صفحة الكاتب : د . عبد الخالق حسين

الدعوة للتطهير العرقي جريمة ضد الإنسانية
د . عبد الخالق حسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
استلمت قبل يومين رسالة من أصدقاء كورد عاشوا في بغداد، أباً عن جد، تضمنت تقريراً جاء فيه: « فوج (9 بدر) يمهل الأكراد الموجودين في بغداد والمناطق العربية اسبوعا للمغادرة الى اقليم البارزاني- كرستان». وتابع: «ان أمام الاكراد اسبوعا واحدا للمغادرة اعتبارا من يوم 4/4/2012، وبخلاف ذلك سنعلن حمل السلاح ضد بارزاني ومن معه، وقد اعذر من انذر.» وصاحب البيان هذا هو الشيخ عباس المحداوي، واسمه الحركي (أبو عبدالله المحمداوي)، رئيس ما يسمى بـ (تحالف ابناء العراق الغيارى)، وهو تجمع عشائري، يجمع عشائر عربية من مختلف مناطق العراق. (1)
 
لم أصدق الخبر في أول الأمر، لأنه من نوع اللامعقول أو السريالزم، واعتبرته كذبة نيسان! فأجبت على رسائل الأصدقاء أن هذا التقرير لا بد وأن يكون واحداً من تلك التقارير التي يفبركها أعداء العراق، ففي هذا الزمن الرديء اختلط علينا الحابل بالنابل، وصار من الصعوبة التمييز بين الغث والسمين، وبين الحقيقي والمزيف. ولكن بعد يوم، ويا للهول، تبين أن الخبر صحيح. 
 
تفيد الحكمة: "يفعل الجاهل بنفسه كما يفعل العدو بعدوه". والسيد عباس المحمداوي قدم مثالاً عملياً على صحة هذه الحكمة. فدعوته قدمت خدمة لا تقدر إلى أعداء العراق الذين يتربصون به شراً، ويعملون ليل نهار على تمزيق لحمته الوطنية، الممزقة أصلاً، وإفشال التجربة الديمقراطية الوليدة، وكأن العراق لا تكفيه الصراعات الطائفية والتطهير الطائفي، فيحتاج إلى صراعات عرقية وتطهير عرقي. ففي بغداد العاصمة وحدها يعيش أكثر من مليون ونصف المليون مواطن عراقي من أصول كوردية، يعني أكثر من سكان أية مدينة في كوردستان، وصاروا جزءً لا يتجزأ من نسيج المجتمع البغدادي ولأجيال عديدة، بل وحتى نسي بعضهم لغته الكوردية، ويصعب التمييز بين الكوردي وغيره من سكان بغداد والمناطق ذات الغالبية العربية الأخرى. 
 
لم يوضح لنا الشيخ المحمداوي، عن مذهب الأكراد الذين يريد ترحيلهم من بغداد والمناطق ذات الغالبية العربية، هل هذا التطهير يشمل جميع الأكراد، سنة وشيعة، أم الأكراد السنة فقط؟. وفي هذه الحالة ما الفرق بين الشيخ المحداوي وصدام حسين الذي هجَّر مئات الألوف من الكورد الفيلية (الشيعة) لأسباب عرقية وطائفية؟ ألا يدل هذا أن الشيخ يتبع سياسة صدام حسين الفاشية؟
  
لقد ساهم الكورد في النضال الوطني مع أخوتهم العرب وغيرهم من مختلف الأثنيات، وقادوا أحزاباً سياسية وطنية تضم أعضاء من كل مكونات الشعب العراقي، ضد الاستعمار، وقدموا التضحيات الجسام، وأغنوا الثقافة العراقية في جميع المجالات، العلوم والآداب والفنون التشكيلية، والفنون الأخرى مثل الشعر والموسيقى والغناء...الخ وهناك أسماء كردية لامعة معروفة في هذه المجالات. ليأتي اليوم عباس المحمداوي، لينتقم من شريحة واسعة من أبناء شعبنا لأنه ضد تصريحات السيد مسعود البارزاني الأخيرة. فإذا كنا نختلف مع البارزاني في تصريحاته، فيمكن مواجهته بالأساليب الديمقراطية الحضارية، حيث حرية التعبير متاحة للجميع، وليس بإثارة الفتنة العنصرية والدعوة إلى التطهير العرقي، والانتقام من الأبرياء لا لشيء إلا لأنهم ينتمون إلى قومية السيد بارزاني. فإذا أراد الشيخ المحمداوي أن يغيض البارزاني بهذه التصريحات العقيمة الضارة، فإنه قدم خدمة لا تقدر له، لأنه دفع حتى المخالفين لدعوات البارزاني من الكورد إلى الوقوف بصفه.
 
لا أعتقد أن هناك أي عاقل يأخذ تصريحات المحمداوي محمل الجد، وهي ليست أكثر من عاصفة في فنجان، ولكن تأثيرها الإعلامي والتحريضي سيكون مدمراً على الوحدة الوطنية العراقية، وعلى سمعة الكتلة السياسية التي تدعي هذه الجماعة الانتماء إليها (التحالف الوطني). فمن الآن نشر خصوم المالكي الخبر بمانشيت: (ميليشيا مقربة من المالكي تمهل أكراد بغداد والمناطق العربية اسبوعاً لمغادرة منازلهم و الذهاب الى كردستان). 
أعتقد، أن المحمداوي وأمثاله هم البلاء الأكبر على العراق، فبيانهم سيئ الصيت هذا هو دعوة صريحة للتطهير العرقي بكل معنى الكلمة، دون أي تأويل. وهو مخالف للدستور الذي نص في مادته السابعة، أولاً: "يحظر كل كيانٍ او نهجٍ يتبنى العنصرية أو الارهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي، او يحرض أو يمهد أو يمجد او يروج أو يبرر له، ....الخ".
 
والسؤال الذي يجب أن نطرحه هو: هل المحمداوي وأمثاله من خالقي المشاكل، هم فعلاً مخلصون للعراق الجديد، وتصرفاتهم هذه هي مجرد اجتهادات خاطئة ولكنها ناتجة عن نوايا حسنة؟ 
أليس من حقنا أن نضع عليه علامة استفهام فيما إذا كان هو أحد المخترقين للعملية السياسية؟ أنقل أدناه فقرة من تقرير نشر على موقع الحزب الشيوعي العراقي، يوم الأحد، 04 آذار/مارس 2012، حول هذا الموضوع جاء فيه: 
((قال أستاذ العلوم السياسية د. عامر حسن فياض، أمس، أن وجود قانون المساءلة والعدالة لا يعني عدم قدرة حزب البعث المنحل، على اختراق مؤسسات الدولة. وكان تقرير استخباراتي أمريكي، نشرت تفاصيله جريدة "المشرق" الأسبوع الفائت، وأكدت أنه "قدمت نسخة منه إلى جهات عراقية مسؤولة رفيعة المستوى"؛ كشف أن الهرم الأمني في العراق "مخترق من قبل البعثيين". وأوضح فياض أن هكذا معلومات لا يمكن نكرها بشكل مطلق،... وقال التقرير الأمريكي أن أبرز وأكثر الدوائر الامنية الحكومية قد اخترقت من قبل البعثيين، ومن"عناصر مدربة أهلّها النظام السابق لتكون على مستوى عال ٍ من الاحترافية في التعامل مع ظروف مماثلة". وذكر ان "هذه العناصر كانت تعمل ضمن قوات المعارضة العراقية خارج العراق، وتسلمت مناصب كبيرة بعد عام 2004". وصنّف التقرير، البعثيين الذين اخترقوا الدوائر الامنية ومراكز صنع القرار الامني العراقي الى ثلاثة مستويات، يتمثل المستوى الأول بقيادات "تغلغلت في اوقات سابقة ومنذ عام 1980 وحتى 2003 في عمق الحركات المعارضة"، وكانت تعمل وفق آليات معقدة، "على ان يستمروا في عملهم حتى آخر رمق في حياتهم"، كما ورد في التقرير. وذكر أنهم الآن "رموز حكومية بارزة ولهم سمعة حزبية ودينية بارزة"، إلا انه -التقرير- لم يكشف عنهم، لكن المعلومات التي وردت فيه أكدت ان الاستخبارات المركزية الاميركية على علم بهوياتهم، إلا انها "لم ولن" تزود الحكومة العراقية بها، لأن خطوة كتلك من شأنها التسبب بانهيار تام للعملية السياسية في العراق، وبـ"حرب أهلية شرسة".)) انتهى. (2)
 
