صفحة الكاتب : شعيب العاملي

فاتخذوه عدوّاً!
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم
 
﴿وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ يُوحي‏ بَعْضُهُمْ إِلى‏ بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُوراً﴾ (الأنعام112).
 
يتأمَّلُ المؤمنُ في هذه الآية الشريفة، فيجد فيها خصوصية، حيثُ قدَّمَ الله تعالى (الجنَّ) على (الإنس) في أغلب الآيات التي ذُكرا فيها معاً، لكنَّه تعالى قَدَّم هنا (شياطين الإنس) على (شياطين الجن)!
 
فما السرُّ في ذلك؟
 
هل لكونهم أقربَ إلينا في الطبيعة البشرية؟ أم لأنَّهُم أشدُّ خطراً وأكثرُ تأثيراً؟ أم لأنَّ إمامَ شياطين الإنس أسوأ عند الله من إمام شياطين الجنّ؟
هذا ما يعلمه الله تعالى.. لكنَّ ما يهمُّ المؤمن هنا هو العِبرَةُ والثمرة.
 
إنَّ اشتراك شياطين الإنس والجنّ في عداوة الأنبياء، وجملةٍ من الأساليب والسُّبُل التي يعتمدونها، وتعاوُنهم معاً في سبيل الإضلال والغواية، يفتح للمؤمن أبوباً من التأمُّل في أحوالهما، وأحواله معهما..
 
ومنها جهاتٌ:
 
أولاً: موالاة الشيطان وذريته
 
لقد حذَّرَ الله تعالى خلقَه من موالاة إبليس وذريَّته.. فقال عزَّ وجل: ﴿أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُوني﴾ (الكهف50).
وهذه الآية تُثير التعجُّب.. فهل يُعقلُ أن يتَّخذَ النّاسُ الشيطان ولياً مِن دون الله؟!
 
نعم، إنَّه لأمرٌ واقعٌ عند كثيرٍ من النّاس، بل عند أكثرهم! فإنَّ منهم من يواليه ويوالي ذريَّته، كما يوالي سائر أعداء الله من الإنس، وقد قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الحَقِّ﴾ (الممتحنة1).
 
حِبالُ المودة بين هؤلاء وبين أولياء الله مقطوعة! لكنَّها مع أعداء الله موصولة!
 
يوالي هؤلاء الشيطان ثمَّ يصيرون من جنوده وأعوانه وأنصاره، وقد قال أميرُ المؤمنين عليه السلام: فَإِنَّ لَهُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ جُنُوداً وَأَعْوَاناً، وَرَجِلًا وَفُرْسَاناً (نهج البلاغة ص289).
 
ثانياً: معاداة الشيطان
 
وبعدما حذَّرَ الله تعالى عباده من موالاة الشيطان، ونهاهم عنها، نبَّهَهُم إلى أن ترك موالاته وحدَها لا تكفي، بل لا بدَّ مِن عدم اتِّباع خطواته أولاً: ﴿وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبينٌ﴾ (البقرة168).
 
ثمَّ (اتَّخاذه) عدواً ثانياً، فقال تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعيرِ﴾ (فاطر6).
 
هو خطابٌ عامٌ لكلّ الناس، فالشيطان عدوٌّ لهم جميعاً، يريد أن يحشُرَهم معه في نار جهنَّم.
لكنَّه لا يتصارعُ اليومَ مع كلِّ النّاس، فإنَّ المعركة قد انتهت مع فريقٍ منهم لصالحه، بل صاروا من جنوده وأعوانه، ولمَّا كان قد فَرَغَ ممَّن اتَّبَعَه، صَمَدَ للمؤمنين خاصَّةً، فصاروا أولى الناس بعداوته، وقد قال الباقر عليه السلام: الشَّيْطَانُ مُوَكَّلٌ بِشِيعَتِنَا، لِأَنَّ سَائِرَ النَّاسِ قَدْ كَفَوْهُ أَنْفُسَهُم‏ (الكافي ج‏3 ص162).
 
ولمّا كان للشياطين هدفٌ مشترك، تعاونوا على إنجازه وإتمامه.
فإنَّ مَن يفرَغ منهم من إضلال عباد الله، يعمل على إعانة إخوانه في إضلال المؤمنين، ويتعاون الجميع عليهم، فيتكاثرون على المؤمن، حتى ورد عن الصادق عليه السلام: إِنَّ الشَّيَاطِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَكْثَرُ مِنَ الزَّنَابِيرِ عَلَى اللَّحْم‏ (الاختصاص ص30).
 
يا لَهُ مِن معنى عجيب.. فالشياطين متؤازرةٌ اليوم على كلِّ واحدٍ منّا، متعاونةٌ على إضلاله، متكثِّرةٌ عليه، تأتيه من كلِّ جانبٍ بأسلحةٍ في غاية القوَّة!
 
ثالثاً: أسلحة الشيطان وأتباعه
 
لقد فضَّلَ الله تعالى الإنسان على سائر المخلوقات، لكنَّه أعطى بعضَ مخلوقاته قدراتٍ لا يملكها عمومُ الناس، فالملائكة ينتقلون من السماء للأرض بطرفة عين، والطيور تطير في الهواء، والأسماك تعيش عمرَها في المياه، أمّا الجنُّ فإنَّهم يرونَ الإنسان دون أن يراهم!
 
قال تعالى عن الشيطان: ﴿إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُم‏﴾ (الأعراف27).
ومع ثبوت العداوة بين المؤمن والشيطان يصيرُ للشيطان عامل تَفَوُّقٍ كبيرٍ جداً على الإنسان، ثمَّ يتقوى أكثر فأكثر حيث أجراه الله تعالى في الإنسان مجرى الدم في العروق، ففي الحديث: إِنَّ إِبْلِيسَ لَعَنَهُ الله.. يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ فِي العُرُوق‏ (الكافي ج8 ص113).
 
يستغلُّ الشيطان هذه القدرات الكبيرة ليحرف المؤمن عن الصراط المستقيم بكلِّ وسيلة، ويستثمرها لخداعِ المؤمن وإسقاطه.
 
يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
يَا كُمَيْلُ إِنَّ لَهُمْ خِدَاعاً وَشَقَاشِقَ، وَزَخَارِيفَ وَوَسَاوِس‏، وَخُيَلَاءَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ قَدْرَ مَنْزِلَتِهِ فِي الطَّاعَةِ وَالمَعْصِيَةِ (بشارة المصطفى ج2 ص27).
 
وكلَّما ارتفعت منزلة المؤمن عند الله تكاثَرَ عليه الشياطين، وأكثروا من تلبيس الأمور عليه، وقد شاركهم في ذلك شياطين الإنس، حيث يقول الصادق عليه السلام: وَإِنَّ لِشَيَاطِينِ الإِنْسِ حِيلَةً وَمَكْراً وَخَدَائِعَ.. يُرِيدُونَ إِنِ اسْتَطَاعُوا أَنْ يَرُدُّوا أَهْلَ الحَقِّ عَمَّا أَكْرَمَهُمُ الله بِهِ! (الكافي ج8 ص11).
 
ولهؤلاء أساليب في غاية المكر، يصفُها أميرُ المؤمنين عليه السلام لكميل فيقول:
يَا كُمَيْلُ، إِنَّهُمْ يَخْدَعُونَكَ بِأَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا لَمْ تُجِبْهُمْ مَكَرُوا بِكَ وَبِنَفْسِكَ، وَبِتَحْسِينِهِمْ إِلَيْكَ شَهَوَاتِكَ.. وَيُسَوِّلُونَ لَكَ، وَيُنْسُونَكَ وَيَنْهَوْنَكَ وَيَأْمُرُونَكَ: إنَّ لكلِّ مخلوقٍ رغباتٍ وشهوات، ومِنَ الناس من يستجيب للوساوس بأدنى أمرٍ وأبسط خدعةٍ، لكنَّ المؤمن لا يستجيب لهم بسهولة، فيعملون على جذبه بحثِّه على الشهوات، وصَرفِه عن التوجه إلى الله تعالى وعن طاعته، حتىَّ أنَّهم يتلاعبون بمفهومي الخوف والرجاء، اللَّذَينِ يحافظ المؤمن على التوازن بينهما، فهو يخاف الله مخافةً تمنعه عن المعصية، ويرجو الله رجاءً يأمل معه بالمغفرة، لكنَّ الشيطان يرفعون له من منسوب الرجاء إلى حيث لا ينبغي أن يصل، حتى يتجرأ العبدُ على المعصية.
 
يقول أمير المؤمنين في وصف فعلهم:
وَيُحَسِّنُونَ ظَنَّكَ بالله عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى تَرْجُوَهُ فَتَغْتَرَّ بِذَلِكَ وَتَعْصِيَهُ، وَجَزَاءُ العَاصِي لَظَى‏: وهكذا يودي الرجاء الذي لا يكون في محله بالعبد في مهاوي المعاصي.
 
فإن لم يغترّ المؤمن بهذه الخدع، ترقى الشيطان في أساليبه، قال عليه السلام:
يَا كُمَيْلُ إِنَّهُ يَأْتِي لَكَ بِلُطْفِ كَيْدِهِ، فَيَأْمُرُكَ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَلِفْتَهُ مِنْ طَاعَةٍ لَا تَدَعُهَا، فَتَحْسَبُ أَنَّ ذَلِكَ مَلَكٌ كَرِيمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ رَجِيمٌ: هذه المرّة يأتي الشيطانُ للمؤمن من حيث أمرَ الله تعالى، فيأمرُ الشيطانُ المؤمنَ بالطاعة التي يألفها ولا يحبُّ تركها!
 
لماذا؟ أليس في الاتيان بالطاعة هزيمةٌ له؟
 
إنَّه يفكِّر كما يفكِّر المكّارون.. إنَّه يريد أن يكسب ثقة المؤمن أولاً، فيأمره بما يعتاد عليه من الطاعات، كمقدَّمة ليحرفه عن الصراط المستقيم:
فَإِذَا سَكَنْتَ إِلَيْهِ وَاطْمَأْنَنْتَ حَمَلَكَ عَلَى العَظَائِمِ المُهْلِكَةِ الَّتِي لَا نَجَاةَ مَعَهَا: وهكذا تلتبسُ الأمور عند المؤمن، فينقادُ للشيطان وهو يحسبُه ملكاً كريماً.
هكذا تدخل الشُّبهات إلى قلب المؤمن، ويسقط في فخاخ إبليس..
 
يَا كُمَيْلُ إِنَّ لَهُ فِخَاخاً يَنْصِبُهَا فَاحْذَرْ أَنْ يُوقِعَكَ فِيهَا.. يَا كُمَيْلُ إِنَّ الأَرْضَ مَمْلُوَّةٌ مِنْ فِخَاخِهِمْ: إلى هنا مالَت الكفَّةُ تماماً لصالح إبليس.. وصار المؤمن حائراً خائفاً من الوقوع في شباكه وفخاخه.. فكيف إن كانت قد ملأت الأرض؟!
 
ما السبيل إلى النجاة إذاً؟
يقول عليه السلام: فَلَنْ يَنْجُوَ مِنْهَا إِلَّا مَنْ تَشَبَّثَ بِنَا (بحار الأنوار ج74 ص271-272).
آلُ محمدٍ عليهم السلام هم السبيل إلى الخلاص من فخاخ إبليس.
 
كيف ذلك؟
 
إنَّ الشيطان يأمرُ المؤمن بمعروفٍ كي يطمئنَّ إليه، ثم يأمره بمنكرٍ كي يوقعه.
والمؤمن لا يتخلَّف عن أمر أئمته، فإذا أمره إبليسُ بمنكرٍ، وكان المؤمن قد تفقَّه في دينه، وأخذ علومه عن آل محمدٍ، والتزم تعاليمهم، أعرض عن هذا المنكر لأنَّه يعلم أن الله تعالى لا يرضاه، وأن أولياءه لا يقبلونه له، فتكون النجاة له بالتشبُّث بآل محمد والتزام أمرهم.
 
ولو لم يعلم المؤمنُ ذلك، لكنَّه كان صادقاً في موالاتهم عليهم السلام، دفعوا عنه شياطين الإنس والجنّ، وأنقذوه من فخاخ إبليس. فإنَّ: مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ كُفِيَ مَا لَمْ يَعْلَم‏ (التوحيد للصدوق ص416).
 
إنَّه صراعٌ مليءٌ بالفخاخ.. يدلفُ فيه الشيطان بجنوده فيُقحِمون مَن ينهزمُ أمامَهم وَلَجَات الذُّل، ويثخنوهم بالجراح.. طعناً في العيون.. وحَزَّاً في الحلوق.. ودَقَّاً للمناخير.. وَسَوْقاً بِخَزَائِمِ القَهْرِ إِلَى النَّارِ (نهج البلاغة ص288).
 
فما أعظمها مِن موقعةٍ.. وما أشدَّه من ابتلاء، وما أحوج المؤمن فيه إلى موالاة آل محمد عليهم السلام، وإلى إعداد أسلحةٍ يقابل بها عدوَّه.
 
رابعاً: أسلحة المؤمن
 
رغم فخاج إبليس الكثيرة، وقدرته الفائقة، إلا أنه ليس له سلطان على المؤمنين: ﴿إِنَّ عِبادي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغاوين‏﴾ (الحجر42).
 
ورغم أنَّه جرى من الناس مجرى الدم في العروق، إلا أنَّ الله تعالى أعطاهم ما يعوِّضهم ذلك، فإنَّ آدم عليه السلام طلب من الله تعالى لذريَّته ما يتقوّون به على ذلك، فكتب الله لهم حسنةً إن همّوا بفعل خيرٍ ولو لم يفعلوه، وكتب لهم عشر حسنات إن أتوا بما عزموا من أفعال الخير.
 
ثم قال لآدم: جَعَلْتُ لَكَ أَنَّ مَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ سَيِّئَةً ثُمَّ اسْتَغْفَرَ غَفَرْتُ لَه‏.
ثمَّ زادَهم فقال لآدم عليه السلام: بَسَطْتُ لَهُمُ التَّوْبَةَ حَتَّى تَبْلُغَ النَّفْسُ هَذِهِ.
رضي بذلك آدم عليه السلام وقال: يَا رَبِّ حَسْبِي‏ (الزهد ص75).
 
فصارت التوبة باباً ينسفُ مكائد إبليس على عظمتِها.. وسلاحاً يجعل جهوده في مهبِّ الرِّيح.
 
خامساً: برنامج السماء لحرب إبليس
 
إنَّ العاقلَ يعدُّ العدَّة لحرب أعدائه، وقد أمر القرآنُ الكريمُ بذلك فقال: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ﴾ (الأنفال60).
 
إنَّ الإعداد لقتال العدوّ يختلفُ بحسب قوَّته وضعفه، وبحسب الظُّروف التي تقع فيها المعركة، وقد نَظَّمَ الله تعالى أمور المسلمين المقاتلين في حروبهم، فأمرهم بالنَّفر إما جماعاتٍ متفرِّقة، أو جميعاً يداً واحدة، وذلك حسب المصلحة، فقال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَميعاً﴾ (النساء71).
و: الثُّبَاتُ السَّرَايَا، وَالجَمْعُ الْعَسَاكِرُ (كما عن الباقر عليه السلام في فقه القرآن ج1 ص341).
 
ثمَّ نَبَّهَ الله تعالى المؤمنين في أدقِّ أحوالهم، فإذا كان عدوُّهم يتربَّصُ بهم وقت الصلاة انقسم المسلمون، فقامت طائفةٌ مع النبيّ صلى الله عليه وآله للصلاة، وأتت خلفهم طائفةٌ أخرى بسلاحها، قال تعالى: ﴿وَدَّ الَّذينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَميلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً﴾ (النساء102).
 
إنَّ الغفلةَ في الحرب بابٌ للهزيمة النكراء.. سيَّما إذا كان العدوُّ متربِّصاً، فيؤدي التخاذُلُ فيها والغفلة عنها إلى أن يسلمَ المتخاذلُ رقبته أمام عدوٍ يحمل مِديَةً يوشك أن يذبحه بها!
 
ولقد كان أمير المؤمنين عليه السلام مهتماً في حروبه بعوامل النَّصر، بعد التوكُّل على الله، فقد بات ليلة صفين: يُعَبِّئُ النَّاسَ وَيُكَتِّبُ الكَتَائِبَ، وَيَدُورُ فِي النَّاسِ يُحَرِّضُهُمْ (وقعة صفين ص203).
 
وكذا كان سيد الشهداء عليه السلام، يراعي قواعد الحرب وفنونها، فجعل على الميمنة والميسرة من يصلح فيهما.. كزهير بن القين وحبيب بن مظاهر.. وأعطى اللواء من يستحقه: العباس عليه السلام.
 
يكشفُ كلُّ ذلك أنَّ الصراع مع الشيطان صراعٌ في غاية الخطورة، فينظر إليه المؤمن اليومَ نظرةً جادَّةً دقيقة، فإنَّ مصيره يتوقَّفُ على الفوز فيه.
 
وإذا تأمَّلَ فيما تقدم عَلِمَ أنَّ عليه العمل تارةً لإصلاح نفسه وتخليصها من قبائحها والرذائل، وهو العمل الفردي الذي لا بُدَّ منه..
وأخرى بشكلٍ جماعِيٍّ.. فينفر مع إخوانه ثُباتٍ أو جميعاً.
 
والعمل الجماعي يحتاجُ إلى تدبيرٍ.. فلا يتأخَّر المقاتل الشُّجاع الخبير عن مقدَّمة الجيش، ولا يتقدَّم الجبان الفرَّار المُتخاذِل..
العمل الجماعيُّ يحتاجُ إلى صِدقٍ وإخلاصٍ.. ورحمةٍ وشفقةٍ على الإخوان.. وأن يكون أحدهم مرآةً لأخيه.. يُعينُه ولا يُعينُ عليه..
 
لذا يستعينُ المؤمنون في مجتمعهم بالأقدر بينهم على إدارة المعركة.. فيصمت الجاهل، ويتكلَّم العالم.. وتُنَظَّمُ الصفوف بحسب نظر أقدر الناس على إدارة الصِّراع.. أولئك هم حَمَلَةُ تراث آل محمد عليهم السلام.
 
أولئك الذين يفرح إبليس بفَقدِهم ويطرب..
وقد روي عن الصادق عليه السلام: مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ مِنَ المُؤْمِنِينَ أَحَبَّ إِلَى إِبْلِيسَ مِنْ مَوْتِ فَقِيه‏ (الكافي ج1 ص38).
 
فهو الأقدر على كشف فِخَاخِه.. وما إن يتمكَّن بتوفيق الله ورعاية وليِّ الأمر عجل الله فرجه من التغلُّب عليها، حتى يصير مُعيناً لاخوانه المؤمنين في هذا الصِّراع.. ومنقذاً لعباد الله المؤمنين من مكائده..
 
الفقيه لا يُقَنِّطُ الناس من رحمة الله، لكنَّه لا يُغريهم بالمعصية..
الفقيه يتلطُّفُ بالمؤمنين ويشفق عليهم، ويحذِّرهم من أن يأتي لهم إبليس (بِلُطْفِ كَيْدِهِ) وبما ألفوا من الطاعة.. فيميِّز لهم ما ظاهره الرحمة وباطنه العذاب.. ويكشف لهم حقيقة شياطين الإنس الذين يتلبَّسون بلباس الدِّين والتقوى والورع.. وهم شياطين يحملون العباد على العظائم المهلكة.
 
هل في هذا الأمر مبالغةٌ؟
أبداً..
فإنَّ الصراع قائمٌ.. ومصبُّه وجوهره الثبات على ولاية آل محمدٍ عليهم السلام.
 
لماذا؟
لأنَّ المؤمنَ اليومَ جُنديٌّ في معسكرِ الإيمان، جُنديٌّ في معسكرٍ يقودُهُ الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه.
 
في صراعٍ بين الإيمان الذي يمثله الإمام، ومعه أتباعه، والكفر الذي يمثِّله الشيطان، وذريته وأولياؤه.
 
وثباتُ المؤمن اليوم على ولائه يعني بقاءه في ساح المعركة حتى الرَّمَق الأخير من الحياة، لذا يستحقُّ أن يكون قريناً لمَن سيُحاربُ مع المنتظر عند ظهوره، فالمحاربُ معه في غيبته كالمحارب معه في ظهوره.
 
وقد فتح الإمام لنا جميعاً هذا الباب، حيث يقول الصادق عليه السلام:
مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ عَلَى أَمْرِنَا هَذَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ ضَرَبَ فُسْطَاطَهُ إِلَى رِوَاقِ الْقَائِمِ (ع)، بَلْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَضْرِبُ مَعَهُ بِسَيْفِهِ، بَلْ بِمَنْزِلَةِ مَنِ اسْتُشْهِدَ مَعَهُ، بَلْ بِمَنْزِلَةِ مَنِ اسْتُشْهِدَ مَعَ رَسُولِ الله (ص‏) (المحاسن ج1 ص173).
 
هكذا يتكاملُ المجتمع المؤمن.. ويتمسَّك أفراده بآل محمد عليهم السلام، سبيل النجاة، ويأخذون علومهم عن حملتها، عن فقهاء الأمة وعلمائها، المرابطون على الثغر الذي يلي إبليس وعفاريته.
 
يأخذ المؤمنون من حملة علوم الأئمة، ويعينُ بعضهم بعضاً.. فيتقوُّون على عدوِّهم.. وينتصرون حين يتَّخذونه عدواً..
ومَن لم يسلك هذا السبيل.. وقع في فخاخه التي ملأ الأرض بها.
 
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ..
وَأَنْ يُطْمِعَ نَفْسَهُ فِي إِضْلَالِنَا عَنْ طَاعَتِكَ..
أَوْ أَنْ يَحْسُنَ عِنْدَنَا مَا حَسَّنَ لَنَا، أَوْ أَنْ يَثْقُلَ عَلَيْنَا مَا كَرَّهَ إِلَيْنَا..
 
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاشْغَلْهُ عَنَّا بِبَعْضِ أَعْدَائِكَ..
اللَّهُمَّ وَأَشْرِبْ قُلُوبَنَا إِنْكَارَ عَمَلِهِ، وَالطُفْ لَنَا فِي نَقْضِ حِيَلِهِ..
 
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا فِي نَظْمِ أَعْدَائِهِ، وَاعْزِلْنَا عَنْ عِدَادِ أَوْلِيَائِهِ..
 
والحمد لله رب العالمين
 
الجمعة 7 جمادى الأولى 1444 هـ الموافق 2-12-2022 م


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/12/02



كتابة تعليق لموضوع : فاتخذوه عدوّاً!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net