تسمية سور القرآن الكريم (76 سورة الانسان) (ح 8)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تكملة للحلقة السابقة قال الله تعالى عن الانسان "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ" ﴿البلد 4﴾، و "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ" ﴿التين 4﴾، و "خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ" ﴿العلق 2﴾، و "عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ" ﴿العلق 5﴾، و "كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ" ﴿العلق 6﴾، و "وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا" ﴿الزلزلة 3﴾، و "إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ" ﴿العاديات 6﴾، و "إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ" ﴿العصر 2﴾.
جاء في معاني القرآن الكريم: أنس الإنس: خلاف الجن، والأنس: خلاف النفور، والإنسي منسوب إلى الإنس يقال ذلك لمن كثر أنسه، ولكل ما يؤنس به، ولهذا قيل: إنسي الدابة للجانب الذي يلي الراكب (الغريب المصنف ورقة 73، مخطوطة تركيا)، وإنسي القوس: للجانب الذي يقبل على الرامي.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: وفيه، أخرج أحمد في الزهد عن محمد بن مطرف قال: حدثني الثقة: أن رجلا أسود كان يسأل النبي صلى الله عليه وآله عن التسبيح والتهليل فقال له عمر بن الخطاب: مه أكثرت على رسول الله فقال: مه يا عمر وأنزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله "هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْر" (الانسان 1) حتى إذا أتى على ذكر الجنة زفر الأسود زفرة خرجت نفسه فقال النبي صلى الله عليه وآله: مات شوقا إلى الجنة. وفيه، أخرج ابن وهب عن ابن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وآله قرأ هذه السورة "هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْر" (الانسان 1) وقد أنزلت عليه وعنده رجل أسود فلما بلغ صفة الجنان زفر زفرة فخرجت نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أخرج نفس صاحبكم الشوق إلى الجنة. أقول: وهذه الروايات الثلاث على تقدير صحتها لا تدل على أزيد من كون نزول السورة مقارنا لقصة الرجل وأما كونها سببا للنزول فلا، وهذا المعنى في الرواية الأخيرة أظهر وبالجملة لا تنافي الروايات الثلاث نزول السورة في أهل البيت عليه السلام. على أن رواية ابن عمر للقصة الظاهرة في حضوره القصة وقد هاجر إلى المدينة وهو ابن إحدى عشرة سنة من شواهد وقوع القصة بالمدينة. وفي الدر المنثور، أيضا أخرج النحاس عن ابن عباس قال: نزلت سورة الإنسان بمكة. أقول: هو تلخيص حديث طويل أورده النحاس في كتاب الناسخ والمنسوخ، وقد نقله في الإتقان وهو معارض لما تقدم نقله مستفيضا عن ابن عباس من نزول السورة بالمدينة وأنها نزلت في أهل البيت عليه السلام. على أن سياق آياتها وخاصة قوله "يُوفُونَ بِالنَّذْرِ" (الانسان 7) و "يُطْعِمُونَ الطَّعامَ" (الانسان 8) إلخ سياق قصة واقعة وذكر الأسير فيمن أطعموهم نعم الشاهد على نزول الآيات بالمدينة إذ لم يكن للمسلمين أسير بمكة كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.
يبين الشيخ جلال الدين الصغير في كتابه عصمة المعصوم: كما ترينا الآيات الكريمة في سورة الإنسان: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً * عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً * إِنَّ هذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً" (الانسان 8-22) حتمية أن تكون الجهة الممدوحة هنا بكل هذه الأوصاف الرائعة الجمال، والمبالغة في الثناء من جهة معصومة، فإطعام الطعام وبقية الأعمال المشار أليها يمكن أن يبادر إليها أي إنسان مؤمن ويبقى مصيره دائر بين الخوف والرجاء خشية تقلّب القلوب، ولكن هذا المديح البالغ، والثناء السامق، والوعد القاطع لهم بالجنة، وهو وعد سابق للحساب، مما يشير حتماً إلى أن من مدح بالآيات لا يرتكب عملاً يتعارض مع دين الله في صورته الكمالية، فاستحق هذا المدح ولما يزل حيّاً في الدنيا.
عن مراحل خلق الانسان قال الله سبحانه "ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ" ﴿المؤمنون 14﴾. جاء في كتاب طب الامام الرضا: قال عليه السلام عن الانسان: (ان احوال الانسان التي بناه الله تعالى عليها وجعله متصرفاً بها اربعة احوال: الحالة الاولى: لخمس عشرة سنة، وفيها شبابه، وصباه، وحسنه، وبهاؤه، وسلطان الدم في جسمه. والحالة الثانية: لعشرين سنة. من خمس عشرة الى خمس وثلاثين سنة، وفيهما سلطان المرة الصفراء، وغلبتها، وهو اقوم ما يكون، وايقظه والعبه. فلا يزال كذلك حتى يستوفي خمس وثلاثين سنة. ثم يدخل في الحالة الثالثة: وهي من خمس وثلاثين سنة الى ان يستوفي ستين سنة، فيكون في سلطان المرة السوداء ويكون احكم ما يكون، واقوله، وادراه، واكتمه للسر، واحسنه نظراً في الامور وفكراً في عواقبها، ومداراة لها، وتصرفاً فيها. ثم يدخل في الحالة الرابعة: وهي سلطان البلغم، وهي الحالة التي لا يتحول منها ما بقى وقد دخل في الهرم حينئذ، وفاته الشباب، واستنكر كل شيء كان يعرفه من نفسه، حتى صار ينام عند القوم، ويسهر عند النوم ويذكر ما تقدم، وينسي ما تحدث به، ويكثر من حديث النفس، ويذهب ماء الجسم وبهاؤه، ويقل نبات اظفاره وشعره، ولا يزال جسمه في ادبار وانعكاس ماعاش، لانه في سلطان البلغم، وهو بارد جامد. فلجموده ورطوبته في طباعه يكون فناء جسمه).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat