هل فشل الغرب في صناعة الانسان؟
محمد قاسم الطائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد قاسم الطائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لئن كان الغرب متقدماً إلى درجة من الانبهار في كشوفاته العلمية على الصعيد التقني والتكنولوجي والصناعي، فإنّ الغرب بوجه آخر يتسم بغاية الانحدار والنكوص والفشل على المستوى الانساني والأخلاقي والمجتمعي، وذلك كما سيأتي من خلال معطيات الواقع وبعض كلمات الخبراء والمفكريين الغربيين أنفسهم مضافاً للتحليلات المستندة أرضيتها لجذور معرفية هامة .لست في لحاظ مقارنات آيدلوجية كي أنتصر لهذا أو ذاك، ولستُ بوادي التعميمات التي تحط من شأن الخصوم وترفع الذات بسيل من الأوصاف والاطلاقات المجانية الهلامية، كل ذلك نحن بغنى عنه بقدر ما يأخدنا السؤال لحيثيات مهمة وجادة هل: أن الغرب الذي حقق كل هذه الثورات والانفجارات الهائلة في التقدم والبراعة على المستوى عولمة التواصل والمديات التكنولوجية البالغة درجة من الحداثة والتطور والتقنية فهل استطاع أن يقضي على العقد الانسانية ويبدد المخاوف الكامنة لدى الانسان كالشرور والانتهاكات الأخلاقية الفضيعة، بعبارة أخرى: هل استطاعت التقنية الغربية التي تفاخر العالم أن تصنع إنساناً سوياً وتوقف نزيف الجرائم الأخلاقية والكوارث التي باتت فعلاً مهددة للحياة البشرية بالمخاطر والفوضى ؟!
الحقيقة أن مفهوم الكائن الانساني في أدبيات الثقافة الغربية على كافة أشكالها وتنوعاتها المعرفية والفلسفية كائن مختلف فيه، وثمة نزاع طويل في تعريفه وتحديد هويته، لكن الملفت أن صور الاختلاف الدائرة بين جملة من فلاسفتهم ومفكريهم الليبراليين والعلمانيين لدى التأمل والتدقيق فيها يتضح أنها ليست إختلافات جوهرية ومفصلية في بنياتها المعرفية بقدر ما هي لحاظات وشكليات تصب في جانب المنفعة والالتذاذ الغرائزي!، منهم يرى أن وجود الانسان في الحياة وجود عبثي ولا يحمل قيمة بقدر تكريس حرياته الشخصية، كما هو الحال لدى بعض منظري الفلسفة الوجودية، ومنهم من يرى أن مسار الحياة كلها وقيمة الانسان بالذات محددة من خلال روابط الجنس كما رأي الطبيب النمساوي ( سيغموند فرويد) ومنهم من يرى أن قيمة الانسان من خلال مفهوم إرادة القوة والقضاء على الضعفاء! كما هو رأي (فريدريك نيتشه) ومنهم يرى أن الانسان أصلاً أسير بشكل حتمي بيد التاريخ يوجهه كيفما يريد، كما هو رأي (هيجل) ومنهم يرى أن العامل الاقتصادي هو الذي يتحكم بقيمة الانسان كما هو المعروف لدى (كارل ماركس) ..إلخ .
في أحد اللقاءات التلفزيونية المصورة مع (ألكسندر دوغين) المفكر السياسي الروسي الملقب بعقل بوتين أوضح فيها أن النخب الليبرالية لا تزال مسيطرة على العالم بسياساتها، والمسار الليبرالي كما أوضحناه في مقال سابق قائم كله على الاشكال النفعية الذي لا يتجاوز المادة والدوافع الذاتية البحتة .وهذا ما يفسر لنا سبب إلحاح الغرب على تصدير المثلية، والأصرار على العمليات الجراحية للتحول الجنسي بهذه الكثافة والانتشار، ومن ثم التلاعب بالجنس البشري بمسميات واهية وقاتلة بذاتها لفطرة الانسان التي خلقه الله عليها، وفي الوقت أنها مدمرة للترابط الاجتماعي والأسري بين البشر .وهذا ما قاله أيضاً الرئيس الروسي "بوتين" وهو ابن الغرب نفسه: أن الغرب شل نظام الأسرة الاجتماعي وعمل على تفكيكها بطرق غير محترمة ولا أخلاقية"
أدرك أن الموضوع نوعاً ما شاسع ويتطلب دراسة معمقة وملمة من جميع الجوانب، ولا تكفي هذه الوقفة السريعة والعابرة بقدر ما أريد الاشارة والتنبيه بإيجاز: أن الانسان في الفلسفة الغربية اللبرالية هو كائن منفلت وغير منضبط بضوابط المجتمع والقيم البشرية الثابتة، وهذا التعريف هو الذي يصدر للعالم تحت عناوين مختلفة!
والمشكلة أن توظيف الانفلات الفوضوي جاء نتيجة لمعتقدات ورؤى خاطئة ومغالطة بشكل متراكم، ومن ثم استغلال هذا الانفلات واللانضباط في مشاريع السياسة والمال والتي انتجت إنساناً بائساً محطماً! لا يرى العالم إلا من خلال نافذة الجنس والمال .هذه الثقافة لما غيبت الله والروح عن مسالكها الفكرية والتثقيفية فقد غيبت مصدر الجمال عن العالم، وبثت فيه كل معان الاحباط واليأس والبؤس . وهذا الذي نراه حالياً من نتائج ملموسة ومشاكل فضيعة كجرائم الانتحار والعنف والفوضى والإرهاب الذي يسود في كل أرجاء العالم، وما ذلك كله إلا بسبب هذه الثقافة اللادينية المنفلتة .
وهذا ما اعترف به (ألكسيس كاريل) العالم الفرنسي المتوفى عام 1944م - في كتابه الانسان ذلك المجهول حيث نص" اننا لا نستطيع تجديد أنفسنا وبيئتنا قبل أن نغير عادتنا في التفكير ..لقد عانى المجتمع العصري منذ أن نشأ من خطأ عقلي -خطأ ما يزال يتكرر باستمرار منذ عصر النهضة لقد كونت التكنولوجيا الانسان لا تبعاً لروح العلم ولكن تبعاً لآراء ميتافيزيقية خاطئة .." انتهى ص244
رغم أن ألكسيس كاريل في هذه السطور ينحاز لسيادة العلم التجريبي والتقني، لكن موضع الشاهد منه أن المجتمع الغربي عانى من مشاكل فكرية وأخطاء عديدة انعكست بشكل جذري حول الدين والانسان، وبالتالي كونت لديه مفاهيم ورؤى بيئية خاطئة جاءت بالأصل نتيجة لآراء مشوهة ومكررات مبتسرة سادت على منطق تفكيره، ومن ثم تلخصت برفض الدين وعزله عن جميع شؤون الحياة. الذي يحسب لهم أنهم استطاعوا النهوض على مستوى بناء الدولة والتقدم العلمي والتكنولوجي، لكنهم فشلوا في بناء الانسان بحسب المعايير المعرفية والأخلاقية، وذلك كما تقدم بسبب إبعاد الدين والمفاهيم المغلوطة عنه .أن بناء الانسان مسؤولية الدين وحده، والدين لا يبني الانسان إلا بالايمان والعمل ودعم ركائز الأخلاق التي تحفظه من شذوذ الضياع والانحراف .ولما تتغير المفاهيم ويصبح الشاذ أصل والأصل شاذ عندئذٍ تكون المسؤولية ثقيلة وواجبة على الجميع في حفظ أبنائنا من هذه السموم القاتلة التي بكل أسف وألم في السنين الأخيرة بدأ يروج لها بشكل مكثف في بلادننا من قبيل زواج المثلية وشرب الكحول والمخدرات وانتهاك المحارم ودعم الاستهتار الأخلاقي. لكن الذي يبشر بخير حقيقة أن هناك ثمة تنديد في العالم حول هذه الجرائم أو الحقوق المزعومة، وقبل أشهر حصلت مظاهرات في المجتمع الأمريكي مطالبة برفض زواج المثلية الذي شرعه الديمقراطيون، فإذا كانوا هم مختلفين فيه أصلاً فلماذا أنت أيها العلماني المسلم تكون ملكياً أكثر من الملك نفسه ؟! لذا في مثل هذه الأمور يتلخص أن الطريق الوحيد للنجاة هو تحكيم شريعة الاسلام، والذهاب لعلماء الدين العدول والتنّور بآرائهم، والأخذ بنصائحهم وإرشاداتهم القويمة .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat