صفحة الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي

تعريف بترجمات الكتاب المقدس المخطوطة والمطبوعة – (1)
نبيل محمد حسن الكرخي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمـة:

يقول المتخصصون المسيحيون انه لديهم في التراث المسيحي أكثر من عشرة آلاف مخطوطة كاملة أو أحد اجزاء الكتاب المقدس، وحتى الورقة الواحدة مهما كانت متهرّأة تسمى ايضاً مخطوطة وتحسب ضمن العشرة الآف المشار إليها آنفاً. كما ويقولون انَّ الكتاب المقدس تمت ترجمته الى 3384 لغة في مختلف انحاء العالم.

الجهات التبشيرية والارساليات التنصيرية تهتم بإعلان هذه الارقام كعامل جذب للمسيحية، وهذا الامر قد ينطلي على عامة الناس الذين ليس لديهم إلمام بالتراث المسيحي وما يحتويه ولا سيما ما يتعلّق بمخطوطات الكتاب المقدس وتأريخه! فهذه الارقام بموازاتها عدد كبير جداً من الاخطاء يرقى الى عدد المخطوطات ان لم يكن يتجاوزه. فلا توجد مخطوطتان مهمتان من الكتاب المقدس متماثلتان، ولا بد بين كل مخطوطتين كاملتين ان تظهر عشرات الاختلافات والتناقضات. واما بخصوص ترجمات الكتاب المقدس فقلّما تجد اتفاق على ترجمة واحدة ضمن اللغة الواحدة، فأغلب الترجمات ضمن نفس اللغة تحتوي اختلافات فيما بينها. ونفس الامر ينطبق على وجود الاخطاء والاختلافات للترجمة بين لغتين او اكثر! فمعنى ان هناك 3384 ترجمة الى لغة مختلفة للكتاب المقدس ان هناك نفس هذا العدد من الاختلافات أن لم يكن اكثر بكثير!! فمن سمات ترجمات الكتاب المقدس الى لغة معينة ان هناك طبعات كثيرة صدرت في القرن الماضي لعدم قناعة كل مترجم بترجمة من سبقه، وعدم قناعة كل كنيسة بترجمة الكنيسة الأخرى!

إذن هذا العدد الهائل من المخطوطات واللغات المُتَرجَم اليها يعني وجود مشكلة حقيقية في المسيحية وتراثها لا يمكن تجاوزها بسهولة!!

تظهر الحاجة مستمرة لمخطوطات جديدة، نتيجة التالي:

1. التلف الطبيعي بسبب تقادم الزمن. فقد "كان ورق البردي في ذلك الوقت هو المادة الاساسية للكتابة، وكانت هي المصدر الرئيسي له، حيث كان ينمو على شاطيء نهر النيل، ولم يكن ممكناً حفظه لأجيال عديدة الا في مناخ جاف أسفل الرمال، حيث كانت تدفن أوراق البردي تحت رمال مصر الجافة غير الممطرة. ولأن اوراق البردي كانت تتعرض للتفحم أو التكربن، فكان لا بد من إعادة كتابة الأسفار المقدسة من جيل لآخر"[1]. فمن الطبيعي ان يتم كتابة مخطوطات جديدة. فابتداءاً من المخطوطات القديمة الاصلية التي لم يعد لها وجود في عصرنا الحالي، كانت هناك حاجة دائماً لكتابة نسخ عن المخطوط الاصل، ثم كتابة نسخ عن النسخ المنسوخة وهكذا، بسبب تقادم المخطوطات وتهرّأ البردي والجلود والرقوق التي تكتب عليها. فهي حاجة طبيعية لتجديد المخطوطات عدّة مرّات في كل قرن.

2. تطور اللغات، فجيلاً بعد جيل وبسبب تطور اللغات واختفاء مفردات عديدة من الاستعمال وظهور مفردات أخرى بمرور الزمن، أصبحت هناك حاجة لكتابة النص الديني بلغة مفهومة من قبل المجتمع.

3. نتيجة النمو السكاني تظهر هناك حاجة دائماً للمزيد من مخطوطات الاسفار المقدسة لتغطية الحاجة الروحية لمعتنقي الدين.

4. نتيجة اعتناق جماعات جديدة للدين بسبب الحركة الاجتماعية او التجارية او الحركة التبشيرية او الحركة الاستعمارية وغزو القبائل والشعوب الخرى. فتظهر الحاجة لتزويد المعتنقين الجُدد بمخطوطات عن الاسفار المقدسة لهذا الدين الجديد، فتظهر الحاجة للمزيد من المخطوطات. ولنفس السبب ولكون بعض تلك الجماعات تتحدث لغة تختلف عن اللغة المكتوب بها الاسفار المقدسة، كان لابدَّ من ترجمة تلك المخطوطات وكتابتها في مخطوطات جديدة مترجمة الى اللغة المطلوبة. وهنا يظهر احد اسباب ظهور التغيير والاختلاف بين المخطوطات وهو الاختلاف في الترجمات عن الاصل!

ولتغطية تلك الحاجة الى مخطوطات جديدة، كان لا بدَّ من اللجوء الى عملية النسخ قديماً (قبل اختراع المطبعة). وعملية النسخ مهمة جداً وينبغي ان تجري بدقة شديدة، لأن أي تهاون في الدقة اللازمة لعملية نسخ مطابقة تماماً للاصل المنقول عنه سيؤدي الى ظهور الاختلاف والتغيير والاخطاء!

وكفاءة الناسخ شرط في انتاج مخطوطة طبق الاصل مع المنسوخ عنها، ولكن مع ذلك لا بد ان تظهر اخطاء بشرية لاسيما اذا كانت المخطوطة المنسوخة قد اصابها شيء من التلف والنقص بسبب تقادم الزمن. اما في الترجمة للمخطوطة فليست الكفاءة في الترجمة واتقانها وحدها كافية، لأن المترجِم يعكس في ترجمته الى جانب اتقانه، فكره وعقيدته ورأيه وذوقه وهواه! فليس يسيراً ان تنتج ترجمة خالية من المسبوقات الفكرية التي يمتلكها المترجِم.

ونحن نتحدث هنا عن مخطوطات مكتوبة فعلاً بغض النظر عمّن كتبها! لأننا نعلم ان اكثر مؤلفي اسفار الكتاب المقدس هم شخصيات مجهولة، لا نعرف حتى اسمائهم في اغلب الاحوال! فلسنا نناقش هنا قدسية اسفار الكتاب المقدس وكيف يكون السِفْر مقدساً ولا نعلم كاتبه! لأن اول جهل نواجهه هو مجهولية مؤلفي الاسفار. بل نحاول تسليط الضوء على مجاهيل اخرى في الكتاب المقدس، من قبيل مجهوليّة شخصية نُسّاخ المخطوطات ومجهولية كفائتهم، وايضاً مجهولية مترجمي المخطوطات في احيان كثيرة، ومجهولية كفائتهم أيضاً، في محاولة لتفسير ظهور هذا الكم الهائل من الاخطاء بين جميع مخطوطات اسفار الكتاب المقدس بمختلف لغاتها!

إنَّ أغلب مخطوطات أسفار الكتاب المقدس لم يُعثَر عليها كاملةً بل مقاطع ونتف هنا وهناك! كما لا يمكن فصل موضوع ترجمات الكتاب المقدس عن موضوع المخطوطات ولا سيما ان العديد من المخطوطات المهمة القديمة هي ترجمات من لغات أخرى، فينظر لها من جانبين، من جهة كونها مخطوطات وما تعانيه من مشاكل تخص هذا الجانب كدقة عملية نسخها ووجود إضافات فيها أو حذف أو إدخال تفسيرات وتعابير تفسيرية ضمن النص الأصلي إلخ، ومن جانب آخر ينظر إليها من حيث ما تعانيه من مشاكل الترجمة ودقتها إلخ. فالمخطوطات والترجمة هما موضوعان متداخلان بشدّة، وهو ما سنحاول تسليط بعض الضوء عليه.

لقد رافق ظهور اسفار العهد الجديد مرحلة اضطهاد المسيحيين، والى سنة 313م، كان المسيحيين يتداولون سراً اسفاراً تمثل وجهة النظر الدينية التي يؤمنون بها، كما كان ايمانهم سرّياً بسبب الملاحقات المستمرة لهم من قبل اليهود والسلطات الرومانية. ولذلك كان تداول المخطوطات وكتابتها ونسخها يتم بصورة عشوائية من قبل عامة المسيحيين، فضلاً عن انه ليست كل الاسفار التي كانت موجودة دخلت في قانون العهد الجديد. ثم بعد تحول المسيحية الى دجين رسمي للدولة، وتبني المجامع المسيحية اسفاراً بعينها ضمن قانون العهد الجديد، فقد كانت تلك الاسفار قد مرّت بمرحلة شعبية من التداول حملت ما حملته من اخطاء وتغييرات مقصودة او غير مقصودة، استمرّت الى القرن الرابع الميلادي! وهي فترة ليست بالقليلة، قبل حصر نسخها وترجمتها من قبل الكنيسة ورجال الدين. وبعد ان تبنّت الكنيسة ورجال الدين موضوع نسخ المخطوطات وترجمتها حسب الحاجة، فقك اصبحت العقيدة الدينية للكنيسة وفهمها للدين يلقي بظلاله على عملية النسخ والترجمة فتحدث بعض التغييرات اثناء النسخ والترجمة بما يوافق رؤية الناسخ والمترجم الدينية وهواه وافكاره ومواقفه الدينية التي تمثل طائفته، وهذا ادخل تغييرات جديدة على النص فضلاً عما قد يكتنفه من اخطاء في النسخ!

وقد ظهرت الحاجة الى ترجمة اسفار العهد الجديد في وقت مبكّر، فالمعروف بحسب التقليد المسيحي ان انجيل متى وحده تمت كتابته بالآرامية ثم تُرجِمَ الى اليونانية واختفت بعد ذلك المخطوطات الآرامية الأصلية له. ولأن جميع اسفار العهد الجديد كتبت باليونانية {عدا انجيل متى في احد الاقوال، ولم يعثر الا على ترجمته اليونانية}، فقد ظهرت حاجة مبكّرة الى ترجمتها الى لغات الاقوام التي تعيش في بلاد الشام ومصر وشمال افريقيا، وشعوب جنوب اوربا، حيث يقول التقليد المسيحي ان بولس وصل الى اسبانيا!

يقول بولس الفغالي: (دُوِّنت أسفار العهد الجديد في اليونانية (لم يصلنا شيئًا ممّا كتب متّى في الأرامية، كما يقول التقليد)، ونُقلت سريعًا إلى السريانية واللاتينية والقبطية والأرامية وسائر اللغات المعروفة ولا سيّمَا العربية[2])[3].

فاذا اخذنا مصر كنموذج، نجد ان المصادر تشير الى وجود مستوطنات يونانية منذ القرن السابع قبل الميلاد في مدن مصرية معدودة لا تتجاوز اصابع اليد، ثم بنى الاسكندر الاكبر مدينة الاسكندرية، وانتشرت مستوطنات يونانية في مدن مصرية محدودة. ويذكرون على سبيل المثال ان عدد اليونانيين في مدينة الفيوم في العصر البطليمي (323-30) ق.م. كان حوالي 30% من مجموع السكان الاصليين[4]. فانتشار المسيحية في مصر بين السكان الاصليين في القرون المسيحية الاولى، مع وجود قلّ قليلة من اليونانيين، يعني ظهور الحاجة الى ترجمة الاسفار اليونانية الى القبطية في وقت مبكّر. وتذكر المصادر انَّ العلامة بنتينوس رئيس مدرسة الاسكندرية (181 م) ادخل الأبجدية القبطية من الحروف اليونانية إلى جانب سبعة حروف من اللغة الديموطيقية وبدأ عملية ترجمة العهد الجديد إلى القبطية باللهجة الصعيدية وقد استغرقت ترجمة العهد الجديد قرناً كاملاً. ويرجع أقدم شاهد لهذه الترجمة إلى حوالى سنة 300 م وهو مخطوطه على ورق البردى محفوظة فى المتحف البريطاني ثم تلا ذلك ترجمات مصر الوسطى مثل الأخميمية والفيومية ثم الوجه البحري[5]. فمنذ منتصف القرن الاول الميلادي الى بداية القرن الرابع الميلادي، كانت هناك ترجمات لاسفار العهد الجديد لم تصل الينا، واقدم شاهد وصل الينا يعود لسنة 300م ولا نعرف المخطوطات التي نُسِخ عنها او ترجم منها في تلك الفترة (حوالي قرنين ونصف)! كما لا نعلم مدى مطابقة ذلك الشاهد من القرن الرابع الميلادي لنسخ العهد الجديد المتداولة حالياً!

ونموذج آخر نأخذه عن التراث المسيحي السرياني، فقد كتب تاتيان مخطوطة اطلق عليها اسم الدياتسرون، حيث اختصر الاناجيل اليونانية الاربعة بإنجيل واحد، اصبح لوقت طويل يستخدم رسمياً في ليتورجية[6] الكنيسة السريانية، ولم تُستبدل به الأناجيل الأربعة القانونية قبل القرن الخامس الميلادي. ثم الّف افرايم سايروس تفسيراً للدياتسرون في القترة 360-370م. وصل الينا ترجمة ارمنية له. فالدياتسرون جمع تاتيان قصصه واحداثه من نسخ مجهولة للاناجيل اليونانية الاربعة ثم كتبها في كتاب سرياني واحد هو الدياتسرون بعد ترجمتها الى هذه اللغة، وقيل كُتب الدياتسرون اولاً بالونانية ثم تُرجم الى السريانية في وقتٍ ما. ثم جاء افرايم فوضع تفسيراً عن نسخة ما مستنسخة للدياتسرون، ثم ترجمت نسخة ما لتفسير افرايم الى الارمنية، لا نعرف مدى مطابقتها للمخطوطة الاصلية الاولى له، ثم نسخت تلك الترجمة الارمنية لمرّات متتالية لا نعلمها الى ان وصلتنا نسخة منها، لا نعلم شيئا عن مطابقتها للمخطوطة الارمنية الاولى!

أنَّ المسيحيين اليوم يعانون من شحة المخطوطات الكاملة للكتاب المقدس وما لديهم لا يتجاوز القرن الرابع الميلادي، برغم العدد الهائل الذي يدّعونه لمخطوطات الكتاب المقدس والذي قد يتجاوز العشرة آلاف مخطوطة، ويقصد بالمخطوطة كل قصاصة تتضمن ولو عبارة أو عبارات قليلة من أسفار الكتاب المقدس. فمعظم المخطوطات الحالية هي اجزاء متناثرة من بعض اسفار العهدين القديم والجديد ونسخ قليلة جداً من مخطوطات لم تعد كاملة من الكتاب المقدس بعهديه وهو امر ملفت للنظر لأنه يدل على ان المسيحيين لم يكونوا يهتمون بنشر وحفظ وتداول كتابهم المقدس على نحو شعبي لأسباب منها أنَّ فهم نصوص الكتاب المقدس وتفسيرها كان حكراً على البابوات ورجال الدين ولم يكن يسع المسيحيون سوى تلقي الاوامر الدينية من القساوسة والكهنة في الكنائس والاديرة! ولذلك كان المسيحيون يكتفون بالحضور يوم الاحد في الكنيسة لتلقي الاوامر والتعليمات والدروس الدينية وتلقينهم لها، لا سيما والكتاب المقدس مكتوب بلغة قديمة لا يفهمونها مما استدعى ان يكون هناك من يلقي عليهم المحاضرات والنصوص بلغة يفهمونها! كما ان العقيدة المسيحية لا تشجع على الاهتمام بالكتاب المقدس، لأنها مستندة في الأساس على التقليد الشفهي المتوارث،والعقائد الدينية هي اوضح في التقاليد الشفهية مما هو في الكتاب المقدس، ولذلك لا يجب على المسيحي ان يطلع على الكتاب المقدس ليعرف واجباته الدينية بل يكفيه ما يتلقاه من القساوسة في اجتماعات الاحد الاسبوعية! ولذلك كان للكتاب المقدس نصيبه من الاهمال من حيث القراءة والاطلاع. ولم يبدأ المسيحيون الاهتمام الفعلي بكتابهم المقدس كونه مصدراً اساسياً من مصادر المعرفة الدينية عندهم إلا بعد ظهور الإسلام وكرد فعل عندهم على ظهور القرآن العظيم الذي يشكل الركن الأساسي في المعرفة الدينية عند المسلمين. ولذلك نجد على سبيل المثال عند ظهور طائفة البروتستانت أنها رفضت التقليد المسيحي الشفهي ونادت بالإكتفاء بالمعرفة الدينية من خلال نصوص الكتاب المقدس.

يقول الاب بولس الفغالي: (كانت الوظيفة القانونية للأسفار المقدسة في الكنيسة الأولى وظيفة ليتورجية[7]. ففي الاجتماعات الافخارستية، كانت الأسفار المقدسة تُقرأ وتُشرح. ويصف القديس يوستينيانوس الشهيد ليتورجيا يوم الأحد في منتصف القرن الثاني الميلادي ذاكراً أن كتابات الرسل والأنبياء كانت تُقرأ ثم يلي ذلك موعظة لحضّ المستمعين. تم جمع كتابات العهد الجديد من قبل كنائس محلية لاستعمالها في الخدم العبادية وليس لدراسة الكتاب المقدس الخاصة (بالمفهوم البروتستانتي) له، فضمن الكنيسة كجماعة متعبّدة، كانت تقرأ الأسفار المقدسة وتفسّر)[8].

ويضاف لما سبق فإنَّ ظهور الطوائف المسيحية المتعددة منذ القرن الرابع الميلادي هو نتيجة نقص في التقاليد الشفهية المنقولة فكانوا يلجأون الى تفسير عقائدهم بالرأي والهوى، وليس نتيجة اختلافهم في تفسير نصوص الكتاب المقدس غالباً - ما عدا البروتستانت الذين ظهروا في القرن السادس عشر الميلادي والذين رفعوا شعار نبذ التقاليد والمناداة بمرجعية الكتاب المقدس للديانة المسيحية ثم قلَّدوا الكاثوليك في عقائدهم!- مما أدى الى قلّة الإهتمام بالكتاب المقدس كمصدر للعقائد الدينية المسيحية! وهذه الانقسامات التي كانت تبرز بعد كل مجمع مسيحي أو تكون هي سبباً لإنعقاد المجامع المسيحية التي يتعمّق بسببها الانقسام، أدت الى إعراض الكنائس عن نشر الكتاب المقدس بين الناس خوفاً من ظهور المزيد من الاختلافات، بالإضافة الى رغبة الكنيسة في تقوية جانب رجال الدين من كهنة وقساوسة وأساقفة، من خلال إحتكارهم التفسير الايماني وتمثيل الدين! ولا ننسى أنَّ التقاليد الشفهية كانت أكثر اهمية في الدين المسيحي من الكتاب المقدس، بل هي التي كانت حاكمة على الكتاب المقدس وإختيار أسفاره وإضفاء القانونية والقداسة على بعض الاسفار وإدخالها ضمن نطاق كتابٍ مقدَّس، ورفض البعض الآخر ووسمها بالهرطقة!

ولا ننسى ان الكتاب المقدس كان مكتوباً باللغات القديمة التي لا يعرفها أغلب الناس المؤمنين به، فمخطوطات العهد القديم ( التناخ اليهودي (תנ״ך) المكون من: التوراة وأسفار الانبياء (نبيئيم) والكتابات (كتوبيم)) مكتوبة بالعبرانية والآرامية وسبعة منها مكتوبة باليونانية، ومخطوطاته المترجمة هي الى اليونانية والسريانية واللاتينية، ولم يكن عامة الناس والشعوب تعرف هذه اللغات، بمرور الزمن، ولذلك حدثت فجوة كبيرة بين الشعوب والكتاب المقدس مما ادى الى قلة اهتمام عامة الناس بإقتناء هذا الكتاب الذي لا يفهمون لغته. يقول أندرياس ج. كوستنبيرجر: (فَلِقُرُونٍ عديدة كانت الترجمة اللاتينية للكتاب المقدس، والتي تسمى "الفولغاتا"، هي الوحيدة المتوفرة للعالم الغربي، و قد نُقلت الى اللاتينية على يد جيروم الذي فوّضه لهذا العمل الباب داماسوس في نهاية القرن الرابع ميلاديا. لقد اعتبرت هذه الترجمة المرجع الرسمي لكلمة الله خلال العصور المظلمة في أوروبا وقد كان تداولها مقصوراً على رجال الاكليروس و الرهبان والمعلمين)[9]. في حين ان عامة الناس مغيبين عن الكتاب المقدس وفهمه وذلك بسبب تأخر ترجمات الكتاب المقدس الى اللغات الحية. ولنقرأ ماذا كتبوا عن تلك الترجمة اللاتينية التي كانت وما زالت مرجعاً مهماً للكتاب المقدس، حيث جاء في دائرة المعارف الكتابية المسيحية: (لا نعرف شيئًا عن أوائل من ترجموا الكتاب المقدس إلى اللاتينية، فرغم كل أبحاث العلماء في العصر الحديث، ما زالت هناك تساؤلات كثيرة عن أصل الكتاب المقدس في اللاتينية لا تجد الإجابات الجازمة الشافية، لذلك من الأفضل أن نبدأ دراسة تاريخها ابتداء من "جيروم" في أواخر القرن الرابع)[10]! أي أن الغموض قد لفَّ مخطوطات الكتاب المقدس باللغة الاتينية طيلة أربعة قرون، الى ان ظهر جيروم وهو نفسه اعتمد أيضاً من ضمن ما اعتمد عليه في ترجمته على تلك المخطوطات التي لا نعرف شيئاً عمّن ترجمها الى اللاتينيّة!

ومن خلال تتبع اقوال علماء المسيحية حول مخطوطات الكتاب المقدس سوف نكتشف عدم وجود مخطوطات قديمة لأسفار التوراة (العهد القديم) تعود لما قبل الميلاد! بل ولا الى ما قبل القرن الثامن الميلادي!؟ اذن لقد اختفت كل نسخ التوراة التي كانت عند ظهور الاسلام في الفترة المعاصرة لرسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) اي القرن السادس الميلادي، وطمست معالمها!! ولعل هذه الامر مرتبط بقوله تعالى:

((الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ))[11].

فاليهود والنصارى في عصر النبوة ومن خلال الاسفار التي يملكونها كانوا يعرفون شخص النبي الموعود وانه محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) بشخصه وذاته المقدسة وان معرفتهم به ترقى لمعرفتهم ابنائهم كما كشف لنا ذلك القرآن الكريم لشدة ووضوح اسمه وصفاته الواردة في اسفار التوراة والانجيل، ولذلك ظهرت حركة الماسوريين في القرن الثامن الميلادي ـ اي بعد ظهور الاسلام بقرنين ـ والتي طمست بعض معالم التوراة القديمة وكتبت توراة جديدة فيها ما فيها مما يخدم توجهاتهم في التصدي للاسلام وتغييب اسم وصفة نبي الاسلام ما امكنهم ذلك، واشترك اليهود والمسيحيين في طمس المعالم المنشودة بدليل ان المسيحيين كانوا ايضاً يعتنون بالتوراة القديمة ويسمونها العهد القديم. وسيمر علينا في هذا البحث اختفاء النص العبري القديم للتوراة من مخطوطة الهكسبلة التي يمتلكها المسيحيون وكذلك اختفاء بقية نسخ مخطوطات التوراة التي كانت موجودة عندهم. ومع ذلك فلم يتمكن الماسوريين من عمل الكثير ووصلت نصوص توراتية وانجيلية تحوي اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتثبت انه النبي الموعود.

ومن الجدير بالذكر أنَّ دراسة مخطوطات الكتاب المقدس له تبعاته الدينية فيما إذا كان الدارس لها يبحث عن الحقائق الدينية. ولدينا عدّة شواهد على ذلك أهمها الأب ديفيد بنجامين كلداني أستاذ علم اللاهوت وقسيس لطائفة الكِلدان الكاثوليك الذي قرر في يومٍ ما التبحّر في المخطوطات القديمة للكتناب المقدس الى ان توصل الى اعلان إيمانه بالاسلام وإعتناقه له وتسمى عبد الأحد داود وألّف كتاب (محمد (ص) في الكتاب المقدس). والشاهد الثاني هو فارس الشدياق الاديب الماروني اللبناني المعروف والذي بدأ بترجمة الكتاب المقدس سنة 1848م وضبطه وتنقيحه بعد دعوته لهذا العمل من قبل جمعية (ترجمة الأسفار المقدسة) في انجلترا بإشراف المستشرق الدكتور (صموئيل لي). وفعلاً تمت الترجمة سنة 1851م في لندن، ثم أسلم[12] بعد ذلك وتسمى بأحمد فارس[13].

ويفتخر المسيحيون إقتخاراً مزيفاً بوجود عدد كبير من مخطوطات الكتاب المقدس، فيقولون: (وما أكثر المخطوطات التي تم إكتشافها، ومازالت تخرجها الأرض من باطنها ويكفي أن نعرف أنه يوجد نحو 5300 مخطوطة كاملة للعهد الجديد باللغة اليونانية، ونحو 24 ألف مخطوطة لأجزاء من العهد الجديد)[14]! ورغم هذا العدد المزعوم من المخطوطات الكاملة فهم لا يتمكنون من أن يخرجوا مخطوطة واحدة فقط للمسيحيين ويقولون لهم هذا هو كتابهم المقدس أو هذا هو العهد الجديد الا بعد إدخال تعديلات عليه من حذف وإضافة وتغيير!!

وهكذا اصبحت عشرات نسخ اسفار الكتاب المقدّس مليئة بالاختلافات والتناقضات والتغيير والتحريف، حتى اذا وصلنا عصر الطباعة بعد اختراع غوتنبرغ للمطبعة، واصبح هناك طلب اكثر على نسخ جديدة للكتاب المقدس بفضل الحملات الاستعمارية التي غزت الدول والبلدان، وحملات التبشير التي ترافقها، ثم تَحوُلَهُ في عصرنا الحالي الى تنافس تجاري بين المطابع والطوائف والاصدارات! وجدنا انفسنا في بحر واسع من الطبعات المختلفة للكتاب المقدس وبمختلف اللغات، ولا تجد طائفة مسيحية ترضى بالطبعة التي تصدرها طائفة مسيحية اخرى، الا على مضض، وفي اكثر الحيان بسبب سوء الاحوال المالية كما يحصل مع الآرثوذكس الذين قبلوا على مضض انتشار الطبعات البروتستانتية زهيدة الثمن التي ترجمها فاندايك وجماعته (الثلاثي سميث-فاندايك-البستاني) لينشروها بين اتباع الكنيسة القبطية رغم انها تحذف (11) سفراً من ايمانهم الكتابي! وحتى المسيحيون الكاثوليك لمسوا تأثير الافكار العلمانية وانحسار الايمان الشعبي بالالتزام الديني ينحسر عن عامّة المسيحيين، فغضّوا ايضا النظر عن غزو طبعة فاندايك البروتستانتية للعوائل الكاثوليكية!

وكما تحول عنوانه الشائع من Byble اللاتينية الى Bible الانجليزية، وفي العربية من عنوان (الكتب المقدسة) في الطبعات القديمة الى (الكتاب المقدس) في الطبعات الحديثة، وكما تحوّل عدد اسفارها من 50 و46 الى 39 سفراً فيما يخص العهد القديم، كذلك تحولت ترجمة عبارات عديدة مهمة متعلقة بالايمان المسيحي، من قبيل تحول عبارة (يسوع عبد الله) الى (يسوع فتى الله) ، وتحول (وادي بكة) الى (وادي البكاء) أو (وادي اشجار البلسم)!! وتحول مريم (عليها السلام) من (الممتلئة نعمة) الى (المنعم عليها)!! وتحول عبارة (واذا صلَّيتم فلا تُطيلوا الكلام)) الى عبارة (واذا صلَّيتم فلا تكرروا الكلام)! وتحول النص (لئلا ينقص ايمانك) الى (لئلا يفنى ايمانك)! وهذه الاختلافات ليست فقط ضمن الخلافات المسيحية-الاسلامية بل هي أيضاً ضمن الخلافات بين الطوائف المسيحية انفسها، وكل طائفة تترجم بما يتوافق مع عقيدتها الدينية!

ولا يفوتنا أيضاً اختفاء المزمور الـ (151) من الطبعات العربية الحديثة، والذي لم اعثر عليه في اي طبعة عربية للكتاب المقدس سوى واحدة مطبوعة سنة 1811م!

وإن عبارة بولس في رسالته الثانية الى تيموثاوس (3: 16و17): (فإنَّ الكتاب كلَّه قد أوحى به الله وهو مفيدٌ للتعليمِ وللتفنيدِ وللتقويم وللتهذيب بالبرِّ لكي يكون رجلُ الله كاملاً متأهباً لكلِّ عملٍ صالحٍ) والتي يستشهد بها المسيحيون على انها دليل على ان الكتاب المقدس "وحي إلهي" كان يقصد بها التوراة بصورة حصرية، وربما اسفار اخرى من العهد القديم، فالاناجيل والعديد من اسفار العهد الجديد لم تكن مكتوبة حينذاك! فهو لم يكن يعني كامل اسفار العهد القديم التي لم تكن مجموعة بالشكل الحالي حينذاك!

فلا نستغرب اذا سمعنا مسيحياً يتمكن ان يتقن اللغات القديمة العبرية والكلدانية (السريانية) وكذلك يتقن اللاتينية واليونانية، ثم يتعمق في دراسة مخطوطات اسفار الكتاب المقدس القديمة، ليعلن بعد ذلك إسلامه وشهادته بأنَّ (محمداً رسول الله) صلى الله عليه وآله وسلم. كما فعل القس ديفيد بنجامين كلداني الذي اتخذ اسم (عبد الاحد داود) بعد اسلامه. أو كما فعل الأديب اللبناني فارس الشدياق الذي ترجم الكتاب المقدس الى العربية في اواسط القرن التاسع عشر الميلادي ليعلن بعد ذلك إسلامه، وربما لما وجده من سهولة تبديل الالفاظ والكلمات في اصدارات الكتاب المقدس بمختلف اللغات!!

بل و"المضحك المبكي" أنَّ لوثر يرفض ادراج الاسفار اليونانية ضمن اسفار العهد القديم في الكتاب المقدس ويكتفي بالاسفار العبرية لأنها هي التي كتبها اليهود بلغتهم! متجاهلاً أنَّ اولئك اليهود هم انفسهم الذين رفضوا وما زالوا يرفضون يسوع المسيح بل ويجحدون وجوده التاريخي، وهم الذين تآمروا بحسب روايات الاناجيل الاربعة عليه وسلّموه الى الرومان لصلبه!! فكيف يقبل لوثر شهادة اليهود في تعيين اسفار كتابه المقدّس ثم ينكر شهادتهم في رفضهم لإلاهه يسوع المسيح!! ويرفض شهادة كبار علماء المسيحية في القرون الاولى الذين اعتمدوا على التوراة السبعينية بما تضمنته من اسفار يونانية!! أليس في هذا تناقضٌ في المواقف؟!

وبسبب لوثر ظهرت ازمة اسفار الابوكريفا التي رسّخت استخفاف البروتستانت والانجيليين والانجليكانيين بأسفار واجزاء من الكتاب المقدس في العالم الغربي والتي يعتبرها ملايين الكاثوليك جزءاً لا يتجزّأ من كتابهم المقدس!! ويبدأ الاستخفاف من اطلاق تسمية الابوكريفا عليها أي المنحولة (أي تحمل صفة المختلقة أو المكذوبة) ثم عزلها في جزء خاص آخر العهد القديم من قبل لوثر ثم حذفها نهائياً منه بعد ذلك وتجاهلها في الطبعات التالية في مختلف بقاع الارض!!

ولوثر نفسه يرفض التقاليد المسيحية الشفوية ويشن الحرب عليها ويرفع شعار (حسبنا الكتاب المقدّس) مع انه في الكتاب المقدّس ليس هناك ثالوث ولا ذكر لوجود أقانيم فهي كلها من التقليد الشفوي الذي تلقاه المسيحيون من كنيستهم واقرتها المجامع المسيحية عبر القرون!! بل ان الكتاب المقدس نفسه لم يكن ليتشكل بصورته الحالية لولا التقليد!

