صفحة الكاتب : عدنان الصالحي

الإشاعة .... (القنبلة) النفسية
عدنان الصالحي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  يمكن تعريف الإشاعة على إنها إذاعة خبر معين بين الأوساط الشعبية دون الوثوق من صحته؛ فقد يكون كاذباً أو صحيحاً أو مفبركاً أو مضخماً أو مفتعلاً، وغالباً ما تكون الإشاعة كاذبة ولا صحة لها إلا في حالات نادرة جداً، تختلف الظاهرة عادة من مجتمع الى آخر في وزنها وقيمتها تبعا لنوعية المجتمع ومدى تقبله لمثل هكذا مواضيع، وعندما تكون الإشاعة في أعلى مستوياتها، فإنها عادة ما تكون في مراحلها الأخيرة.
 الإشاعة تنتشر من مطلقيها أو من مفبركيها إلى من هم أقل علماً ومعرفة وخبرة بهدفها أو الغاية منها، وينقلها الباقون على إجمالها، فيصبحون جزءاً منها، بل إن البعض يعتبر نفسه محضوضا؛ لأنه أصبح على سبق بالاطلاع بها قبل غيره (حسب وجهة نظره)، ويستخدم في ذلك أقوالاً؛ مثلا: (دعها سراً أو اتركها بيني وبينك أو لا تبلغ أحدا فيما أقول لك)، وغيرها العديد من عبارات التشويق..! 
 من الغريب إن المجتمعات الإسلامية والعربية عموماً، تعتبر أرضاً خصبة لهذه الظاهرة، والتي من المفترض أن تكون عكس ذلك تماماً، فالقرآن الكريم الدستور الأول لمثل هذه المجتمعات، نهى وبشكل قطعي عن نقل المعلومة غير الدقيقة، وأمر بالتحقق من كل ما يُقال وينقل في آية صريحة، حيث قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) الحجرات: 6.
 أما على المستوى الأخلاقي والاجتماعي، فالأولى أن تكون مجتمعاتنا بعيدة كل البعد عن التشكيك والتخوين وسوء الظن، كونها ترتبط بحضارة تمتد الى آلاف سنين، تنم عن فهم للحياة، وخبرة في بناء الشخصية الإنسانية، وتفرز الطالح من الصالح في المنقول والمعقول، إلا إن حقيقة الأمر والواقع غير ذلك ومع شديد الأسف، فمجتمعاتنا اليوم لا تحتاج لأي جهد يذكر في نشر أي موضوع يراد إذاعته بين الأوساط الشعبية، وبشكل لا يصدق من السرعة بغض النظر عن كونه صحيحاً أو كاذباً.
 هذه الظاهرة تكاد تعتبر من يوميات الفرد العربي، دون الالتفات لما لها من خطورة فادحة، في ما يترتب على بعض الأخبار الكاذبة والمفبركة من انهيارات اجتماعية أو اقتصادية، هذا لو علمنا إن البعض يعتبر رصيده اليومي في العمل هو وجود الإشاعة وتحريكها بين الفينة والأخرى. 
 يصنف بعض علماء الإجتماع الإشاعة إلى ثلاثة أنماط:
 1. وهي ما تستهدف رغبات المجتمع الذي تنتشر فيه، وما يتمنى من الحصول عليه؛ خاصة فيما يتعلق بتحقيق مستوى معيشة أفضل.
 2. ما تنشر الرعب؛ مثلاً بقرب الحرب أو وجود خطط لضرب الدولة. 
 3. تلك التي تهدف إلى زعزعة الثقة بالقيادة أو الدولة أو الحكومة أو الحزب، وإيجاد الانقسام المؤذي في المجتمع. 
تعتبر ظاهرة الإشاعة من أخطر الأمراض الاجتماعية فتكاً بالمجتمعات، حيث يصفها بعض الباحثون بأنها (القنبلة النفسية) وهي عدو لأي مجتمع تنتشر فيه، ولا يكاد يلتمس منها أي فائدة.. وبغض النظر عن الدوافع من وراء إطلاق الإشاعة والترويج لها، والفئات التي تستقبلها، ومدى قابلية الناس للتفاعل معها، والظروف المحيطة التي تشجع على انتشارها، إلا إن السبب الرئيس الذي يكمن وراء وجودها هو (الجهل الاجتماعي) أولاً وقبل كل شيء، فهنالك الكثير من الأيادي التي تحاول بطرق شتى (تجهيل) الرأي العام، وتحويله باتجاه (السذاجة الفكرية)، ليكون قابلا لتصديق الإشاعة والخرافة، ووسطاً مهيئاً لكل ما يُلقى فيه.
وفي عصرنا الحاضر، ورغم اتساع وكبر المنظومة الإعلامية بشكل كبير جداً، إلا إن الإشاعة مازالت تسري في الجسد الاجتماعي مسرى الدم منه، بل إن بعض وسائل الإعلام تكاد تكون وسيلة لبث الإشاعة والمساعدة على انتشارها، وهذا ما يتطلب جهداً مضاعفاً في كيفية التصدي لها وإيقاف شرورها.
الأمر يتطلب دراسة فعلية وجادة باتجاه مواجهة آثار مثل تلك الظواهر، وعدم الاكتفاء برمي أسبابها على ما يسمى (بالطابور الخامس)، والنزول الى تثقيف المجتمع بخصوصها، وبيان التروي في فهم المنقول والمسموع، وعدم الخوض فيما لا علم لنا به، ليكون في ذلك سلامة لمجتمعنا وديننا وبناء لأوطاننا.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عدنان الصالحي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/29



كتابة تعليق لموضوع : الإشاعة .... (القنبلة) النفسية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net