وقالوا له: «أنت ترى أيها الأخ كم يوجد ربوة من اليهود الذين آمنوا، وهم جميعا غيورون للناموس. وقد أخبروا عنك أنك تعلم جميع اليهود الذين بين الأمم الارتداد عن موسى، قائلا أن لا يختنوا أولادهم ولا يسلكوا حسب العوائد).

وفي الترجمة العربية المشتركة: (انت ترى ايها الاخ كيف ان آلاف اليهود آمنوا وكلهم متعصبون لشريعة موسى وهؤلاء سمعوا أنَّك تُعَلِّم اليهود المقيمين بين سائر الشعوب ان يرتدّوا عن شريعة موسى وتوصيهم ان لا يختنوا اولادهم ولا يَتبَعوا تقاليدنا).

هكذا خاطب يعقوب بولس، ثم طلب منه ان يتظاهر بالعمل بشريعة اليهود ليطمئنهم، فقال له (21: 23-25): (فافعل هذا الذي نقول لك: عندنا أربعة رجال عليهم نذر. خذ هؤلاء وتطهر معهم وأنفق عليهم ليحلقوا رؤوسهم، فيعلم الجميع أن ليس شيء مما أخبروا عنك، بل تسلك أنت أيضا حافظا للناموس. وأما من جهة الذين آمنوا من الأمم، فأرسلنا نحن إليهم وحكمنا أن لا يحفظوا شيئا مثل ذلك، سوى أن يحافظوا على أنفسهم مما ذبح للأصنام، ومن الدم، والمخنوق، والزنا»).

فالمشكلة ليست في المسيحيين الامميين، بل في اليهود المسيحيين في المدن الهلينية الذين كان بولس يعلمهم فعلاً ترك العمل بالتوراة ونبذ شريعتها. ودعوة بولس ضد التوراة وإن لم يذكرها كاتب اعمال الرسل بوضوح الا انها واضحة في تعاليمه المبثوثة في رسائله، فبولس لم يذكر ابداً اهمية تمسُّك المسيحيين من اصل يهودي بالتوراة، وأيضاً كان لا يميّز بين اتباعه المؤمنين بتعاليمه بين من هم من اصل يهودي ومن هم من اصل وثني (اممي) بل كان يخاطب الجميع بتعاليم واحدة وإيمان واحد.

وما نقلناه بصورة مطولة من نصوص عن اعمال الرسل يبين بوضوح ان كاتبه تعمّد عدم الاسهاب والتعمّق في شرح عقيدة بولس وكل ما كان يتكلمه، بحيث يجد القاريء فارقاً واسعاً بين ما نقله من كلام بولس، وبين ما تضمنته رسائل بولس من عقيدة بل من دين جديد كلًيّاً! بل ولم يُشِر مطلقاً في اعمال الرسل لرسائل بولس او انه كان يكتب رسائل للمدن التي زارها او يروم زيارتها او تكونت فيها جماعة مؤمنة بالمسيح! مما يعني ان الفئة المستهدفة من كتابته لسفر اعمال الرسل لم تكن فئة تبشيرية وانما فئة موالية لليهود المسيحيين او قريبة منها، فكان يريد التعمية على حقيقة اقوال وعقيدة بولس بحيث نقل اهون ما يمكن نقله مما لا يثير بشدة الطرف المقابل[5]!!

لقد حاول كاتب اعمال الرسل تجميل صورة العلاقة بين بولس وزعماء المسيحيين اليهود فأخفى حقيقة دعوة بولس كما اخفى حقيقة الخلاف بين الطرفين، وكل ما حاول ان يخفيه نجده ظاهراً أو بقرائن واشارات في رسائل بولس!

برنابا يكشف حقيقة بولس

يشكك عامة المسيحيين في صلاحية انجيل برنابا كوثيقة تاريخية! وقد ناقشنا هذا الموضوع في كتابنا (حقائق انجيلية)، وبيّنا هناك ان جميع الاعتراضات التي يوجهونها الى انجيل برنابا يوجد مماثل لها في أسفار الكتاب المقدس، فبالاحرى ان يعتبروا الكتاب المقدس غير مؤهل كوثيقة تأريخية!

قال برنابا في إنجيله (المقدمة: 2-9): (إنَّ الله العظيم العجيب قد افتقدنا في هذه الايام الأخيرة بنبيه يسوع المسيح برحمة عظيمة للتعليم والآيات التي اتخذها الشيطان ذريهة لتضليل كثيرين بدعوى التقوى، مبشرين بتعليم شديد الكفر داعين المسيح ابن الله ورافضين الختان الذي أمر به الله دائماً، مجوزين كل لحم نجس، الذين ضلّ في عدادهم أيضاً بولس الذي لا أتكلم عنه إلا مع الأسى وهو السبب الذي لأجله أسطر ذلك الحق الذي رأيته وسمعته أثناء معاشرتي ليسوع لكي تخلصوا ولا يضلكم الشيطان فتهلكوا في دينونة الله. وعليه فاحذروا كل أحد يبشركم بتعليم جديد مضاد لما أكتبه لتخلصوا خلاصاً أبدياً).

وقال برنابا ايضاً (222: 1-6): (وبعد أن انطلق يسوع تفرقت التلاميذ في انحاء اسرائيل والعالم المختلفة. اما الحق المكروه من الشيطان فقد اضطهده الباطل كما هي الحال دائماً. فإنَّ فريقاً من الأشرار بشروا بأن يسوع مات ولم يقم وآخرون بشروا بأنه مات بالحقيقة ثم قام، وىحرون بشروا ولا يزالون يبشرون بأن يسوع هو ابن الله، وقد خُدِعَ في عدادهم بولس. أمّا نحن فإنّما نبشِّر بما كتبتُ الذين يخافون الله ليخلصوا في اليوم الأخير لدينونة الله. آمين).

ابرز ملامح عقيدة "اليهود المسيحيين"

إنَّ الخلاف الدائم بين تلاميذ المسيح وبولس ...

وعدم إرشاد يوحنا المعمدان تلاميذه لأتّباع المسيح "الرب" أو "الإله" واستمرار اتباعه فترة طويلة، والى الآن، بإعتراف علماء المسيحية، باتباع يوحنا المعمدان وتعاليمه وإعراضهم عن تعاليم المسيح! ...

والأدلة العقلية التي تمنع قبول ديانة بولس ...

والحقائق التي ذكرها القرآن الكريم المعجزة الدائمية، حول المسيح وأنّه عبد لله ونبي كريم ...

بل وأسم المسيح نفسه، أي انه الممسوح من قبل الرب والمختار من قبله مما يبين بوضوح انّه إنسان مخلوق اصطفاه الله سبحانه ...

وأدلّة اخرى[6]...

تبيّن جميعها أنّ تلاميذ المسيح كانوا يؤمنون بالمسيح كنبي عظيم، وقد شهدوه وهو يرتفع الى السماء ولابد انه اخبرهم بعدم صلبه، واوصاهم التمسك بالعمل بالتوراة والانجيل الذي نزل عليه (ومن هنا جاءت فكرة جمع التوراة والانجيل في كتاب واحد والتي تبناها بعد ذلك اتباع بولس فأصدروا "الكتاب المقدس" بعهديه القديم والجديد!).

كما إنَّ من تعاليمهم العمل بالتوراة لجميع المؤمنين بالمسيح من اليهود والامميين على السواء. وشواهد التاريخ تبين انتشاراً لليهود في بلاد كثيرة قبل ظهور المسيح وان جميع الامميين المعتنقين لليهودية في تلك الفترة كانوا يعملون بالتوراة، منهم اليهود العرب في اليمن ويهود الخزر وغيرهم. فسيرة اليهود مع الامميين المعتنقين لليهودية بقيت نفسها بعد ظهور المسيح، عدا ما ابتدعه بولس حينما نادى بان الامميين لا يجب ان يلتزموا بشريعة التوراة وابرزها الختان.

ومن تعاليمهم الايمان بنجاة المسيح من الصلب وارتفاعه بعد ذلك الى السماء. بخلاف بولس الذي كان يقول: ننادي بمسيح مصلوب.

وربما يكون المسيحيون اليهود هم اول من وصف المسيح بانه (ابن الانسان)، {اقرأ في اعمال الرسل 56:7 استخدامه من قبل اسطفانس اول الشهداء} في مقابل اطلاق بولس واتباعه لقب (ابن الإله) على المسيح! اما ورود هذا اللقب في الاناجيل فلا غرابة فيه لأن الاناجيل جميعها كتبت بعد 65م، اي بعد ظهور هذا اللقب واستخدامه، في اطار منافسة جماعة بولس لليهود المسيحيين ومحاولة سلبهم مصطلحاتهم واعطائها بعداً جديداً وفقاً لعقيدتهم الجديدة تبعاً لبولس!

نيرون و"المسيحيون اليهود"

كان الامبراطور الروماني نيرون ذو شخصية غير مستقرّة، فقد كان عدوانياً الى حد الجنون من جهة، وكان فناناً وذو حس مرهف ومساعداً للفقراء من جهة اخرى!

في "قصة الحضارة" تحت عنوان قيصر والمسيح، نقرأ: (وكان نيرون وقتئذ إلهاً من تلك الآلهة. ذلك أن أحد القناصل المنتخبين اقترح بعد موت اجربينا أن يقام هيكل "لنيرون المألَّه". ولما أن ولدت له بوبيا في عام 63 ابنة توفيت بعد مولدها بقليل أعلن المجلس ربوبية هذه الطفلة، ولما أقبل تريداتس Tiridates ليتلقى من نيرون تاج أرمينية خر راكعاً أمام الإمبراطور وعبده بوصفه الإِله متراس Mithras، ولما أن شاد نيرون بيته الذهبي أقام أمامه تمثالاً ضخماً ارتفاعه مائة قدماً، وفي أعلاه رأس شبيه برأسه، تحيط به هالة من أشعة شمسية دلالة على أنه فيبس أيلو Phoebus Apollo. هذا ما كان يتصوره أمام حقيقته فإنه وهو في الخامسة والعشرين من عمره كان إنساناً فاسداً، منتفخ البطن، رفيع الأطراف، ضعيفها، ضخم الوجه، مجعد الجلد، أصفر الشعر ملتويهِ، عسلي العينين كلتيهما. وكان، وهو كما يزعم إله وفنان، يضايقه ما في القصور التي ورثها من عيوب، ولذلك صمم بناء قصر جديد لنفسه. ولكن تل البلاتين كان مزدحماً بالقصوروكان في أسفله المضمار الأكبر من ناحية، والسوق الكبرى من ناحية أخرى، والأكواخ القذرة الحقيرة من بقية النواحي، وكان يحزنه أن يرى رومة قد نشأت على غير نظام موضوع، بدل أن تخطط تخطيطاً علمياً كالإسكندرية وأنطاكية، ولذلك كان يحلم بأن يعيد بناءها من جديد، وأن يكون هو منشئها الثاني، وأن يسميها نيروبوليس {مدينة نيرون})[7].

وجاء في نفس المصدر قصة احتراق روما: (وحدث في اليوم الثامن عشر من شهر أيلول 64 أن شبت النار في المضمار الأكبر، وانتشرت سريعاً، وظلت مشتعلة تسعة أيام حتى التهمت ثلثي المدينة, وكان نيرون غائباً في أنتيوم Antium حين شبت النار، فلما وصله النبأ أسرع بالعودة إلى رومة فبلغها في الوقت الذي استطاع فيه أن يرى القصور القائمة على تل البلاتين تلتهمها النيران. وكان البناء المعروف بالدومس ترنستوريا (بيت المرور) الذي أقامه منذ زمن قريب ليربط به قصره بحديقة ماسيناس، وكان هذا البناء من أوائل ما تتهدم من الأبنية. ونجت أبنية السوق والكبتول من الحريق كما نجت أيضاً الأحياء الواقعة في شرقي نهر التيبر. أما سائر أجزاء المدينة، فقد دُمر فيها ما لا يُحصى من البيوت والهياكل والمخطوطات النفيسة والتحف الفنية. وهلك آلاف من السكان بين أنقاض المباني المتهدمة في الشوارع المزدحمة، وهام مئآت الآلاف على وجوههم في الطرقات أثناء الليل لا يجدون لهم مأوى يبيتون فيهِ وقد ذهب الرعب بعقولهم، وهم يستمعون إلى الشائعات القائلة بأن نيرون هو الذي أمر بإشعال النار في المدينة، وأنه ينشر المواد الحارقة فيها ليجدد ما خبا منها، وبأنه يرقبها من برج ماسيناس وهو ينشد على نغمة القيثارة ما كتبه من الشعر عن نهب طروادة[8]. وقد قام بجهود كبيرة في قيادة المحاولات التي بذلت لحصر النيران أو التغلب عليها، وإغائة المنكوبين، وأمر بأن تُفتح جميع أبواب المباني العامة والحدائق الإمبراطورية ليلجأ إليها المعدمون، وأقام مدينة من الخيام في ميدان المريخ، وأمر بالاستيلاء على الطعام من الإقليم المجاور للمدينة، ووضع الخطط الكفيلة بإطعام الأهلين. وصبر على ما ووجه إليه الشعب الهائج الحانق من تهم وطعون. ويقول تاستس (وهو الرجل الذي يجب ألا ننسى قط تحيزه لأعضاء مجلس الشيوخ) إنه أخذ يتلفت حوله ليجد من يستطيع أن يلقي عليه التهمة حتى وجده في: "طائفة من الناس يحقد عليهم الشعب لأعمالهم الخبيثة، ويسمون غالباً بالكرستياني Chrestiani (المسيحيين). والاسم مشتق من كرستس Chrestus وهو اسم رجل عذبه بنتيوس بيلات Pontius Pilate المشرف على الشؤون المالية في بلاد اليهود في عهد تيبيريوس. وكان ما حل به من العذاب ضربة شديدة وجهت إلى الشيعة التي أوجدها هذا الرجل، وبفضل هذه الضربة وقف نمو هذه الخرافات الخطيرة إلى حين، ولكنها لم تلبث أن عادت إلى نشاطها وانتشرت انتشاراً سريعاً قوياً في بلاد اليهود ... وفي مدينة رومة نفسها، وهي مستودع الأقذار العام الذي ينساب إليه كل ما هو دنئ ممقوت انسياب السيل المنحدر من أقطار العالم. ولجأ نيرون إلى أساليبه المعهود في الحيل، فعثر على جماعة من الفخار والسفلة الأراذل، وأغراهم بمختلف الوسائل على أن يعترفوا بأنهم هم مرتكبو الجريمة النكراء؛ وبناء على اعتراف أولئك السفلة أدين عدد من المسيحيين، ولم يصدر الحكم عليهم على أدلة واضحة تثبت أنهم هم الذين أشعلوا النار في المدينة، بل أدينوا لأنهم يكرهون الجنس البشري كله. واستخدمت في إعدامهم أفانين من القسوة المتناهية، ولم يكتف نيرون بتعذيبهم بل أضاف إلى هذا التعذيب السخرية منهم والازدراء بهم، فألبس بعضهم جلود الوحوش وتركوا تلتهمهم الكلاب، وسمر غيرهم في الصلبان، ودفن الكثيرون منهم أحياء، ودهنت أجسام البعض الآخر بالمواد الملتهبة وأشعلت فيها النيران، ولتكون مشاعل في الليل ... وفي آخر الأمر أفعمت هذه الوحشية قلوب الناس جميعاً رأفة ورحمة، ورقت هذه القلوب أسى على المسيحيين. ولما أزيلت الأنقاض أخذ نيرون يعيد بناء المدينة كما صورتها له أحلامه والغبطة بادية في أسارير وجهه. وطلب إلى كل مدينة في الإمبراطورية أن تقدم معونتها لها الغرض، أو أرغمت على تقديم هذه المعونة، واستطاع الذين دمرت بيوتهم أن يبينوا لهم بيوتاً جديدة بعد أن أمدهم بالمال المتجمع من هذه المعونة. وشقت الشوارع الجديدة مستقيمة متسعة، وشيدت واجهات المنازل الجديدة وطبقاتها الأولى من الحجارة، وجعلت بينها وبين غيرها من المباني المجاورة لها فواصل تمنع انتشار النار من بناء إلىآخر. وشقت تحت الأرض مجار تنساب فيهامياه العيون السفلى إلى خزان يحتفظ فيه بالماء ليُستعان به على إطفاء النار في المستقبل. وشاد نيرون من أموال الخزانة الإمبراطورية عقوداً ذات عمد على جانبي الشوارع الرئيسية في المدينة، لتكون مداخل مسقوفة ظليلة لآلاف من البيوت. وأسف المولعون بالقديم، كما أسف الشيوخ المسنون، على ما كان في المدينة القديمة من مناظر جميلة خلع عليها الدهر هالة من الرواء والتقديس، ولكنهم لم يلبثو أن أجمعوا على أن رومة جديدة قد خرجت من بين اللهب أصح وآمن وأجمل من رومة القديمة)[9].

فالمصدر يتحدث عن اتهام نيرون للمسيحيين، ولكن لم يبين من هم اولئك المسيحيون المتهمون! هل هم من اليهود المسيحيين ام من اتباع بولس معتنقي ديانة المسيحية!

لقد كان اليهود منتشرين في روما، نتيجة هجراتهم او جلبهم كأسرى أو مسبيين لعدّة مرّات، وقد تأثروا جيلاً بعد آخر بمظاهر الحياة الهلينية، وانغمسوا في المجتمع الروماني، غير ان ارساليات "اليهود المسيحيين" بزعامة بطرس وجهود بطرس نفسه في روما ادت الى احداث صحوة بين اليهود دفعتهم للتمسك بتعاليم الشريعة بالاضافة الى الايمان بالمسيح، وهذا ما جعلهم يعيشون في عزلة مع المجتمع الذي يعيشون فيه نتيجة تجنبهم الطقوس والاطعمة ومظاهر الحياة الوثنية. ولذلك فإنَّ المسيحيين الذين اتهمهم نيرون بحرق روما هم "اليهود المسيحيين" الذين هم في غالبيتهم من اتباع تلاميذ المسيح بزعامة بطرس، مع القلّة من اتباع بولس الذين هم من اهل روما أيضاً من ذوي الاصول الوثية. ولاسيما ان اتباع بولس اليوم يقولون بأنَّ بطرس قد اُرسِلَ لتبشير اليهود في مقابل تبشير بولس للوثنيين، وفي نفس الوقت يقولون ان كنيسة روما قد اسسها بطرس، مما يعني ان كنيسة روما كانت في غالبيتها من اليهود المسيحيين.

اشكالات الاسفار المسيحية الحاملة لأسماء تلاميذ المسيح

مما لجأت اليه الكنائس والمجامع الاولى للايهام بأنَّ بشارة بولس وعقيدته هي نفس بشارة وعقيدة المسيح وتلاميذه قادة اليهود المسيحيين، انهم وضعوا كتابات منحولة بأسم بعض رموز اليهود المسيحيين وخصوصاً من تلاميذ المسيح! بل ونسبوا لهم قصص وحكايات واقوال ضمّنوها في تلك الكتابات ليستكملوا مهمة إيجاد أصالة لدعوة بولس وربطها بدعوة المسيح! فالكل يعلم – الآن وآنذاك – أنَّ الظهور الايماني الفجائي لبولس وادعائه البشارة بالمسيح دون ان يكون له ارتباط مباشر ومستمر بتلاميذ المسيح من قادة اليهود المسيحيين، كان دائماً يثير علامات الشك والاستفهام في اذهان المتلقين لبشارة بولس!

فلننظر الاسماء التي حملتها اسفار العهد الجديد[10] وهل هم حقاً من تلاميذ المسيح وقادة اليهود المسيحيين؟

كتبة الاناجيل:

§ متّى: قيل أنَّه أحد الاثني عشر تلاميذ المسيح (مرقس 3: 14 و18)، لديه اسم آخر الى جانب (متّى) وهو (لاوي)! فهو شاهد عيان على إنجيل المسيح ومعجزاته وحياته. كُتِبَ إنجيل متى باللغة الآرامية ثم تُرجم الى اليونانية وفُقِدَ الأصل الآرامي، ولا نعرف مدى مطابقة إنجيل متى اليوناني الحالي مع نسخة إنجيل متى الآرامي المفقود! ولماذا فُقِدَت جميع نسخه الآرامية كما فُقِدَت جميع كتابات اليهود المسيحيين بالآرامية!

اما الادعاء بأنَّ لأغلب تلاميذ المسيح اسمين، فلماذا كان للمسيح وليوحنا المعمدان ولمريم ام المسيح ومريم المجدلية أسم واحد!! ولماذا نجد ظاهرة الاسمان فقط في اتباع بولس؟!!

فهل حقاً ان متى ولاوي هما اسمان لشخص واحد ام انهما شخصان مختلفان ؟!

§ مرقس: قيل أنَّ لديه اسمين الاول عبري وهو (يوحنا) والثاني لاتيني وهو (مرقس)! لم يكن من الاثني عشر، وذكر بعض المؤرخين المسيحيين الاقدمين انه كان من التلاميذ الاثنين والسبعين الذين ارسلهم يسوع اثنين اثنين (لوقا 1:10). وزعم آخرون انه الشاب الذي تبع يسوع لما اخذه اليهود في بستان الزيتون. "ومما لا شك فيه ان مرقس من اسرة كان بينها وبين الرسل والمسيحيين الاولين صلات وثيقة". وكان "بعض الاقدمين سموا انجيله مذكرات بطرس"! واتضح لعلماء المسيحية المعاصرين "ان شخصية بطرس تظهر فيه اوضح منها في سائر الاناجيل مما يؤيد صلات انجيل مرقس بتعليم بطرس رئيس الرسل"!

وقال بابياس ان مرقس الذي كان مترجم بطرس لم يسمع المسيح (الرب بحسب تعبيره) ولم يكن واحداً من اتباعه ولكنه اصبح لاحقاً واحداً من اتباع بطرس[11].

ويروي كاتب اعمال الرسل في (39:15) أنَّ مرقس هو سبب الخلاف بين بولس وبرنابا وافتراقهما، حينما رفض بولس ان يصحبهما في رحلتهما. ولذلك فحينما نقرأ في رسالتا بولس الى اتباعه في مدينة كولوسي (10:4) والى صاحبه فيلمون (24)، فقد يكون هذا اضافة لاحقة من قبل النسّاخ أو قد يكون المقصود به شخص آخر من اتباع بولس حمل نفس الاسم.

ويقول ديفيد سيلفا ان عدداً من مرافقي بولس ذهب في طريقه المنفصلة عن بولس ومنهم مرقس وديماس، و"لأسباب تبقى غامضة"[12]!

§ لوقا: وُلِدَ من ابوين يونانيين، اي انه ليس من بني اسرائيل! وينسب اليه التقليد الكنسي كتابة الانجيل المعروف بأسمه. يقول ديفيد سيلفا: (انَّ لوقا لم يكن رفيق السفر الوحيد لبولس والذي كان يمكن ان يكون موجوداً في تلك المراحل من القصّة. مجدّداً، نحن نعتمد على تسمية لوقا من قبل التقليد الكنسي المبكّر لنستبعد أهلية مرشحين أمثال أبِفرَاس Epaphras)[13].

§ يوحنا: قالوا انه يوحنا بن زبدى احد التلاميذ الاثني عشر! وذهب ريموند براون Raymond Brown الى القول بأن إنجيل يوحنا كُتِبَ على خمس مراحل[14]! فهل هذه المراحل الخمس هي لكاتب واحد ام لكتّاب متعددين؟!

وقد نسب كاتب القانون الموراتُوري الانجيل الرابع الى يوحنا بن زبدي[15]، فلماذا لا نجد في مخطوطات العهد الجديد او مخطوطات هذا الانجيل او حتى النسخ المطبوعة عنوان (انجيل يوحنا بن زبدي) ويكتفون بعنوان (انجيل يوحنا) سوى انهم غير متأكدين من شخصية كاتبه أو ان هناك بين الكنائس أو علماء اللاهوت خلاف حول شخصية كاتب هذا الانجيل!

يقول ديفيد سيلفا: (العديد من دارسي الانجيل الرابع لا يستطيعون أن يقبلوا ببساطة مزاعم التقليد أولاً، يُظهر إيريناوُس نفسه بعض التشويش حيال معرفته بـ "يوحنا" فمن ناحية، يزعم أنّه كان تلميذاً لبوليكاربُوس في شبابه {اوائل القرن الثاني}، ويُعرف عن بُوليكاربوُس كتلميذليوحنا الرسول. ولكنه يزعم أيضاً أنَّ بابياس كان تلميذاً ليوحنا الرسول [Haer. 5.33.4] بينما في حالة بابياس، يوحنا هو يوحنا "الشيخ" وليس الرسول {تاريخ الكنيسة ليُوسِيبيُوس} [Eusebius Hist. Eccl. 3.39.4]. إن كان إيريناوُس على خطأ بخصوص بابياس، فقد يكون على خطأ أيضاً بخصوص معلِّم بُوليكاربُوس. علينا أن نتذكر أيضاً أنَّ القُبول أو الرغبة بترويج نص على أنّه مستقيم أو صحيح، أدّى الى نَسبِ التأليف الرسولي {وليس دائماً بالعكس} فيما يتعلَّق بيوحنا بالتحديد. كان إيريناوُس وآخرون يحاولون جاهدين إعادة المطالبة بالنص للشهادة الرسولية، بوجه الاستخدامات الناشطة للنص من قبل الغنوصيين المسيحيين لترويج معتقداتهم الخاصة بهم). ويستمر بالتحدث عن الموضوع ليتناول الدليل الداخلي، أي من الانجيل نفسه، على شخصية كاتبه، فيقول: (الدليل الداخلي نفسه لا يقودنا من دون غموض لنُعرِّف التلميذ المحبوب بأنَّه يوحنّا بن زبدي. فإبنا زبدي نفساهما ذُكِرا مرة واحدة فقط {يوحنا 2:21}. صار التلميذ المحبوب يُعرف بأنّه يوحنا، من خلال عملية تفكير تشوبها المشاكل. فبعد ملاحظة الربط بين بطرس ويوحنا في أعمال 3-5 والربط بين بطرس والتلميذ المحبوب في يوحنا 20-21، الأعمال هو نتاج أدبي لمؤلف مختلف} حقاً)، الى ان يقول: (إنَّ حقيقة أنّ لعازر هو الشخص الوحيد الذي عُرفَ عنه صراحة بأنّه "الذي يحبه يسوع" {يوحنا 11: 3،36} أوحى للبعض بأنَّ لعازر كان هو التلميذ المحبوب. فهل كان بقُربِ يسوع على المائدة المذكورة في الاصحاح 13، لأنَّه كان يستضيف الوليمة في منزله في بيت عنيا؟ التوقع بأنَّ التلميذ المحبوب لن يموت سيكون معقولاً خاصة إن كان هو الذي أقامه يسوع من الموت،مما أشاع الظن أنَّه أصبح مشاركاً بالحياة الأبدية التي لن تنتهي. كان هذا سوء فهم، لكنه أصبح الآن معقولاً أكثر. ربما كان لعازر وربما لم يكن التلميذ المحبوب، ولكن الدليل الداخلي يشير إليه بشكل معقول أكثر من ابن زبدي، الذي قد يلعب حقاً دوراً طفيفاً جداً في هذا الإنجيل)[16]. إذن "إنجيل لعازر" تحول بطريقة ما الى "إنجيل يوحنا" كما يذهب إلى ذلك بعض علماء المسيحية!

وبمناسبة الكلام عن إنجيل يوحنا فقد وجدنا ديفيد سيلفا يتحدث عن علاقة إنجيل يوحنا بالغنوصية، يقول: (لقد مكن اكتشاف مكتبة نجع حمادي عام 1945، وهي مجموعة هامّة من الكتب الغنوسطيّة[17]، الدارسين من النظر عن كثب أكثر الى الارتباطات بين يوحنا والغنوسطيّة)[18]. ويقول: (عامل آخر لا ينبغي إهماله هو توسّط الأفكار اليونانية-الرومانية عبر اليهودية الهلينية. لقد مزج فيلو الاسكندري الفكرة الرواقية عن اللوغوس مع المفاهيم اليهودية عن الله كخالق وكمغذي للخليقة، مستخدماً وسيطاً لإنجاز الإثنين. لهذا فسّر فيلو اللوغوس الرواقي في ضوء تقليد الحكمة في مرحلة ما بين العهدين، الذي وفَّرَ مجدَّداً خلفية أساسية لتقديم يوحنا للوغوس {وللكريستولوجيا المسيحية المبكرّة بشكل أكثر عموميّة، كما في كولوسي 1: 15-20 وعبرانيين 1: 1-4})[19].

وقد تحدثنا في مقالنا السابق (مع بولس في رسائله) عن ان فكرة المسيح الرب عند بولس هي فكرة مرتبطة بالغنوصية، فهو يؤمن بان المسيح هو المولود الوحيد من الإله ، بنفس طريقة الصادر الاول والوحيد الذي يصدر عن الإله وبه يخلق الكون عند الغنوصيين.

فمن الواضح ان كاتب هذا الانجيل من ثقافة مختلفة عن ثقافة تلاميذ المسيح، فحتى لو نسبوه الى احد تلاميذ المسيح فإن محتواه الغنوصي يكشف عن بُعد مؤلفه عن كونه من تلاميذ المسيح.

كتبة الرسائل:

§ بولس: اسمه الروماني بولس واسمه العبراني (اليهودي) هو شاول الطرسوسي، وهو يهودي من سبط بنيامين. وكان من اشد مضطهدي اليهود المسيحيين قبل ان ينقلب حاله فجأة الى الايمان بالمسيح بطرقة جديدة عبَّر عنها برسائله، وهو ان المسيح هو الرب المولود من الاله.

يقول ديفيد سيلفا: (فبولس مثلا لا يقدم نفسه كمستحدث أو كمخترع لديانة سرّية أو لمجموعة دينية جديدة. بل يُجذّر باستمرار عمله الإرسالي وإيمانه الشخصي في التعبير التاريخي عن إيمان اسرائيل)[20]. فاتباع بولس قديماً وحديثاً دائماً يريدون طمس حقيقة انقطاع دين بولس عن دين المسيح وبطرس وبقية اليهود المسيحيين، فيلجأون الى افكار وعبارات، مثل هذا النص آنفاً، في محاولة لايجاد تجذير لدين بولس في دين المسيح! فسرّية دين بولس في نشأته واستحداثه واستحداث مصادره وافتقارها الى الاصالة والارتباط بالمسيح، هي عوامل تطارد الفكر المسيحي في كل قرن! ولذلك نجد عدد كبير من المسيحيين يعترفون على الاقل ان بولس هو مؤسس المسيحية، يقول ديفيد سيلفا: (إذا قمتَ باستطلاع الكتب المسيحية في قسم الدين في مكتبة كبيرة، سيكون بإمكانك دائماً تقريباً أن تجد كتاباً يعِد بأن يبرهن أنَّ بولس، بعد أن غيّر يسوع من معلم يهودي الى شخصية نصف وثنية، كان المؤسس الحقيقي للمسيحية. كتب كهذه هي مجرّدُ الاظهار المتطرف (وبالأحرى المثير) للملاحظات المقدَّمة غالباً بأنَّ بولس، من جهة، لا يبدو مهتماً بتعاليم يسوع كما كُنّا نتوقع، ومن جهة أخرى، بأنَّ بولس هو أكثر اهتمام جداً بشخصية يسوع، وبمغزى موتهِ وقيامتهِ، مما كان يسوع نفسه)[21]!

وكان بولس ايام يهوديته رغم تشدده ومطاردته لليهود المسيحيين وتعذيبهم الا انَّه كان قد تأثّر بالثقافة الهلينية، ولذلك نجده كان يتخذ أسمين الاول يهودي والثاني رومانين والثاني هو الذي اشتهر به! كما انه كان يعلِّم اليهود في مدن الثقافة الهلينية ان ينبذوا الالتزام بشريعة التوراة ومظاهر الحياة الدينية الاجتماعية اليهودية.

ولبولس اربع عشرة رسالة ضمن أسفار العهد الجديد، لكن هناك اربعة منها فقط هي مؤكدة النسبة اليه بحسب ما يقول بعض علماء المسيحية، والرسائل الأخرى يحتملون ان تلاميذه هم الذين كتبوها. فعلى سبيل المثال يذكر ديفيد سيلفا ان تيموثاوس أو سيلا قد ساهما في وضع إطار لرسائل تسالونيكي وفي كتابتها[22]!

§ يعقوب: ليس هو يعقوب بن زبدى اخا يوحنا، بل هو شخص آخر اسمه يعقوب الصغير ذكره متى (55:13) في عداد من سماهم اخوة السيد المسيح. فهو من اليهود. وكان ليعقوب اخ اسمه يوسف أو يوسى. ويعقوب هو أول اساقفة كنيسة اورشليم. وإليه تنسب اول الرسائل المكتوبة في العهد الجديد. وقيل ان كاتبها هو يعقوب بن حلفي أحد التلاميذ الاثني عشر[23].

في "الكتاب المقدس الدراسي" نقرأ: (يعقوب. كاتب رسالة يعقوب وقائد كنيسة أورشليم (انظر غل 19:1 والتعليق، 9:2). ويدعى رسولاً مع انه لم يكن من الاثني عشر)[24].

يعقوب ضد تعاليم بولس: في اعمال الرسل (14:15) يتحدث يعقوب عن (الله) سبحانه، وكذلك في أع (19:15) تحدث عن (الراجعين إلى الله من الأمم) بحسب ترجمة الفاندايك، وفي ترجمة الكاثوليكية: (الذين يهتدون الى الله من الوثنيين).

هذه هي اسس دعوتهم التوحيدية التي نقلها كاتب اعمال الرسل، وهو ما كانوا يدعون اليه اليهود اليونانيين، قبل حدوث الافتراق بين برنابا وبولس. بينما نقرأ في رسالة يعقوب (1:1) و(1:2) تعبير (الرب يسوع المسيح) و(ربنا يسوع المسيح)! ويمكن ان تكون الترجمة الصحيحة هي (السيد يسوع المسيح) و(سيدنا يسوع المسيح) كما في ترجمة الاصدار الانجليزي للكتاب المقدس والمسمى {The Message (MSG)}[25].

§ بطرس: واسمه سمعان (يسميه المسلمون شمعون الصفا)، وهو يهودي من بني اسرائيل، ومن اشهر التلاميذ الاثني عشر الذين اختارهم المسيح، واطلق عليه المسيح لقب (بطرس) أي صخر. وكان له أخ يدعى اندراوس. وهو خليفة المسيح وقائد اليهود المسيحيين بعد رفع المسيح (عليه السلام).

وينسبون للمسيح انه قال له كما في إنجيل متى (18:16) {الكاثوليكية}: (انت صخر وعلى هذا الصخر سأبني كنيستي، فلن تقوى عليها أبواب الجحيم)، وقال له كما في انجيل يوحنا (21: 15و16و17): (ارع خرافي) ثلاث مرات.

كما انهم ينسبون للمسيح انه انبأ بطرس (سمعان) انه سينكره ثلاث مرات بعد القاء القبض عليه، ففي انجيل لوقا (22: 31-34): (وقال الرب: «سمعان، سمعان، هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة! ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك. وأنت متى رجعت ثبت إخوتك». فقال له: «يا رب، إني مستعد أن أمضي معك حتى إلى السجن وإلى الموت!» فقال: «أقول لك يا بطرس: لا يصيح الديك اليوم قبل أن تنكر ثلاث مرات أنك تعرفني»). ونحن نستشف ان هذه كانت وصية لبطرس لينكر المسيح لكيلا يرمي نفسه في تهلكة القتل مع ما له من دور عظيم في استمرار البشارة، نظراً لعزم احبار اليهود آنذاك على قتل المسيح وجميع اتباعه. فأوصى المسيح بطرس ان ينكره وسيكون ذلك ثلاث مرّات. وهذا الامر لضمان استمرار البشارة بعد رحيل المسيح.

ويقول بولس واتباعه ان المسيح بعد القيامة ظهر اول مرة لبطرس، كما في رسالة بولس الاولى الى اتباعه في كورنثوس (5:15)، وكما في انجيل لوقا (34:24)، ولوقا هو من اتباع بولس ايضاً، حيث جاء فيه انَّ المسيح ظهر لأثنين من التلاميذ واسم احدهما كليوباس فذهبا الى التلاميذ الاثني عشر وقالا لهم: (إن الرب قام بالحقيقة وظهر لسمعان!) رغم ان الاحداث قبل ذلك، في نفس الموضع، لا تذكر انه ظهر لبطرس! فإذا صح ان المسيح اول ما ظهر لبطرس فهو يدل على علو شأن بطرس، كيف لا وهو وصيه وخليفته في اتباعه.

وينسبون لبطرس القول بأن المسيح رب! وقد ورد في اعمال الرسل (11:15) كلام منسوب لبطرس في مجمع سنة 49/50م، النص: (بنعمة الرب يسوع المسيح نؤمن أن نخلص كما أولئك أيضا) وفي أعمال الرسل (26:15): (ربنا يسوع المسيح).

وهذا النص يحتمل عدّة امور:

1. انه مكذوب على بطرس، وقد كان بولس يجيز الكذب من اجل البشارة!!

ففي رسالة بولس الى اتباعه في مدينة رومية (7:3) {فاندايك} يقول: (فإنه إن كان صدق الله قد ازداد بكذبي لمجده، فلماذا أدان أنا بعد كخاطئ؟). وقد تجنَّب اصدار "الكتاب المقدس الدراسي" التعليق على هذه العبارة! وكذلك تجنب التعليق عليها كل من: الطبعة الكاثوليكية للعهد الجديد، الطبعة اليسوعية للكتاب المقدس، الخوري بولس الفغالي في الطبعة الرعائية للعهد الجديد، و"التفسير التطبيقي للكتاب المقدس"! وهذه العبارة تعني بوضوح جواز الكذب من اجل الانتصار للبشارة والإيمان!! فكيف ستكون هناك ثقة بكلام بولس او بغيره من القساوسة ورجال الدين المسيحيين!! وكيف نثق ان بطرس قد قال هذه العبارة المنسوبة اليه فعلاً؟!![26]

2. إنَّ كلمة (الرب) يمكن ان تحمل على معاني واسعة كقولنا رب الاسرة ورب البيت ورب العمل الخ، وبذلك يمكن أن تحمل هذه الكلمة على معنى لا يُقصد به معنى الإلوهية أو تدبير الكون، كأن يكون رب الجماعة المؤمنة به، بإعتبار أنَّهم يعتبرون الكنيسة كأسرة واحدة يكون ربها المسيح (رب الأسرة)!

3. في طبعة الكتاب المقدس [THE MESSAGE (MSG)] الانجليزية، ترجموا النص هكذا: (the Master Jesus) اي (السيد يسوع)، و(our Master Jesus Christ) اي (سيدنا يسوع المسيح)، على التوالي. ولا ننسى ان كاتب هذا الكلام يفترضون أنَّه لوقا احد اتباع بولس والمؤمن بعقيدته، فيمكن انه استخدم هنا صفة الرب من عنده لا كما قالها بطرس واكابر الرسل حينذاك. وقرينة ترجيح ترجمة (السيد) على ترجمة (الرب) في النصّين السابقين هو ان المسيحيين العرب غالباً ما يستخدمون تعبير (السيد المسيح) في كلامهم[27]، فمن اين جاءوا به سوى من مثل هذه النصوص في العهد الجديد.

اما بخصوص الرسائل المنسوبة الى بطرس ضمن أسفار العهد الجديد، فهناك عدّة حُجج جعلت بعض علماء المسيحية يشككون بصحة نسبة الرسالة الاولى الى بطرس، وهي ما ذكره ديفيد سيلفا، نذكر حججهم وهي كالتالي:

أ- يوصف بطرس في اعمال الرسل (13:4) بأنه شخص غير متعلم وغير متدرّب، ويُذكر على انه بحاجة الى مرقس كمترجم في روما (ولكن هل بهدف الترجمة اليونانية أم اللاتينية؟) بينما مؤلف بطرس الاولى يستخدم اليونانية بإتقان.

ب- يقتبس كاتب رسالة بطرس الاولى من نص الترجمة السبعينية بدلاً من النصوص العبرية أو الآرامية المعروفة، ما يعتبر غير متلائم مع خلفية بطرس الجليلية!

جـ - معرفة مؤلف الرسالة بيسوع مماثلة لمعرفة أي قاريء للأناجيل، حيث يغيب عن الرسالة أيّة استذكارات لشخصية يسوع المسيح!

د – تتناغم وتتآلف بعمق مع رسائل بولس موحية بذلك الى ان مؤلفها متأثآسيا الصغرى في وقت لاحق من القرن الأول وحتى في القرن الثاني.

يقول ديفيد سيلفا: (لمَّحت هذه الحُجج مجتمعة للكثير من العلماء أن بطرس الأولى كُتِبت من قبل شركاء بطرس في كنيسة روما الذين بقوا أحياء (بمن فيهم مرقس وسلوانس)، فبسبب وعيهم لعمق دَينِهِم لبطرس بتنشئتهم الخاصة، وبسبب إيمانهم بأنَّه سيُمكنّهم نقل تعليم الرسول وذهنه واهتمامه الراعوي بدقة، لأجل منفعة المسيحيين في الأراضي النائية (حتى بينما سيستمرون بالعمل في روما شفهياً)، نسبوا التأليف النهائي للرسالة الى قائدهم المتوفي). لا تزال الرسالة تحتوي على تقاليد وتعاليم بطرسية، أوصلها شركاء الرسول الأصغر عمراً)[28]. ثم يذكر حجج مضادة تؤكد كتابة بطرس لهذه الرسالة!! ولا تعنينا هذه الحجج القائمة على افتراض وجود مخزون مشترك بين فكر بطرس وفكر بولس مع اننا وجدنا الخلاف مستعراً بين بولس من جهة وبين بطرس وبقية تلاميذ المسيح من جهة أخرى، كما بيناه آنفاً! وتتذرّع تلك الحجج بانَّ بطرس عاش 30 سنة في بلاد اليونان والبلاد ذات الثقافة الهلينية فمن الطبيعي انه طور لغته او استعان بمن بجيد اليونانية، ومن الطبيعي بعد تلك السنوات ان يرجع للاستشهاد بنصوص من السبعينية بدلا من العبرية او الآرامية التي تعلمها في صدر شبابه! فلا أحد فيهم سواء الموافق لتلك الحجج او المضاد لها يتذكر ان هناك نصاً في اعمال الرسل يبين ان معجزة حصلت جعلت تلاميذ المسيح يتحدثون بلغات شتى، مما يدل على انهم لا يعطون لتلك المعجزة جديتها في عالم الواقع[29]!! فإذا كانوا هم أنفسهم لا يعطون لنصوص العهد الجديد المصداقية المطلوبة فكيف إذن يمكن ان نتعامل معه على نحو من مصداقية!!

وأما بخصوص رسالة بطرس الثانية، فيتحدث ديفيد سيلفا عن كونها من الرسائل المنحولة، أي ان هناك شخصاً مجهولاً قد كتبها بأسم بطرس، فقال: (إنَّ مستمعي بطرس الثانية، خاصة أولئك الذين ينتمون للتراث اليهودي، ربما كان متوقعاً منهم أن يميّزوا هذه الإشارات العامة ويفترضوا أنَّ الرسالة كانت حقاً منحولة)[30]! ثم يقول: (حاول قائد مسيحي مجهول الهوية أن يحافظ على الرسالة الرسولية لجيل جديد ويدافع عنها. بصوت بطرس، يدافع هذا المؤلف عن التعليم الرسولي الذي استلمه ضد المعلمين المنافسين الذين يروّجون بدعهم الخاصة ويُهددون تمسك الكنائس بالتراث الذي أورثهم إياه بطرس وأترابه)[31]!

فلا يثبت وجود شيء من التراث اليهودي المسيحي الحقيقي لبطرس في العهد الجديد.

§ يوحنا: في التقليد المسيحي أنَّ كاتب الرسائل الثلاثة هو نفس يوحنا بن زبدى المنسوب اليه الانجيل الرابع! وذكر ديفيد سيلفا انه في زمن مبكر يرجع حتى الى يوسيبيوس كانوا ينسبون رسالتا يوحنا الثانية والثالثة الى يوحنا الشيخ ورسالة يوحنا الاولى والانجيل الى يوحنا الرسول[32]! وقد ذكرنا في فقرة سابقة ان اسلوب وثقافة انجيل يوحنا الغنوصية تجعل من المستبعد ان يكون كاتبه احد تلاميذ المسيح، فإذا كان كاتب إنجيل يوحنا ورسالة يوحنا الاولى هو شخص واحد فهو بالتأكيد ليس أحد التلاميذ الاثني عشر. اما رسالتا يوحنا الثانية والثالثة فإذا كان كاتبهما هو يوحنا الشيخ فقد تبين انه لا علاقة لهما بتراث اليهود المسيحيين.

§ يهوذا: اخو يعقوب الصغير اسقف اورشليم وكاتب اولى رسائل العهد الجديد، وقد مرَّت ترجمته. وهناك من ذهب الى انه احد الاثني عشر وانه سُمي حيناً تداوس، ولا يعرفون عنه شيئاً أكيداً، وقيل انه بشّر بالانجيل اهل فلسطين ثم بلاد ما بين النهرين وفارس العرب!

يناقش ديفيد سيلفا اصالة نسبة رسالة يهوذا الى يهوذا أخي يعقوب[33]، يقول: (ولكن هل كَتَبَ يهوذا فعلاً هذه الرسالة أم أنَّها كُتبت باسمه من قبل شخص ينتحل سلطته ويتكلم، كما كانت الحال، بالنيابة عنه في وضع لاحق لموت يهوذا؟)... ثم يضعف بعض الادلة ويقوي ادلة اخرى، وابرزها حجة اللغة، فيقول: (هناك تحدٍ أكثر إقناعاً ضد أصالة الرسالة ونسبتها ليهوذا، الذي يُركّز على مَلَكَة اللغة اليونانية، في كل من تنوّع المفردات وتناسق الأسلوب. كثيرون يجدون هذا غير متلائم مع تأليف الرسالة على يد ابنٍ صغير لعائلة حرفي جليلي، رغم ان الحرفيين الجليليين يمكن ان يُتوقع منهم أن يعرفوا ما يكفي من اليونانية ليُصرّفوا أعمالهم مع غير اليهود الذين كانوا يعيشون في مدن تلك المنطقة، خاصة قوات الإحتلال الروماني، ولكن من غير المحتمل جداً أن تكون خلفية كهذه قد اهّلت يهوذا ليكتب رسالة منمّقة مثل هذه. على أيّة حال، تفترض هذه الحجة أن يهوذا لم يكن قادراً على اكتساب طلاقة في التأليف اليوناني خلال عقود سني عمله في أورشليم ونشاطاته الإرسالية {أنظر الى 1كورنثوس 5:9، حيث يشير بولس الى "إخوة الرب" الذين كانت ترافقهم زوجاتهم خلال عملهم الإرسالي}. إنّ قوة إقناع الحجة بناءً على الأسلوب والإملاء، هي بالتالي متناسبة مع الحدود التي نضعها على قدرة يهوذا بأن يتعلم مهارة التواصل بلغتين في حياته الجديدة كقائد لحركة دينية)[34].

إذن من غير المعقول أن يكون يهوذا هو كاتب الرسالة، لاسيما وعلماء المسيحية مصرّون على انه ليس هناك اصل آرامي لرسالة يهوذا – ولا لبقية أسفار العهد الجديد المكتوبة جميعها باليونانية عدا إنجيل متى – أي انَّه إذا كان كاتب رسالة يهوذا هو يهوذا فعلاً فكيف تعلَّم هذه اللغة اليونانية المتقنة المكتوبة بها رسالة يهوذا؟!! هذا غير معقول، وهو من الادلة الواضحة على انَّ كاتب رسالة يهوذا هو شخص آخر لغته الأم هي اليونانية أو على الأقل ذو ثقافة يونانية عالية.

كاتب الرؤيا:

§ يوحنا اللاهوتي: يقول التقليد المسيحي أنَّه نفس يوحنا المنسوب اليه الانجيل الرابع والرسائل الثلاثة! لكن الأب بولس الفغالي يقول إنَّ (الدراسات الحديثة قدّمت رأياً آخريجعل الكاتب من اليهود الذين اعتنقوا الايمان المسيحي، وحدّدت موضع الكتاب بين سنة 92-96، أي في نهاية حكم الامبراطور دوميسيانس)[35].

إذن لا يمكن التحدث بإطمئنان ويقين، انَّ أسفار العهد الجديد المنسوبة الى قادة اليهود المسيحيين من تلاميذ المسيح هم فعلا مَنْ كتبوها.

هذه ملامح من تاريخ "اليهود المسيحيين" الذين هم التلاميذ الحقيقيين للمسيح (عليه السلام) والذين هم على نهج وتوحيد الانبياء السابقين، من آدم ونوح وابراهيم وموسى (عليهم السلام) الى المسيح آخر أنبياء بني إسرائيل.

الهوامش:

[1] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج1 ص514.

[2] آخرها مقالنا الموسوم (مع بولس في رسائله -2)، والمنشور في موقع كتابات في الميزان، عبر الرابط:

https://www.kitabat.info/subject.php?id=156147

[3] هذا احد اوجه المسألة وهناك رؤية أخرى بأن مرقس المذكور في رسائل بولس ليس نفس مرقس هذا!!

[4] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص63و64.

[5] كما انَّ كاتب اعمال الرسل لم يتطرق فيه الى نهاية بولس، ولا نعرف شيئاً عن آخر ساعات ايام بولس وكيف تمت محاكمته ولماذا وكيف تم تنفيذ حكم الاعدام به ومَنْ من تلاميذه واتباعه كان حاضراً اعدامه، ام تراه لم يحضر أحد!!

[6] من قبيل مجهولية شخصيات كتبة اسفار الكتاب المقدس، وطريقة جمع الاسفار واختيارها، واختيار الرومان لعقيدة اتباع بولس في مجمع نيقية 335م على حساب عقيدة آريوس وأتباعه الأقرب للتوحيد! وغيرهام ن القضايا العديدة، ومن يرغب بالتوسع فليراجع كتابنا (حقائق إنجيلية)، وهناك طبعة موسّعة ومنقحة ومزيدة ستصدر قريباً إنْ شاء الله.

[7] قصة الحضارة – ج10 ص135.

[8] يجمع تاستس (ص 38 من الفص الخامس عشر) وسوتونيوس (في "نيرون" ص38) وديو كاسيوس (فصل 67 ص16) على اتهام نيرون بأنه هو الذي أشعل النار وأعاد إشعالها لكي يستطيع

{عن هامش المصدر}.

[9] قصة الحضارة – ج10 ص(135-

[10] جميع المعلومات التي سننقلها في الفقرات القادمة فيما يخص الاسماء المنسوبة لها اسفار العهد القديم، اخذناها من الطبعة الخامسة للعهد الجديد الصادرة عن المطبعة الكاثوليكية في بيروت. الا ما نشير اليه في موضعه.

[11] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا / ترجمة القس الدكتور بيار فرنسيس / مراجعة لاهوتية القس الدكتور حكمت قشوع / دار منهل الحياة / الطبعة الاولى 2014م – ج1 ص264.

[12] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج1 ص407.

[13] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج1 ص407.

[14] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج1 ص267.

[15] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج1 ص537.

[16] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج1 ص(537-539).

[17] اختار المترجم لفظ (الغنوسطية) والشائع في الترجمة هو لفظ (الغنوصية).

[18] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج1 ص569.

[19] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج1 ص570.

[20] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج1 ص502.

[21] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص26.

[22] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص108.

[23] العهد الجديد / المطبعة الكاثوليكية، الطبعة الثامنة 1982م / وافق على اعادة طبعها بولس باسيم النائب الرسولي للاتين في بيروت / منشورات دار المشرق في بيروت ـ ص 892.

[24] الكتاب المقدس الدراسي – ص2673. وذكر "التفسير التطبيقي للكتاب المقدس" نفس الموضوع، وجاء في تعليقه على اعمال الرسل (18:21): (يعقوب اخو الرب، سقفاً وقائداً لكنيسة اورشليم (15: 13-21 ، غلا 19:1 ، 9:2) وقد دُعي رسولاً برغم انه لم يكن من بين الاثني عشر تلميذاً). انظر المصدر المذكور ص2350.

[25] جاء في التعريف بهذه الطبعة: (هناك حاجة في كل جيل للحفاظ على لغة رسالة الإنجيل حديثة وحديثة ومفهومة - بالطريقة التي كانت عليها بالنسبة لقرائها الأوائل. هذا ما تسعى الرسالة إلى تحقيقه للقراء المعاصرين. إنها نسخة مناسبة لعصرنا - مصممة ليقرأها الناس المعاصرون بنفس الطريقة التي استمتع بها الناس منذ آلاف السنين المخطوطات اليونانية والعبرية الأصلية). انظر الرابط: https://bit.ly/3h4eMTQ

[26] وكما يفهم القاريء اللبيب فإنَّ جواز الكذب يعني جواز تغيير معاني كلمات أو حذفها أو إضافتها. فكيف نتوقع أنَّ مَنْ هذا ديدنه سيبقي على بشارات ظهور رسول آخر الزمان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

[27] على سبيل المثال، لفت نظري على عجالة، استعمالهم لقب (السيد المسيح) في الطبعة الكاثوليكية للعهد الجديد / الطبعة الخامسة 1977م، هامش ص696، ثلاث مرّات.

[28] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص548 و549.

[29] وهي ما ورد في اعمال الرسل (2: 3و4) {فاندايك}: (وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحد منهم. وامتلأ الجميع من الروح القدس، وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا).

[30] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص596 و597.

[31] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص597.

[32] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج1 ص623.

[33] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2 ص(578-581).

[34] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج2

[35] العهد الجديد ، قراءة رعائية / المداخل الى الاسفار والهوامش بقلم الأب بولس الفغالي – ص851.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نبيل محمد حسن الكرخي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/02



كتابة تعليق لموضوع : ملامح من تاريخ "اليهود المسيحيين" – (2)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net