وبالمقابل فإن اولئك الذين ينادون باهمية التقاليد الشفوية يجعلون المسيحي امام مسار ضبابي لا يُعرف له حدود أو ضوابط، فكل ما يريده القساوسة يجعلونه من التقاليد وكل ما يرفضونه يزعمون انه مخالف للتقاليد، وليس امام المسيحي سوى الاذعان لهم بلا حجة أو دليل! فالتقاليد والركون اليها قضية خطيرة اذا مورست على مستوى فرض العقيدة الدينية لاسيما اذا رافق ذلك الفرق محاكم التفتيش سيئة الصيت!

وهناك ملاحظة اخيرة وهي انه في اغلب هذه الطبعات التي تكتب في غلافها او مقدماتها انها مترجمة عن اللغات الاصلية العبرية والسريانية واليونانية، لا يوجد ضمان ان المترجمين قد قاموا بذلك فعلاً، أو انهم قاموا بترجمة كل نصوص الاسفار بهذه الطريقة، بترجمتها عن اللغات القديمة، فلا نعرف هل هم قاموا بذلك فعلاً ام لا! وإذا كانت جميعها تعود فعلاً الى المخطوطات الاصلية فلماذا هذه الاختلافات الكثيرة رغم ان المخطوطات الاصلية الكاملة محدودة!! فرغم العدد الهائل من المخطوطات المتعلقة بأسفار الكتاب المقدس، الا أنَّ مخطوطات العهد القديم المهمة هي ستة فقط:

1- مجلد القاهرة.

2- مجلد لينينجراد 916م.

3- مجلد حلب.

4- مجلد المتحف البريطاني.

5- مجلد روشلين.

6- مجلد لينينجراد 1108م.

ومخطوطات العهد الجديد المهمة أربعة:

1- مخطوطة بيزا.

2- مجموعة برديات شستر بيتي.

3- مجموعة برديات دشنا.

4- بردية جون رايلاندز.

وأما مخطوطات الكتاب المقدس كاملاً فهي أربعة:

1- المخطوطة السينائية.

2- المخطوطة الاسكندرانية.

3- المخطوطة الفاتيكانية.

4- المخطوطة الافرايمية.

ولكون هذه المخطوطات سواء مخطوطات الكتاب المقدس كاملاً او مخطوطات العهدين القديم والجديد تحتوي بينها على اختلافات عديدة، فلذلك تنعكس تلك الاختلافات على المخطوطات التي تعتمد عليها او الطبعات الحديثة التي تستند اليها، ولكن عادة يتدخل ذوق المترجم وفهمه ومذهبه ورؤيته وهواه في انتاج النص النهائي المترجَم، ولذلك نجد هذا العدد الهائل من الطبعات الحديثة مقارنة بالعدد المحدود من المخطوطات المهمة التي يرجعون اليها!

ولكون الموضوع واسع وتفاصيله كثيرة ولكي لا تضيع الفكرة على القاريء، نورد هنا أهم عناوين الفقرات الرئيسية والفرعية لبحثنا هذا، وهي كالآتي:

1. المقدمة

2. الجهل بشخصيات المؤلف والناسخ والمترجم لأسفار الكتاب المقدس المخطوطة والمطبوعة

الأول: مجهولية مؤلّفوا "الاسفار المقدسّة"!:

الثاني: مجهولية نسّاخ "الاسفار المقدسة"!:

الثالث: مجهوليّة مترجمي "الاسفار المقدّسة" ومجهولية كفائتهم

3. الحلقات المفقودة في كتابة المخطوطات الاصلية

4. اللغة الاصلية للعهدين القديم والجديد

5. عدد مخطوطات الكتاب المقدس

6. التوراة الماسورية!

7. الترجمات القديمة للكتاب المقدس

أ- الترجمات اليونانية

ب- الترجمات اللاتينية

ج- الترجمات الأرامية

د - الترجمات السريانية

هـ - ترجمات شرقية أخرى

و- المخطوطات القوطية

8. طباعة غوتنبرغ للكتاب المقدس

9. ترجمات الكتاب المقدس الى اللغات الحيّة:

الترجمة الى اللغة الإسبانية

الترجمة الى اللغة الاتجليزية:

· ترجمة ويكليف

· ترجمة تيندال

· ترجمة كوفرديل Coverdale

· ترجمة الملك جيمس الانجليزية 1611م

· ترجمة داربي Darby Bible تكشف اسرار المخطوطات

· ترجمات انجليزية اخرى

الترجمة الى اللغة الألمانية

الترجمة الى اللغة الفرنسية

ومن الترجمات الإيطالية

ومن الترجمات الفارسية

ومن الترجمات التركية

الترجمات باللغة البلغاريّة

الترجمة الجورجانية

الترجمة السلافية

الترجمات الروسية (Русский)

ترجمات اللغة الصينية (汉语)

ترجمتان للكتاب المقدس باللغة الدنماركية (Dansk)

ترجمة الكتاب المقدس باللغة الفنلندية (Suomi)

ومن الترجمات باللغة الهندية (हिन्दी)

ترجمات للكتاب المقدس باللغة الكرواتية (Hrvatski)

ترجمات الى اللغة المجرية (Magyar)

ترجمة باللغة الآيسلندية (Íslenska)

الترجمات الى اللغة اليابانية (日本語)

ترجمة الى اللغة الكورية (한국어)

ترجمة حديثة الى اللغة اللاتينية (Latina)

ترجمة الكتاب المقدس الى اللغة المقدونية (Македонски)

ترجمة الى اللغة النيبالية (नेपाली)

ترجمات الى اللغة النرويجية

ترجمات الى اللغة الهولندية (Nederlands)

ترجمات الى اللغة البولندية (Polski)

ترجمات الى اللغة البرتغالية (Português)

ترجمتان الى اللغة الرومانية (Română)

ترجمة الكتاب المقدس الى اللغة السلوفينية (Slovenčina)

ترجمة الى اللغة الألبانية (Shqip)

ترجمتان الى اللغة الصربية (Српски)

ترجمات الى اللغة السويدية (Svenska)

ترجمتان الى اللغة الاوكرانية (Українська)

ترجمات الى اللغة الفيتنامية (Tiêng Viêt)

10. ترجمات الكتاب المقدس الى لغات محلية:

11. الترجمات العربية:

12. أهم الترجمات العربية الحديثة حسب الطوائف المسيحية

13. نبذة عن الطبعات العربية المتداولة حالياً

ـ طبعة روما 1671

ـ ترجمة رجارد واطس

ـ ترجمة وليم واطس

ـ ترجمة الشدياق

ـ ترجمة الفاندايك

ـ ترجمة الآباء الدومينيكان

ـ ترجمة اليسوعيين

ـ الترجمة الكاثوليكية (اليسوعية الجديدة):

ـ الترجمة البوليسية

ـ الفاندايك الجديدة

ـ ترجمة كتاب الحياة

ـ الترجمة العربية المشتركة

ـ ترجمة الكتاب الشريف

ـ الترجمة العربية المبسطة

14. هل ترجم الكتاب المقدس الى العربية قبل الاسلام؟

15. نماذج من الاختلاف في الترجمة تبعاً للعقيدة الكنسية

16. الانشقاقات والطوائف في المسيحية

17. نماذج من الاختلافات الموجودة بين المخطوطات القديمة للكتاب المقدس

18. التحريف في الطبعات الحديثة للكتاب المقدس

19. اختلاف الطوائف المسيحية الحالية في عدد اسفار الكتاب المقدس

20. مجهولية كتّاب الاسفار المقدسّة!

21. بولس ومخطوطات رسائله

وفيما يلي تفاصيل العناوين التي ذكرناها:

الجهل بشخصيات المؤلف والناسخ والمترجم لأسفار الكتاب المقدس المخطوطة والمطبوعة:

القصد من هذا العنوان الفرعي هو الكشف عن حقيقة تعدد المصادر المجهولة لأسفار الكتاب المقدس، والمجهولية الثالوثية لأسفار الكتاب المقدس تتبين في مجهولية: المؤلف والناسخ والمترجّم. والمجهوليّة لكلٍ منها ذات بعدين: مجهولية الشخص ومجهولية الكفائة!

يبدأ جهلنا بالكتاب المقدس بمجهولية كتبة اسفاره، فالعديد من اسفاره هي مجهولة الكاتب باعتراف العديد من علماء المسيحية، وفي احسن الاحوال تكون هناك ظنون حول شخصية الكاتب!

المجهولية الاخرى هي مجهولية نُسّاخ المخطوطات الاصلية، قرناً بعد قرن هناك العشرات من المخطوطات التي يتم نسخها افقياً وعمودياً، اي نسخها طلباً للانتشار في الزمن الواحد بين الناس، ونسخها جيلاً بعد جيلا بعد تلف النسخ السابقة.

واستمر حال النسخ أفقياً وعمودياً الى ان وصلنا عصر الطباعة. فصار أمر انتشار نسخ الكتاب المقدس اكثر سهولة من حيث الاصدار والكميّة، مع بقاء امر مجهولية المترجم بعد ان اختفاء مسألة مجهولية الناسخ! وإذا تمت معرفة شخصية المترجم في بعض الطبعات الحديثة فتبقى مسألة كفاءة المترجم مجهولة أو محل نقاش وظنون!

الأول: مجهولية مؤلّفي "الاسفار المقدسّة"!: يقول بعض علماء المسيحية ان مجهولية شخصية مؤلفي اسفار الكتاب المقدس لا تمنع من قرائته! يقول ديفيد أ. دِه سيلفا بعد مناقشته مجهولية كاتب انجيل مرقس: (الأمر الأكيد هو ان حل مسألة هوية الكاتب لا تُعزز قراءتنا للإنجيل، وترك القضية مفتوحة لا تُنفرّنا عن قراءته. تبقى هذه الأناجيل الأربعة كلمة الله وشهادة الكنيسة لشخص المسيح ونموذج التلمذة ، بغض النظر عن مزاعم هوية الكاتب. فالنصوص، وليس العناوين، هي "كلمة الله" للكنائس)[15]!! وهذه الكلمات لا تعدو كونها كلمات إنشائية وضحك على الذقون! فهل يقبل عاقل ان تشهد الكنيسة (المركز الديني الرئيسي) بالرجوع الى نصوص لا يعرفون من هو كاتبها! هل كتبها هرطوقي ام شيطان ام ناسك!! وحتى الناسك لا يعرفون مدى وثاقته في النقل وضبط النصوص وهل كان بكامل ذاكره وقواه العقلية حينما كتب الاسفار ام اصابه ما يصيب العديد من كبار السن من خلط في المعلومات وقلة ضبط لدقة الاحداث التي يرويها ونسيان! فهذا النص يعتبر ان للكنيسة ايمان "معيّن" وأي نص يأتي موافق لهذا الايمان يكون مقبولاً وتتبناه الكنيسة ويكون مقدّساً!! فالأصل عندهم ليس قدسية النص ولا قدسية كاتبه، بل قدسية التقليد الذي تتوارثه الكنيسة جيلاً بعد آخر، فما وافق التقليد يكون مقدّساً حتى لو لم يعلموا من هو قائله أو مؤلفه! ثم ياتي مارتن لوثر وبقية البروتستانت ليرفعوا شعار (حسبنا الكتاب المقدس) ويرفضوا التقليد، ولا يعرفون انه لولا التقليد لما تضمن الكتاب المقدس اسفاره الحالية!! وفي هذا الشعار جحود للتقليد لا ينبغي ان يصدر من قبل "مؤمنين" من الناحية الاخلاقية على أقل تقدير فهو مماثل لجحود فضل الأب على أبناءه!

وفيما يلي امثلة لمجهولية مؤلفي اسفار الكتاب المقدّس:

* يعترف بعض علماء المسيحية بأنَّ التوراة الحالية ليست هي جميعها قد كتبت من قبل النبي موسى (عليه السلام)، حيث جاء في مقدمة اسفار الشريعة في نسخة الكتاب المقدس التي صادق على إصدارها مطران بيروت إغناطيوس زيادة: (فما من عالم كاثوليكي في عصرنا يعتقد أنَّ موسى ذاته قد كتب كل البانتاتيك[16] منذ قصة الخلق الى قصة موته، كما انه لا يكفي ان يقال ان موسى اشرف على وضع النص الملهم[17] الذي دونه كتبة عديدون في غضون اربعين سنة. بل يجب القول مع لجنة الكتاب المقدس البابوية (1948) انه يوجد "إزدياد تدريجي في الشرائع الموسوية سبّبته مناسبات العصور التالية الاجتماعية والدينية، تقدّم يظهر أيضاً في الروايات التاريخية")[18]. مما يعني ان هذه الزيادة عبر العصور هي بلغات الزمان والمكان الذي كتبت فيه وطبعا بلغة كاتبها أيضاً!

* فعلى سبيل المثال قال علماء المسيحية عن سفر يشوع: (لكن المؤلف المقدس الذي نجهل اسمه وعصره)[19]! فإذا كان عصر المؤلف مجهول فبالأحرى ان تكون لغة هذا السفر الاصلية مجهولة أيضاً. ثم ما هذا الضحك على الذقون حين يكتبون ان المؤلِّف "مقدّس" وهم يجهلون اسمه وعصره!!

* بخصوص سفر المزامير نقرأ ما كتبه الأب متى المسكين:

ـ قال بخصوص المزمور الأول: (فتحديد تاريخه ومؤلفه سيبقى دائمًا بغير تأكيد. ويعتقد الأسقف Perowne أنه لسليمان النبي وضعه مقدِّمة لمزامير أبيه داود. ويعتقد العالِم Cheyne أنه وُضِعَ بقصد دراسة الناموس في أيام عزرا)[20].

ـ وقال بخصوص المزمور الثاني: (هذا المزمور حاول بعض الشُّرَّاح نسبته إلى أحد ملوك إسرائيل، ولكن انتهى بهم المطاف ليروا فيه أنه نبوة أصيلة واضحة، وتنبؤ عن ثورة الأمم وملوكها في عالم الغد في مقاومة مملكة المسيح، والنصرة النهائية لمملكة المسيح، وله تخضع كل الأمم إذ قد أُعطيت له كميراث، وإن لم يكن لهم الخضوع الكامل يدخلون المحاكمة)[21]، ثم يقول معبّراً عن عدم معرفة كاتب المزمور على وجه دقيق: (يتأمّل صاحب المزمور مندهشاً في هياج الأمم كمهيَّئين للحرب)[22]!

ـ وقال بخصوص المزمور الرابع: (يُظَن أنه لداود)[23].

ـ وقال بخصوص المزمور 22: (والشُرَّاح يختلفون من جهة رؤيتهم للغرض العام والظروف وتاريخ هذا المزمور ... العنوان يذكر أنه لداود والتاريخ لا يمدنا بأي أساس لنرى أن داود قد مرَّ على هذه الآلام كما هي موصوفة هناك ... وإنه من المحال أن نتكلَّم عن تاريخ المزمور أو المؤلف عن يقين، كذلك بالمقارنة بين حياة داود وخبراتها وبين هذا المزمور لا نجد أي مشابهة أو اتصال)[24].

* ومثال آخر بخصوص سفر أرميا المنسوب للنبي ارميا الذي اصبح نبياً سنة 627ق.م[25]، فقد جاء في مقدمة السفر في طبعة الكتاب المقدس الصادرة عن دار المشرق وبمصادقة بولس باسيم النائب الرسولي للاتين في بيروت، ما نصّه: (كانت هناك إذن في اوائل الجلاء، دفاتر كثيرة ومجموعات مبعثرة، يرجَّح أن اُضيف اليها بعض التقاليد الشفهية الخاصة بأرميا. لقد قام محرر مجهول الاسم بجمع كل هذه المواد في مجلَّد واحد. لا نعلم من هو هذا المحرر، ولكنه يكشف عن نفسه بتلك الاضافات التي لا تحصى والمؤلفات المتماسكة (خطب ورواية أو روايتان) والتعليقات المكتوبة بإنشاء سفر تثنية الاشتراع التي سبق ذكرها والتي تتخلل جميع فصول الكتاب تقريباً. ان المحرر النهائي لسفر ارميا ينتمي فعلاً الى مدرسة تثنية الاشتراع التي سبق ذكرها والتي تتخلل جميع فصول الكتاب تقريباً)[26].

ومثال ثالث بخصوص سفر مراثي ارميا فكتبوا: (إن اغفال اسم الكاتب والتنوع في المراثي يطرحان السؤال في تحديد تاريخ تدوين هذه القصائد. إذا كان من العسير أن نؤكّد أنّ هناك ترتيباً في التأليف، فمن الواضح على كل حال أن جميع القصائد يعود عهدها الى ما قبل نهاية الجلاء في السنة 538، لا بل أن هناك تفاصيل كثيرة (لاسيما في القصيدة الثانية والرابعة) تدلّ على ان ما ورد فيها من أحداث السنة 587. ولعل القصيدة الاولى يعود عهدها الى زمن الجلاء الأول في السنة 598)[27].

* واما بخصوص نبوءة باروك فقد كتبوا: (يبدو الكتاب، عندما يطالع اول مرة، يبدو وكأنه من وضع باروك "أمين سر" أرميا، ألَّفه في أثناء الجلاء الى بابل. ووجَّهه الى الجماعة التي بقيت في أورشليم. لكن هناك فوارق كثيرة بين المعلومات المقتبسة من المؤلفات المعاصرة لسقوط أورشليم والجلاء وما ورد في سفر باروك. وهذه الفروق تجعل نسبة هذا الكتاب الى "أمين سر" إرميا أمراً مستحيلاً. فالكتاب ينتمي إذن الى أدب الاسماء المستعارة. ان استعارة الاسماء يفترض اختلافاً في اسم المؤلِّف، ولكنه يفترض أيضاً اختلافاً في المواقف وفي هوية الذين يُرسَل الكتاب إليهم. ومن هنا الصعوبة الكبرى التي نصطدم بها في مطالعة سفر باروك)[28]... الى ان يقول: (ان سفر باروك هو إذاً من مؤلفات الشتات اليهودي، يدعو سكان أورشليم الى اقامة رتبة تكفير. لا شك ان القسمين الأولين وهما أقدم الاقسام يرتقيان الى أحداث السنة 164 أو انهما احدث منها بقليل، ..... ، والراجح أن الكتاب بلغ صيغته النهائية في النصف الثاني من القرن الثاني)[29].

الثاني: مجهولية نسّاخ "الاسفار المقدسة"!: هناك عدّة اسألة ينبغي إجابتها لكل مخطوطة من مخطوطات الكتاب المقدس، وإجابتها تكشف هل يمكن أن يقال عنها أنَّها مخطوطات "مقدسة" وانَّه كتاب مقدّس معصوم ومُلهَم، وقد تقدم الكلام عن احدها المتعلق بشخصية مؤلف "السِفر المقدّس"! والان نتكلم عن شخصية "ناسخ السفر المقدّس"! ومشكلة مجهولية الغلبية العظمى من الناسخين ومجهولية كفائتهم واتقانهم للعمل، ومجهولية مدى تدقيق النسخ المنسوخة مع النسخ المنسوخ عليها! وهل حدث في تلك النُسخ تغيير وتبديل؟

فإجابة السؤال عمّن نسخ مخطوطات الكتاب المقدس يقودنا أيضاً الى أشخاص مجهولين لا نعرف عنهم شيئاً. والمسيحيون يقولون أنّه بخصوص التوراة وأسفار العهد القديم فقد كان طبقة الكتبة اليهود هم الذين يعتنون بنسخه وتدقيق النسخ، ومع ذلك ظهر لدينا هذا الكم الهائل من اسفار العهد القديم المختلفة فيما بينها في مواضع كثيرة!

ويحاول بعض رجال الدين المسيحيين الدفاع عن مخطوطات الكتاب المقدس عن طريق مدح النُسّاخ وعملهم، وننقل نصاً للاستاذ حلمي القمص يعقوب يحاول فيه بيان ان عملية نسخ اسفار العهد القديم كانت دقيقة للغاية، إذ يقول: (كان يقوم بعملية النسخ فئة الكتبة، وكانوا حتى القرن الثاني قبل الميلاد جميعهم من الكهنة، وبعد هذا بدأ يحل محلهم الكتبة من غير الكهنة، وقد قاموا في الفترة التي صمت فيها الوحي بتفسير الأسفار المقدَّسة، وأشار إليهم الرب يسوع على إنهم مُرسَلين من الله عندما قال "ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة فمنهم تقتلون وتصلبون ومنهم تجلدون وفي مجامعكم وتطردون من مدينة إلى مدينة" (مت 23: 34) وتعيّد كنيستنا القبطية باستشهاد العازر في عصر المكابيين مع زوجته سالومي وأولادهما السبعة، وكان العازر هذا يفسر الشريعة وهو ابن أحد الشيوخ الذين شاركوا في الترجمة السبعينية. وكما أُطلق على النساخ أيضًا لقب " سُفِريم " وهي مشتقة من الفعل العبري "سُفِر " بمعنى يحسب، لأنهم اعتادوا أن يحسبوا حروف الأسفار المختلفة، وكان غالبًا ما يتم تسجيل إحصائية في نهاية كل سفر بعدد الحروف، وتحديد الحرف المتوسط والكلمة المتوسطة والآية المتوسطة حتى يمكن ضبط النسخ الجديدة، فإن اتفقت إحصائيتها مع هذه الإحصائية كانت مؤشرًا لصحة النسخة الجديدة، فمثلًا حدَّدوا الحرف الأوسط في كل سفر، وحدَّدوا الحرف الأوسط في أسفار موسى الخمسة بل أنهم أحصوا تكرار كل حرف في العهد القديم، فمثلًا حرف الألف في العبرية بلغ 42377، وحرف الباء بلغ 38218، وحرف الجيم 41517، وبعد قرون عديدة تسلَّم مسئولية النساخة طائفة المازوريين (500 - 900 م) وسميت النسخ التي قاموا بنسخها بالنسخ المازورية)[30].

ولكن واقع مخطوطات التوراة والعهد القديم تكذّب هذا النص لوجود اختلافات عديدة بينها، فلو كان نسخ التوراة واسفار العهد القديم بهذه الدرجة من الدقة لما وجدنا هذه الاختلافات بين مئات بل آلاف المخطوطات التي تخصّها.

إنَّ بعض نسخ المخطوطات القديمة للعهد الجديد تعتبر "فضيحة اخلاقية" ونخص بالذكر "نسخة افرايم التي أعيد نسخها وهي تشمل أسفار العهدين القديم والجديد باللغة اليونانية وقد محيت من عليها أسفار الكتاب المقدس. ونسخت في مكانها مواعظ افرايم فظهرت كتابة هذه المواعظ فوق كتابة أسفار الكتاب المقدس، ومع ذلك فقد أصبح من الممكن لنا أن نقرأ نسخة الكتاب المقدس التي ترجع إلى القرن الخامس الميلادي وهي محفوظة الآن في باريس"[31]. فقد تم محو كتابة نصوص العهد الجديد واستخدام كتابة اخرى محلها، فما ادراهم ان محو الكتابة القديمة (العهد الجديد) لم يكن لأنها سيئة النسخ او فيها اخطاء عديدة؟! فضلا عن ان كاتب الكتابة الممحوة هو شخص مجهول!! فعاد هؤلاء الى احيائها من جديد واعتبارها مصدراً رابعاً للعهد الجديد "المقدس" الى جانب النسخ الفاتيكانية والسينائية والاسكندرانية!! كيف يمكن ان تاتي لمخطوطة تم محوها لأسباب مجهولة، وتقول هذه مخطوطة معتبرة!!

ويعترف البابا لاون الثالث عشر بوقوع اخطاء النسّاخ في الكتاب المقدس، فيقول في الرسالة العامة التي أصدرها في 18 نوفمبر 1893م باسم "الله الكلى العناية ": ("أجل، من الممكن أن يكون النساخ الذين نقلوا المخطوطات، قد أخطأوا في كتابة بعض النصوص، ولكن يجب في مثل هذه الحالة، أن يكون الحكم ناضجا، وأن لا نسلم به إلا في النصوص التي يثبت فيها خطأ النساخ بوضوح)[32].

الثالث: مجهوليّة مترجمي "الاسفار المقدّسة" ومجهولية كفائتهم: وكذلك إجابة السؤال عمّن ترجم مخطوطات الكتاب المقدس، فهناك أشخاص معروفون بأسمائهم او بعناوينهم، وهناك أشخاص مجهولون! وقد ذكرنا المعروفين من المترجمين حين ذكر النسخ التي ترجموها.

هناك نقطة جدير بالملاحظة، وهي ان المخطوطات الاصلية للكتاب المقدس كتبت بلغات شتى، منها العبرية والآرامية واليونانية والكلدانية (السريانية) وغيرها، وان الشعوب المسيحية بلغاتها الحيّة تحتاج الى ترجمة من تلك اللغات القديمة الى لغاتها الحية التي تتحدث بها، ولذلك بعد دخول عصر الطباعة وجدنا ان هناك حركة ترجمة مستمرة للكتاب المقدس الى اللغات الحية. وقد واجهت ترجمة النصوص القديمة الى اللغات الحيّة المعاصرة مشاكل عديدة أدت في نهاية الامر الى حدوث بعض التغييرات في النصوص القديمة، شاء المترجم ذلك أم أبى، وهذه التغييرات تخدش في قدسية النص بلا شك وتنقله من طبيعته المقدسة الى طبيعة نص مُترجَم فيه مزاياه وعيوبه! فالمترجِم يراعي حين ترجمته اذهان المتلقين له ومستواهم الفكري والثقافي، ولذلك قالوا ان (الفولجاتا Vulgata) وهي الكتاب المقدس باللغة اللاتينية التي ترجمها جيروم في القرن الرابع قبل الميلاد، وكان قد استخدم لغة شعبية (عاميّة) في ترجمته كي يقدر أن يفهمه عامة الشعب، ولهذا السبب عرفت بالـ "فولجاتا" أي "الشعبي"! ومثال آخر معاصر، حيث نجد طبعة العهد الجديد (الطبعة المشتركة الرعائية) التي اشرف عليها الاب بولس الفغالي وكتب مقدماتها وحواشيها، كتبوا مرقس (1:1) كالتالي: (بشارة يسوع المسيح ابن الله)! وكتب الفغالي في الهامش: (بشارة يسوع. حرفيّا: بدء إنجيل)[33]. أي انهم اعترفوا بتغيير النص ليكون اقرب الى فهم المتلقي! ويقول الدكتور محمد عصفور في كتابه (دراسات في الترجمة ونقدها): (يرى جِفري بُلُو "أن كل عصر من العصور يحتاج الى ترجمات جديدة للأعمال الكلاسيكية". ولئن صح ذلك على الاعمال الكلاسيكية التي تتناول شؤون الدنيا كتلك التي خلّفها لنا اليونان والرومان فإنه يصح أكثر على كتاب كالكتاب المقدس الذي هو وثيق الصلة بحياة الملايين من البشر في جميع انحاء العالم. وهناك ترجمات كثيرة جداً باللغة الإنگليزية، ويمكننا بإستمرار أن نتوقع ظهور المزيد منها في المستقبل. ما السبب يا ترى؟ إن السبب المعطى في حالة الاعمال الكلاسيكية هو جعلها تتكلم بلغة معاصرة لقرّائها وتخليصها مما قد يكون عالقاً بها من تعبيرات بالية أو كلمات حوشية من منظور الجيل الذي يقرأ الكتب. كذلك فإن "الترجمات الجديدة للاعمال الكلاسيكية ... تدعو القرّاء للرجوع الى تلك الاعمال للنظر اليها من زوايا جديدة". أما في حالة الكتاب المقدس فإن الاهتمام الاكبر ينصبّ على الدقة في الترجمة. ولكن مسألة زوايا النظر الجديدة وأساليب التعبير العصرية لا تقل عن ذلك من حيث الاهمية. ولعل هذه الناحية الثانية، ناحية أساليب التعبير العصرية، هي التي تكمن وراء عددٍ من الترجمات الحديثة للكتاب المقدس باللغة الإنگليزية. اما في العربية فإن اوسع الترجمات انتشاراً هي تلك التي انتجها الهولندي كورنيليُس ڤان دايك (1865). وقد كانت تلك الترجمة إنجازاً مدهشاً جرى على يد هذا الرجل الموهوب الذي استعان بنخبة متميزة من المسيحيين العرب. ولكن الحقيقة هي أن هذا العمل يقارب عمره قرناً ونصف القرن، وهو عمل يعاني من عدد من المشكلات التي ستتناولها هذه الدراسة. على أنني في قولي هذا لا أتكلم إلا بصفتي قارئاً يهتم بمشكلات الترجمة من الناحيتين النظرية والعملية. والنص الكتابي في نظر الكثيرين نص مقدّس، ولكن لا أظن أن احداً يمكنه أن ينسب صفة القداسة لأي ترجمة من ترجمات هذا النص لأن هذه الترجمات تتغيّر باستمرار من حيث الأسلوب وقوّة التعبير إن لم يكن من حيث الدقة حتى في اللغة الواحدة)[34].

يقول الشماس الدكتور إميل ماهر إسحاق: (وقد تكاثرت المخطوطات الكتابية على مر السنين فصارت تُعدُّ بالآلاف وهي محفوظة في المتاحف والمكتبات في متناول العلماء والباحثين. ولكن من يدرس مخطوطات الكتاب المقدس بلغاته الاصلية أو ترجماته القديمة يلاحظ وجود بعض الفروقات في القراءات بين المخطوطات القديمة. وهي فروق طفيفة لا تمس جوهر الايمان في شيء ولا ممارسات الحياة المسيحية والعبادة[35]. ومعظم فروق القراءات بين المخطوطات يمكن ارجاعها الى تغييرات حدثت عن غير دراية من الناسخ أو قصد منه خلال عملية النساخة. فأحياناً تحدث الفروق بسبب أخطاء العين، كأن يخطيء الناسخ في قراءة النص الذي ينقل عنه فتسقط منه بعض كلمات أو عبارات، أو يكرر نساخة بعضها، أو يحدث تبادل في مواقع الحروف في الكلمات مما يؤدي الى تغيير المعنى، أو يحدث تبادل في مواقع الكلمات أو السطور. وقد يحدث الخلط بسبب صعوبة في قراءة بعض الحروف خصوصاً وأن الحروف العبرانية متشابهة في الشكل، وكذلك أيضاً الحروف اليونانية الكبيرة. فأحياناً قد يصعب التمييز بين الحروف إذا لم تكن مكتوبة بخط واضح وبقدر كافٍ من العناية، أو إذا كان المخطوط الذي ينقل عنه الناسخ قد اهرّأ أو بهتت الكتابة عليه في بعض المواضع أو بعض الحروف. وبعض فروق القراءات قد ينتج أيضاً عن أخطاء الأذن في السماع في حالة الإملاء. فمثلاً العبارة في رومية 1:5 "لنا سلام" وردت في بعض النسخ "ليكن لنا سلام"، والعبارتان متشابهتان في السماع في يونانية القرن الاول. أما في العبرانية فإن احتمال وقوع اخطاء الاذن منعدم أو ضعيف، لأنه لا توجد في كتابات الربابنة أية اشارة الى ممارسة النساخة بطريقة الاملاء للناسخ بالقراءة له من النسخة المنقول عنها. فالمسيحيون وحدهم هم الذين استخدموا طريقة الانتاج بالجملة عن طريق الاملاء لمجموعة من الكتبة في وقت واحد. وبعض فروق القراءات قد ينتج عن اخطاء الذهن كأن يفشل الناسخ في تفسير بعض الاختصارات التي كانت تستخدم كثيراً في المخطوطات، خصوصاً مصطلحات مثل "الله" و"المسيح" التي كانت تكتب بصورة مختصرة بصفة منتظمة، والفروق في تيموتاوس الاولى 16:3 بيم "مَنْ" و"الذي" و"الله" هي مثال على ذلك. فقد وردت الآية: "عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد" مكتوبة في قراءة أخرى: "عظيم هو سر التقوى الذي (أو: مَنْ) ظهر في الجسد".. الخ. [Reumann, p. 1226]. وقد أظهر پاك Pack في دراساته عن طريق أوريجانوس في مقارنة النصوص الكتابية أن أوريجانوس يُرجع الفروق في القراءات الى أسباب اربعة، هي:

1- أخطاء أثناء عملية النقل بالنساخة نتيجة انخفاض درجة التركيز عند الناسخ في بعض الاحيان.

2- النسخ التي يتلفها الهراطقة عمداً ببث أفكارهم فيها أثناء النساخة.

3- التعديلات التي يُجريها بعض النُسّاخ عن وعي وبشيء من الاندفاع بهدف تصحيح ما يرون أنه أخطاء وقعت من نُسّاخ سابقين أو أختلاف عن القراءة التي اعتادوا سماعها.

4- تعديلات بهدف توضيح المعنى المقصود في العبارة)[36].

وبالحقيقة فإنَّ الاختلافات بين مخطوطات الكتاب المقدس ليست على النحو البسيط الذي يحاول الشماس إميل ماهر إسحاق إظهاره. فالاختلافات ترقى الى انواع التحريفات التالية:

أ‌. تغيير صيغة كلمات مهمة ينقلها من معنى الى معنى. مثل كلمة الفارقليط في إنجيل يوحنا التي تعني (أحمد) التي غيروا معناها الى المعزي وبعضهم الى المؤيد أوالمعين ويكتبونها في بعض الطبعات الانجليزية (Paraclete)! يقول القس السابق عبد الاحد داود ان الكلمة الصحيحة هي: (احمد Periqlytos)، وتعني الأشهر أو الأجدر بالحمد[37].

ب‌.ادخال عبارات تتعلق بالايمان والعبادة المسيحية في بعض المخطوطات.

ت‌. تغيير في بعض العبارات لتخفي الاخطاء التي ارتكبها كاتبوها مثل تغيير بعض عبارات في رسائل بولس لكي لا ينتبه القاريء على التوقفات الفجائية في بعض المواضع وعدم اكتمال بعض عباراته حيث يتركها ناقصة! (وسوف نتطرق الى هذا الموضوع بالتفصيل في فقرات قادمة).

ث‌. تغيير باضافة كلمات او تغيير في جمل لتلافي بعض المواقف المسيئة والانتقادات التي قد تحصل، مثال مشكلة العيد حينما روى انجيل يوحنا ان المسيح انه لن يصعد الى العيد ثم صعد خفية! فاضافوا كلمة (الآن) للتغطية على الموضوع.

ج‌. دمج اكثر من مخطوطة لانتاج مخطوطة واحدة، ونجد هذا في رسائل بولس، كما سنبينه.

وكتب حلمي القمص يعقوب: (نحن لا ندَّعي أبدًا أن المخطوطات قد خلت من أية تصحيحات، ونحن نعلم أيضًا أن هناك اختلافات فيما بينها لا تمس أصول الإيمان أبدًا، فمثلًا من أصول الإيمان المسيحي أن السيد المسيح هو ابن الله المتجسّد من أجل خلاص البشرية، وقد تمم هذا الخلاص على أتم وجه إذ صُلب ومات وقام من الأموات، فدفـع الديْن عنا ورفع حكم الموت، وأقامنا معه، وصعد إلى السموات، ووهبنا روحه القدوس وأنه سيأتي ثانية في مجد عظيم مع ملائكته القديسين ليصطحب أولاده الأمناء إلى الملكوت، ويطرح الأشرار مع أبيهم إبليس في بحيرة النار والكبريت.. هناك نعيش في نعيم دائم في الحضرة الإلهيَّة نسبحه ونمجده ونزيده علوًا بعيدًا عن أية أمور جسدية شهوانية.. إلخ... فهل تجد أيها الناقد أية مخطوطة على وجه الأرض تُنكر هذه الحقائق الإيمانية..؟! هل صادفتك مخطوطة تخبـرك بأن المسيح ليس هو ابن الله..؟! هل التقيت بمخطوطة تخبرك بأن المسيح لم يُصلب، أو أنه صُلب ولم يقم من بين الأموات، ولم يظهر لخواصه..؟! هل سمعت عن مخطوطة تُنكر المجيء الثاني للرب يسوع ودينونته للعالم..؟! إلخ.. إن إيماننا المسيحي القويم هو في منتهى البساطة لمن لديهم بساطة الأطفال.. حقًا قال الرب يسوع : "أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هذِهِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ" (لو10 : 21))[38].

وجواب هذا النص يكون من عدة جهات ابرزها: لا نسلّم أنَّ جميع المخطوطات المسيحية متفقة في العقيدة المسيحية وأنها مجمعة على ان المسيح ابن الله وانَّه صُلِب، بل هناك مخطوطات تقول ان المسيح إنسان وليس إله وهو نبي كريم، كما ان هناك مخطوطات تقول ان المسيح لم يُصلَب، والذي حصل أنَّ بولس هو الذي جاء بعقيدة أنَّ المسيح هو ابن الإله وانه صلب وقال: "ننادي بمسيح مصلوب" في مقابل نداءات مسيحية أخرى بمسيح لم يُصلب. ثم حدث ما حدث في مجمع نيقية سنة 325م وأصبحت عقيدة بولس واتباعه هي السائدة، ثم عمدوا الى اتلاف ونبذ وتحريم بقية المخطوطات المسيحية التي لا تنص على هذه العقيدة ونبزوا تلك الطوائف المسيحية التي تنادي بعقائد تخالف عقيدة بولس وأتباعه بانهم مهرطقون أي كفرة! فليس هناك فخر عند المسيحيين اليوم بأن جميع مخطوطات الكتاب المقدس تنادي بمسيح مصلوب وان المسيح إبن الإله لكونهم منذ البداية انتقوا المخطوطات التي تتضمن هذه العقيدة. ولكن ما هو الدليل على صحة هذه العقيدة التي تضمنتها تلك المخطوطات أي عقيدة ان المسيح أبن الإله وانه مات مصلوباً؟ قالوا ان الدليل ان المسيح ظهر لبولس الذي كان حينها يهودياً يدعى شاول، فأعلن إيمانه وأنضم الى جانب بقية تلاميذ المسيح ونشروا معاً الدين المسيحي في حوض البحر المتوسط ومنه الى العالم، وأنَّ دليلهم على هذا الأمر هو رسائل بولس ويعقوب وبطرس ويوحنا والأناجيل الأربعة وبقية أسفار العهد الجديد، وان تلك الاسفار توارثوها جيلاً بعد جيل من خلال مخطوطات كتبها اشخاص معروفون وهم ملهمون معصومون من الخطأ! فنظرنا في الأمر فوجدنا أن بعض علماء المسيحية منذ حوالي القرن التاسع عشر الميلادي أو قبله بدأوا بنقد مخطوطات تلك الرسائل والأسفار ووجدوا أن هذه الحجة على الإيمان المسيحي غير تامّة لكون العديد ممن كتب أسفار العهد الجديد هم مجهولوا الشخصية! وأنَّ هناك اختلافات بين المخطوطات فيما يخص كل سفر من أسفار الرسائل وبقية أسفار العهد الجديد، كما أن هناك تناقضات في المعلومات بين أسفار العهد الجديد، وكذلك بين معلومات العهد الجديد من جهة والعهد القديم من جهة اخرى، في مواضع كثيرة! بالإضافة الى انهم وجدوا أن هناك مخطوطات رسائل كتبها بولس وقد ضاعت بمرور الزمن، فلماذا سمح الإله بضياع بعض تلك الرسائل وبقاء البعض الآخر منها في التداول! أليس هذا دليل على أن الإله لم يحفظ وحيه لنبيه بولس وبالتالي فإن رسائل بولس ليست مهمة لإعلان الإيمان المسيحي للعالم بدليل أنَّ الإله سمح بضياع بعضها! بالإضافة الى وجود ملاحظات عديدة متعلقة بأسلوب بولس في كتابته لرسائله وأن بعض المواضع فيها غير مكتملة العبارة، وان هناك رسائل لبولس هي تجميع من عدة رسائل أخرى في رسالة واحدة! أي إنَّ هناك تلاعباً قد حدث من قبل أشخاص مجهولين في مخطوطات رسائل بولس بحيث اخذوا مقاطع من عدة رسائل وجمعوها في رسالة واحدة! بالاضافة الى ملاحظات أخرى سنتطرق اليها بالتفصيل في الفقرات القادمة إنْ شاء الله سبحانه. فهل ينفع تلك المخطوطات أن تبقى حجة على الناس لايمان المسيحي بعد أن احتوت كل هذه التفاصيل السلبية التي تقلل ثقة الناس بها وبصحة مضامينها العقائدية والدينية؟!

في (المدخل الى العهد الجديد) في الطبعة الثامنة التي اصدرتها المطبعة الكاثوليكية 1982م[39]، نقرأ: (بلغنا نص الأسفار السبعة والعشرين في عدد كبير من الكتب الخط التي أُنشئت في كثير من مختلف اللغات، وهي محفوظة الآن في المكتبات في طول العالم وعرضه. وليس في هذه الكتب الخط كتاب واحد بخط المؤلِّف نفسه، بل كلها نسخ او نسخ نسخ للكتب التي خطتها يد المؤلف نفسه او املاها املاءً. وجميع اسفار العهد الجديد، من غير ان يستثني واحد منها، كتب باليونانية، وهناك أكثر من خمسة آلاف كتاب خط بهذه اللغة، أقدمها كُتبَ على اوراق البردي وكُتبَ سائرها على الرق. وليس لدينا على البردي سوى اجزاء من العهد الجديد بعضها صغير. وأقدم الكتب بالخط، التي تحتوي معظم العهد الجديد او نصه الكامل، كتابان مقدسان على الرق يعودان الى القرن الرابع. واجلّهما "المجلد الفاتيكاني" سُمّي كذلك لأنه محفوظ في مكتبة الفاتيكان. وهذا الكتاب الخط مجهول المصدر وقد اصيب بأضرار لسوء الحظ ولكنه يحتوي العهد الجديد، ما عدا الرسالة الى العبرانيين 9/14-13/25 والرسالتين الأولى والثانية الى طيموتاوس والرسالة الى طيطس والرسالة الى فيلمون والرؤيا. والعهد الجديد كامل في الكتاب الخط الذي يقال له "المجلّد السينائي"، لأنه عُثر عليه في دير القديسة كاترينا، لا بل اضيف الى العهد الجديد اللارسالة الى برنابا وجزء من "الراعي" لهرماس وهما مؤلفان لن يحفظا في قانون العهد الجديد في صيغته الاخيرة. والمجلد السينائي محفوظ اليوم في المتحف البريطاني في لندن وكتب هذان المجلدان بخط جميل يقال له الخط الكبير الكتابي، وهما الأشهران بين نحو 250 كتبت على الرق بالخط نفسه او بخط يشبهه قليلاً او كثيراً، وتعود الى عهد يمتد من القرن الثالث الى القرن العاشر، او الحادي عشر، ومعظمها، وعلى الخصوص اقدمها، لا يحفظ الا جزءاً صغيراً في بعض الأحيان من العهد الجديد.

ان نسخ العهد الجديد التي وصلت الينا ليست كلها واحدة، بل يمكن المرء ان يرى فيها فوارق مختلفة الاهمية ، ولكن عددها كثير جداً على كل حال. هناك طائفة من الفوارق لا تتناول سوى بعض قواعد الصرف والنحو أو الألفاظ او ترتيب الكلام، ولكن هناك فوارق اخرى بين الكتب الخط تتناول معنى فقرات برمتها.

واكتشاف مصدر مصدر هذه الفوارق ليس بالامر العسير. فان نص العهد الجديد قد نسخ ثم نسخ طوال قرون كثيرة بيد نسّاخ صلاحهم للعمل متفاوت، وما من واحد منهم معصوم من مختلف الاخطاء التي تحول دون ان تتصف اية نسخة كانت، مهما بُذل فيها من الجهد، بالموافقة التامة للمثال الذي اُخذت عنه. يضاف الى ذلك ان بعض النسّاخ حاولوا احياناً، عن حسن نيّة، ان يصوّبوا ما جاء في مثالهم وبا لهم انه يحتوي أخطاء واضحة أو قلّة دقة في التعبير اللاهوتي. وهكذا ادخلوا الى النص قراءات جديدة تكاد ان تكون كلها خطأ. ثم يمكن ان يضاف الى ذلك كله ان الاستعمال لكثير من الفقرات من العهد الجديد في اثناء اقامة شعائر العبادة أدّى احياناً كثيرة الى ادخال زخارف غايتها تجميل الطقس او الى التوفيق بين نصوص مختلفة ساعدت عليه التلاوة بصوتٍ عالٍ.

ومن الواضح ان ما أدخله النسّاخ من التبديل على مرّ القرون تراكم بعضه على بعضه الآخر، فكان النص الذي وصل آخر الأمر الى عهد الطباعة مُثقلاً بمختلف ألوان التبديل ظهرت في عدد كبير من القراءات. والمثال الأعلى الذي يهدف اليه علم نقد النصوص هو ان يمحّص هذه الوثائق المختلفة لكي يقيم نصّاً يكون أقرب ما يمكن من الأصل الأول، ولا يُرجى في حال من الأحوال الوصول الى الأصل نفسه)[40].

(((يتبع في الحلقة القادمة)))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

[1] المدخل الى العهد القديم (الكتب المقدسة) / القس صموئيل يوسف خليل، استاذ العهد القديم بكلية اللاهوت الإنجيلية / دار الثقافة في القاهرة - ص48.

[2] من المستغرب ان يقول الاب بولس الفغالي وهو الباحث المتمرّس في اللاهوت المسيحي مثل هذا الكلام بخصوص ترجمة المخطوطات اليونانية الى اللغة العربية في وقت مبكّر، حيث لا توجد مثل تلك الترجمات، وكل الترجمات لاسفار العهد الجديد الى العربية حدثت بعد ظهور الاسلام. وسنتناول هذا الموضوع بصورة تفصيلية في فقرة خاصة في هذا الكتاب.

[3] المدخل الى الكتاب المقدس / الخوري بولس الفغالي - ج1 ص77.

[4] الموقع الالكتروني الويكبيديا الموسوعة الحرّة، تحت عنوان (اليونانيون في مصر)، عبر الرابط: https://bit.ly/3ux8kdf

[5] موسوعة تاريخ أقباط مصر ، عزت اندراوس ، شبكة الانترنيت العالمية ، من خلال الرابط:

http://www.coptichistory.org/new_page_1141.htm

[6] الليتورجية: الكلمة اليونانية "ليتورجية" (الليتورﭽية "ليتورݘية" - جمع ليتورﭽيات) أي "خدمة"، يُقصد بها العبادات والصلوات الاجتماعية بكل انواعها ولكن استقر الرأي على إطلاق هذا الاصطلاح على القداس الإلهي تحديدًا.

وتعني:

1- خدمة الإفخارستيا المقدسة.

2- نفس نصوص كلمات وصلوات هذه الخدمة وتسمي في العربية خدمة الأسرار المقدسة أو البروسفورا provora  أو الأنافورا anavora أو القداس ولدي النساطرة يسمونها تقديس وقداس. (المصدر: موقع الأنبا تكلا.

3- الاجتماع نفسه المنعقد من أجل الليتورجيا.

المصدر: موقع الانبا تكلا هيمانوت القبطي الآرثوذكسي، تحت عنوان (ليتورجيا | ليتورﭽية).

[7] انظر الهامش رقم (6) حول معنى الليتورجيا.

[8] موقع الشبكة العربية الارثوذكسية الانطاكية، في شبكة الانترنيت العالمية، من خلال الرابط:

https://bit.ly/3rnEIOl

[9] مقال بعنوان (هل الكتاب المقدس الذي بين أيدينا اليوم مأخوذ عن النص الأصلي؟)، بقلم أندرياس ج. كوستنبيرجر، شبكة الانترنيت العالمية، من خلال الرابط: https://bit.ly/3rn5oi2

[10] مقال بعنوان (قاموس الكتاب المقدس | دائرة المعارف الكتابية المسيحية، شرح كلمة الترجمة اللاتينية للكتاب المقدس)، منشور في موقع الأنبا تكلا هيمانوت القبطي الارثوذكسي، عبر الرابط:

اضغط هنا 

[11] الآية (146) من سورة البقرة.

[12] العرب واليهود في التاريخ / الدكتور أحمد سوسة / العربي للاعلان والنشر والطباعة/ الطبعة الثانية - ص165.

[13] نوادر النوادر من الكتب / اعداد مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي / الطبعة الثالثة 2011م - ص121.

[14] منقول عن كتاب (كتاب الكتاب المقدس: هل يُعقَل تحريفه)، الفصل (22- مخطوطة جون رايلاند | بردية البهنسا | المخطوطة البيزية)، والمنشور في موقع الأنبا تكلا هيمانوت القبطي الآرثوذكسي، عبر الرابط:

https://bit.ly/30pSowA

[15] مقدمة للعهد الجديد / ديفيد أ. دِه سيلفا – ج1 ص265.

[16] البانتاتيك: كلمة يونانية تعني (الكتاب ذو الاسفار الخمسة)، وقد انتقلت هذه اللفظة الى اللاتينية والى معظم اللغات العصرية. (انظر المصدر التالي).

[17] ماذا يعني ان يكون النص مُلهماً وهم لا يعرفون على وجه التحديد والدقة من هو كاتبه!!؟

[18] الكتاب المقدس / إصدار دار الكتاب المقدس في الشرق الاوسط 1992م / صادق مطران بيروت إغناطيوس زيادة على إعادة طبعه في سنة 1983م. – ص4.

[19] الكتاب المقدس / إصدار دار الكتاب المقدس في الشرق الاوسط 1992م / صادق مطران بيروت إغناطيوس زيادة على إعادة طبعه في سنة 1983م. – ص460.

[20] المزامير دراسة أكاديمية دراسة وشرح وتفسير / الأب متى المسكين / مطبعة دير القديس أنبا مقار – وادي النطرون / الطبعة الثالثة 2014م - المجلد الثاني - ص9.

[21] المصدر السابق – المجلد الثاني ص17.

[22] المصدر السابق – المجلد الثاني ص20.

[23] المصدر السابق – المجلد الثاني ص38.

[24] المصدر السابق – المجلد الثاني ص229.

[25] التفسير التطبيقي للكتاب المقدس – ص1472.

[26] الكتاب المقدس / دار المشرق / طبعة ثالثة، 1994م / صادق على طبعها بولس باسيم النائب الرسولي للاتين في بيروت - ص1642.

[27] المصدر السابق – ص1741.

[28] المصدر السابق – ص1755.

[29] المصدر السابق – ص1758.

[30] مقال بعنوان (18- كيف كانت تتم نساخة الأسفار المقدسة؟)، مستل من (كتاب أسئلة حول صحة الكتاب المقدس - خرافة إنجيل برنابا - أ. حلمي القمص يعقوب)، منشور في الموقع الالكتروني الانبا تكلا هيمانوت القبطي الآرثوذكسي، عبر الرابط: https://bit.ly/2Okivm7 .

[31]

[32] موضوع تحت عنوان (27- ما هو موقف الكنيسة الكاثوليكية من مدارس النقد؟ وما هو مدى تأثرها بأفكار وسموم هذه المدرسة؟)، مستل من (كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب)، منشور في الموقع الالكتروني الانبا تكلا هيمانوت القبطي الارثوذكسي، عبر الرابط:

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/27.html#(5)

[33] العهد الجديد، قراءة رعائية / جمعية الكتاب المقدس في بيروت / الطبعة الاولى، 2004م – هامش ص129.

[34] دراسات في الترجمة ونقدها / د. محمد عصفور / المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، 2009م - ص377 و378.

[35] سوف نستعرض بعد قليل ان الفروق بين المخطوطات مهمة ومتعلقة بمواضع تخص الايمان والعبادة.

[36] مخطوطات الكتاب المقدس بلغاته الاصلية / الشماس الدكتور إميل ماهر إسحاق / مطبعة الانبا رويس الأوفست في العباسية بالقاهرة / الطبعة الاولى 1997م – ص19 و20.

[37] كتاب محمد (ص) كما ورد في كتب اليهود والنصارى / القس السابق عبد الاحد داود / ترجمة محمد فاروق الزين / مكتبة العبيكان / الطبعة الاولى 1997م– ص193.

[38] مقال بعنوان (113- هل عدم تطابق المخطوطات يعني تحريف العهد الجديد وسقوط العصمة عنه؟ وهل يجب طرح الثقة في جميع المخطوطات، لأن أحد النسَّاخ أو القرَّاء وضع في مقدمة رسالة العبرانيين بالمخطوطة الفاتيكانية بين العمودين الأول والثاني، ملاحظة على تصحيح كلمة، وذم فيها سلفه الذي صحح هذه الكلمة؟)، وهو مستل من (كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب)، والمنشور في الموقع الالكتروني الانبا تكلا هيمانوت القبطي الآرثوذكسي، عبر الرابط:

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/113.html

[39] مكتوب في غلافها الداخلي: (لا مانع من طبعه بولس باسيم النائب الرسولي لِلاّتين بيروت 22 تشرين الأول 1979).

[40] ورد هذا النص بالاضافة الى مصدره المشار اليه آنفاً، في طبعة العهد الجديد الصادرة عن مجمع الكنائس الشرقية، وهو مأخوذ عن الترجمة الفرنسية المسكونية للكتاب المقدس.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نبيل محمد حسن الكرخي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/11/01



كتابة تعليق لموضوع : تعريف بترجمات الكتاب المقدس المخطوطة والمطبوعة – (1)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net