صفحة الكاتب : عدنان الصالحي

المحسوبية
عدنان الصالحي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 المحسوبية أو المحاباة، وتعني تفضيل الأقارب أو الأصدقاء الشخصيين؛ بسبب قرابتهم وليس لكفاءتهم،  والكلمة تُستخدم للدلالة على الازدراء، وهي كلمة لاتينية الأصل، وتعني ابن الأخ أو الأخت.. فمثلاً، إذا قام أحد المديرين بتوظيف أو ترقية أحد أقاربه الموظفين؛ بسبب علاقة القربى بدلاً من موظف آخر أكفأ، ولكن لا تربطه علاقة بالمدير، فيكون المدير حينها متهماً بالمحاباة..
 وبلا شك، أن المحسوبية هي صورة من صور الفساد التي يكون باب التأثير فيها معتمداً على علاقة خاصة بدون دفع أموال لأي طرف، وقد ألمحَ بعضُ علماء الأحياء بأن الميلَ نحو محاباة الأقارب أمر غريزي، فجوهر هذه العملية يتم بسبب علاقات القرابة بالدرجة الأولى، وما يتفرع عنها من علاقات الصداقة والزمالة والمصالح، أو كما يعبر عنها بـ (منظومة العلاقات البيولوجية - الجينية).
محاباة الأقارب تهمة شائعة في الوسط السياسي، حينما يتسلمُ قريبٌ ما لشخص ذو نفوذ، منصب قوة من دون مؤهلات مناسبة، فمثلاً، حينما تم انتخاب السيناتور الأمريكي (فرانك مركوفسكي) حاكماً لولاية آلاسكا، عيّن ابنته (ليزا ميركوفسكي) ممثلةَ عن الولاية لإدارة المنصب للعامين المتبقين من فترة ولايته، وقد اتُهم لذلك بمحاباة الأقارب، هناك في كل مكان عوائل سيطرت على السياسة في بلدانها، والعديد من الدول في آسيا فيها هذا الميل لحكم العائلات، ففي الهند ظلت عائلة (نهرو – غاندي) الحاكمة تحكم الهند لمعظم سنوات ما بعد الاستقلال، بينما دأب الناس الآخرون في الولايات الهندية أيضاً على تفضيل أقاربهم ومعارفهم. 
في مجتمعنا العربي عموما والعراقي بالخصوص، تنتشر هذه الحالة بشكل واسع لسعة العلاقات الاجتماعية والأسرية والعشائرية، هذه الآفة التي يشكو الجميع منها، يساهم الأغلب بوجودها من حيث يعلم أو لا يعلم، والأسوأ من ذلك، إن البعض يعتبرها ممارسة طبيعية تحت عنوان (صلة الرحم)، أو من باب (المجاملة)، فأصل القضية يكمن في طبيعة القيم، وأنماط التفكير، والأعراف، والولاءات، والانتماءات..
وهي تظهر قوة صراع كبير بين الـ(أنا) وبين نكران الذات..
 ومن المتيقن بأن وجودها لحد الآن، واستشراءها بشكل كبير، فهذا يعني  أن كل الحلول الماضية لم تفلح في وأدها والقضاء عليها - إن كانت قد وجدت حلولاً فعلاً - بحيث وصلت الحالة الى أن أغلب من يسمع الحديث حول الموضوع، يعتبر حلولها شيئاً من الخيال، وان القرّاء لهذه المواضيع باتوا يستخفون بما يكتب، لما يعلمونه من عمق المأساة، وكبر المساحة المشغولة لهذه الآفة.. وحتى يمكننا من اقتراح حلول منطقية لهذه المشكلة، لابد من فهم طريقة التفكير الإنسانية التي تشكل أساساً لتواجده.
 فعلماء النفس يرَون أن أسلوب التفكير (العاطفي) بدل تفكير الإدراك المجرد هو الأساس في نشوء مثل هكذا ظاهرة، وهذا يعني أن زيادة (الكم المعرفي للمجتمع) عموماً، سيؤدي بالنتيجة الى تحول المجتمع الى تفكير الإدراك الواعي أو المجرد، وتحرره من التفكير الآني أو العاطفي.. وهذا الكم المعرفي لا نقصد به تخصصاً معيناً، بقدر كونه علماً عاماً يستطيع الجميع قراءته، أو سماعه وفهمه، دون تفاصيل مملة، ونشره بشكل يتلائم ومستويات الفهم المختلفة للمجتمع. 
وبقراءة أخرى، فان التفكير المتجرد أو العقلي لا يقلل من عمق عاطفة المجتمع، أو إلغاء لصلة الأرحام، بل العكس تماماً، فالتفكير بمصلحة (المجتمع) عموماً بدلاً من مصلحة الفرد، هو قوة لعاطفة المجتمع، وتقوية أواصر التلاحم فيه بصورة أوسع وأشمل، فالناس صنفان، على تصنيف سيد البلغاء وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) بمقولته: (الناسُ صنفان: إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق)، وكلاهما يستحق أن  تفكر من أجل خدمته، وبالتالي، فان التفكير المجرد سيكون ذات منفعة عامة، وان كل إنسان سيأخذ استحقاقه بما يتناسب وقدراته العقلية والجسمية بما لا يرهقه عقلاً وفعلاً، ولا يغبن الآخرين بما يستحقون، فتعم الفائدة  للجميع بما فيهم الأقرباء والأرحام.
(أي أن المسألة هي مسألة (تطور) من العاطفة (الفردية) إلى العاطفة (الجماعية)، وهي توسيع لمفهوم (صلة الرحم) إلى قاعدة أوسع لتشمل جميع أفراد المجتمع...) على حدّ تعبير احد الباحثين.
في العراق، تمثل المحسوبية عقبة كبيرة أمام بناء دولة المؤسسات لما بعد ( 2003)، والمشكلة تفاقمت لتتحول من التعصب للأقارب والأصدقاء، لتكون بشكل طائفي ومذهبي وحزبي، فأصبحت القضية تقاس بالولاء لهذا الحزب أو ذاك، أو لتلك الطائفة او لهذه، فيما بقيت الكفاءة شيئاً أقرب الى الخيال.
ولا نبالغ اذا ما قلنا إن المحسوبية اليوم تعيش عصرها الذهبي؛ بسبب التوافقات السياسية، وتصنيفها الى حزب وطائفة ومذهب وقومية.. قد يتحمل السياسيون الجزء الأكبر في تفشيها، إلا أن هذا لا يعني تبرئة المجتمع من  تحمل مسؤولياته؛ فالسياسيون يبحثون عمّن ينتخبهم سواء بالمحاباة او بغيرها، لكن المجتمع الذي يرى في المحسوبية طريقاً لنيل بعض المكاسب، فانه في حقيقة الأمر يفقد حقوقه الكبرى بعدم تسنم الأكفاء لمواقع إدارة الدولة، وبالتالي، سوف تبقى الأمور تسوء بشكل تدريجي، وتذهب حتى المكاسب الصغيرة التي تحصل بسبب المحسوبية أدراج الرياح.
إنها دعوة لجميع الجهات (دينية، وسياسية، واجتماعية، ومنظمات مجتمع مدني، وحقوقية، وعشائرية، وإعلامية..)، لقيادة حملة توعية واسعة لإنهاء هذه الثقافة السيئة الصيت، التي تحرج المسؤول، وتغبن الأكفاء، وتدمر بناء الدولة، فالمؤسسات الرسمية من هيئات نزاهة ورقابة ومثيلاتها، قد تستطيع أن تدين وتحاسب وتلاحق من يرتكب الجرم الإداري، ولكنها تبقى بحاجة لمن يساعدها بتجفيف منابع التفكير الخاطئ، وهي أفضل طرق القضاء على الفساد والمحسوبية.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عدنان الصالحي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/27



كتابة تعليق لموضوع : المحسوبية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net