صفحة الكاتب : مرتضى ابو حميدة

مُفردةٌ ماكرة
مرتضى ابو حميدة

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 لو صادفكَ في يومٍ من الأيام، مجموعة من الشباب المنبهرين بثقافة (التنوير والتمدن)، و المرددين لأدبياتها  والمروجين لأفكارها – وما أحلاها في الظاهر- وتوجه اليك بسؤال مفاده : لماذا تشيعُ عند العلمانيين ظاهرة التسامح ؟؟
ولماذا يلتزم الطرف الاخر(المُتدين) النقيض تماماً (التعصب) ؟؟
تُرى ماذا يكون جوابك أيها العزيز؟ 
هل تُسلم بمقررات العقل الجمعي لشريحة تروج لهذه الافكار؟؟
هل تُسلم  لـ(قداسة قوانين) يرونها ؟؟
قبل الإجابة، لابد من التروي قليلاً ، والتأمل ..فالتأمل مقدمة للانطلاق الصحيح ..فليس العبرة في سرعة الرد غير المدروس !! بل في قوة الرد العلمي المقترن بالشواهد والقرائن ..وضمن عقلية الطرف المقابل والقوانين التي يؤمن بها..(يعني) حسب قاعدة (الإلزام).
ولا تتفاجئ  ايها العزيز: بجاهزية المعلومات الداعمة لـ(علمانية التسامح) والتي تعتمد في بعضها – فرضيات تقترب من المُسلمات عند القوم. 
ففي الوقت الذي يطالبك (العلماني) بتقبل الآخر والركون الى النقاش والحوار، وعدم تقديس المنظومة القرآنية والتشريعية ..تراه يُصدر (إسقاطاته الذهنية )على هيئة (قانون شرعي غير قابل للنقاش) ..وهذا (مزلق ) التناقض الذي لا يؤمن به أبداً!!
بينما وَظفت ظاهرة(العلمانية) – خلال العشرين سنة المنصرمة ، بعض الأحداث العالمية ،لصالحها ،رغم عدم الملازمة .. حتى بدا من خلال ضخ الدراسات والبحوث والمقالات والاستبيانات والاشارات الاعلامية بهذا الخصوص، أن هذا هو الواقع ولا سبيل للإنسان المُتدين غير التسليم والإذعان له..
وكأنهم يلتزمون العبارة الماكرة للمؤرخ اليهودي البريطاني (برنارد لويس)،والتي يصف فيها التسامح في الاسلام بـ(التسامح النظري)!! بينما المعلومة الصادمة تقول خلاف ذلك ..
 حيث نشرت (جريدة تركيا الصادرة في منتصف يناير / 1995م) خبر الندوة التي عقدها المجلس الأوروبي وجمعية الخمسمائة سنة، تحت عنوان (العنصرية واللاسامية)  وفيها أوضح (برنارد لويس):” إن فكر التسامح ولد في النصرانية نتيجة الحروب الدينية في أوربا، والتي أزهقت أرواح الآلاف نتيجة الصراع الدموي بين الكاثوليك والبروتستانت، لذا كان لزاماً فصل الدين عن الدولة، و العلمانية وُجِدت لحلّ مشكلة النصرانية..(ويضيف قائلاً): فهذه المشكلة لم تنشأ في البلاد الإسلامية، لأن الناس المنتسبين لأديان مختلفة في البلاد الإسلامية ،وجدوا إمكانية العيش هناك بصداقة وأخوّة وبدون صراع ونزاع..” 
و لنعطِ مثالاً إسلامياً رائعاً للتسامح ، والذي سبقَ (علمانية الغرب) بألف سنة من الزمان .. الامام جعفر الصادق (عليه السلام) الإمام الروحي للكلمة الطيبة ومؤسس منظومة المعارف العالمية المتكاملة،  تبنى مشروع نشر الثقافة والمعارف الالهية الاصيلة بلغة القران الكريم (الحوار والكلمة الطيبة والتسامح)، وصولاً الى ترسيخ (السلم الأهلي والمواطنة الصالحة) ..
ونراه  يوصي أحد أصحابه: "يا ابن جندب: صِلْ من قَطعَك، وأعط من حرمك، وأحسن إلى من أساء إليك، وسلم على من سبك، وأنصف من خاصمك، واعفُ عمن ظلمك، كما أنك تحب أن يعفى عنك، فاعتبر بعفو الله عنك، ألا ترى أن شمسه أشرقت على الأبرار والفجار، وان مطره ينزل على الصالحين والخاطئين". .
فالتسامح عند (الإمام) واجب ديني واجتماعي وأخلاقي وليس منة أو فضلاً.. وهذا الفهم يتجاوز التصور الغربي للتسامح، الذي تقتضيه الظروف - كما يقول  عالم الاجتماع الانكليزي(جون لوك) في كتابه ( رسالة في التسامح) :" فإن اقتضت الظروف ـ السياسية غالباً ـ ان يتسامح مع المذاهب والأديان الأخرى، عُمِلَ بها ، لأن عدم التسامح سيؤدي إلى شرور أكبر".. 
فالتسامح لديه نظرية سياسية ،وهو ماأكده المؤرخ الاوربي (سترومبرج) في كتابه (تاريخ الفكر الأوربي الحديث) في دفاعه عن الحرية بأنه " دفاع عن حرية أولئك الأثرياء من الإنكليز من أبناء طبقته"..
لكن الإمام الصادق(عليه السلام) انتهج أسلوباً آخر، يختلف تمام الاختلاف، ومتقدم على أوروبا.. وكانت نتيجة هذا المنهج  أنجع وأكثر تأثيراً في الخصم من الأسلوب الذي اتبعته أوروبا سابقاً..
ويتضح ذلك في سياق حواراته مع الُمُلحدين والمخالفين له في الفكر والعقيدة والرأي ، فنراه يتبع آليات اللَّيّن في الحوار، يردّ عليهم الحجّة بالحجّة، والمنطق بالمنطق. وقد شهد له من حاوره بهذه الإنسانية.. فهذا (ابن المقفّع)، المتأثر بالزندقة، يقول بعد حواره مع الإمام (عليه السلام): "ليس هناك من كلّ هؤلاء ـ الذين كانوا في الطواف آنذاك ـ من يستحقّ اسم الإنسانيّة كجعفر بن محمّد"..
وقد عبّر عن ذلك كبير الملاحدة عبد الكريم بن العوجاء، في كلامه مع أحد تلامذة الإمام الصادق(عليه السلام )، لما خشن عليه بالكلام، عندما سمع منه إنكاره لوجود الله، فقال له:
"إن كنت من أصحاب جعفر بن محمد الصادق، فما هكذا يخاطبنا، ولا بمثل دليلك يجادلنا، لقد سمع من كلامنا أكثر مما سمعت، فما أفحش في خطابنا، ولا تعدّى في جوابنا، وإنّه كان الحليم الرّزين، العاقل الرّصين، لا يعتريه خرق، ولا طيش ولا نزق، يسمع كلامنا، ويصغي إلينا، ويتعرّف حجتنا، حتى إذا استفرغنا ما عندنا، وظننّا قطعناه، دحض حجّتنا بكلام يسير، وخطاب قصير، يلزمنا الحجّة، ويقطع العذر، ولا نستطيع لجوابه رداً. فإن كنت من أصحابه، فاعمل أن يكون خطابك بمثل خطابه".

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مرتضى ابو حميدة
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/03/11



كتابة تعليق لموضوع : مُفردةٌ ماكرة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net