على ضفاف الانتظار (43)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
هل يدلُّ نزولُه (عجل الله فرجه) مسجدَ السهلة مع عياله على أنّه مُتزوجٌ زمنَ الغيبة؟
وردَ في بعضِ الروايات أنَّ الإمامَ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) عندما يظهر، فإنّه سيتخذ من مسجدِ السهلة منزلًا له ولعياله، فقد رويَ عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يا أبا محمّد، كأنّي أرى نزولَ القائم (عليه السلام) في مسجدِ السهلة بأهله وعياله، قلت: يكونُ منزله جُعلتُ فداك؟ قال: نعم، كانَ فيه منزلُ إدريس، وكانَ منزلُ إبراهيم خليل الرحمان، وما بعثَ اللهُ نبيًا إلا وقد صلّى فيه، وفيه مسكن الخضر، والمُقيمُ فيه كالمقيم في فسطاطِ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله)، وما من مؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إلا وقلبه يحنُّ إليه... قلت: جُعِلتُ فداك لا يزالُ القائمُ (عليه السلام) فيه أبدًا، قال: نعم.
فهل يُمكِنُ أنْ تكونَ هذه الروايةُ دليلًا على أنّه مُتزوجٌ زمنَ الغيبةِ الكُبرى؟
والجواب:
أولًا: إنَّ الروايةَ لم تذكرْ أكثرَ من أنّه (عجل الله (تعالى) فرجه) عندما يظهرُ ويُريدُ أنْ يتخذَ منزلًا، فإنّه سيتخذُ من مسجدِ السهلةِ منزلًا له، أسوةً بالأنبياء الذين اتخذوه منزلًا، وأنّه سيبقى فيه أبدًا، ومن ثَمّ فهي لم تتعرضْ أبدًا إلى قضيةِ وقتِ زواجِه، وأنّه كانَ متزوجًا زمنَ الغيبةِ الكبرى.
ثانيًا: إنَّ الروايةَ واضحةٌ جدًا في أنّها تتكلّمُ عن زمنِ ظهوره (عجل الله (تعالى) فرجه)، ومن ثَمّفلا مانعَ من أنْ يكونَ (عليه السلام) قد تزوّجَ عند ظهوره، وبعد استقرار دولته ينزلُ في مسجدِ السهلة بعياله.
ثالثًا: إنَّ أقصى ما يُمكِنُ أنْ يُقال: إنّه (عليه السلام) ربما يكونُ قد تزوّج في الزمنِ القريبِ جدًا من الظهور، وحيثُ إنّنا لا نعلمُ بوقتِ الظهور تحديدًا، حينَها تبقى احتماليةُ زواجِه الآن قيد الإمكان، وعلى من يدّعي أنّه من ذُرّيته أنْ يُقيمَ على ادّعائه برهانًا واضحًا، الذي لا يُقبَلُ فيه أقلّ من المعجزة؛ لأنَّ المسألةَ ممّا ترغبُ فيها النفوسُ الضعيفة، طلبًا لحطامِ الدنيا، فيُمكِنُ أنْ يدّعيها من لا حريجةَ له في الدين، وحتى نطمئن بصدقِ دعوىً لها ارتباطٌ بالغيب، فلا بُدّ من معجزةٍ تكشف عن ذلك الارتباط، مثلما كان يفعلُ أنبياءُ الله (تعالى).
ونفسُ الكلامِ يُقالُ في ما وردَ في بعضِ الأدعية للإمام (عجل الله (تعالى) فرجه) ولذُرّيته أيضًا، فقد رويَ في دعاءِ الإمامِ الرضا (عليه السلام): اللهم أعطِه في نفسِه وأهلِه وولدِه وذُرّيتِه وأمّتِه وجميعِ رعيتِه ما تقرُّ به عينه وتسرُّ به نفسه.
حيث يُجابُ عنه:
1- أنَّ الدعاءَ –لو كان خاصاً بالإمام المهدي (عجل الله فرجه)- لا يدلُّ على كونِ الذريةِ له في زمنِ الغيبة الكبرى، فقد يكونُ المُرادُ هو الدُعاءَ لذريته بعد الظهور، ويكونُ تنبيهًا من الإمامِ الرضا (عليه السلام) ليس فقط على ضرورةِ ولادتِه (عليه السلام) فحسب، وإنّما على أنّه سيظهرُ وستكونُ له ذُرّيةٌ على الأرض.
2- على أنّه يُمكِنُ القول: إنَّ ذلك الدُعاءَ جرى وفقَ العادة ، فإنّك عندما تدعو لشخصٍ عزيز، فإنّك تدعو لأهلِه وعيالِه ومن يكونُ تحتَ رعايته، وربما لا يكونُ متزوجًا حين الدعاء، أو ربما لا يكونُ مولودًا حين الدعاء –كمافيدعاءِالإمامالرضا (عليهالسلام) للإمامالمهدي (عجلالله (تعالى) فرجه)-.
3- ويمكن القول أيضاً: إن هذا الدعاء صدر من الإمام الرضا (عليه السلام) لا لخصوص الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، وإنما لعموم الأئمة (عليهم السلام)، ويكفي في صدقه وجود الذرية لبعضهم (عليهم السلام) فلا يكون دليلاً على زواج الإمام المهدي (عجل الله فرجه) زمن الغيبة الكبرى.
والخُلاصةُ:
بعدَ كُلِّ ما تقدَّمَ حولَ هذا الموضوع نخلصُ إلى التالي:
أولًا:أنَّ دعوى زواجِ الإمامِ (عليه السلام) زمنَ الغيبةِ الكبرى، ومن ثَمّ دعوى أحدهم أنّه ولده، هي ممّا لا يُمكِنُ تصديقُها إلا بإقامةِ معجزةٍ، وهي لم تحصلْ إلى الآن.
ثانيًا:أنَّ بعضَ الرواياتِ أشارتْ إلى أنَّ إحدى طُرُقِ الأدعياءِ الذين يُريدونَ خداعَ الناس هي دعوى البنوةِ له (عجل الله (تعالى) فرجه)، فقد رويَ عن الإمامِ الصادق (عليه السلام) أنّه قال: وليقال: المهدي في غيبته ماتَ، ويقولون بالولد منه، وأكثرهم يجحدُ ولادتَه، وكونَه [أي وجوده] وظهوره، أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والرسل والناس أجمعين.
الأمرُ الذي يكشفُ عن علمِ الأئمةِ (عليهم السلام) بما سيجري في مُستقبلِ الغيبة، وتحذيرهم لنا مخافةَ تصديقِ أمثالِ هذه الدعاوى.
ثالثًا:أنّ المفروضُ علينا أنْ نهتمَّ بإصلاحِ أنفسِنا تمهيدًا لظهورِ الإمام (عليه السلام) وما يستلزمُه هذا الإصلاح من معرفةٍ مُسبقة، وعملٍ سلوكي يترتبُ على تلك المعرفة.
وأخيرًا، وعلى فرضِ التسليمِ بوجودِ الولدِ له، فلا حُجيّةَ له ولا يلزمنا اتباعه، بل شأنه شأن أيّ سيدٍ من أولادِ الأئمة (عليهم السلام)، إنّما الحُجيةُ للإمامِ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) ومن يُنصّبه هو (عجل الله (تعالى) فرجه).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat