شرح الفقرة رقم(1) من المعاهدة في المواظبة على دعاء العشرات
محمد السمناوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد السمناوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قوله: (( يابني، إنه لا بد أن يمضي الله عزوجل مقاديره وأحكامه على ما أحب وقضاه، وسينفذ الله قضاءه وقدره وحكمه فيك)).
إنّ الأحكام والسنن الإِلهيّة التي ذكرت في الكتاب الكريم، والسنة المطهرة، والتي كشف عنها الإنسان عبر سلوكه وممارساته في الحياة كل ذلك مُقَدَّرة عند الله تعالى، والإنسان تجاه هذه النواميس والسنن له الحريّة والإختيار، فعلى آيّة واحدة منها طبق حياته يرى نتيجة عمله، وعند مراجعة الروايات والأخبار عن أهل البيت (عليهم السلام) نجدهم قد أوضحوا الكثير من المطالب العقديّة والمسائل الفكريّة، والتي منا لابديّة جريان المقادير والأحكام الإِلهيّة على ما يحب ويرضى بالقضاء والقدر الإِلهيين، وقد حددوا وبينوا تلك المطالب، وآليات كل كلمة ماهو المقصود منها، فان المقادير الإِلهيّة جارية عند الإنسان من ولادته لحين وفاته وما بعدها، وقد ذكر هذا المعنى في المناجاة الشعبانيّة: ( وقد جرت مقاديرك علي ياسيدي، فيما يكون مني إلى آخر عمري)(1)، (أسألك أنك تلي التدبير وتمضي المقادير)(2).
كما يوجد بعض الأمور يمكن أن يكون للإنسان مدخليه في التقدير فيكون لإختيار الإنسان الأثر في وجودها، وبالعكس كذلك يوجد أشياء ليس للإنسان فيها قرار الإختيار في تحققها فهو ليس علة من العلل في وجود تلك الأشياء، وبالتالي يمكن ان يكون الإنسان له مدخليه في التقدير لبعض الأشياء وتخرج بعض الأشياء عن تقديره، وأما القضاء إذا اُبرم فلا يمكن التغيير فيه.
وأما المقادير التي ذكرت في القرآن الكريم والتي تشير كما في قوله تعالى: (يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ)[سورة العنكبوت / الآية : 21] فهي من المقادير والموازين الآلهيّة التي وضعها الله تعالى من إثابة الممتثلين لأوامره، والمجتنبين نواههيه، والعذاب الآلهي لمن لم يحترم حق الطاعة له سبحانه وتعالى، فكل ذلك لا يكون مجرداً من الموازين والمقادير التي قضاها وقدرها الله تعالى وقد جاء في قوله تعالى: (وَعَدَ الله الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ) [ سورة المائدة/ الآية: 9]، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ) [ سورة يونس/ الآية: 4] .
فعن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مَرَّارٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحمن قَالَ: قَالَ: لِي أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام) يَا يُونُسُ لَا تَقُلْ بِقَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ فَإِنَّ الْقَدَرِيَّةَ لَمْ يَقُولُوا بِقَوْلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ولَا بِقَوْلِ أَهْلِ النَّارِ ولَا بِقَوْلِ إِبْلِيسَ - فَإِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ قَالُوا : ( الْحَمْدُ لله الَّذِي هَدانا لِهذا وما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا الله ) وقَالَ أَهْلُ النَّارِ: ( رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وكُنَّا )، ( قَوْماً ضالِّينَ )، وقَالَ إِبْلِيسُ: ( رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) . فَقُلْتُ والله مَا أَقُولُ بِقَوْلِهِمْ ولَكِنِّي أَقُولُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِمَا شَاءَ الله وأَرَادَ وقَدَّرَ وقَضَى فَقَالَ يَا يُونُسُ لَيْسَ هَكَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا مَا شَاءَ الله وأَرَادَ وقَدَّرَ وقَضَى يَا يُونُسُ تَعْلَمُ مَا الْمَشِيئَةُ قُلْتُ لَا قَالَ هِيَ الذِّكْرُ الأَوَّلُ فَتَعْلَمُ مَا الإِرَادَةُ قُلْتُ لَا قَالَ هِيَ الْعَزِيمَةُ عَلَى مَا يَشَاءُ فَتَعْلَمُ مَا الْقَدَرُ قُلْتُ لَا قَالَ هِيَ الْهَنْدَسَةُ ووَضْعُ الْحُدُودِ مِنَ الْبَقَاءِ والْفَنَاءِ قَالَ ثُمَّ قَالَ والْقَضَاءُ هُوَ الإِبْرَامُ وإِقَامَةُ الْعَيْنِ قَالَ فَاسْتَأْذَنْتُه أَنْ أُقَبِّلَ رَأْسَه وقُلْتُ فَتَحْتَ لِي شَيْئاً كُنْتُ عَنْه فِي غَفْلَةٍ"(3).
إنّ النظر والتأمل في الحياة على الصعيد الفردي أو الأُسري أو الإجتماعي بل الكوني نستطيع أن نشخص المئات من هذه المقادير والسنن التي يقدرها الله تعالى للإنسان، ويكون الإنسان حراً في اختياره، وقد أشارت الأحاديث الشريفة إلى هذه الحقيقة فعن النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم):(خمسة لا يستجاب لهم: أحدهم مرّ بحائط مائل وهو يقبل إليه ولم يسرع المشي حتى سقط عليه)(4).
ويمكن الإشارة إلى تلك النكتة في عدم استجابة الدعاء لمثل تلك الحالة؛ لأن تقدير الله تعالى وقضاءه على الإنسان الذي لا يقوم من تحت ذلك الجدار المائل إلى السقوط عاقبته هو الموت والهلاك، وبذلك يتبين الحال عندما عدل الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) من حائط مائل إلى حائط آخر فقيل له: يا أمير المؤمنين أتفرّ من قضاء الله ؟ فقال (عليه السلام) : (اَفِرُّ من قضاء الله إلى قدره عز وجل )(5).
بمعنى : إن ذلك باختياري فإن شئت بقيت في هذا القضاء وإن شئت مضيت إلى قدر آخر فان بقيت أُقتل بقضاء الله وإن عدلت أبقى بتقدير منه سبحانه ولكل تقدير مصير فأيهما فعلت فقد اخترت ذلك المصير.
وقد علق السيد هاشم الحسيني الطهراني(6) ( رحمه الله) في تصحيحه لكتاب التوحيد للشيخ الصدوق(طاب ثراه) والتعليق عليه بقوله: أي سقوط الحائط المائل على من عنده من قضاء الله تعالى ، إلا أنه لم يقدر لي فلا يقضي فلا يقع على بل المقدر لي الفرار من عنده ، وهذا لا ينافي ما روي في باب فضل اليقين من الكافي عن الصادق (عليه السلام): ( إن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) جلس إلى حائط مائل يقضي بين الناس، فقال بعضهم: لا تقعد تحت هذا الحائط فإنه معود، فقال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): حرس امرء أجله، فلما قام سقط الحائط، قال: وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يفعل هذا وأشباهه، وهذا اليقين - انتهى الحديث )؛ لأنه (عليه السلام) كان عالمًا بأن المقدر سقوط الحائط بعد قيامه عنه والإمام (عليه السلام) يعمل بعض الأحيان بعلمه وإن كان الوظيفة بحسب الظاهر المعلوم الفرار عن الحائط(7).
قال الشاعر:
دع المقاديرَ تجري في أعَنّتها ولا تبيتنّ إلا خاليَ البالِ
ما بين غَمضةِ عَين وانتباهتها يغيّر الله من حالٍ إلى حالِ
يقول أبو دلف الخزرجي :
هي المقادير تجري في أعنّتها واصبر فليس لها صبر على حال
المصادر والهوامش
[1] إقبال الأعمال، ج3، ص 296.
[2] مصباح المتهجد، ص 272، ورد هذا الدعاء في صلاة الحاجة يوم الخميس .
[3] الكليني، الكافي: ج1، ص 157.
[4] المجلسي، بحار الأنوار: ج 5 ، باب القضاء والقدر ، ذيل الحديث 31 ، ص 105 .
[5] الصدوق، التوحيد : ص 369.
[6] هو العالم الأديب والحافظ للقرآن الكريم خريج مدرسة المحقق النائيني، وتلميذ اساتذة الفقه والأصول آية الله العظمى الشيخ حسين الحلي الطفيلي، وأبو القاسم الموسوي الخوئي، والشيخ ميرزا باقر الزنجاني، كان له باع بشتى الحقول العلميّة والمعرفيّة كالتفسير والحديث والكلام والتجويد والقراءة والفقه والأصول والصرف والنحو والمعاني والبيان والبديع والمنطق والهيأة والرياضيات والطب والحكمة توفي في9/12/1411هـ ودفن في باغ بهشت في قم المشرفة .
[7] الصدوق؛ التوحيد: ص369 الهامش.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat