صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

روايات سلمان الفارسي.
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 لقد أخبرنا الله تعالى عن أسباب هلاك بعض الأمم السابقة فكانت الأسباب متنوعة ولكن على رأسها عبادة الأشخاص وهو الشرك بالله تعالى من خلال طاعتهم أو صنع نُصب وتماثيل لهم (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله).(1) وتكرر النهي عن ذلك في آيات كثيرة كقوله: (ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا).(2) وقال أيضا: (ألا نعبدَ إلا الله ولا نُشركَ به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله).(3) أن اتخاذهم أربابا يعني طاعتهم طاعة عمياء تؤدي إلى تقديس كل ما يصدر منهم واعتباره تشريعا، فيصبح نقدهم ممنوعا لا بل كفرا كما حصل في التاريخ حيث يُذبح الناس لهذه الأسباب. فالموضوع ليس إثارة للفتنة ، بقدر ما هو ذكر للحقائق التي لربما تؤدي إلى يقظة البعض من الغفلة.
مع اتفاق السنة والشيعة وتظافر الروايات على عدالة وصدق بعض الصحابة وكثرة فضائلهم فلا يبقى أي مجال للتشكيك بالروايات التي ترد عنهم، ولكننا لا نرى لهؤلاء ذلك الذكر الذي حصل عليه الكثير من الحثالات، بين من تم إهمال ذكرهم على سبيل المثال ثلاثة أو أربعة يحبهم الله و تشتاق لهم الجنة. علي ابن أبي طالب ، سلمان الفارسي ، أبو ذر الغفاري ، المقداد بن الأسود الكندي.
علي بن أبي طالب (ع) أثبتت أحاديث الفريقين بأنهُ قسيم النار والجنة. وأنه بغضه علامة النفاق، ناهيك عن الكم الهائل من أحاديث الفضائل، التي قال عنها المؤرخون : (لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر مما جاء في علي).(4) قال ابن أبي يعلى : حدثني محمد بن منصور الطوسي قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول (ما روى لأحد من الفضائل أكثر مما روي لعلي بن أبي طالب.).(5) وفي رواية عن الحاكم قال : سمعت: أحمد بن حنبل يقول (ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه).(6) ولكن علي ابن أبي طالب (ع) لم يرد لهُ في صحيح البخاري سوى أربعة أحاديث. وفاطمة الزهراء (ع) والحسن والحسين ثلاث أو اربع أحاديث من بين أكثر من نصف مليون حديث قال البخاري أنهُ اخرج صحيحه منها.
هذا التعتيم المتعمد شمل أيضا أصحاب الإمام علي عليه السلام وشيعته ، مثل سلمان الفارسي الذي نسبهُ النبي إليه فقال : (سلمان منّا أهل البيت).(7)
، وأبو ذر الغفاري ، أصدق من حملتهُ الأرض بعد النبي وآل البيت (ع). وهو الحديث المشهور في كتب أهل السنة : (ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراءُ من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر؛ شبَه عيسى ابن مريم. فقال عمر بن الخطاب كالحاسد: يا رسول الله! أفنعرفُ ذلك له، قال: نعم! فاعرفوه).(😎
المقداد بن الأسود، تزوج ابنة عم النبي (ص). وقد قال النبي بحقه (ذاك منا، أبغض الله من أبغضه، وأحب الله من أحبه). (9) مع وفرة الأحاديث المادحة لهم ولعدالتهم وصدقهم، إلا أن أهل السنة لم يرووا لهم سوى الأحاديث التي لا تضر رموزهم وهي أحاديث قليلة جدا قياسا إلى من روى من الصحابة، فقد ذكر هؤلاء أحاديث خطيرة جدا بحق بعض كبار الصحابة، لولا أن الشيعة دوّنوها لضاعت حقيقة الكثير من الصحابة. ولكن لو بحثنا في مصادر أهل السنة لوجدنا أشياء مشابهة لما ذكره هؤلاء الأربعة.
فقد روى سلمان الفارسي (رض) اخطر حديث بحق عمر بن الخطاب، فعرفنا أن سبب خمل ذكر سلمان وقلة أحاديثه هو أمثال هذه الرواية ، يقول سلمان الفارسي : (إذا كان يوم القيامة يؤتى بإبليس مزموما بزمام من نار، ويؤتى بزفر مزموما بزمامين من نار، فينطلق إليه إبليس فيصرخ ويقول: ثكلتك أمك، من أنت؟ أنا الذي فتنت الأولين والآخرين وأنا مزموم بزمام واحد وأنت مزموم بزمامين. فيقول ــ عمر ــ : أنا الذي أمرت فأطعت وأمر الله فعُصي).(10)
ولا يُستغرب هذه الحديث من سلمان (رض) إذا علمنا أن النبي (ص) والإمام علي (ع) كانا يختصانه من مخزون علم الله تعالى . في علل الشرائع ، روى أن سلمان الفارسي كان محدثا فسألوا الإمام الصادق (ع) عن ذلك فقال : (كان رسول الله وأمير المؤمنين يُحدثانه، وإنما صار محدثا دون غيره : لأنهما كان يُحدثانه بما لا يحتمله غيره من مخزون علم الله ومكنونه).(11)
ومن مخزون علم سلمان (رض) تفسير قوله تعالى : (فيومئذ لا يُعذبُ عذابهُ أحدٌ، ولا يُوثقُ وثاقهُ أحدٌ).(12) قال سلمان الفارسي لعمر بن الخطاب : (فأني أشهد أني سمعت رسول الله (ص) يقول ، وقد سألته عن هذه الآية : (فيومئذ لا يُعذب عذابه أحد). فقال (ص) : أنك أنت هو، فقال عمر اسكت أسكت الله نأمتك أيها العبد يا بن الخناء، فقال لي علي (ع) اسكت يا سلمان فسكت، ووالله لولا أنه أخبرني بالسكوت لأخبرته بكل شيء نزل فيه وفي صاحبه، فلما رأى عمر أن سلمان سكت قال : إنك لهُ مطيع).(13)
وفي المثالب عن الإمام الباقر (ع) في قوله : (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد) قال: زفر، فلا يعذب عذابه يوم القيامة أحد من خلقه.. وفي تفسير علي بن إبراهيم قوله: (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد). قال: هو الثاني.(14)
هذه الرواية لم يذكرها أهل السنة، ولكننا نجد نظيرا لها في كتبهم حيث وصفوه بأنه باب من أبواب جهنم. فعن أنس قال: (أن عمرا دخل على أم كلثوم بنت علي فوجدها تبكي فقال : ما يبكيك؟ قالت : هذا اليهودي كعب الأحبار يقول : إنك باب من أبواب جهنم).(15) فلو أردنا أن نتجاوز كل هذه الأحاديث فإننا بماذا سوف نبرر قول عمر بن الخطاب عن نفسه (لو نادى منادٍ من السماء: أيها الناس، إنكم داخلون الجنة كلكم أجمعون إلا رجلًا واحدًا، لخفت أن أكون هو).(16)
المصادر:
1- سورة التوبة آية : 31.
2- سورة آل عمران آية : 80.
3- سورة آل عمران آية : 64.
4- فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني. ص : 88 ، حديث رقم : 5584.
5- طبقات الحنابلةج2ص358.
6- الحاكم في المستدرك ج3.
7- رواه الحاكم في المستدرك ج3 ص : 598. و: الطبراني في الأوسط ج6 ص : 261. والهيثمي في مجمع الزوائد ج6 ص : 130.و : بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٢ - الصفحة ٣٣١.
8- سنن الترمذي رقم الحديث : 3802. وابن حبّان رقم الحديث : 7135. وابن عدي في الكامل ج5 ص : 276.
9- كان المقداد من صحابة رسول الله (ص) الفضلاء النجباء الأخيار الكرام. وكان أحد الأوائل السبعة الذين أظهروا الإسلام وهو من الذين يحبهم الله ورسوله. وقد ورد في الحديث عن النبي أنه قال : (إن الله أمرني بحب أربعة من أصحابي، وأخبرني أنهُ يحبهم، عليٌ وأبو ذرٍ وسلمان والمقداد).
10- كتاب سليم بن قيس الهلالي ص : 93. والشيخ علي النمازي الشاهرودي ج4 ص : 306. ولقب زفر تردد كثيرا في الروايات بأنهُ إشارة إلى عمر بن الخطاب. الوافي، للفيض الكاشاني، ج 21 ص :341. وفي قاموس المعاني قال : زفر، إذا نهق الحمار، وقال : زفرت النار سمع صوت لهيبها وتوقدها : تزفر جهنم يوم القيامة زفرة.(فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق).
11- علل الشرائع ، الصدوق ص : 72. و : بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٢ - الصفحة ٣٣١.
10- سورة الفجر آية : 25 ــ 26.
13- كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري - الصفحة ١٦٠.
14- تأويل الآيات ، شرف الدين الحسيني: ج ٢ ص ٧٩٥.
15- فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، العسقلاني تصحيح عبد العزيز بن باز ، ومحمد سعيد عبد الباقي. ج13 . طبع دار الكتب العلمية.
16- المصادر التي روت هذا الحديث كثيرة منها : من حياة الخليفة عمر بن الخطاب، البكري ، ص : 532. كنز العمال حديث رقم : 35916. و: حلية الأولياء لأبي نعيم. و الشيخ أحمد حسن الباقوري: علي إمام الأئمة: ص ٢٤٥ و ٢٤٦. وأورد هذا الحديث محمد بن يوسف الگنجي ونقله الشافعي في كفاية الطالب في مناقب علي ابن أبي طالب. ونقله الكاندهلوي في حياة الصحابة ج2 ص : 115. وقالوا هذا الحديث ثابت عند أهل السير.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/03/06



كتابة تعليق لموضوع : روايات سلمان الفارسي.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net