صفحة الكاتب : د . حامد العطية

تنحية المالكي وسقوط كسف من السماء
د . حامد العطية

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
  أثار احتمال تنحية المالكي ضجة، أشبه بالهستيريا الجماعية، ذكرتني بحكاية للأطفال، بطلتها دجاجة، ذهبت إلى الغابة يوماً، حيث سقطت عليها ثمرة شجرة بلوط، فظنته كسفاً من السماء، فأصابها الهلع، وعزمت على اخبار الملك – أو رئيس الجمهورية – بأن السماء ستقع، وفي الطريق صادفت طيراًً فأخبرته بالحدث الجلل، وهكذا تناقلت مجموعة من الطيور الخبر، والطيور كما يقول المثل على أشكالها تقع، ومضوا سوية حتى التقوا الثعلب، الذي سال لعابه لدى رؤيتهم، وبعد الاستفسار أخبرهم بأنه سيدلهم على الطريق إلى الملك فصدقوه، فقادهم إلى مخبأه حيث التهمهم هو وصغاره (الهجارس).
 
   الحكمة من الحكاية الاحتراس من الافتراض الخاطيء المبني على رؤية غير واضحة أو ادراك خاطيء والتروي في ردود الفعل وتجنب الهلع والفزع لأتفه الأسباب وتوخي التعقل والحكمة في التعامل مع الأمور.
 
      تمنيت لو قرأ الحكاية واتعظ بها بعض العراقيين، الذين ساووا بين تنحية المالكي وسقوط كسف من السماء، فأحدهم وصف المالكي بأنه ممثل الشعب ورمز الوطن، فإن ذهب المالكي ذهب الوطن والشعب، والثاني توقع انهيار العراق برمته، وحتى لا يظن البعض بأنها مجرد تهويلات وتهديدات جوفاء توعد مسؤولون في محافظات وسطى بتشكيل اقليم خاص بها، وكل ما تنتجه هذه المحافظات كميات هزيلة من المحاصيل الزراعية لا تسد حاجة سكانها، ولا يفوتنا ذكر تهديد بعض مناصري المالكي بقطع الطرق الرئيسية، على طريقة العشائر في بداية الحكم الملكي، وقبل أن يذوقوا نار الجيش العراقي الحامية، وبالطبع كان البعبع السعودي-التركي حاضراً، في أذهان أو مخيلة المتخوفين والمحذرين من غياب المالكي، وهو كما يدعون يتربص بالشيعة ليقضي عليهم كما افترس الثعلب المخادع وهجارسه الطيور البريئة.
 
   هم يهينون العراق وأهله،عندما يقرنون بين بقاء العراق واستمرار رئيس وزراء في منصبه، وكأن هذا المسؤول الرباط الوحيد الذي يحافظ على وحدة العراق ويمنع اندثاره، أو هو العراقي الوحيد – ولا عراقي سواه - الذي يمتلك من القدرات والمهارات ما يؤهله لشغل هذا المنصب، أو بالأحرى لا يوجد بين الشيعة من يملاً الفراغ الذي سيتركه رحيل رئيس الوزراء، والمحزن أن مصدر هذا القول شيعة أيضاً، وهم بذلك يصادقون على تخرصات خصوم الشيعة الطائفيين الذين يستخفون بقدرات الشيعة في مجال السياسة، أما تخويف الشيعة بالغول التركي- السعودي فهو استهانة مهينة ببسالتهم وتصميمهم على الدفاع عن وجودهم وحقوقهم في بلدهم مهما تكالب عليهم من أعداء داخليين وخارجيين، وهم بالتأكيد ليسوا بحاجة لحامي حمى أمريكي أو بطل صنديد يقلدونه رئاسة الوزراء ليبرز لمقارعة الأعداءعند المجابهة.  
 
   في النظم الملكية  المطلقة تهدد وفاة الملك استمرارية الحكم وتثير احتمال نشوء فراغ في السلطة ولو لزمن قصير، لذا يكون الإعلان عنه بالصيغة التالية: "مات الملك(أي السابق) عاش الملك (أي ولي عهده ووريثه)" وفي نفس الوقت، والواجب على أعضاء التحالف الوطني الشيعي – وبدلاً من التهويل بالويل والثبور وعظائم الأمور فيما لو رحل المالكي -  طمأنة انصارهم والعراقيين أجمعين بأن خليفة المالكي حاضر لتسلم مسؤولياته، من دون تأخير أو بلبلة، وأن بين الشيعة الآلاف المؤلفة من هم أقدر من المالكي على تولي هذا المنصب بفاعلية وكفاءة.
 
   في التاريخ كما الأدب تجارب وعظات مفيدة، منها على سبيل المثال سيرة تشرشل وديجول، إذ قاد ونستون تشرشل البريطانيين في سنوات الحرب العالمية الثانية، وله دور بطولي في صمود جبهة الحلفاء وانتصارها النهائي في الحرب، ولكن ما أن وضعت الحرب أوزارها حتى سقط في الانتخابات وحل محله رئيس وزراء من حزب العمال، وفي فرنسا أيضاً توحد الفرنسيون تحت قيادة تشارلز ديجول اثناء الحرب العالمية الثانية لكنهم لم ينتخبوه رئيساً لهم إلا بعد مرور ثلاث عشرة سنة على انتهائها، لقد حظي المالكي بفرصته في رئاسة الوزراء في العراق، وفرط بها، وقد تسنح له فرص أخرى – لاقدر الله، والأهم من ذلك كله أن لا يقترن في أذهاننا بقاء العراق واستقراره وتقدمه بفئة سياسية معينة أو بفرد.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حامد العطية
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/06/06



كتابة تعليق لموضوع : تنحية المالكي وسقوط كسف من السماء
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : إبراهيم الكعبي/بغداد ، في 2012/06/06 .

تحيه د.حامد المحترم.
تتكلم وكأن النظام السياسي الدمقراطي مستقر ولاتوجد أخطار ونهديدات وإرهاب وتكفير ومحاولات مستميته لسلب الاغلبه حقهم وإعادت الوضع الى سابق عهده لأن الاقليه هي الوحيده التي لها الحق التأريخي في الحكم.
تتكلم وكأن الوضع الاجتماعي تطور كثيرا وتجاوز التخلف والمحن التي سببتها عشرات السنين من القهر والحروب والتهميش !!
لولا السيد المالكي لما بدأ العراق يضع قدمه على اول الطريق الصحيح ويتغلب على معظم الصعاب التي واجهنه والتي لايكف ولاببأس مسببوها.هل عرفت الان سبب تمسك العرا




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net