ونحن إذ نسأل، ألا يمكن أن يكون الشيخ عباس المحمداوي هو أحد هؤلاء الذين زرعهم البعثيون في النظام الجديد "على ان يستمروا في عملهم حتى آخر رمق في حياتهم"؟ وإلا لماذا كل هذه الفوضى في عمل الحكومة وبالأخص في الأجهزة الأمنية؟ 
 
خلاصة القول، إن دعوة المحمداوي مخالفة صريحة للدستور، ولجميع الشرائع السماوية، والقوانين الوضعية، والمواثيق الدولية التي صادقت عليها الدولة العراقية في مختلف العهود. لذا، فالمطلوب من عقلاء الأمة، وبالأخص الرئاسات الثلاث، الوقوف بحزم في وجوه هؤلاء الذين يخلقون المشاكل للشعب وللحكومة المركزية، ويحاولون التصيد بالماء العكر. ومن مصلحة السيد المالكي التبرؤ من هكذا شخصيات تجلب له المشاكل (فعدو عاقل خير من صديق جاهل)، ويجب إلقاء القبض على المدعو عباس المحمداوي ومن معه بتهمة إثارة الفتن الطائفية والعنصرية، والدعوة إلى التطهير العنصري، ومحاكتهم ليكونوا عبرة لمن اعتبر.
 
**************
ملاحظات ما بعد النشر: 
بعد نشر هذا المقال على موقع الحوار المتمدن صباح السبت 7/4/2012، صدرت تصريحات إيجابية من قبل المسؤولين، يدينون فيها المدعو عباس المحمداوي ويتبرؤون من تنظيمه المجهول، وذلك كما يلي:
1- أكد ائتلاف دولة القانون، السبت، (7/4/2012) أن الدولة ستلاحق تنظيم "9 بدر" الذي هدد الكورد خارج اقليم كوردستان، فيما لفت إلى أن الحكومة مسؤولة عن حماية الكورد، بيَّن أن ائتلافه سيبحث خلفيات هذا التنظيم وتوجهاته... وقال النائب عبد السلام المالكي لـ"شفق نيوز"، إن "فصيل 9 بدر لازال من التنظيمات المجهولة، والتي لا يعرف توجهها"، مبينا أن "دولة القانون ستبحث في اجتماعها اليوم الوصول إلى هذا الفصيل ان وجد، وملاحقته قضائيا وامنيا". وأضاف أن "الدولة العراقية والأجهزة الامنية فيها مسؤولة عن حماية الكورد من التهديدات وجميع العراقيين... واعتقد المالكي هذه التهديدات "تدخل في اطار خلق النعرات والاثارة، وهي مجرد تهويل، وأن الأجهزة الامنية ستتابع الامر".- الرابط:
 
2- أكدت منظمة بدر بزعامة هادي العامري، السبت، أن المدعو عباس المحمداوي لا يرتبط بها لا من قريب ولا من بعيد، وفي حين اشارت إلى انها لا تمتلك اي تشكيل مسلح، طالبت القوات الأمنية بملاحقة مثيري الفتنة والحقد بين مكونات الشعب العراقي.
 الرابط.
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  العنوان الإلكتروني 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/  الموقع الشخصي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
1-  فوج (9 بدر) يمهل الأكراد الموجودين في بغداد والمناطق العربية اسبوعا للمغادرة الى كردستان
 
2- عامر فياض: المطلوب اعادة هيكلة المؤسسة الأمنية
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الخالق حسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/04/09



كتابة تعليق لموضوع : الدعوة للتطهير العرقي جريمة ضد الإنسانية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 2)


• (1) - كتب : ************** ، في 2012/10/08 .

**************



• (2) - كتب : محمدحسن ، في 2012/04/10 .

عزيزي الدكتور عبد الخالق المحترم
مثل مانسبوا مايسحى (فرسان دولة القانون) الى المالكي ليلوثوا سمعة هذا الرجل بعد فشلت نعوت الطائفي
والدكتاتور والمتفرد جائت هذه الفقاعة التي ليس لها رائحة ولاطعم وأنا اضعها ضمن الحملة الاعلامية للصهاينة العربان وعملائهم في الداخل الموجهة الى المالكي ومن خلاله الى العملية السياسية انت عزيز علينا سيدي الدكتور وصدقني انا مستقل ومع الحق والله الموفق




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net