كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ علاقة الكدح بلقاء الله سبحانه (ح 2)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
وردت كلمة كادح ومشتقاتها في القرآن الكريم: كَادِحٌ، كَدْحًا. جاء في معاني القرآن الكريم: كدح الكدح: السعي والعناء. قال تعالى: "إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ" ﴿الإنشقاق 6﴾ وقد يسستعمل استعمال الكدم في الأسنان، قال الخليل (العين 3/60) : الكدح دون الكدم.
ان تقوى الله ليس فقط أطاعة فرائضه المعروفة كالصلاة والصوم والحج والزكاة وانما كذلك الكسب الحلال فبدونه تصبح التقوى ناقصة ليجعل الله للانسان المخرج والرزق الواضحين "وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" (الطلاق 2-3). ان الله تعالى لا يستعجل بالشر لبني البشر كما في استعجاله للخير رحمة بهم "وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ" (يونس 11). ولكن ذلك ليس لصالح أهل الشر لان ما يكدحون من سوء سيكون تراكميا ويصبح الطغيان سمة لهم "فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ" (يونس 11) فهم بالنتيجة لا يرجون لقائه جل جلاله. والكدح يشهد به الله ورسوله والمؤمنون "وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ" (التوبة 105). جاء رجل إلى أبي عبد الله عليه السلام قال له: (إنّا لنطلب الدّنيا ونحبّ أن نؤتاها)، قال له عليه السلام: (تحبّ أن تصنع بها ماذا؟) قال: أعود بها على نفسي وعيالي وأتصدَّق وأحجّ وأعتمر، فقال عليه السلام له: (ليس هذا طلب الدّنيا، هذا طلب الآخرة). فحصول المال من الكدح وصرفها على العيال وعلى متطلبات العبادات الاخرى كالحج والصدقة هي لنيل مراد الدنيا والآخرة.
عن الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى "إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ" (القيامة 12) الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله، وتقديم "إِلى رَبِّكَ" (القيامة 12) وهو متعلق بقوله "الْمُسْتَقَرُّ" (القيامة 12) يفيد الحصر فلا مستقر إلى غيره فلا وزر ولا ملجأ يلتجأ إليه فيمنع عنه. وذلك أن الإنسان سائر إليه تعالى كما قال "يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ" (الانشقاق 6) وقال "إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى" (العلق 8) وقال "وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى" (النجم 42)، فهو ملاقي ربه راجع ومنته إليه لا حاجب يحجبه عنه ولا مانع يمنعه منه وأما الحجاب الذي يشير إليه قوله "كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ" (المطففين 14-15) فسياق الآيتين يعطي أن المراد به حجاب الحرمان من الكرامة لا حجاب الجهل أو الغيبة. ويمكن أن يكون المراد بكون مستقره إليه رجوع أمر ما يستقر فيه من سعادة أو شقاوة وجنة أو نار إلى مشيته تعالى فمن شاء جعله في الجنة وهم المتقون ومن شاء جعله في النار وهم المجرمون قال تعالى "يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ" (المائدة 40). ويمكن أن يراد به أن استقرارهم يومئذ إلى حكمه تعالى فهو النافذ فيهم لا غير قال تعالى "كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" (القصص 88). قوله تعالى "لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ" (الانشقاق 19) جواب القسم والخطاب للناس والطبق هو الشيء أو الحال الذي يطابق آخر سواء كان أحدهما فوق الآخر أم لا والمراد به كيف كان المرحلة بعد المرحلة يقطعها الإنسان في كدحه إلى ربه من الحياة الدنيا ثم الموت ثم الحياة البرزخية ثم الانتقال إلى الآخرة ثم الحياة الآخرة ثم الحساب والجزاء. وفي هذا الإقسام كما ترى تأكيد لما في قوله "يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ" (الانشقاق 6) الآية وما بعده من نبإ البعث وتوطئة وتمهيد لما في قوله "فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ" (الانشقاق 20) من التعجيب والتوبيخ وما في قوله "فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ" إلخ من الإنذار والتبشير. وفي الآية إشارة إلى أن المراحل التي يقطعها الإنسان في مسيره إلى ربه مترتبة متطابقة.
جاء في شبكة المعارف الاسلامية الثقافية عن ظروف العبادة: سؤال: هل يمكن لإنسان في زماننا الحاضر أن تتهيأ له الظروف المناسبة فيشتغل بعبادة الله في جميع ساعات أيامه ولياليه دون انقطاع؟ الجواب: في الإسلام نوعان من العمل، نوع يقولون له اصطلاحاً (عبادة محضة) يعني ليس فيها أي مصلحة غير العبادة كالصلاة. ونوع آخر من العمل فيه مصلحة الحياة ومنافعها، بحيث يمكننا أن نجعل هذا النوع من العمل عبادة، ويجب أن نفعل. يقول الفقهاء أن أي عمل إذا قام به الإنسان بداعي رضا الله سبحانه، أي الدافع والهدف منه هو رضا الله تعالى، يصبح عبادة، فأي عمل فيه صلاح، وهو جيد بحد ذاته، وفيه منفعة ومصلحة، إذا قام به الإنسان يدفعه إلى ذلك رضا الخالق تعالى فهو عبادة، لذلك يمكن أن يكون نوم الإنسان عبادة. يقولون أن الإنسان إذا نظّم حياته وأدارها بشكل صحيح، ووضع كل عمل في مكانه ووقته المناسب، وربّى نفسه على ذلك، بحيث تكون جميع أعماله حقا في سبيل رضا الله جل جلاله، فإنه يكون في حال عبادة (ليله ونهاره)، فمنامه عبادة، ويقظته عبادة، طعامه عبادة، لباسه عبادة، وجميع حركاته وسكناته عبادة، لأن القاعدة هي وجه الله تعالى ورضاه. إذن معنى أن يكون الإنسان دائما في حالة عبادة هو هذا المعنى، لكن بشرط أن لا يجعلنا هذا الأمر نغفل عن حاجتنا للعبادة التي أصلها التوجه إلى الله والاستغفار أو الاستغناء عنها. فالعبادة بهذا المعنى الحقيقي لا تجعل الإنسان مستغنياً عن التوجه والاستغفار، وحتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يعد نفسه يوما مستغنيا.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat