صفحة الكاتب : السيد عبد الستار الجابري

بناء المجتمع في دولة امير المؤمنين عليه السلام - الحلقة الرابعة - الشريعة وبناء الفرد والمجتمع
السيد عبد الستار الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 وعند النظر الى التشريعات الدينية سواء ما كان منها يتعلق بجانب العلاقة بين العبد وربه او كان يتعلق بالمعاملات بين الناس، فان التدقيق فيها يوجب الايقان بان الغاية منها بناء الانسان والمجتمع وتربية الانسان على التنزه عن الخضوع للغرائز وضبطها ضبطا صحيحا بحيث لا يتحول الانسان مما ينبغي ان يكون عليه الى الحالة البهيمية التي لا تتناسب مع مقتضيات كمال الانسان ورقيه التكويني.
فلو اخذنا مصداقا عبادياً واخر معاملاتياً للوقوف على الجوانب التربوية في التشريعات الالهية، ولتكن الزكاة مصداقا للعبادة والمساواة في العطاء مصداقا للمعاملة.
أ‌-  البعد التربوي في الزكاة
لا شك من اهمية الزكاة من الناحية العبادية والتربوية وبناء الانسان على الصعيد الشخصي مع مالها من اثر من الناحية الاجتماعية.
فالزكاة عبادة لانها مشروطة بنية القربة الى تعالى، اي ان الانسان يقدم ذلك القدر من المال الواجب عليه شرعاً ضمن ضوابط معينة لغرض التقرب به الى الله تعالى، فالزكاة اذن عبادة مالية، تترتب على دفعها اثار عبادية اذ ان المؤمن يعتقد ان هذا القدر من المال كلف بدفعه الى موارد خاصة على اساس الارادة الالهية فيكون العبد منبعثاً في تقديم المال الى مستحقه وصرفه في مورده بداعي الطاعة وتحقيق الارادة التشريعية للرب تبارك وتعالى، فالرب له حق الطاعة على العبد والعبد يحركه حق المولى وواقع العبودية له لاخراج ذلك القدر من المال وتقديمه الى موارد يريد الله تبارك وتعالى من ذلك العبد ان يصرفه فيها. فالجانب الاول في الزكاة اداء حق مولوية المولى والاندفاع نحو امتثال ارادته التشريعية.
الجانب الثاني ان العبد عندما يدفع ذلك القدر من المال هو على يقين بان من رزقه ذلك المال هو الله تعالى وان ما يقوم به هو نحو من انحاء شكر المنعم تبارك اسمه، فالمؤمن عند تقديمه للزكاة يكون قد ادى واجب الشكر فان من الفطرة الانسانية والجنبة الاخلاقية ان يشكر الانسان من احسن اليه وتلطف وتفضل، وهذا الجانب ينمي في الانسان شكر كل محسن بما يتناسب مع اداء فرض الشكر على اساس ما ربته عليه الشريعة وحكم به العقل وايدته الفطرة الانسانية السلمية من شكر المنعم المتفضل مهما كانت درجته ونوع احسانه، وهذه التربية المجتمعية والشخصية مهمة جدا في التاسيس لقيمة اجتماعية عليا مبنية على رد الجميل على العكس من المجتمع الذي تغيب عنه هذه القيمة بحيث يتحول الى مجتمع منكر للجميل والاحسان.
الجانب الثالث التنزه عن التعلق بالمال الثالث لتشريع الزكاة هو جانب تربوي اخلاقي حيث ان تشريع الزكاة ينمي في الانسان روح التنزه عن التعلق بالمال، ذلك ان بذل قدر من المال يتقرب به العبد الى الرب مع اعتقاد العبد ان ما يقدمه ليس من ماله وانما هو مؤتمن عليه لتقديمه الى مستحقه، لان التشريع ورد في ان للسائل والمحروم حق معلوم فيما بين يدي دافع الزكاة وانه في حال عدم تسليم ذلك المقدار يكون غاصبا لحق اوجبه الشارع لذلك الفقير فنسبه ملكية المال الى من بيده بذلك القدر المعين نسبة مجازية وليست نسبة حقيقية من الناحية التشريعية اذ لو كان المال له لما وجب عليه دفعه الى المستحق فهذا القدر اذن هو خارج عن المالك من بيده المال وهو مؤتمن عليه لايصاله الى مستحقه الذي حدده الشارع ولا تبرأ ذمة المؤتمن حتى يؤدي الامانة الى مستحقها.
فاذا اقدم الناس على البذل بنفس طيبة لما كان مؤتمنا فيه مما جناه من كد يده وبذل جهده اصبح مما يهون عليه البذل خاصة اذا اتسعت دائرة بذله الى النفقات المستحبة بعد ان يؤدي ما عليه من النفقات الواجبة، وبذا يتحرر الانسان من عبودية المال وحب الاكتناز ويسمو الى الانعتاق عن كل ما من شانه ان يستعبد حريته من الامور المادية ويصبح رضا الله غايته القصوى وامنيته العظمى فيكون اسمى واكبر بنحو لا يتعارض عن فطرته التي فطره الله عليها فالمال والبنون زينة الحياة الدنيا والرغبة من الامتلاك من غرائز الانسان الطبيعية الا ان التشريعات تحافظ على فطرة الانسان في كونه مالكا للمال وليس مملوكا له في كونه مستثمرا للمال في سبيل الخير والتطور والرقي والنهوض بالواقع الفردي والاجتماعي وعلاقة بالمال علاقة المستثمر للطاقات في سبيل الخير والقرب من الله فيكون هو المالك لما وهبه الله ولا يتحول الى مجرد عامل لجمع المال للاستئثار به وكنزه في خزائنه مع ما يراه من حاجة المجتمع الى بذل المال في سبيل تحقيق النمو الاقتصادي والرقي الثقافي والاجتماعي والعلمي.
ب - البعد التربوي في المساواة في العطاء
ساد في المجتمعات الانسانية قبل الاسلام تقسم المجتمع الى طبقات منها طبقة العبيد وطبقة العامة والطبقة الوسطى وطبقة الاشراف. وكان التعاطي بين هذه الطبقات يكون بنحو الفوقية من الطبقات العليا تجاه الطبقات الادنى منها مرتبة. فلما جاء الاسلام هذب الفوارق الاجتماعية واظهر قيم تتناسب مع الاطروحة الحضارية التي يتبناها فامر بالمساواة بين المسلمين في الشؤون الحياتية فكان ما تقدمه الدولة النبوية لرعاياها من اعانات مادية متساوية اذ كان النبي (صلى الله عليه واله) يساوي بين المسلمين في العطاء، كما جعل الدين عنوان التكافؤ بين افراد المجتمع المسلم اذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، وابتدأ النبي (صلى الله عليه واله) باهل بيته حيث زوج ابنة عمته زينب بنت حجش من مولاه زيد بن حارثة مع ان زينب بنت جحش رضوان الله عليها سليلة الطبقات الكريمة من قريش وزيد كان عبدا للسيدة خديجة وهبته للنبي (صلى الله عليه واله) فاعتقه، وكان المسلمون سواسية امام الشرع الالهي لا يفضل احد منهم على الاخر باي نحو من انحاء التفضيل، وجعل الاسلام المائز بين الناس التقوى، ان اكرمكم عند الله اتقاكم، واما التعدد في القبائل والشعوب فلاجل التعارف لا اجل التفاضل والتفاخر.
فبالاضافة الى الجانب التشريعي فان للمساواة بين ابناء المجتمع اثار تربورية مهمة حيث ان التفاضل بالتقوى يوجد في الانسان الداعي نحو تحصيل هذا الكمال وينعكس تاثيره بوضوح على واقع المجتمع فان المجتمع الذي تسوده التقوى يكون مجتمعا منتجا بعيدا عن السلبيات ايجابيا ينتشر فيه الاحسان والعدل والصدق وكريم الخصال ومكارم الاخلاق, كما ان المساواة بين ابناء المجتمع تحول المجتمع الى مجتمع منتج وساع للتكامل والرقي ولا يعيش حالة الانكفاء والانطواء والانهزامية، وتزول عنه العصبيات والدعاوى الفارغة ويضعف فيه الجانب السلبي وتزول فيه الصراعات الطبقية والتنابز بالالقاب والهمز واللمز لان كل هذه الصفات الذميمة تتعارض مع التقوى.
فمن هذين المصداقين الذين تم ذكرهما في التشريعات الفقهية يتضح ان التشريعات تحمل في طياتها مسألة بناء الفرد والمجتمع بالنحو الذي ينهض بالواقع الاجتماعي بعد ان كان المحور في الحركة الفردية والاجتماعية العبودية تعالى التي تستبطن في واقعها الحرية المنضطبة التي تشكل ركنا اساسيا في الرقي الفردي والمجتمعي.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد عبد الستار الجابري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/07/18



كتابة تعليق لموضوع : بناء المجتمع في دولة امير المؤمنين عليه السلام - الحلقة الرابعة - الشريعة وبناء الفرد والمجتمع
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net