زينةُ عرش الله: الحسين بن عليّ!
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بسم الله الرحمن الرحيم
في ثالث شعبان.. أطلَّ (القَمَرُ الأزهرُ) إلى الدُّنيا! ذاك هو الحسين بن علي عليه السلام.
ولئن كانت كلُّ أسرةٍ تفرحُ بمولودها..
فلقد كان في ولادة الحسين عليه السلام حَدَثَان لافتان:
الحدث الأول: التهنئة بالحسين
ولقد كانت تهنئةً عجيبة.. حين عمَّت مظاهر الفرح السماوات والأرض..
وأوحى الله تعالى لرضوان خازن الجنان: أَنْ زَخْرِفِ الْجِنَانَ وَطَيِّبْهَا لِكَرَامَةِ مَوْلُودٍ وُلِدَ لِمُحَمَّدٍ (ص)..
وأوحى تعالى للحور العين أن: تَزَيَّنَّ وَتَزَاوَرْنَ لِكَرَامَةِ مَوْلُودٍ وُلِدَ لِمُحَمَّد (ص)..
مُذ ذاك.. ابتهج الكونُ بما فيه لهذه الولادة الميمونة.. وقامت الملائكة صفوفاً بالتسبيح والتحميد والتمجيد والتكبير.. كرامةً لهذا المولود العظيم..
ونزل ملائكة يقال لهم (الرُّوحانيون) على النبيِّ صلى الله عليه وآله بأيديهم أطباقٌ من نور لتهنئته..
فصار هذا اليوم يوم فرحٍ وسرورٍ لكلِّ مؤمن على وجه البسيطة..
الحدث الثاني: التعزية بالحسين!
إنَّ من عجائب يوم ولادة الحسين عليه السلام أنَّه يوم تهنئة.. وتعزية!
كيف ذلك؟!
لقد أمر الله تعالى جبرائيل أن يهبط في ذلك اليوم على النبيِّ صلى الله عليه وآله في ألفِ قبيلٍ من الملائكة.. كلُّ قبيلٍ ألفُ ألفٍ منهم.. عَلَى خُيُولٍ.. عَلَيْهَا قِبَابُ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ..
ثمَّ أوحى الله تعالى لجبرائيل قائلاً:
وَهَنِّئْهُ وَعَزِّهِ!!
وَقُلْ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، يَقْتُلُهُ شِرَارُ أُمَّتِكَ، عَلَى شِرَارِ الدَّوَابِّ!
فَوَيْلٌ لِلْقَاتِلِ، وَوَيْلٌ لِلسَّائِقِ، وَوَيْلٌ لِلْقَائِدِ!
قَاتِلُ الحُسَيْنِ أَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ، وَهُوَ مِنِّي بَرِيءٌ، لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَدٌ إِلَّا وَقَاتِلُ الحُسَيْنِ (ع) أَعْظَمُ جُرْماً مِنْهُ! (كمال الدين ج1 ص283).
هو حَدَثٌ عظيمٌ.. عجيبٌ!! اقترنت فيه التهنئة والفرح.. بالتعزية والحزن!
فَجَانِبٌ فيه بُشرى بالولادة الميمونة..
وآخر فيه تعزيةٌ بالفاجعة العظيمة! التي فاقَت كلَّ ما عداها.. فليس هناك جُرمٌ يرتكبه أحدٌ سيكون أعظم من قتل الحسين عليه السلام!
ولئن كشف هذا الحديث بعضَ أحداث ذلك اليوم، فلقد كشف (حديثُ اللوح) بعضاً آخر..
ذاك حيثُ دخل جابرٌ على فاطمة عليها السلام، وهنَّأها بولادة الحسين عليه السلام، ورأى في يدها لوحاً أخضر من زمرّد، ورأى فيه كتاباً أبيض كلون الشمس، وكان اللوحُ هديةً من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله.. أعطاه النبيُّ للزهراء ليبشِّرها..
استنسخ جابر الكتاب.. حتى لقي الإمام الباقر عليه السلام، فعرضه عليه، فأخرج الإمامُ صحيفةً وقرأ على جابر منها، فما خالفَ حرفٌ حرفاً..
وكان في هذا الكتاب قول الله تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وآله:
وَأَكْرَمْتُكَ بِشِبْلَيْكَ وَسِبْطَيْكَ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ:
1. فَجَعَلْتُ حَسَناً مَعْدِنَ عِلْمِي بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ أَبِيهِ.
2. وَجَعَلْتُ حُسَيْناً خَازِنَ وَحْيِي، وَأَكْرَمْتُهُ بِالشَّهَادَةِ، وَخَتَمْتُ لَهُ بِالسَّعَادَةِ، فَهُوَ أَفْضَلُ مَنِ اسْتُشْهِدَ، وَأَرْفَعُ الشُّهَدَاءِ دَرَجَةً، جَعَلْتُ كَلِمَتِيَ التَّامَّةَ مَعَهُ، وَحُجَّتِيَ البَالغَةَ عِنْدَهُ، بِعِتْرَتِهِ أُثِيبُ وَأُعَاقِبُ.. (الكافي ج1 ص528).
لقد صار الحسنان كرامةً من الله تعالى لرسوله محمدٍ صلى الله عليه وآله..
وصارت شهادة الحسين عليه السلام كرامةً من الله تعالى له!
لقد كانت الزهراء تنظر في هذا الكتاب بعد ولادة الحسين عليه السلام.. فاجتمع في قلبها السرور بولادته.. والحزن على عظيم بلائه..
أمَّا الحسين نفسه.. فقد صار:
1. نوراً في الدُّنيا كالقمر.. يُنيرُ الطريق لكلِّ مؤمنٍ عاقلٍ..
2. وزينةً في الآخرة.. لعرش الله.. تفوق كلَّ زينة!
أما في الدُّنيا.. فلقد روي عن عيسى عليه السلام أنه قال: مَا مِنْ نَبِيٍّ الا وَقَدْ زَارَ كَرْبَلَاءَ وَوَقَفَ عَلَيْهَا وَقَال: إِنَّكِ لَبُقْعَةٌ كَثِيرَةُ الخَيْرِ، فِيكِ يُدْفَنُ القَمَرُ الأَزْهَرُ (كامل الزيارات ص67).
وما كان نورُ وجهه.. وهو بعض نوره.. خفياً حتى عن أعدائه.. فهذا قاتله اللّعين شمرٌ يقول: فَوَ الله مَا رَأَيْتُ قَطُّ قَتِيلًا مُضَمَّخاً بِدَمِهِ أَحْسَنَ مِنْهُ وَلَا أَنْوَرَ وَجْهاً، وَلَقَدْ شَغَلَنِي نُورُ وَجْهِهِ وَجَمَال هَيْئَتِهِ عَنِ الفِكْرَةِ فِي قَتْلِه! (اللهوف ص128).
وأمّا في الآخرة..
ففي الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله:
إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ زُيِّنَ عَرْشَ الرَّحْمَنِ بِكُلِّ زِينَةٍ، ثُمَّ يُؤْتَى بِمِنْبَرَيْنِ مِنْ نُورٍ طُولُهُمَا مِائَةُ مِيلٍ، فَيُوضَعُ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِ الْعَرْشِ.
ثُمَّ يَأْتِي الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ، يُزَيِّنُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِمَا عَرْشَهُ، كَمَا يُزَيِّنُ المَرْأَةَ قُرْطَاهَا (المناقب ج3 ص396، وقريب منه الأمالي للصدوق ص112).
فكيف ذلك؟!
إِنَّ لِلْعَرْشِ صِفَاتٍ كَثِيرَةً مُخْتَلِفَةً.. ولكلِّ منها معنى..
لقد أُطلِقَ (العرش) وأريد به العلم في بعض استعمالاته، وكان هو و(الكرسي): بَابَانِ مِنْ أَكْبَرِ أَبْوَابِ الْغُيُوبِ، وَهُمَا جَمِيعاً غَيْبَانِ.. وهذا البحث له محله..
وقد وصف العرشُ في القرآن تارة بأنَّه: ﴿الْعَرْش الْعَظيم﴾..
وأخرى بأنه: ﴿الْعَرْش المَجيد﴾..
وثالثة بأنه: ﴿الْعَرْش الْكَريم﴾..
لكنَّه على عظمته.. ليس سريراً يجلس عليه الله تعالى!
قال أمير المؤمنين عليه السلام: وَلَيْسَ الْعَرْشُ كَمَا تَظُنُّ كَهَيْئَةِ السَّرِيرِ، وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ مَحْدُودٌ مَخْلُوقٌ مُدَبَّرٌ، وَرَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ مَالِكُهُ، لَا أَنَّهُ عَلَيْهِ كَكَوْنِ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ، وَأَمَرَ المَلَائِكَةَ بِحَمْلِهِ، فَهُمْ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ بِمَا أَقْدَرَهُمْ عَلَيْه (التوحيد ص316).
يُزَيَّنُ هذا العرشُ في يوم القيامة بكلِّ زينةٍ..
ثمَّ يصير الحسن والحسين زينةً له فوق كلِّ زينة!
فما أعظم هذا المعنى؟!
هذا العرشُ ليس عرشاً يحملُ الله تعالى.. وإن قلنا: ﴿ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْش﴾، لأنَّ الله لا يُحمَل.
ولا عرشاً يحوي الله.. لأنَّ الله لا يحويه شيء.
بل الله هو الحاملُ للعرش، والممسك له.. والمستولي عليه.. والآمر للملائكة بحمله.. ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ﴾..
ولئن كان الله تعالى قد خلق العرش ولم يستوطنه (تعالى عن ذلك).. فإنَّه قد: أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ تَكْرِمَةً لَهُ وَإِعْظَاماً.. كما خلق بيتاً في الأرض ولم يسكنه وأضافه إلى نفسه إكراماً وإعظاماً..
ومَن تأمَّلَ في عظمة العرش.. عرفَ شيئاً من معنى: (ثُمَّ يَأْتِي الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ، يُزَيِّنُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِمَا عَرْشَهُ).
فالعرشُ مخلوقٌ من أنوارٍ أربعة، كما عن أمير المؤمنين عليه السلام:
إِنَّ الْعَرْشَ خَلَقَهُ الله تَعَالَى مِنْ أَنْوَارٍ أَرْبَعَةٍ:
1. نُورٍ أَحْمَرَ مِنْهُ احْمَرَّتِ الْحُمْرَةُ.
2. وَنُورٍ أَخْضَرَ مِنْهُ اخْضَرَّتِ الْخُضْرَةُ.
3. وَنُورٍ أَصْفَرَ مِنْهُ اصْفَرَّتِ الصُّفْرَةُ.
4. وَنُورٍ أَبْيَضَ مِنْهُ ابْيَضَّ الْبَيَاضُ، وَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي حَمَّلَهُ الله الْحَمَلَةَ، وَذَلِكَ نُورٌ مِنْ عَظَمَتِهِ (الكافي ج1 ص129).
وعن الصادق عليه السلام: الشَّمْسُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ الْكُرْسِيِّ، وَالْكُرْسِيُّ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ الْعَرْش! (الكافي ج1 ص98).
فنور الشَّمس الذي نراه لا يزيد عن كونه جزءً من آلاف الأجزاء من نور العرش!
وَإِنَّ بَيْنَ الْقَائِمَةِ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ وَالْقَائِمَةِ الثَّانِيَةِ خَفَقَانُ الطَّيْرِ المُسْرِعِ مَسِيرَةَ أَلْفِ عَامٍ!
وَالْعَرْشُ يُكْسَى كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ أَلْفَ لَوْنٍ مِنَ النُّورِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ الله! (روضة الواعظين ج1 ص47).
ولقد زَيَّنَ الله تعالى هذا العرش العظيم.. بالمولود في هذا اليوم العظيم! بالحسين الشهيد.. وأخيه المسموم..
كما زَيَّنَ بهما الجنة.. فَمَاسَتْ كَمَا تَميسُ الْعَرُوسُ فَرَحاً!
فمن ذا الذي يُدرك حقيقة هذين الإمامين العظيمين، ورفيع منزلتهما؟!
ولئن كانت التهنئة بولادة الحسين عليه السلام عادة من عادات الشيعة المؤمنين، والموالين المحبين، فإنَّ الحزن عليه، والبراءة من قاتليه.. صارَ علامةً وشعاراً لهم..
فمن أصابه حزنٌ لذكر الحسين.. وبكاه رحمةً وشفقةً عليه.. حقَّ على الله تعالى أن يدخله في أوسع أبواب رحمته..
لقد روي في بعض المصادر أن النبيَّ صلى الله عليه وآله هنَّأ الزهراء عليها السلام وبكى!
فقالت: يا أبتاه تهنئني وتبكي؟
قال: نعم يا بنيّة، آجرك الله في مولودك هذا، فشهقت شهقة، وأخذت في البكاء! (حلية الأبرار ج4 ص110).
العجيبُ أيضاً أنَّ دعاء يوم ولادته الذي يدعو به المؤمنون تأسياً بإمامهم العسكري عليه السلام، قد تضمَّن ذكر شهادته، ففيه:
اللهمَّ إِنِّي أَسْالكَ بِحَقِّ المَوْلُودِ فِي هَذَا اليَوْمِ، المَوْعُودِ بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ اسْتِهْلَالهِ وَوِلَادَتِهِ!
بَكَتْهُ السَّمَاءُ وَمَنْ فِيهَا، وَالأَرْضِ وَمَنْ عَلَيْهَا، وَلمَّا يَطَأْ لَابَتَيْهَا!
قَتِيلِ العَبَرَةِ، وَسَيِّدِ الأُسْرَةِ، المَمْدُودِ بِالنُّصْرَةِ يَوْمَ الكَرَّةِ!
المُعَوَّضِ مِنْ قَتْلِهِ أَنَّ الأَئِمَّةَ مِنْ نَسْلِهِ، وَالشِّفَاءَ فِي تُرْبَتِهِ، وَالفَوْزَ مَعَهُ فِي أَوْبَتِهِ، وَالأَوْصِيَاءَ مِنْ عِتْرَتِهِ...
اللهمَّ وَهَبْ لَنَا فِي هَذَا اليَوْمِ خَيْرَ مَوْهِبَةٍ، وَأَنْجِحْ لَنَا فِيهِ كُلَّ طَلَبَةٍ، كَمَا وَهَبْتَ الحُسَيْنَ لِمُحَمَّدٍ جَدِّهِ، وَعَاذَ فُطْرُسَ بِمَهْدِهِ، فَنَحْنُ عَائِذُونَ بِقَبْرِهِ مِنْ بَعْدِهِ، نَشْهَدُ تُرْبَتَهُ، وَنَنْتَظِرُ أَوْبَتَهُ، آمِينَ رَبَّ العَالمِينَ (مصباح المتهجد ج2 ص826).
اللهم إنَّا نسألك كلَّ ذلك.. ونبرأ إليك من الذين غرُّوه وخدعوه.. وخذلوه وغدروا به.. ومن الذين قتلوه..
اللهم اجعلنا ممن يفرح لفرحه.. ويحزن لحزنه.. وأحينا معه في كَرَّته.. واحشرنا يوم الحساب في زمرته..
أسعد الله أيامنا وأيامكم.. وكل عامٍ وأنتم بخير
والحمد لله رب العالمين.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat