آيات الحرب ومتعلقاتها في القرآن الكريم (ح 3)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كل مجموعة حلقات من هذه السلسلة تنشر في أحد المواقع.
وردت كلمة حرب ومشتقاتها في القرآن الكريم: بِحَرْبٍ، يُحَارِبُونَ، لِلْحَرْبِ، الْحَرْبِ، حَارَبَ. جاء في معاني القرآن الكريم: حرب الحرب معروف، والحرب: السلب في الحرب ثم قد سمي كل سلب حربا، قال: والحرب فيه الحرائب. جاء في المعاجم: وبرك البعير: ألقى بركه، واعتبر منه معنى اللزوم، فقيل: ابتركوا في الحرب، أي: ثبتوا ولا زموا موضع الحرب، وبراكاء الحرب وبروكاؤها للمكان الذي يلزمه الأبطال, عن تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: (سوق) السوق: جمع ساق وقوله: "فطفق مسحا بالسوق والأعناق" (ص 33) قيل يمسحها بيده استحسانا لها وإعجابا بها وجعلها مسبلة في سبيل الله وقيل: يمسح بالسيف سوقها وأعنافها أي يقطها ولا يخفي ما فيه. (كشف)"يوم يكشف عن ساق" (القلم 42) هو مثل يضرب عند اشتداد الحرب والأمر، يقال: كشف عن ساقه والمعنى: يوم يشتد الأمر ويتفاقم ولا ساق ثم ولا كشف وإنما هو مثل. قوله تعالى: "ووهبنا له إسحق ويعقوب نافلة " (الانبياء 72) إنه يعني ابراهيم عليه السلام دعى بإسحاق فاستجيب له وزيد يعقوب نافلة كأنه تفضل من الله وإن كان كل بتفضله ومنه، ويعد من الأنفال كل ما أخذ من دار الحرب بغير قتال وكل أرض انجلى عنها أهلها بغير قتال أيضا، وسماها الفقهاء فيئا والأرضون الموات، الغول: إذهاب الشئ، يقال: الخمر غول للحلم والحرب غول للنفوس قال تعالى: "لَا فِيهَا غَوْلٌ" ﴿الصافات 47﴾ أي لا تغتال عقولهم فتذهب بها ولا يصيبهم منها رجع"وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ" ﴿الصافات 47﴾ من نزف الشارب إذا ذهب عقله أو شرابه، ويقال: الغول رجع البطن، والنزف: ذهاب العقل.
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله سبحانه"فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴿البقرة 279﴾"فإن لم تفعلوا" أي فإن لم تقبلوا أمر الله ولم تنقادوا له ولم تتركوا بقية الربا بعد نزول الآية بتركه"فأذنوا بحرب من الله ورسوله" أي فأيقنوا واعلموا بقتال من الله ورسوله والمعنى أيقنوا أنكم تستحقون القتل في الدنيا والنار في الآخرة لمخالفة أمر الله ورسوله ومن قرأ فأذنوا فمعناه فاعلموا من لم ينته عن ذلك بحرب ومعنى الحرب عداوة الله وعداوة رسوله وهذا إخبار بعظم المعصية وروي عن ابن عباس وقتادة والربيع أن من عامل بالربا استتابه الإمام فإن تاب وإلا قتله وقال الصادق آكل الربا يؤدب بعد البينة فإن عاد أدب وإن عاد قتل"وإن تبتم" من استحلال الربا وأقررتم بتحريمه"فلكم رءوس أموالكم" دون الزيادة "لا تظلمون" بأخذ الزيادة على رأس المال"ولا تظلمون" بالنقصان من رأس المال.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى "كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ" (المائدة 64) يقاد النار إشعالها، وإطفاؤها إخمادها، والمعنى واضح، ومن المحتمل أن يكون قوله"كُلَّما أَوْقَدُوا" (الخ) بيانا لقوله: "وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَة " (المائدة 64) فيعود المعنى إلى أنه كلما أثاروا حربا على النبي صلى الله عليه وآله والمؤمنين أطفأها الله بإلقاء الاختلاف بينهم. والآية على ما يدل عليه السياق تسجل عليهم خيبة المسعى في إيقاد النيران التي يوقدونها على دين الله سبحانه، وعلى المسلمين بما أنهم مؤمنون بالله وآياته، وأما الحروب التي ربما أمكن أن يوقدوا نارها لا لأمر الدين الحق بل لسياسة أو تغلب جنسي أو ملي فهي خارجة عن مساق الآية. قوله تعالى "وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" (المائدة 64) السعي هو السير السريع، وقوله"فَساداً" مفعول له أي يجتهدون لإفساد الأرض، والله لا يحب المفسدين فلا يخليهم وأن ينالوا ما أرادوه من فساد الأرض فيخيب سعيهم، والله أعلم.
جاء في تفسير التبيان للشيخ الطوسي: قوله تعالى: "فَإِن كانَ مِن قَومٍ عَدُوٍّ لَكُم وَ هُوَ مُؤمِنٌ فَتَحرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤمِنَة " (النساء 92) يعني إن کان هذا القتيل ألذي قتله المؤمن من خطأ من قوم هم أعداء لكم مشركون و هو مؤمن، فعلي قاتله تحرير رقبة مؤمنة. و اختلفوا في معناه، فقال قوم: إذا کان القتيل في عداد قوم أعداء و هو مؤمن بين أظهرهم لم يهاجر، فمن قتله فلا دية له. و عليه تحرير رقبة مؤمنة، لأن الدية ميراث، و أهله كفار لا يرثونه. هذا قول ابراهيم، و إبن عباس، و السدي، و قتادة، و إبن زيد، و إبن عياض. و قال آخرون: بل عني به أهل الحرب من يقدم دار الإسلام فيسلم ثم يرجع إلي دار الحرب إذا مر بهم جيش من أهل الإسلام فهرب قومه و أقام ذلك المسلم فيهم فقتله المسلمون، و هم يحسبونه كافراً. ذكر ذلك عن إبن عباس في رواية أخري. وقد نص الشيخ الطوسي بنفسه في كتاب المبسوط (كل أسير يؤخذ بعد أن تضع الحرب أوزارها، فانه يكون الإمام مخيرا فيه بين أن يمن عليه فيطلقه، وبين أن يسترقه وبين أن يفاديه، وليس له قتله على ما رواه أصحابنا).
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى "حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ" (محمد 4) في المجمع: الإثخان إكثار القتل وغلبة العدو وقهرهم ومنه أثخنه المرض اشتد عليه وأثخنه الجراح. انتهى. وفي المفردات: وثقت به أثق ثقة سكنت إليه واعتمدت عليه، وأوثقته شددته، والوثاق بفتح الواو والوثاق بكسر الواو اسمان لما يوثق به الشيء. انتهى. و"حَتَّى" غاية لضرب الرقاب، والمعنى: فاقتلوهم حتى إذا أكثرتم القتل فيهم فأسروهم بشد الوثاق وإحكامه فالمراد بشد الوثاق الأسر فالآية في ترتب الأسر فيها على الإثخان في معنى قوله تعالى "ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ" (الانفال 67). وقوله"فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً" أي فأسروهم ويتفرع عليه أنكم إما تمنون عليهم منا بعد الأسر فتطلقونهم أو تسترقونهم وإما تفدونهم فداء بالمال أو بمن لكم عندهم من الأسارى. وقوله"حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها" (محمد 4) أوزار الحرب أثقالها وهي الأسلحة التي يحملها المحاربون والمراد به وضع المقاتلين وأهل الحرب أسلحتهم كناية عن انقضاء القتال. وقد تبين بما تقدم من المعنى ما في قول بعضهم إن هذه الآية ناسخة لقوله تعالى "ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ" (الانفال 67)، لأن هذه السورة متأخرة نزولا عن سورة الأنفال فتكون ناسخة لها. وذلك لعدم التدافع بين الآيتين فآية الأنفال تنهى عن الأسر قبل الإثخان والآية المبحوث عنها تأمر بالأسر بعد الإثخان. ولم يشرع تفاصيل الأحكام قبل ظهور الدين الإسلامي إلا في التوراة وفيها أحكام يشابه بعضها بعض ما في شريعة حمورابي غير أن التوراة نزلها الله على موسى عليه السلام وكانت محفوظة في بني إسرائيل فقدوها في فتنة بخت نصر التي أفنت جمعهم وخربت هيكلهم ولم يبق منهم إلا شرذمة ساقتهم الإسارة إلى بابل فاستعبدوا واسكنوا فيه إلى أن فتح الملك كورش بابل وأعتقهم من الأسر وأجاز لهم الرجوع إلى بيت المقدس، وأن يكتب لهم عزراء الكاهن التوراة بعد ما أعدمت نسخها ونسيت متون معارفها، وقد اعتادوا بقوانين بابل الجارية بين الكلدانيين.
عن تفسير الميسر: قوله تعالى "وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ" ﴿البقرة 250﴾ لِجَالُوتَ: لِ حرف جر، جَالُوتَ اسم علم، ولما ظهروا لجالوت وجنوده، ورأوا الخطر رأي العين، فزعوا إلى الله بالدعاء والضراعة قائلين: ربنا أنزل على قلوبنا صبرًا عظيمًا، وثبت أقدامنا، واجعلها راسخة في قتال العدو، لا تفر مِن هول الحرب، وانصرنا بعونك وتأييدك على القوم الكافرين. و قوله سبحانه"الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا" ﴿النساء 141﴾ نصيب اي قدر، المنافقون هم الذين ينتظرون ما يحلُّ بكم أيها المؤمنون من الفتن والحرب، فإن منَّ الله عليكم بفضله، ونصركم على عدوكم وغنمتم، قالوا لكم: ألم نكن معكم نؤازركم؟ وإن كان للجاحدين لهذا الدين قَدْرٌ من النصر والغنيمة. جاء في التفسير الوسيط لمحمد سيد طنطاوي: قوله تعالى "وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ" (البقرة 48) وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ والنصر هو الإعانة في الحرب وغيره بقوة الناصر، وقدم المسند إليه لزيادة التأكيد المفيد أن انتفاء نصرهم محقق.
عن التفسير الكاشف للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى "فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً" (النساء 103) المراد بالكتاب ان الصلوات الخمس مكتوبة ومفروضة، والمراد بالموقوت إنها محدودة بأوقات معينة صباحا ومساء، والقصد انه متى وضعت الحرب أوزارها، وزال الخوف فعليكم ان تؤدوا الصلاة في أوقاتها، ولا تتهاونوا بها . وتكلمنا عن الصلاة واهتمام الإسلام بها فيما سبق من الآيات، وان تركها يؤدي إلى الكفر. وتسأل: ان الآية أوجبت صلاة الخوف ، حيث كان القتال بالسيف والرمح والخنجر، أما الآن فقد تطور سلاح الحرب إلى ما نعلم من آلاته الجهنمية. وعليه ينبغي ارتفاع صلاة الخوف لارتفاع موضوعها. الجواب: ان السبب الموجب لهذه الصلاة هو الخوف من حيث هو بصرف النظر عن الحرب وآلاته قديمة كانت، أو حديثة، فإذا حصل الخوف بسبب غير الحرب جاز قصرها كما وكيفا. قال صاحب الجواهر: (إذا خاف من سيل أو سبع أو حية أو حريق، أو غير ذلك جاز أن يصلي صلاة شدة الخوف، فيقصر عددا وكيفية، لعدم الفرق في أسباب الخوف المسوغة، فقد سئل الإمام جعفر الصادق عليه السلام عمن خاف من سبع أو لص: كيف يصلي؟ قال: يكبر ويومئ إيماء). ومرة ثانية نقول مؤكدين: ان الصلاة لا تسقط بحال، وان كل إنسان يؤديها بالنحو الذي يستطيعه من القول والفعل، فإن عجز عنهما أومأ إلى الصلاة بطرفه، فإن عجز عن الإيماء استحضر صورة الصلاة في ذهنه.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" (البقرة 190) إن هذه الآية هي أول آية نزلت في جهاد أعداء الإسلام وبعد نزول هذه الآية شرع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قتالهم إلا الكفار الذين لم يكونوا في حرب مع المسلمين، واستمر هذا الحال حتى نزل الأمر (اقتلوا المشركين) الذي أجاز جهاد وقتال جميع المشركين. وعبارة الذين يقاتلونكم تدل بصراحة أن هذا الحكم الشرعي يختص بمن شهروا السلاح ضد المسلمين، فلا تجوز مقاتلة العدو ما لم يشهر سيفا ولم يبدأ بقتال باستثناء موارد خاصة سيأتي ذكرها في آيات الجهاد. وذهب جمع من المفسرين إلى أن مفهوم الذين يقاتلونكم محدود بدائرة خاصة، في حين أن مفهوم الآية عام وواسع. ويشمل جميع الذين يقاتلون المسلمين بنحو من الأنحاء. ويستفاد من الآية أيضا أن المدنيين خاصة النساء والأطفال لا يجوز أن يتعرضوا لهجوم، فهم مصونون لأنهم لا يقاتلون ولا يحملون السلاح. ثم توصي الآية الشريفة بضرورة رعاية العدالة حتى في ميدان القتال وفي مقابل الأعداء، وتقول: ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. أجل، فالحرب في الإسلام لله وفي سبيل الله، ولا يجوز أن يكون في سبيل الله اعتداء ولا عدوان. لذلك يوصي الإسلام برعاية كثير من الأصول الخلقية في الحرب، وهو ما تفتقر إليه حروب عصرنا أشد الافتقار. يوصي مثلا بعدم الاعتداء على المستسلمين وعلى من فقدوا القدرة على الحرب، أوليست لديهم أصلا قدرة على الحرب كالشيوخ والنساء والأطفال، وهكذا يجب عدم التعرض للمزارع والبساتين، وعدم اللجوء إلى المواد السامة لتسميم مياه شرب العدو كالسائد اليوم. الإمام علي عليه السلام يقول لافراد جيشه - كما ورد في نهج البلاغة وذلك قبل شروع القتال في صفين: (لا تقاتلوهم حتى يبدؤوكم فإنكم بجهد الله على حجة، وترككم إياهم حتى يبدؤوكم حجة أخرى لكم عليهم، فإذا كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبرا ولا تصيبوا معورا ولا تجهزوا على جريح، ولا تهيجوا النساء بأذى وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم). والجدير بالذكر أن بعض المفسرين ذهب طبقا لبعض الروايات أن هذه الآية ناسخة للآية التي تنهى عن القتال من قبيل كفوا أيديكم"أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا" (النساء 77). وذهب آخرون إلى أنها منسوخة بالآية وقاتلوا المشركين كافة "ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ" (التوبة 26). ولكن الصحيح أن هذه الآية لا ناسخة ولا منسوخة، لأن منع المسلمين من قتال الكفار كان في زمن لم يكن للمسلمين القوة الكافية، ومع تغير الظروف صدر الأمر لهم بالدفاع عن أنفسهم، وكذلك قتال المشركين فهو في الواقع استثناء من الآية، فعلى هذا يكون تغيير الحكم بسبب تغيير الظروف لا من قبيل النسخ ولا الاستثناء، ولكن القرائن تدل على أن النسخ في الروايات وفي كلمات القدماء له مفهوم غير مفهومه في العصر الحاضر، أي له معنى واسع يشمل هذه الموارد أيضا. قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار" (الانفال 15) واستخدام كلمة (زحف) تشير إلى أنه بالرغم من أن عدوكم قوي وكثير، وأنتم قليلون، فلا ينبغي لكم الفرار من ساحة الحرب، وكما كان عدوكم كثيرا في ميدان بدر فثبتم وانتصرتم. فالفرار من الحرب يعد في الإسلام من كبائر الذنوب. قوله تعالى "وَ لَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً" (الفتح 22) هذه الآيات تتحدّث أيضا عن أبعاد أخر لما جرى في الحديبيّة و تشير إلى لطيفتين مهمّتين في هذا الشأن الأولى: هي أنّه لا تتصوّروا أنّه لو وقعت الحرب بينكم و بين مشركي مكّة في الحديبيّة لانتصر المشركون و الكفرة.
والله سبحانه وتعالى قد نوَّه وأقسم بالخيل في قوله تعالى "وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)" (العاديات 1-5)، فهي من أهم أدوات الحرب. سمي رجب لأن العرب كانت ترجب رماحها أي تنزع النصل من رماحها وتتوقّف عن القتال. وسمي بالاصم لترك العرب الحرب فيه حتى لا تسمع صلصلة حديد. الشهور الأربعة الحرم التي كانت العرب تبدأ هذه الاشهر بذي القعدة، حتى يقعدوا عن القتال على اعتباره بداية فترة الحج والتجارة فتوقف القتال لتبادل التجارة وزيارة آلهتهم الأصنام. اما شهر رجب فكانوا يعظمونه مما جعلهم يتركون القتال فيه. ولم يكن العرب يمتنعون عن الصيد في تلك الأشهر، إلا أن جاء الإسلام وحرم الصيد في مدينتي مكة والمدينة فترة الإحرام بحج أو عمرة. وقال الشاعر البرعي: و على أبي السبطينِ حيدرة َ الذي * ما زالَ في الحربِ الهزبرِ الضيغما. يقول السيد مرتضى العسكري عن حرب الجمل وتداعياتها: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لعنه الله من دابة، فما أشبه بعجل بني إسرائيل، ثم قرأ: "وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا" (طه 97). وفي تاريخ اليعقوبي: قتل في ذلك نيف وثلاثون ألفا. كانت هذه حصيلة المسلمين من الحرب يومذاك، وما أنتجت لهم بعده فكثيرة لا تحصى، وهائله لا تقدر. وإن من نتائجها القريبة إشعال معاوية الحرب بصفين، فإنها في حقيقتها كانت امتدادا لحرب الجمل. وكان من نتائج الحربين الجمل وصفين خروج الخوارج على علي وحربهم بنهروان. وأعلن معاوية في عصره الحرب نفسها على ابن أبي طالب وبذل في سبيلها ما كان له من مال وسلطان ودهاء فأصبحت الحرب حربه. أخذ معاوية البيعة من أهل الشام بالطلب بدم عثمان، وجهز جيشا لقتال علي فالتقى بجيوش علي في صفين في ربيع الآخر سنة ست وثلاثين. وطالت الحرب بينهما مائة يوم وعشرة أيام، وبلغت الوقائع بينهما تسعين واقعة.
ذكرت كلمة بأس في ايات عديدة منها"وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا" (الاحزاب 18) ولا يأتون البأس اي لا يأتون القتال الا القليل منهم، و"عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا" (النساء 84) بأس اي الشدة في الحرب، ومنها البأساء اي الحرب والمشقة، وبأس الذين كفروا اي شدتهم في الحرب، و"سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ" ﴿الفتح 16﴾ اولي بأس شديد اي اصحاب قوة وشدة في الحرب. جاء في رسالة التقريب للشهيد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره عن الحرب النفسية: ويشير إلى ذلك ما كان يذكره نوح لهم في مقابل سخريتهم: "قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ" (هود 38-39). واستمرت هذه الحرب النفسية الطويلة طيلة المدة التي كان يصنع فيها نوح عليهم السلام الفرد المحاصر قليل العدة والعدد السفينة العظيمة التي يريد أن يعدها لهذه المهمة. ولعل هذه الفترة كانت من أصعب الأوقات التي مرّ بها الرسول عليه السلام، حيث كانت فترة المقاطعة الشاملة وفترة الحرب النفسية الظالمة وفترة الانتظار والترقب لنزول العذاب وتحقق الوعد الإلهي.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat