على ضفافِ الانتظار (14)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إنها أمة
اشتهر أنَّ أمَّ الإمامِ المهدي (عجل الله تعالى فرجه) كانتْ أمة، وأنَّ الإمامَ الهادي (عليه السلام) قد بعثَ رجلًا اسمه بشر بن سليمان النّخاس ليشتريها من بغداد، وقد يردُ في الذهن:
أنَّ كونَها (عليها السلام) أمَةً يُنقصُ من شأنِها، فكيفَ يُمكِنُ أنْ نتقبّلَ هذا الأمر؟
الجواب عبر النقاط التالية:
النقطة الأولى:
روايةُ شراءِ السيدةِ نرجس (عليها السلام) رواها الشيخ الطوسي ، والشيخ الصدوق ، وهي روايةٌ طويلة، وقد وردَ فيها عدةُ موارد تدلُّ على هذا المعنى، من قبيلِ قولِ الإمام الهادي (عليه السلام) لبشر النخاس: "وأُنفذك في ابتياعِ أمة"، وقولِ بشرِ النخاس: "فأنا وكيلُه في ابتياعها منك"، وقولِ نرجس لعمر بن يزيد: "بعني من صاحبِ هذا الكتاب"، وحلفتْ بالمحرجةِ والمغلظة أنّه متى امتنعَ من بيعها منه قتلتْ نفسها..."
فهذه العباراتُ كُلُّها تشيرُ إلى مسألةِ (شراء) أو (ابتياع) السيدةِ نرجس (عليها السلام)، مما يعني أنها كانت بحكم الأمَة.
وقد وردَ هذا التعبيرُ في النبي يوسف (عليه السلام) حيثُ قالَ الله (تعالى): "وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ"
النقطة الثانية:
ليس في هذا المعنى أيُّ إهانةٍ للسيدةِ نرجس (عليها السلام)، إذ إنَّ الروايةَ نفسَها تُصرِّحُ بأنَّ السيدةَ نرجس (عليها السلام) هي من تعمّدتْ إيقاعَ نفسِها في الأسر؛ لأنَّ هذه هي الطريقةُ الوحيدةُ لوصولها إلى الإمامِ الهادي (عليه السلام).
فكونُها (أمة) لا يُعدُّ مثلبة، إذ إن ذلك -أي كونها أمة- كانَ مُتعمَّدًا منها، وحتى لو حصلَ قهرًا عليها، فهذا لا يُنقِصُ من قدرها، تمامًا كما أنَّ استعبادَ عزيزِ مصر للنبي يوسف (عليه السلام) لم يُنقِصْ من قدره شيئًا، لأنَّ ذلك كانَ وسيلةً للوصولِ إلى هدفٍ أسمى.
النقطة الثالثة:
إنَّ كونَها أمةً ليس أمرًا مُنحصرًا بها، بل إنَّ أكثرَ أمهاتِ المعصومين (عليهم السلام) كُنّ كذلك، وهذا لا يلزمُ منه الانتقاصُ منهن ولا منهم (عليهم السلام)، إذ إنِّ ظاهرةِ وجودِ الإماءِ في ذلك الزمن كانتْ أمرًا متعارفًا نتيجةَ الحروبِ المتبادلةِ والمستمرةِ بينَ القبائلِ والديانات.
بل إنَّ هذه الظاهرةَ مُمتدةً إلى أزمنةٍ سحيقةٍ في التاريخ، والشاهدُ أنَّ أمَّ النبي إسماعيل (عليه السلام) أيضًا كانتْ أمَة، ولم يمنعْها ذلك أنْ تكونَ زوجة لنبي وأمّاً لنبي، ولم يلزمْ من ذلك الانتقاصُ من قدرِ النبي إسماعيل (عليه السلام).
ولذا لم يكنِ الإسلامُ يعدُّ كونَ أمِّ أحدهم أمَةً مثلبةً فيه، بل إنَّ الإسلامَ جعلَ التفاضلَ بالتقوى، لا بالنسب، ومن هُنا روي أنه كَانَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ عَيْنٌ بِالْمَدِينَةِ يَكْتُبُ إِلَيْه بِأَخْبَارِ مَا يَحْدُثُ فِيهَا، وإِنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) أَعْتَقَ جَارِيَةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، فَكَتَبَ الْعَيْنُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، فَكَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام): أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي تَزْوِيجُكَ مَوْلَاتَكَ، وقَدْ عَلِمْتُ أَنَّه كَانَ فِي أَكْفَائِكَ مِنْ قُرَيْشٍ مَنْ تَمَجَّدُ بِه فِي الصِّهْرِ وتَسْتَنْجِبُه فِي الْوَلَدِ، فَلَا لِنَفْسِكَ نَظَرْتَ، ولَا عَلَى وُلْدِكَ أَبْقَيْتَ، والسَّلَامُ.
فَكَتَبَ إِلَيْه عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليه السلام): أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنِي كِتَابُكَ تُعَنِّفُنِي بِتَزْوِيجِي مَوْلَاتِي، وتَزْعُمُ أَنَّه كَانَ فِي نِسَاءِ قُرَيْشٍ مَنْ أَتَمَجَّدُ بِه فِي الصِّهْرِ وأَسْتَنْجِبُه فِي الْوَلَدِ، وأَنَّه لَيْسَ فَوْقَ رَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله) مُرْتَقًا فِي مَجْدٍ ولَا مُسْتَزَادٌ فِي كَرَمٍ، وإِنَّمَا كَانَتْ مِلْكَ يَمِينِي خَرَجَتْ مَتَى أَرَادَ الله (عَزَّ وجَلَّ) مِنِّي بِأَمْرٍ أَلْتَمِسُ بِه ثَوَابَه، ثُمَّ ارْتَجَعْتُهَا عَلَى سُنَّةٍ، ومَنْ كَانَ زَكِيًّا فِي دِينِ الله فَلَيْسَ يُخِلُّ بِه شَيْءٌ مِنْ أَمْرِه، وقَدْ رَفَعَ الله بِالإِسْلَامِ الْخَسِيسَةَ، وتَمَّمَ بِه النَّقِيصَةَ، وأَذْهَبَ اللُّؤْمَ، فَلَا لُؤْمَ عَلَى امْرِئٍ مُسْلِمٍ، إِنَّمَا اللُّؤْمُ لُؤْمُ الْجَاهِلِيَّةِ، والسَّلَامُ.
فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ رَمَى بِه إِلَى ابْنِه سُلَيْمَانَ فَقَرَأَه، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ... لَشَدَّ مَا فَخَرَ عَلَيْكَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليه السلام)! فَقَالَ: يَا بُنَيَّ لَا تَقُلْ ذَلِكَ، فَإِنَّه أَلْسَنُ بَنِي هَاشِمٍ الَّتِي تَفْلِقُ الصَّخْرَ وتَغْرِفُ مِنْ بَحْرٍ، إِنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) يَا بُنَيَّ يَرْتَفِعُ مِنْ حَيْثُ يَتَّضِعُ النَّاسُ.
على أنَّ قراءةَ سيرةِ أمّهاتِ المعصومين من الإماء يكشفُ بوضوحٍ أنّهن كُنّ كريماتِ أقوامِهن وأميراتِ نسائهن، ولنجابتهن وعظمتهن الواقعية، أجرى اللهُ (تعالى) الأسبابَ الطبيعيةَ ليوصِلَهنَّ إلى بيتِ النبوة، فمثلًا أم الإمامِ زين العابدين (عليه السلام) كانتْ أميرةً وهي بنت (يزدجرد) ملك الفرس.
وينبغي الالتفاتُ إلى أنْ ليس كلُّ أمّهاتِ المعصومين (عليهم السلام) هُنَّ من الإماء، بل بعضهن كُنَّ حرائرَ، وكالتالي:
أمير المؤمنين (عليه السلام) أُمّه فاطمة بنت أسد.
الحسنان (عليهما السلام) أُمُّهما الصديقةُ الكُبرى فاطمةُ الزهراء (عليها السلام).
الإمامُ الباقر (عليه السلام) أُمُّه فاطمة (أم عبد الله بنت الحسن المجتبى (عليه السلام)
الإمامُ الصادق (عليه السلام) أُمُّه أُمُّ فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat