صفحة الكاتب : السيد عبد الستار الجابري

البعد الروحي للاحرام – التتمة ح 3 "لبيك انت الغني ونحن الفقراء اليك لبيك"
السيد عبد الستار الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 عرف الغنى بانه اليسار وهو الزيادة عن حد الكفاية ، وقيل هو في غنى اي اكتفاء ويسار، وغني فلان اي كثر ماله وصار ثريا او ملك ما يفيض عن حاجته، والغني هو الثري كثير المال، ورجل غان عن كذا اي مستغن عنه وليس به حاجة اليه.
الاستعمال اللغوي لكلمة الغني والغنى تشير الى اصلها الذي يعني نفي الحاجة مطلقا تارة وعن شيء ما تارة اخرى، فالغني المطلق هو الذي ليس له بحاجة الى شيء ابدا، ولا يمكن ان يتحقق ذلك الا في من كان بذاته غير محتاج لاي شيء اخر، وذلك منحصر بالله تبارك وتعالى، فالله تعالى واجب الوجوب بالذات ومستغن بذاته عن جميع الموجودات، فالله هو الاول الذي لم يسبقه وجود، وهو الحي الذي لا يعروه الفناء، وهو المعطي الذي لا يحتاج الى عطاء، وهو الموجد الذي لا يحتاج  الى من يوجده، وهو خالق كل شيء المنزه عن كل نقص سبوح قدوس رب الملائكة والروح.
وكل ما خلا الله تعالى محتاج اليه ومفتقر الى فيضه ونعمائه، فهذا الكون الواسع محتاج في وجوده وبقائه الى الله تعالى، وكل مفردة من مفردات هذا الكون غير المحدود لها فترة حياة وزوال قرها لها الرب العليم الحكيم، فعلى سبيل المثال يقول علماء الفلك ان ما نراه من نجوم في السماء هي نجوم قد تلاشت منذ ملايين السنين، والان وصل ضوؤها الينا، وهناك ثقوب سوداء في هذا الكون العظيم دورها ابتلاع الاجرام السماوية مهما عظمت بعد انتهاء مدتها الحياتية، اي انها تعمل كاجهزة التنظيف الذاتي التي يحيويها بدن الانسان كالكلية والرئتين والامعاء الغليظة والمسامات الجلدية، حيث ينتقل اليها ما يضر الجسم ولم يعد بحاجة اليه ليخلص الجسم منه او كالطحال الذي يخزن الكريات الدم المريضة والميتة، او كبعض انواع الاسماك التي وظيفتها التقاط النفايات وخزنها في اجسامها لتنقي المحيط المائي للاسماك الاخرى التي لا يمكنها العيش في حال وجود نفايات معينة في محيطها. وهكذا الحال في كل ي ما يحيط بنا، فان لكل موجود فيهذا الكون مهمة خاصة في حفظ التوازن الذي يقتضيه وجود الكون واستمرار بقائه. فاذا طرأت تغيرات كبرى وانتهى دور تلك الاحياء العاملة تلاشت وزالت، والحال بعينه في بدن الانسان فاذا لم يعد جسد الانسان قابلا للبقاء تعطلت اجهزة بدنه اما العاملة الاصلية او التي تقوم بدور التنظيف والتنقية لتتوقف بعد ذلك حياة ذلك الفرد ، والامر بعينه يجري في الكون الواسع الذي لم يكتشف منه اسراره الا اقل القليل، ولم تسخر من طاقاته الكامنة الا ما هو ادون من ذلك واقل، وهو السر الذي نطقت به النصوص الدالة على ان العلم على 27 حرفا ظهر للناس منها منذ ادم (عليه السلام) وحتى ظهور المهدي (عليه السلام) حرفان فاذا ظهر (صلوات الله عليه) اظهر الخمس وعشرين حرفا الباقية، والامام المهدي (عجل الله فرجه) عبد من عباد الله ادخره الله لتحقيق ارداته في المجتمع الانساني على الارض.
 فهذا المقطع من التلبية يدل على اقرار من العبد بالاحاطة العملية لله تعالى وغناه عن كل احد في كل شيء فهو الغني المطلق الذي لا يفتقر الى احد ولا يحتاج الى مخلوق.
ولنعم ما قاله المولى امير المؤمنين (صلوات الله عليه) في هذا المعنى فيما روي عن في كتاب نهج البلاغة في الخطبة الرابعة والستين حيث قال:" الحمد لله الذي لي تسبق له حال حالاً فيكون اولاً قبل ان يكون اخراً ويكون ظاهراً قبل ان يكون باطناً، كل مسمى بالوحدة غيره قليل، وكل عزيز غيره ذليل، وكل قوي غيره ضعيف، وكل مالك غيره مملوك، وكل عالم غيره متعلم، وكل قادر غيره يقدر ويعجز، وكل سميع غيره يصم عن لطيف الاصوات ويصمه كبيرها ويذهب عنه ما بعد منها، وكل بصير غيره يعمى عن خفي الالوان وليطف الاجسام، وكل ظاهر غيره غير باطن وكل باطن غيره غير ظاهر، لم يخلق ما خلقه لتشييد سلطان ولا تخوف من عواقب ازمان والا استعانة على ند مثاور ولا شريك مكاثر ولا ضد منافر، ولكن خلائق مربوبون وعباد داخرون لم يحلل في الاشياء فيقال هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال هو منها بائن، لم يؤده خلق ما ابتدأ ولا تدبير ما ذرأ ولا وقف عن عجز عما خلق ولا ولجت عليه شبهة فيما قضى وقدر بل قضاء متقن وعلم محكم وامر مبرم المأمول مع النقم المرهوب مع النعم" 
فالناسك عندما يردد قوله لبيك انت الغني، يقر لله تعالى بالغنى المطلق وانه تبارك وتعالى ليس بحاجة الى شيء سوى ذاته، وان انطلاقة العبد في اجابة دعوة الرب نابعة من واقع ايمانه بغنى الرب عنه وحاجته اليه.
وفي الفقرة الثانية من هذا المقطع من التلبية ينادي العبد " ونحن الفقراء اليك لبيك" اين ان العبد يقر انه محتاج في كل شؤونه واموره كبيرها وصغيرها الى الله تباك اسمه، فالاقرار من العبد بالفقر مسالة تنبع من صميم عقيدته بان لا وجود له ولا بقاء دون الله تعالى فهو محتاج اليه في كل شيء وجودا وبقاء وكما قيل ان علة الحاجة الامكان الذاتي، فالامكان الذاتي علة الافتقار، فكل ممكن بالذات يتساوى فيه طرفا الوجود والعدم ولا يخرج من حاق العدم الى الوجود الا بتاثير العلة، والله تعالى علة العلل ومسبب الاسباب ومقدر التقادير فهو الخالق الذي اخرج الممكن من حاق العدم الى ساحة الوجود وهو المقدر لكل ما يكتنف وجوده.
وفرق بين التلفظ بهذه المقاطع اذا كان عن عقيدة وايمان راسخ وبين كونها مجرد لقلقة لسان وترديد الفاظ لا تحضر معانيها في نفس لافظها، فالاقرار اللساني الذي لا ينبعث عن ايمان وعقيدة لا يترك اي اثر على حياة الفرد فما هو الا ان ينهي كلماته ويزول تاثير الاحكام الطارئة على شخصيته حتى يعود كما كان الى سالف عهده وما كان عليه من سلوك لا يتلائم وروح الشريعة وقيم الدين، واما اذا كانت تلك الكلمات معبرة عما يختلج قلب الناسك من عقيدة امن بها عقله واستيقنها قلبه، فالامر فيه مختلف جدا، حيث ان تلك العبارات تعبر عن مبادئ وقيم تنبعث عن ادراك لواقع يرسم كيفية التعاطي والتعامل ويحدد معالم الشخصية ليكون الاقرار اللفظي متناغماً تماماً مع مقتضيات العقيدة واثارها على السلوك الشخصي والاجتماعي.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد عبد الستار الجابري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/08/24



كتابة تعليق لموضوع : البعد الروحي للاحرام – التتمة ح 3 "لبيك انت الغني ونحن الفقراء اليك لبيك"
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net