صفحة الكاتب : محاسن غني النداف

الدراسة التقليدية.... وشبح التخلف
محاسن غني النداف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 عندما يراد تشخيص علة في جسد ما، يصار الى التوسل بشتى أنواع الفحوصات السريرية والمخبرية، سعيا لتحديد سبب العلة. فإذا ما أخذت عينة من الجسم المريض ووضعتها تحت المجهر فسترى بعض التفاصيل التي لايمكن رؤيتها بالباصرة المعتادة،  وستقف على علة المرض مما يمكن الطبيب المعالج من تحديد نوع العلاج المناسب.   
مريضنا اليوم هو النظام التعليمي الذي انهكته الامراض المزمنة حتى بات يعاني من الزهايمر مما اربك وضعه العام ولم يعد يمتلك تلك الشخصية النافذة والمؤثرة في فكر الطالب وسلوكه،  مما انعكس سلبا على مخرجاته التربوية والعلمية. 
ولكي نحدد مواطن الخلل سنأخذ عينة من الخلايا التربوية ونضعها تحت مجهر الفحص والنقد لنستكشف ماهو اوضح من الشمس حين يغيبها غبار التقليد والتخلف. 
العينة الاولى 
صف في مدرسة حكومية
 المرحلة الابتدائية، 
 الصف يسوده الشغب والفوضى لغياب المعلم 
 وفجأة يدخل المعلم الصف بعبارات التوبيخ والوعيد ويداه تصفعان هذا و تدفعان ذاك
استوى الجميع في مقاعدهم وأخرجوا كتبهم 
وتطوع احد الطلاب على وجل لمسح اللوح المعلق على الجدار 
كتب المعلم على الصبورة حديث لرسول الله صل الله عليه وآله.  قرأ الحديث قراءة عادية جدا 
وتحدث ببضع كلمات حول معنى الحديث. 
طلب من التلاميذ تحضيره للدرس القادم 
دق الجرس وانتهى درس'التربية الاسلاميه'! 

العينة الثانية « الحلم»: 
صف في مدرسة حكومية 
المرحلة الابتدائية 
الصف يسوده الشغب والفوضى لغياب المعلم يدخل المعلم الصف،  ويسرع الجميع الى مقاعدهم،  ينظر إليهم المعلم بعد أن استوى الجميع جلوسا ثم يلقي عليهم بمودة وبشاشة  تحية الاسلام 
 يطلب من أحد التلاميذ مسح اللوح
ويشكره حالما ينتهي من عمله
يكتب على الصبورة قال رسول الله  'صل الله عليه وآله' باللون الازرق
ويكتب نص الحديث  باللون الاحمر 
ويكتب صدق رسول الله باللون الاخضر  ثم يزين ما كتبه ببضع زهرات جميلات. 
ثم يلتفت نحو الطلاب متسائلا: ما معنى "قال رسول الله" ؟! 
يتفاجأ الطلاب بالسؤال 
فينبري أحدهم وهو من المتفوقين فيجيب بثقة: يعني أن رسول الله هو من قال هذا الكلام. 
المعلم: احسنت! 
فيعقب بسؤال آخر: 
وما قيمة كلام رسول الله حتى نهتم به ونحفظه ونخصص له كتب خاصة هي كتب الحديث؟! 
فأجاب احدهم وهو نصف مرتبك
لأنه رسول الله! 
المعلم: وماذا يعني هذا؟ 
وبعد برهة قصيرة من الصمت المنضوي على بعض الهمسات من هنا وهناك، ابتسم المعلم وقال: لا بأس عليكم انا سأبسط السؤال وانتم أذكياء وستعرفون الجواب. 
فتحمس الطلاب للمنافسة 

المعلم: لو قلت لكم أن غدا عطلة رسمية هل تصدقون؟ 
فأومأ الجميع بالأيجاب
المعلم: لماذا؟ 
الطلاب: لانك المعلم
المعلم:  ومن أين آتي بالاخبار 
الطلاب: من الادارة 
والادارة 
من التربية وهي مصدر القوانين 
اذا أنا غير مسموح لي أن اتكلم من تلقاء نفسي، وكل ما اقوله هو تبعا لتوجيهات ادارة المدرسة المنسجمة مع قوانين التربية وانظمتها. 

المعلم: اذا ماذا نستنتج من هذا؟(ثواني من التفكر والتأمل) 
الطالب:  يعني ان مايقوله النبي هو بأمر من الله سبحانه! 
المعلم:  كلامك صحيح تماما،  لان النبي صلوات ربي عليه هو الواسطة بيننا وبين الله
وقد عرفه الله سبحانه بما يرضيه وما يسخطه
لذلك يحاول نبينا الاكرم أن يقربنا من مرضاة الله ويبعدنا عن سخطه. 

المعلم:  لكن السؤال المهم هل أن هذه الاقوال والتوصيات تنفعنا فقط لدخول الجنة وتجنب النار؟! 

بعض الطلاب قالوا نعم والبعض قال لا والبعض الآخر صامت متحير. 

المعلم مرة ثانية يحاول استثارة افكار الطلاب فعلق قائلا: 
اسمعوني يا ابنائي هل تذكرون في درس عمل الخير كيف أن محمد تمكن من مساعدة اخته في درس القراءة عندما مرضت أمه،  وكيف أن مهند ميز الخطأ في حساب البقال
اذا!  واشار بيده مستفهما
ماذا يعني هذا فسروا لي. 

احد الطلاب: يعني اننا ننتفع بما نتعلمه في المدرسة خارج المدرسة! 
المعلم: ممتاز استنتاح سليم،  وبالتالي فإن كل مايصدر عن رسول الله نافع لنا في الدنيا لنعيش حياة كريمة، ونافع ايضا في الاخرة....
وهكذا استرسل معلم 'التربية الاسلامية' في درسه المثير لتلك العقول الصغيرة وانتهى الدرس بالاعداد للتطبيق العملي لمضمون الحديث النبوي الشريف. 
دق الجرس والطلاب مشغولون بإعداد جدول التطبيق العملي في المدرسة والبيت والشارع،  بعد أن عين لكل طالب رقيب عليه من أصدقائه يعمل بمثابة الضمير.
فينتفعون من تجارب بعضهم. 
المعلم مودعا تلاميذه: لاتنسوا الاسبوع القادم تطبيق عملي،  ساستمع الى تجاربكم...
 والان أيها القارئ العزيز،  إرفع عينك من على المجهر. أكاد أجزم أنك قد  ميزت ما  بين الخلية المريضة والخلية السليمة! 
اذا لاحظت فإن ابرز الفروقات هي قول النبي محمد صل الله وآله 'إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه'
إن عدم اتقان المعلم لعمله يؤدي بالتالي الى عدم اتقان الطلاب لما يتعلمونه وبهذا تذوب الفائدة العلمية وتتلاشى ملامح
الاثر الواقعي، لمايتعلمونه، في المجتمع. 
لقد كان فايروس التخلف واضح جدا في العينةالاولى حتى أن العدوى باتت مستشرية بين صفوف الطلبة وأعراض مرض أهمال القيمة العلمية للمعلومات والمعارف واضحة وجلية في صفوف مجتمعاتنا الطلابية. 
فالتدريس بنمط تقليدي يؤدي الى دراسة تقليدية، إذ ليس هناك اي تفاعل مع المعلومة او تفعيل لدورها وأثرها في الحياة.
فكما أن المعلم عينه على نهاية الشهر لقبض معاشه،كذلك الطالب عينه على نهاية السنة لاستلام نتيجته،من دون أن يفكر الاثنان في حصيلة مابذلاه من جهد، ولا قيمة لأي مكتسب علمي او ثقافي أو أدبي.
في حين أن المعلم في العينة الثانية نجح وببراعة في إدارة الصف عندما اعطى زخما معنويا للمادة الدراسية. فمن المهم أن يتعرف الطالب الى السبب الكامن وراء تعلمه هذه المادة وكيف يمكنه الانتفاع منها الان أو في المستقبل،  إضافة الى تدريبه على مهارات التفكير والمناقشة،  فيؤدي دوره كتلميذ واع ومفكر مبدع!
كما أنه يدفعه الى تجسيد ما تعلمه كواقع معاش مما يترك أثره الفعلي في حياة الطالب. 
عندما تُضرب المؤسسة التربوية، سيضرب سلوك المجتمع وثقافته الأدبية والعلمية.
فالتخلف لايعني عدم امتلاك مادة علمية،وإنما يعني عدم تفعيل هذه المعارف والمعلومات لتؤدي دورها في خدمة وتنمية المجتمعات.
  آذا ذهبت الى الصيدلية لابتياع دواء  ولم يسألك الصيدلي فيما اذا كان لديك مرض مزمن،  او هل تستخدم حاليا اي عقار لمرض عارض؟  أو لم يسألك عن نظامك الغذائي أو نظام نومك او طبيعة عملك؟ 
حيث أن بعض العقاقير الدوائية قد تتداخل عند استعمالها في آن واحد،  وبدلا من الشفاء ستحصل اعراض جانبية خطيرة!  فأعلم أن الخلل ليس في عمله،  بل الخلل في تعليمه،  فهو لم يتربى على إتقان عمله كما يحب الله ويرضى. 

قال رسول الله (صل الله عليه واله) وهو المعلم الاول للبشرية "كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته...."


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محاسن غني النداف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/09/20



كتابة تعليق لموضوع : الدراسة التقليدية.... وشبح التخلف
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net