لِلْغِيبَة مَعَانٍ عدة، فَمِنْهَا فِي الْمُصْطَلَح اللُّغَوِيّ حَيْثُ قَالَ صَاحِبُ المقاييس إن الْغَيْب أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَسْتُر الشيء عَنْ الْعُيُونِ
وَأَمَّا فِي الْمُصْطَلَح الدِّينِيّ، فَنَحْن الطَّائِفَة الشِّيعَية الَّتِي تُؤْمِن بِإمَامِه اثْنَي عَشَر إِمَاماً مَعْصُوماً نُؤْمِن بِأَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَخْلُو مِنْ حَجَّةِ وَإِمَام يَكُونَ هُوَ الْمُنْقِذ وَالْمُخْلَص مِنْ كُلِّ جَوْر وَظَلَم وَعَلَيْهِ يَكُونُ هُوَ الْإِمَام الثَّانِي عَشَرَ مُحَمَّد بْن الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيّ (عج) الْمَوْلُود سُنَّة 255ه، وَأَنَّه اسْتَتَر عَنْ النَّاسِ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
إنَّ هَذِهِ الْغِيبَة الْعَظِيمَة حَقِيقَةٌ فِي أَصْلِهَا حكْمة رَبَّانِيَّةٌ لِأَهْلِ الْأَرْض، فَفِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ (ص): «يا جابر، إنَّ هَذَا الْأَمْر أَمَر اللَّه وَسِرّ مِنْ أَسْرَارِ اللَّهِ مَطْوِيّ عَنْ عَبادِ اللَّهِ»(1).
وَعَن زُرَارَة عَنْ الْإِمَامِ الْبَاقِر (عليه السلام) قَال: «إن لِلْقَائِم غَيْبَة قَبْلَ أَنْ يَقُومَ قُلْت وَلِمَ؟ قَال: "يخاف" وَأَشَارَ إلَى بَطْنِهِ قَالَ زُرَارَةُ يَعْنِي الْقَتْلَ»(2).
وَكَانَت بِدَايَة الْغِيبَة الْكُبْرَى بَعْدَ وَفَاةِ السَّفير الرَّابِع عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ السمري عَام 329ه وَعِنْدَهَا انْقَطَع اتِّصَال الشِّيعَة بِإِمَامِهِم.
وَمَن الطَّبِيعِيّ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ مُسَبَّب سَبَبٌ وَمَن جَمُلَة الْأَسْبَابِ الَّتِي مِنْ خِلَالِهَا غَابَ الْإِمَامُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الْخَوْفِ عَلَيْهِ (عج) مِن الْعَبَّاسِيِّين فَلَم يُخْفِ التَّارِيخ الْوَقَائِع وَالْأَحْدَاث الَّتِي سَعَى بِهَا بَنِو الْعَبَّاسِ في ظُلْمِهِم وَجَوْرِهِم وطغيانهم بَعْد تُولِيَهم السُّلْطَة ضِدّ الْعَلَوِيِّين وَضِدّ ذُرِّيَّة رَسُولُ اللَّهِ (ص) فِي عِتْرَتُه وَذُرِّيَّتِه، ففرضوا الْإِقَامَة الْجَبْرِيَّة عَلَى الْإِمَامِ عَلِيٍّ الْهَادِي (عليه السلام) ونجله الْإِمَامِ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيُّ(عليه السلام) فِي سامَرّاء واحاطوهم بِقُوَى مكثفة رِجَالًا وَنِسَاءً لِأَجْل التَّعَرُّف عَلَى وِلَادَة الْمُنْتَظَر (عليه السلام) وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِإِلْقَاء القَبْضِ عَلَيْهِ وَتَصْفِيَتِه جسدياً؛ لأَنّ الراويات الْوَارِدَة بِحَقِّه (عج) عَن جَدِّهِ الْأَكْرَم (ص) وَعَن أوصيائه أَنَّ الْإِمَامَ الْمُنْتَظَر هُوَ حُجَّة اللَّهِ فِي أَرْضِهِ فحفاظا عَلَى سَلَامَتِهِ مِنْ كَيْدِ الكائدين كَانَ لاَبُدَّ مِنْ غَيْبَتِهِ، ولهذه الْغِيبَة كَذَلِك دُور فَعَّال فِي امْتِحَانِ النَّاس ومدى إيْمَانِهِم وَصَبْرِهِم عَلَى المجريات وَالْأَحْدَاث وَالظُّلْم الَّذِي يَعُمُّ الْعَالَمَ فِي غَيْبَتِهِ (عج)، فَقَدْ وَرَدَ عَنْ الْإِمَامِ الصَّادِق (عليه السلام): «أما وَاَللَّه ليغيبن إِمَامكُم سِنِينَا مِن دَهْرِكُم ولتمحصن حَتَّى يُقَالَ مَاتَ أَوْ هَلَكَ، بِأَيّ وَاد سَلَك، ولتدمعن عَلَيْه عُيُون الْمُؤْمِنِين ولتكفأن كَمَا تَكَفَّأ السُّفُن فِي أَمْواجُ البَحْرِ فَلَا ينجوا إلَّا مِنْ أَخَذَ مِيثَاق اللَّه وَكَتَبَ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَان وَأَيَّدَه بِرُوح مِنْه»(3).
وَعَلَيْهِ، كَانَ أَمَامَ شِيعَتِه وَمُحِبِّيه التَّحَلِّي بِالصَّبْرِ أمَام كُلِّ ظَلَم وَجَوْر، وَانْتِظَاره وَانْتِظَار الْفَرْج بِقُدُومِه الشَّرِيف وَكَانَ لَهُمْ مِنْ أوَّلِيَّات انْتِظَارِهِم مَعْرِفَة إمَامهم الْغَائِب، فَقَدْ وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (ص) قَال: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْ إمَام زَمَانِه مَاتَ مِيتَةً جاهلية»(4).
وَلَابُدّ لِهَذَا الِانْتِظَار أَنْ يَكُونَ انْتِظَاراً صَادِق الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ لِيَذْهَب بِالْمُسْلِم وَالْأَمَة عَلَى حَدِّ سَوَاءٍ فِي بِنَاءِ مُسْتَقْبِل تَمْهِيدِيّ لِظُهُورِه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَيُعَدّ الطرِيق الْمُنَاسِبَ مِنْ أَجْلِ إعْلَاء كَلِمَةِ اللَّهِ ومحاسنِ الأَخلاق، وَهُو مُنْتَظِرٌ، فإِنْ ماتَ وَقَام القائمُ بعدَهُ كانَ لهُ مِن الأَجر مثل أَجر مِن أَدْرَكَهُ، فجدُّوا وانتظِرُوا هنِيئاً لكُم.
وَعَنْ الْإِمَامِ الرِّضَا (عليه السلام): «انْتِظَارُ الْفَرَجِ مِنَ الْفَرَجِ»(5).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) إتْمَام النِّعْمَة: ص288/ بَاب25/ حَدِيث6.
2) إتمَام النِّعْمَة: ص481/ بَاب44/ حَدِيث9.
3) الْإِمَامَة وَالتَّبْصِرَة: 125/ الْكَافِي: 1/ 336.
4) غَيْبَة النُّعْمَانِيّ: ص130/ الْكَافِي: ج2/ ص21/ ح9.
5) المجلسي بِحَار الأنوار: ج52/ ص128 .الغيبة الكبرى
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat