مشتقات كلمة الحرب في القرآن الكريم (يحاربون)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
جاء في تفسير الميسر: قوله تبارك وتعالى "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" ﴿المائدة 33﴾ يُحَارِبُونَ: يُحَارِبُ فعل، ونَ ضمير، يُحارِبونَ اللهَ و رسولَهُ: ارتدوا عن الإسلام و قطعوا السبيل و حملوا السلاح. إنما جزاء الذين يحاربون الله، ويبارزونه بالعداوة، ويعتدون على أحكامه، وعلى أحكام رسوله، ويفسدون في الأرض بقتل الأنفس، وسلب الأموال، أن يُقَتَّلوا، أو يُصَلَّبوا مع القتل ﴿والصلب: أن يُشَدَّ الجاني على خشبة﴾ أو تُقْطَع يدُ المحارب اليمنى ورجله اليسرى، فإن لم يَتُبْ تُقطعْ يدُه اليسرى ورجلُه اليمنى، أو يُنفَوا إلى بلد غير بلدهم، ويُحبسوا في سجن ذلك البلد حتى تَظهر توبتُهم. وهذا الجزاء الذي أعدَّه الله للمحاربين هو ذلّ في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب شديد إن لم يتوبوا.
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" ﴿المائدة 33﴾ لما قدم تعالى ذكر القتل وحكمه، عقبه بذكر قطاع الطريق، والحكم فيهم، فقال. "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ" أي: أولياء الله، كقوله تعالى "والَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ" "وَرَسُولَهُ" أي: يحاربون رسوله "وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا" المروي عن أهل البيت عليهم السلام: إن المحارب هو كل من شهر السلاح وأخاف الطريق سواء كان في المصر، أو خارج المصر، فإن اللص المحارب في المصر، وخارج المصر، سواء، وهو مذهب الشافعي، والأوزاعي، ومالك. وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن المحارب هو قاطع الطريق في غير المصر، وهو المروي عن عطا الخراساني. والمعنى في قوله "إنما جزاؤهم" إلا هذا عن الزجاج، قال: لان القائل إذا قال: جزاؤك دينار، فجائز أن يكون معه غيره، وإذا قال: إنما جزاؤك دينار، كان المعنى ما جزاؤك إلا دينار. "أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ" قال أبو جعفر، وأبو عبد الله عليهما السلام: " إنما جزاء المحارب على قدر استحقاقه، فإن قتل فجزاؤه أن يقتل، وإن قتل وأخذ المال، فجزاؤه أن يقتل ويصلب، وإن أخذ المال ولم يقتل، فجزاؤه أن تقطع يده ورجله من خلاف، وإن أخاف السبيل فقط، فإنما عليه النفي لا غير " وبه قال ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة، والسدي، والربيع. وعلى هذا فإن أو ليست للإباحة هنا، وإنما هي مرتبة الحكم باختلاف الجناية. وقال الشافعي: " إن أخذ المال جهرا، كان للإمام صلبه حيا، ولم يقتل، قال: ويحد كل واحد بقدر فعله، فمن وجب عليه القتل. والصلب قتل قبل صلبه كراهية تعذيبه، ويصلب ثلاثا، ثم ينزل ". قال أبو عبيد: " سألت محمد بن الحسن عن قوله "أَوْ يُصَلَّبُوا" فقال: هو أن يصلب حيا، ثم يطعن بالرماح، حتى يقتل ". وهو رأي أبي حنيفة، فقيل له: هذا مثلة؟ قال: المثلة يراد به. وقيل معنى أو ها هنا للإباحة والتخيير، أي: إن شاء الإمام قتل، وإن شاء صلب، وإن شاء نفى، عن الحسن، وسعيد بن المسيب، ومجاهد. وقد روي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام. وقوله: "مِنْ خِلَافٍ" معناه اليد اليمنى، والرجل اليسرى "أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ" قيل فيه أقوال، والذي يذهب إليه أصحابنا الإمامية: أن ينفى من بلد إلى. بلد، حتى يتوب ويرجع، وبه قال ابن عباس، والحسن، والسدي، وسعيد بن جبير، وغيرهم، وإليه ذهب الشافعي، قال أصحابنا: ولا يمكن من الدخول إلى بلاد الشرك، ويقاتل المشركون على تمكينهم من الدخول إلى بلادهم، حتى يتوبوا. وقيل: هو أن ينفى من بلده إلى بلد غيره، عن عمر بن عبد العزيز، وعن سعيد بن جبير، في رواية أخرى. وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن النفي هو الحبس والسجن، واحتجوا بأن المسجون يكون بمنزلة المخرج من الدنيا، إذا كان ممنوعا من التصرف، محولا بينه وبين أهله، مع مقاساته الشدائد في الحبس.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" ﴿المائدة 33﴾ "فَساداً" مصدر وضع موضع الحال، ومحاربة الله وإن كانت بعد استحالة معناها الحقيقي وتعين إرادة المعنى المجازي منها ذات معنى وسيع يصدق على مخالفة كل حكم من الأحكام الشرعية وكل ظلم وإسراف لكن ضم الرسول إليه يهدي إلى أن المراد بها بعض ما للرسول فيه دخل، فيكون كالمتعين أن يراد بها ما يرجع إلى إبطال أثر ما للرسول عليه ولاية من جانب الله سبحانه كمحاربة الكفار مع النبي صلى الله عليه وآله وإخلال قطاع الطريق بالأمن العام الذي بسطه بولايته على الأرض، وتعقب الجملة بقوله "وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً" يشخص المعنى المراد وهو الإفساد في الأرض بالإخلال بالأمن وقطع الطريق دون مطلق المحاربة مع المسلمين، على أن الضرورة قاضية بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يعامل المحاربين من الكفار بعد الظهور عليهم والظفر بهم هذه المعاملة من القتل والصلب والمثلة والنفي. على أن الاستثناء في الآية التالية قرينة على كون المراد بالمحاربة هو الإفساد المذكور فإنه ظاهر في أن التوبة إنما هي من المحاربة دون الشرك ونحوه. فالمراد بالمحاربة والإفساد على ما هو الظاهر هو الإخلال بالأمن العام، والأمن العام إنما يختل بإيجاد الخوف العام وحلوله محله، ولا يكون بحسب الطبع والعادة إلا باستعمال السلاح المهدد بالقتل طبعا ولهذا ورد فيما ورد من السنة تفسير الفساد في الأرض بشهر السيف ونحوه، وسيجيء في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى. قوله تعالى "أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا" (إلخ) التقتيل والتصليب والتقطيع تفعيل من القتل والصلب والقطع يفيد شدة في معنى المجرد أو زيادة فيه، ولفظة "أَوْ" إنما تدل على الترديد المقابل للجمع، وأما الترتيب أو التخيير بين أطراف الترديد فإنما يستفاد أحدهما من قرينة خارجية حالية أو مقالية فالآية غير خالية عن الإجمال من هذه الجهة. وإنما تبينها السنة وسيجيء أن المروي عن أئمة أهل البيت عليه السلام أن الحدود الأربعة مترتبة بحسب درجات الإفساد كمن شهر سيفا فقتل النفس وأخذ المال أو قتل فقط أو أخذ المال فقط أو شهر سيفا فقط.
جاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تبارك وتعالى "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (المائدة 33) ونزل في العرنيين لما قدموا المدينة وهم مرضى فأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى الإبل ويشربوا من أبوالها وألبانها فلما صحوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا الإبل "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله" بمحاربة المسلمين "ويسعون في الأرض فسادا" بقطع الطريق "أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف" أي أيديهم اليمنى واليسرى، "أو يُنفوا من الأرض" أو لترتيب الأحوال فالقتل لمن قتل فقط والصلب لمن قتل وأخذ المال والقطع لمن أخذ المال ولم يقتل والنفي لمن أخاف فقط قاله ابن عباس وعليه الشافعي وأصح قوليه أن الصلب ثلاثا بعد القتل وقيل قبله قليلا ويلحق بالنفي ما أشبهه في التنكيل من الحبس وغيره، "ذلك" الجزاء المذكور "لهم خزي" ذل "في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم" هو عذاب النار.
عن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" ﴿المائدة 33﴾ المراد بمحاربة اللَّه ورسوله ان الاعتداء على الناس اعتداء على اللَّه والرسول، ومن أجل هذا كانت عقوبته حدا من حدود اللَّه. والمراد بالفساد في الأرض هنا قطع الطريق، وتلتقي في هذه الجريمة عدة جرائم: إخافة الآمنين والتمرد على الحكم، والمجاهرة بالإجرام، وإراقة الدماء، ونهب الأموال، وقد يكون فيها هتك الأعراض. المراد بالمفسد هنا كل من جرد السلاح لإخافة الناس بالضرب أو القتل أو السلب أو الإهانة أو الاعتداء على الأعراض، مسلما كان أو غير مسلم، فعل ذلك في بر أو بحر، في ليل أو نهار، في مصر أو غير مصر، تسلح بسيف أو مسدس أو عصا أو حجارة، فالعبرة بإخافة الناس على أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم، ونصت الآية على أربع عقوبات: 1 - القتل، وجاء بصيغة المبالغة إشارة إلى ان القتل حتم لا بد منه، ولو ان قاطع الطريق قتل نفسا، وعفا عنه ولي المقتول فلا يعفى عنه، قيل للإمام أبي جعفر الصادق عليه السلام: أ رأيت لو أراد أولياء المقتول أن يأخذوا الدية، ويدعوه، ألهم ذلك ؟ قال: لا، عليه القتل. 2 - الصلب، والمبالغة فيه كالمبالغة في القتل، أما كيفيته فما هو معروف عند الناس. 3 - قطع الأيدي والأرجل من خلاف، أي إذا قطعت اليد اليمنى قطعت الرجل اليسرى، والمبالغة فيه أظهر من المبالغة في القتل والصلب لتكرار القطع. 4 - النفي إلى بلد ناء عن بلده يحس فيه بالغربة والتشريد. واختلفت المذاهب الإسلامية في كيفية تنفيذ هذه العقوبات الأربع: هل تنفذ على سبيل التخيير أو التعيين لكل حسب جرمه، ومقدار إفساده ؟. قال الشيعة الإمامية: ان (أو) تدل بظاهرها على التخيير، وعليه يترك الأمر لاجتهاد الحاكم في تنفيذ ما تدرأ به المفسدة، وتقوم به المصلحة من القتل أو الصلب أو القطع أو النفي. وقريب من هذا قول المالكية. وقال الشافعية: ان هذه العقوبات تختلف باختلاف الجنايات، فمن اقتصر على القتل قتل، ومن قتل وأخذ المال قتل وصلب بعد القتل ثلاثة أيام، ومن أخذ المال فقط قطع من خلاف، ومن أخاف السبيل، دون أن يقتل أو يأخذ المال نفي. وقال الحنفية: ان أخذ المال وقتل فللحاكم الخيار، ان شاء قطع من خلاف وان شاء قتل ولم يصلب، وان شاء جمع بين القتل والصلب، وصفة الصلب عنده أن يصلب حيا، ويبعج بطنه برمح إلى أن يموت، ولا يصلب أكثر من ثلاثة أيام.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" ﴿المائدة 33﴾ ويجدر الانتباه هنا إلى عدّة أمور، وهي: 1 ـ إنّ المراد جملة "الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ" الواردة في الآية كما تشير إليه أحاديث أهل البيت ويدل عليه سبب نزول الآية هو ارتكاب العدوان ضد أرواح أو أموال الناس باستخدام السلاح والتهديد به، سواء كان هذا العدوان من قبل قطاع الطرق خارج المدن أو داخلها، وعلى هذا الأساس فإن الآية تشمل أيضا الأشرار الذين يعتقدون على أرواح الناس وأموالهم ونواميسهم. والذي يلفت الانتباه في هذه الآية هو أنّها اعتبرت العدوان الممارس ضد البشر بمثابة إعلان الحرب وممارسة العدوان ضد الله ورسوله، وهذه النقطة تبيّن بل تثبت مدى اهتمام الإسلام العظيم بحقوق البشر ورعاية أمنهم وسلامتهم. 2 ـ المراد بقطع اليد أو الرجل ـ المذكور في الآية، وكما أشارت إليه كتب الفقه هو القطع بنفس المقدار الذي ينفذ بحق السارق لدى قطع يده، أي مجرّد قطع أربعة من أصابع اليد أو الرجل. 3 ـ هل أنّ العقوبات الأربع المذكورة في الآية لها طابع تخييري؟ أي هل أن الحكومة الإسلامية مخيرة في استخدام أي منهما بحق الفرد الذي تراه يستحق ذلك، أم أن العقوبة يجب أن تتناسب ونوع الجريمة التي ارتكبها الفرد؟ أي إذ ارتكب الفرد المحارب جريمة قتل ضد أفراد أبرياء تطبق بحقّه عقوبة الإعدام، وإن ارتكب سرقة عن طريق التهديد بالسلاح تنفذ فيه عقوبة قطع أصابع اليد أو الرجل، وإذا ارتكب الجريمتين معا يكون عقابه الإعدام والصلب على الأعواد لفترة معينة لكي يعتبر به الناس، وإذا شهر الفرد المحارب السلاح على الناس دون أن يراق أيّ دم أو تتم سرقة شيء يكون عقابه النفي إلى بلد آخر؟ لا شك أنّ الاحتمال الثّاني وهو تطبيق العقوبة المتناسبة مع الجريمة أقرب إلى الحقيقة، وقد أيد هذا المعنى ما ورد في أحاديث عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام أيضا. وبالرغم من أنّ بعض الأحاديث أشارت إلى أنّ الحكومة الإسلامية مخيرة في انتخاب أي من العقوبات الأربع الواردة، لكننا ـ نظرا للأحاديث التي أشرنا إليها قبل قليل نرى أنّ المراد من التخيير لا يعني أن تنتخب الحكومة الإسلامية واحدا من العقوبات المذكورة انتخابا اعتباطيا دون أن تأخذ نوع الجريمة بنظر الإعتبار، حيث من المستبعد كثيرا أن تكون عقوبتا الإعدام والصلب متساويتين مع عقوبة النفي، أو أن تكونا بمنزلة واحدة. ويلاحظ هذا الأمر أيضا في الكثير من القوانين الوضعية المعاصرة بصورة واضحة، حيث تعين عقوبات مختلفة لنوع واحد من الجرائم، وعلى سبيل المثال نرى أن بعض الجرائم تتراوح عقوبتها بين 3 سنين إلى 10 سنين من السجن، والقاضي يتعامل في هذا المجال وفق ما يراه مناسبا لواقع الحال، وليس وفق ما يشتهيه هو، فتارة يكون المناسب في الجريمة أن تطبق العقوبة المشددة، وأخرى يتناسب معها تخفيف العقوبة، نظرا للظروف المحيطة والملابسات الواردة في حالة ارتكاب الجريمة.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
جاء في تفسير الميسر: قوله تبارك وتعالى "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" ﴿المائدة 33﴾ يُحَارِبُونَ: يُحَارِبُ فعل، ونَ ضمير، يُحارِبونَ اللهَ و رسولَهُ: ارتدوا عن الإسلام و قطعوا السبيل و حملوا السلاح. إنما جزاء الذين يحاربون الله، ويبارزونه بالعداوة، ويعتدون على أحكامه، وعلى أحكام رسوله، ويفسدون في الأرض بقتل الأنفس، وسلب الأموال، أن يُقَتَّلوا، أو يُصَلَّبوا مع القتل ﴿والصلب: أن يُشَدَّ الجاني على خشبة﴾ أو تُقْطَع يدُ المحارب اليمنى ورجله اليسرى، فإن لم يَتُبْ تُقطعْ يدُه اليسرى ورجلُه اليمنى، أو يُنفَوا إلى بلد غير بلدهم، ويُحبسوا في سجن ذلك البلد حتى تَظهر توبتُهم. وهذا الجزاء الذي أعدَّه الله للمحاربين هو ذلّ في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب شديد إن لم يتوبوا.
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" ﴿المائدة 33﴾ لما قدم تعالى ذكر القتل وحكمه، عقبه بذكر قطاع الطريق، والحكم فيهم، فقال. "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ" أي: أولياء الله، كقوله تعالى "والَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ" "وَرَسُولَهُ" أي: يحاربون رسوله "وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا" المروي عن أهل البيت عليهم السلام: إن المحارب هو كل من شهر السلاح وأخاف الطريق سواء كان في المصر، أو خارج المصر، فإن اللص المحارب في المصر، وخارج المصر، سواء، وهو مذهب الشافعي، والأوزاعي، ومالك. وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن المحارب هو قاطع الطريق في غير المصر، وهو المروي عن عطا الخراساني. والمعنى في قوله "إنما جزاؤهم" إلا هذا عن الزجاج، قال: لان القائل إذا قال: جزاؤك دينار، فجائز أن يكون معه غيره، وإذا قال: إنما جزاؤك دينار، كان المعنى ما جزاؤك إلا دينار. "أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ" قال أبو جعفر، وأبو عبد الله عليهما السلام: " إنما جزاء المحارب على قدر استحقاقه، فإن قتل فجزاؤه أن يقتل، وإن قتل وأخذ المال، فجزاؤه أن يقتل ويصلب، وإن أخذ المال ولم يقتل، فجزاؤه أن تقطع يده ورجله من خلاف، وإن أخاف السبيل فقط، فإنما عليه النفي لا غير " وبه قال ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة، والسدي، والربيع. وعلى هذا فإن أو ليست للإباحة هنا، وإنما هي مرتبة الحكم باختلاف الجناية. وقال الشافعي: " إن أخذ المال جهرا، كان للإمام صلبه حيا، ولم يقتل، قال: ويحد كل واحد بقدر فعله، فمن وجب عليه القتل. والصلب قتل قبل صلبه كراهية تعذيبه، ويصلب ثلاثا، ثم ينزل ". قال أبو عبيد: " سألت محمد بن الحسن عن قوله "أَوْ يُصَلَّبُوا" فقال: هو أن يصلب حيا، ثم يطعن بالرماح، حتى يقتل ". وهو رأي أبي حنيفة، فقيل له: هذا مثلة؟ قال: المثلة يراد به. وقيل معنى أو ها هنا للإباحة والتخيير، أي: إن شاء الإمام قتل، وإن شاء صلب، وإن شاء نفى، عن الحسن، وسعيد بن المسيب، ومجاهد. وقد روي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام. وقوله: "مِنْ خِلَافٍ" معناه اليد اليمنى، والرجل اليسرى "أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ" قيل فيه أقوال، والذي يذهب إليه أصحابنا الإمامية: أن ينفى من بلد إلى. بلد، حتى يتوب ويرجع، وبه قال ابن عباس، والحسن، والسدي، وسعيد بن جبير، وغيرهم، وإليه ذهب الشافعي، قال أصحابنا: ولا يمكن من الدخول إلى بلاد الشرك، ويقاتل المشركون على تمكينهم من الدخول إلى بلادهم، حتى يتوبوا. وقيل: هو أن ينفى من بلده إلى بلد غيره، عن عمر بن عبد العزيز، وعن سعيد بن جبير، في رواية أخرى. وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن النفي هو الحبس والسجن، واحتجوا بأن المسجون يكون بمنزلة المخرج من الدنيا، إذا كان ممنوعا من التصرف، محولا بينه وبين أهله، مع مقاساته الشدائد في الحبس.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" ﴿المائدة 33﴾ "فَساداً" مصدر وضع موضع الحال، ومحاربة الله وإن كانت بعد استحالة معناها الحقيقي وتعين إرادة المعنى المجازي منها ذات معنى وسيع يصدق على مخالفة كل حكم من الأحكام الشرعية وكل ظلم وإسراف لكن ضم الرسول إليه يهدي إلى أن المراد بها بعض ما للرسول فيه دخل، فيكون كالمتعين أن يراد بها ما يرجع إلى إبطال أثر ما للرسول عليه ولاية من جانب الله سبحانه كمحاربة الكفار مع النبي صلى الله عليه وآله وإخلال قطاع الطريق بالأمن العام الذي بسطه بولايته على الأرض، وتعقب الجملة بقوله "وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً" يشخص المعنى المراد وهو الإفساد في الأرض بالإخلال بالأمن وقطع الطريق دون مطلق المحاربة مع المسلمين، على أن الضرورة قاضية بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يعامل المحاربين من الكفار بعد الظهور عليهم والظفر بهم هذه المعاملة من القتل والصلب والمثلة والنفي. على أن الاستثناء في الآية التالية قرينة على كون المراد بالمحاربة هو الإفساد المذكور فإنه ظاهر في أن التوبة إنما هي من المحاربة دون الشرك ونحوه. فالمراد بالمحاربة والإفساد على ما هو الظاهر هو الإخلال بالأمن العام، والأمن العام إنما يختل بإيجاد الخوف العام وحلوله محله، ولا يكون بحسب الطبع والعادة إلا باستعمال السلاح المهدد بالقتل طبعا ولهذا ورد فيما ورد من السنة تفسير الفساد في الأرض بشهر السيف ونحوه، وسيجيء في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى. قوله تعالى "أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا" (إلخ) التقتيل والتصليب والتقطيع تفعيل من القتل والصلب والقطع يفيد شدة في معنى المجرد أو زيادة فيه، ولفظة "أَوْ" إنما تدل على الترديد المقابل للجمع، وأما الترتيب أو التخيير بين أطراف الترديد فإنما يستفاد أحدهما من قرينة خارجية حالية أو مقالية فالآية غير خالية عن الإجمال من هذه الجهة. وإنما تبينها السنة وسيجيء أن المروي عن أئمة أهل البيت عليه السلام أن الحدود الأربعة مترتبة بحسب درجات الإفساد كمن شهر سيفا فقتل النفس وأخذ المال أو قتل فقط أو أخذ المال فقط أو شهر سيفا فقط.
جاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تبارك وتعالى "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (المائدة 33) ونزل في العرنيين لما قدموا المدينة وهم مرضى فأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى الإبل ويشربوا من أبوالها وألبانها فلما صحوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا الإبل "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله" بمحاربة المسلمين "ويسعون في الأرض فسادا" بقطع الطريق "أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف" أي أيديهم اليمنى واليسرى، "أو يُنفوا من الأرض" أو لترتيب الأحوال فالقتل لمن قتل فقط والصلب لمن قتل وأخذ المال والقطع لمن أخذ المال ولم يقتل والنفي لمن أخاف فقط قاله ابن عباس وعليه الشافعي وأصح قوليه أن الصلب ثلاثا بعد القتل وقيل قبله قليلا ويلحق بالنفي ما أشبهه في التنكيل من الحبس وغيره، "ذلك" الجزاء المذكور "لهم خزي" ذل "في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم" هو عذاب النار.
عن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" ﴿المائدة 33﴾ المراد بمحاربة اللَّه ورسوله ان الاعتداء على الناس اعتداء على اللَّه والرسول، ومن أجل هذا كانت عقوبته حدا من حدود اللَّه. والمراد بالفساد في الأرض هنا قطع الطريق، وتلتقي في هذه الجريمة عدة جرائم: إخافة الآمنين والتمرد على الحكم، والمجاهرة بالإجرام، وإراقة الدماء، ونهب الأموال، وقد يكون فيها هتك الأعراض. المراد بالمفسد هنا كل من جرد السلاح لإخافة الناس بالضرب أو القتل أو السلب أو الإهانة أو الاعتداء على الأعراض، مسلما كان أو غير مسلم، فعل ذلك في بر أو بحر، في ليل أو نهار، في مصر أو غير مصر، تسلح بسيف أو مسدس أو عصا أو حجارة، فالعبرة بإخافة الناس على أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم، ونصت الآية على أربع عقوبات: 1 - القتل، وجاء بصيغة المبالغة إشارة إلى ان القتل حتم لا بد منه، ولو ان قاطع الطريق قتل نفسا، وعفا عنه ولي المقتول فلا يعفى عنه، قيل للإمام أبي جعفر الصادق عليه السلام: أ رأيت لو أراد أولياء المقتول أن يأخذوا الدية، ويدعوه، ألهم ذلك ؟ قال: لا، عليه القتل. 2 - الصلب، والمبالغة فيه كالمبالغة في القتل، أما كيفيته فما هو معروف عند الناس. 3 - قطع الأيدي والأرجل من خلاف، أي إذا قطعت اليد اليمنى قطعت الرجل اليسرى، والمبالغة فيه أظهر من المبالغة في القتل والصلب لتكرار القطع. 4 - النفي إلى بلد ناء عن بلده يحس فيه بالغربة والتشريد. واختلفت المذاهب الإسلامية في كيفية تنفيذ هذه العقوبات الأربع: هل تنفذ على سبيل التخيير أو التعيين لكل حسب جرمه، ومقدار إفساده ؟. قال الشيعة الإمامية: ان (أو) تدل بظاهرها على التخيير، وعليه يترك الأمر لاجتهاد الحاكم في تنفيذ ما تدرأ به المفسدة، وتقوم به المصلحة من القتل أو الصلب أو القطع أو النفي. وقريب من هذا قول المالكية. وقال الشافعية: ان هذه العقوبات تختلف باختلاف الجنايات، فمن اقتصر على القتل قتل، ومن قتل وأخذ المال قتل وصلب بعد القتل ثلاثة أيام، ومن أخذ المال فقط قطع من خلاف، ومن أخاف السبيل، دون أن يقتل أو يأخذ المال نفي. وقال الحنفية: ان أخذ المال وقتل فللحاكم الخيار، ان شاء قطع من خلاف وان شاء قتل ولم يصلب، وان شاء جمع بين القتل والصلب، وصفة الصلب عنده أن يصلب حيا، ويبعج بطنه برمح إلى أن يموت، ولا يصلب أكثر من ثلاثة أيام.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" ﴿المائدة 33﴾ ويجدر الانتباه هنا إلى عدّة أمور، وهي: 1 ـ إنّ المراد جملة "الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ" الواردة في الآية كما تشير إليه أحاديث أهل البيت ويدل عليه سبب نزول الآية هو ارتكاب العدوان ضد أرواح أو أموال الناس باستخدام السلاح والتهديد به، سواء كان هذا العدوان من قبل قطاع الطرق خارج المدن أو داخلها، وعلى هذا الأساس فإن الآية تشمل أيضا الأشرار الذين يعتقدون على أرواح الناس وأموالهم ونواميسهم. والذي يلفت الانتباه في هذه الآية هو أنّها اعتبرت العدوان الممارس ضد البشر بمثابة إعلان الحرب وممارسة العدوان ضد الله ورسوله، وهذه النقطة تبيّن بل تثبت مدى اهتمام الإسلام العظيم بحقوق البشر ورعاية أمنهم وسلامتهم. 2 ـ المراد بقطع اليد أو الرجل ـ المذكور في الآية، وكما أشارت إليه كتب الفقه هو القطع بنفس المقدار الذي ينفذ بحق السارق لدى قطع يده، أي مجرّد قطع أربعة من أصابع اليد أو الرجل. 3 ـ هل أنّ العقوبات الأربع المذكورة في الآية لها طابع تخييري؟ أي هل أن الحكومة الإسلامية مخيرة في استخدام أي منهما بحق الفرد الذي تراه يستحق ذلك، أم أن العقوبة يجب أن تتناسب ونوع الجريمة التي ارتكبها الفرد؟ أي إذ ارتكب الفرد المحارب جريمة قتل ضد أفراد أبرياء تطبق بحقّه عقوبة الإعدام، وإن ارتكب سرقة عن طريق التهديد بالسلاح تنفذ فيه عقوبة قطع أصابع اليد أو الرجل، وإذا ارتكب الجريمتين معا يكون عقابه الإعدام والصلب على الأعواد لفترة معينة لكي يعتبر به الناس، وإذا شهر الفرد المحارب السلاح على الناس دون أن يراق أيّ دم أو تتم سرقة شيء يكون عقابه النفي إلى بلد آخر؟ لا شك أنّ الاحتمال الثّاني وهو تطبيق العقوبة المتناسبة مع الجريمة أقرب إلى الحقيقة، وقد أيد هذا المعنى ما ورد في أحاديث عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام أيضا. وبالرغم من أنّ بعض الأحاديث أشارت إلى أنّ الحكومة الإسلامية مخيرة في انتخاب أي من العقوبات الأربع الواردة، لكننا ـ نظرا للأحاديث التي أشرنا إليها قبل قليل نرى أنّ المراد من التخيير لا يعني أن تنتخب الحكومة الإسلامية واحدا من العقوبات المذكورة انتخابا اعتباطيا دون أن تأخذ نوع الجريمة بنظر الإعتبار، حيث من المستبعد كثيرا أن تكون عقوبتا الإعدام والصلب متساويتين مع عقوبة النفي، أو أن تكونا بمنزلة واحدة. ويلاحظ هذا الأمر أيضا في الكثير من القوانين الوضعية المعاصرة بصورة واضحة، حيث تعين عقوبات مختلفة لنوع واحد من الجرائم، وعلى سبيل المثال نرى أن بعض الجرائم تتراوح عقوبتها بين 3 سنين إلى 10 سنين من السجن، والقاضي يتعامل في هذا المجال وفق ما يراه مناسبا لواقع الحال، وليس وفق ما يشتهيه هو، فتارة يكون المناسب في الجريمة أن تطبق العقوبة المشددة، وأخرى يتناسب معها تخفيف العقوبة، نظرا للظروف المحيطة والملابسات الواردة في حالة ارتكاب الجريمة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat