اريخ شهادة أمير المؤمنين ، نظرة مختلفة / ٣
يحيى غالي ياسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يحيى غالي ياسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الأمة الإسلامية التي كانت في زمن أمير المؤمنين عليه السلام تتصف بصفتين خطرتين على كل أمّة :
الأولى : أنها أمّة لا تعرف قادتها الحقيقيين ، ولا تهتدي إليهم ، وإن عرفتهم فإنها غير مهيأة لتقديمهم والسير خلفهم فضلاً عن المحافظة عليهم .. فهي فاقدة لموازين مصلحتها واختيار ما ينفعها في هذا الجانب .
الثانية : ونتيجة للأولى فإنها باتت أمة ساخطة على نفسها غير راضية على من يتولّى أمرها ، تقتل قياداتها وأصبحت الرئاسة من أقل المناصب أماناً وإستقراراً فيها ، فمات عمر بن الخطاب مقتولاً على يد أبي لؤلؤة ، وعثمان بن عفان مات قتلاً على يد جماعة انتفضت ناقمة على خلافته ، وكذلك الإمام علي بن أبي طالب رحل الى ربّه أثر ضربة ابن ملجم .. !
فالأمّة التي هذه صفتها هي شبه أمّة ، سفينة بلا ربّان وسط بحر هائج ، بدأت تُغرق نفسها بنفسها وتنسف كل ما بناه لها الإسلام ، حتى ظهرت ملامح الجاهلية فيها مرةً أخرى ، ولهذا نسمع أمير المؤمنين يخاطب الناس ( يا معشر المسلمين الله الله ، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله الى الإسلام ، وأكرمكم به ، وقطع به عنكم أمر الجاهلية ، واستنقذكم به من لكفر ، وألف به بينكم ، ترجعون الى ما كنتم عليه كفاراً ) .
ولهذا كان الإصلاح الداخلي وإنعاش ما تبقّى من حياة هو الطريق الذي يفرضه الواقع ويقرّه العقل . فما كانت حروب الناكثين والقاسطين والمارقين إلا عمليات جراحية ، ولكنها للأسف وكأنها تُجرى على ميّت قد فارق الحياة قبل إسعافه ..!
وقع سيف ابن ملجم على الأمل الأخير لإنقاذ هذه الأمة قبل أن يقع على رأس أمير المؤمنين عليه السلام ..
***
أربعة عناوين استهدفت ضربة ابن ملجم :
العنوان الأول : عنوان الإمامة والخلافة
العنوان الثاني : عنوان الصلاة والصيام
العنوان الثالث : عنوان المكان ، مسجد الكوفة
العنوان الرابع : عنوان الزمان ، شهر رمضان
نفهم من اجتماع هذه العناوين في الضربة التي أستشهد على أثرها إمامنا علي بن أبي طالب حقائق عقائدية ووقائع تاريخية مهمة ، منها :
+ أنها تبيّن عظمة أمير المؤمنين عليه السلام وعلوّ مقامه ومنزلته وشأنه عند الله تعالى حينما اختار له هذه الشهادة المباركة ، كان عند اغتياله إماماً للمسلمين وقائداً لهم ، وكذلك كان عند الضربة صائماً وقائماً يصلي الفجر وفي شهر رمضان في محراب أحد أعظم مساجد الله تعالى على الأرض .. فهل تعرفون نظيراً لهكذا مقام وهكذا شهادة ..! ولهذا حقَّ له عليه السلام أن يقول ( فزت ورب الكعبة ) .
+ تظهر لنا الشقاوة التي كان عليها قاتل أمير المؤمنين وأي مسخ كان عليه هذا الملعون وهو يتجرأ على الله وعلى هذه العناوين المقدسة التي كانت تمثّل أعلى مقامات وتجليات عبادة حضرة القدس الالهي في الأرض .. فقد روي أنه ( عليه السلام ) كان يقول على المنبر : " ما يمنع أشقاها أن يخضبها من فوقها بدم " ويضع يده على شيبته (عليه السلام ) .
+ نعرف أي مستوى من التسافل وصلت إليه الأمّة وأي تقهقر كان عليه المسلمون وأي ضعف ووهن حينها بحيث يتجرأ مثل ابن ملجم على إمامهم وخليفتهم وفي قلب عاصمة دولتهم ومقدساتهم ..!
هكذا تنبيهات - وغيرها - ينبغي أن تُقرأ من بين سطور حادثة شهادة أمير المؤمنين عليه السلام ، فهو شهيد الوضع الفاشل والمتردي الذي وصلت إليه الأمّة الإسلامية على أثر تولّي أمرها مَن لا يستحق هذه الولاية ، كان عليه السلام والائمة من ابناءه ضحيّة انحراف كبير اقترفه المسلمون بعد رحيل النبي الخاتم صلى الله عليه وآله .. هي ليست جريمة قتل اقترفها شخص وتحمّل جرمها الجاني المباشر فقط .. وإنّما هي شهادة فشل ذريع منحها المسلمون لأنفسهم وحفظها التاريخ لأجيالهم .. آجركم الله
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat