صفحة الكاتب : بشرى مهدي بديره

الأمهات بين الماضي والحاضر
بشرى مهدي بديره

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 الأم هي المدرسة التي يستقي منها الأبناء التربية الصالحة والقيم والمبادئ، هي اللبنة الأولى في صرح الأسرة الناجحة، والعنصر الأساس في بناء الإنسان فكراً وروحاً .
تبدأ وظيفتها منذ بداية تكون الجنين في رحمها، فتبدأ بينهما تلك العلاقة بما أودعه فيها الإله من الحب والحنان والرأفة والشعور بالمسؤولية، ثم تعطيه التربية وتزرع فيه الخصال الطيبة وكما قيل: 
الأم التي تهزّ السرير بيمينها، وتهزّ العالم بيسارها؛ وذلك لما لها من الدور العظيم في تنشئة الطفل قبل أن يدخل معترك الحياة.
وتتفاوت القابليات والاستعدادات بالطبع بين أمّ وأخرى حيث تخضع الأمور للبيئة والظروف المحيطة أيضاً، فينشأ الطفل متأثراً بالوراثة والبيئة والتربية .
وتدور عجلة التطور سريعاً فتقلب كل المفاهيم والموازين لتتلاشى القيم شيئاً فشيئاً بين الأجيال؛ وذلك من خلال الثقافات الدخيلة على مجتمعنا الإسلامي الذي يحمل النهج القويم في الأدوار والوظائف والتكليف، النهج الذي يخلق توازناً ويضمن نتائج صحيحة، فتتهاوى المعايير وتختلّ الأنظمة وتبدأ التنازلات، لتصبح البيئة الحاضنة مفتقرة لأقلّ مقومات التربية، وتبدأ الأجيال بالتخلّي عن الجوهر لتستبدله بالقشور البالية.
ولكن أين يكمن الخطأ؟ 
نلاحظ أنه من خلال التركيب الفيسيولوجي للأم، أن الله (عز وجل) أودعها بفطرتها وعاطفتها الكثير من المعطيات التي تعينها على إنشاء جيل ملتزم متدين واعٍ في حين أن المجتمع والظروف المحيطة تحارب تلك المبادئ حرباً شرسة بما تقدمه من تحديات وصراعات، فإما أن يلتزم الأبناء بالتربية وأسسها وإما أن ينجرفوا مع التطور والعولمة، وينسلخوا عن مبادئهم لينصهروا بالثقافات الغربية والتي تهدد بتلاشي كل القيم وتدهورها.
من هنا لابد من الحفاظ على جذور تلك القيم من خلال المدرسة التي يستقي من معينها الأبناء؛ وذلك بالتوعية والتثقيف للأمهات والدعم للقدرة على المواجهة والحفاظ على كيان الأسرة، لكن الخطر الحقيقي يكمن في انجراف الأم وتأثرها بالمحيط فتثور على واقعها وتطالب بالتطور تماشياً مع التيار؛ لئلا يفوتها قطار الحداثة على حدّ قناعتها، وينعكس بالطبع على أولادها وأسرتها، وعلى المدى الطويل يتهاوى ذاك الصرح بتهاوي دعاماته .
وهذا ما نراه للأسف في أمهات اليوم - إلا ما رحم ربي – وما نشاهده من هشاشة المحتوى الفكري والعقائدي والديني في الأبناء، إذ أنهم تربّوا في بيئة ملوّثة بأفكار غربية دخيلة على فكرنا وديننا ومبادئنا، وانسجموا مع تلك البيئة إلى درجة أنهم أصبحوا ينسبون لها التطور والخروج من التقوقع، والانفتاح على الحداثة، والترقي، وترك الأفكار البالية التي توارثناها التي تشكل هويتنا الفعلية والخروج من الشرنقة والتحرر منها، وهنا تبدأ المجتمعات بالانحطاط، إذ تهاوت الجذور وتخلت عن تشبثها بالتربة الصالحة، فغدت النبتة هزيلة تتقاذفها الرياح من كل جانب.
 وبالمقارنة مع الأمهات في الزمن الماضي نلاحظ فرقاً شاسعاً يتجلى بالأبناء طبعاً وبأسلوب حياتهم حسب الأسس التي نشأوا عليها، وبذلك تتسع الهوّة بين الأجيال.
إذن، بصلاح الأم يصلح المجتمع والعكس صحيح، فالأم التي تربّي ولدها في بيئة صحية من الأفكار والتعاليم الإلهية والتربوية إنما تنشئ رجلاً لربما يكون شهيداً في سبيل الدفاع عن الواجب أو أن يكون عنصراً فعالاً في مجتمعه من خلال ما يقدمه من خدمات، وهو يؤدي دوره كإنسان صالح، أو أنها تربّي أمّاً ستحمل دورها وتكمل مسيرتها مستقبلاً، وهكذا.. أما الإنسان الفارغ من اي محتوى، فلا يمكن أن تكون له فاعلية في مجتمعه ولا قدرة له على الارتقاء بنفسه كإنسان .
نحن اليوم نواجه خطراً حقيقياً لابد لنا من التصدي له بكل ما أوتينا من قوة للحفاظ على هويتنا، فالخطر يحدق بنا من كل جانب، ولابد من تكثيف دور المؤسسات الدينية والتربوية في توعية المرأة لمنحها القوة، وترسيخ الوازع الديني الذي يلزمها بالتمسك بالقيم ولابد من توضيح مكانتها وأثرها في بناء وصلاح المجتمعات، وبذلك نكون قد حافظنا على أعظم كيان مجتمعي ألا وهو الأسرة، ونكون قد ضمنّا أيضاً أجيالاً متسلحة بالأسس التربوية، قادرة على الوقوف في وجه الإعصار .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


بشرى مهدي بديره
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/02/26



كتابة تعليق لموضوع : الأمهات بين الماضي والحاضر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net