ذاكرة الطف.. مصباحٌ لكل زمان
د . حسن خليل حسن

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 لكربلاء الموشحة بالحزن والمواقف الانسانية النادرة ظلال رمزية هائلة، ولعلها الملحمة الاكثر تأثيرا في رسم ملامح الخريطة السياسية اللاحقة في العالم الاسلامي وعززت الوعي الجماهيري الاسلامي بهيمنة الملوك على عرش القيادة الاسلامية منذ ذلك الحين وفراغ السلطة من حملة الميراث النبوي الحقيقي، فهي نقطة فاصلة بين الحكم الالهي في الارض وهيمنة بعض الاُسر ذات الطموح الشخصي بعيداً عن قُدسية عرش القيادة التي ارادها الله تعالى ورسوله الامين(ص) لتستقيم للناس امور الدنيا والاخرة.
ولهذا لم يشهد التاريخ الاسلامي الذي اعقب معركة الطف في سنة 61 هجري-قمري شخصية دينية استقرت في الاذهان كشخصية الحسين بن علي ابي طالب (ع)، فهو النموذج المتكامل للموقف والتضحيات ولا زال يؤثر في واقع الازمنة المعاصرة ، وقد اخذت هذه الشخصية مديات اوسع وابعد في ذلك التأثير بمختلف الثقافات والانتماءات العالمية، حتى اصبح نواة الحكم والمقولات لدى كبار الشخصيات المُفكرة في العالم من فلاسفة وعلماء اجتماع وساسة ومصلحين، والامثلة في هذا المجال اكثر من ان تذكر، اذ يمكن للمتتبع أن يعود الى المقولات الخالدة للفلاسفة والمفكرين في هذا المجال وهي اكثر من ان تُحصى.
ان معاني كربلاء الخالدة اقرب النماذج العقائدية الناجحة لوفرة مقومات النهضة والثورة فرمزية الحدث وخصوصية التوقيت واعجاز القيادة ووفرة البطولات والثبات والبذل  والفداء النادر في معسكر الثلة المؤمنة، يقابلها قسوة المشهد الذي رسمته ذئبية النفوس من جهة الاعداء ودناءة مواقفهم اثناء وبعد المعركة جعلت من الحدث خالداً ومنحته رمزية عقائدية كبرى، كما ان النمذجة اللونية للحدث بالسواد ومنابر الخطابة وسرادق الخدمة التي ترافق ايام الواقعة جعلت لواقعة الطف  تأثير سلوكي عميق ورهيب في النفس البشرية.. وقد سبق القرآن الكريم في توظّف القصص القرآني بالسياق الرمزي والعناوين الرئيسة الذي بينته الآيات القرآنية الكريمة، وربما يعود ذلك لارتباط الاحداث في شبه الجزيرة العربية بعناوين تاريخية حتى ارتبطت بعض السور بأحداث سلوكية في عناوينها.. فسورة يوسف أصبحت ثيمة واقعية للميل الى الجمال والوسامة وتداعيات العشق غير المؤطر بالاستقامة الاجتماعية.. وسورة الكهف وسمت المستحيل بأنه واقع ممكن التحقق... وهذه الثيمات السلوكية يحركها التدبر والتلاوة ومثلها في الأحاديث الشريفة للنبي واله الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.. الا ان ثيمة الطف مختلفة كونها تتجسد بحركة التاريخ السياسي المقيت المُعاش في معظم ارجاء المعمورة وبالاخص في بلاد المسلمين الذين ابتلوا بملوك وسلاطين اكلوا خيرات بلدانهم وظلموا عباد الله باسم دين الله، وما يقرّب نمذجة كربلاء كتطبيق ممكن في الارض الاسلامية هو امكانية الارتباط السلوكي بالشخوص الإنسانية وسلوكها الاستثنائي المرتبط بإرادة السماء الذي يحفز السلوك ويثير العزيمة والعنفوان.
ولعل مواقف معسكر الحسين(ع) المؤلّف من سبعين مؤمناً  بفئاتهم العمرية المتباينة بين فتيان لم يبلغوا الحُلُم كالقاسم بن الحسن(ع) والشباب كعلي الاكبر(ع) والناضجين كالعباس(ع) واخوته واغلب الاصحاب البررة، والشيوخ كُحبيب وبرير، يضاف اليهم المنشقين عن جيش عمر بن سعيد كالحر الرياحي وولديه، جعل من مدرسة الطف تتضمن مراحل عدة ومخرجات متعددة من اصحاب العقيدة الحقّة شكّلت نماذج سلوكية للاحرار سجّلوا معجزات وانتصارات معاصرة في مواجهات عسكرية مع اشرس الاعداء، ان النماذج الحسينية المعاصرة معروفة للقاصي والداني وحتى عدم التصريح بها فهو يدخل في خانة الحرب الاعلامية التي يخوضها إعدائهم الذين يتزعمون العالم.
ان النموذج الحسيني المعاصر يواكب بتحديه العقائدي الحسيني تقنيات تكنولوجية حديثة وسياسات عسكرية عبقرية جعلت منهم نداً صعباً للإعداء، بل حسم معظم المواجهات لصالح معسكر انصار الحسين في زماننا الحاضر.
 

الموضوع السابق أمريكا راعية حقوق الإنسان والمشهد الأفغاني

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat