على ضفاف الانتظار(100)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الطبُّ زمنَ الظهور
يُمثِّلُ (المرض) أحدَ اختباراتِ بل بلاءاتِ الحياةِ الدنيا، وهو يُمثِّلُ خللًا بسببٍ فسيولوجي أو نفسي أو غيرهما من الأسباب، وقد عُرِفَ الإنسانُ منذُ القدمِ أنّه بحاجةٍ إلى تخصُّصٍ في معرفةِ المرضِ وتشخيصِه ثم وصفِ العلاجِ له، وهو أمرٌ أمضاه الشرعُ بل أكّدَ عليه أيّما توكيد، حتى إنّه رويَ عنِ الإمامِ الصادقِ: «إنَّ نبيًّا من الأنبياءِ مرض، فقال: لا أتداوى حتَّى يكونَ الذي أمرضني هو الذي يشفيني، فأوحى اللهُ: لا أشفيكَ حتَّى تتداوى، فإنَّ الشفاءَ منّي، والدواءَ منّي» .
على أنَّ بعضَ النصوصِ الدينيةِ تُبيّنُ أنَّ من أهمِّ أسبابِ الأمراضِ التي تُصيبُ الناسَ هو ما يصدرُ منهم من ذنوبٍ ومُخالفاتٍ للتعاليمِ الإلهية، إذ القانونُ الإلهي قضى بالربطِ بينَ البلاءِ والذنوب، كما رويَ هذا المعنى عنِ الإمامِ الرضا: «كُلَّمَا أَحْدَثَ الْعِبَادُ مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَعْمَلُونَ، أَحْدَثَ اللهُ لَهُمْ مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ» .
وعَنْ أَبِي عَبْدِ الله قَالَ: «أَمَا إِنَّه لَيْسَ مِنْ عِرْقٍ يَضْرِبُ، ولَا نَكْبَةٍ ولَا صُدَاعٍ ولَا مَرَضٍ إِلَّا بِذَنْبٍ، وذَلِكَ قَوْلُ اللهِفِي كِتَابِه: ﴿وما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ويَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ﴾ قَالَ: ثُمَّ قَالَ: ومَا يَعْفُو اللهُ أَكْثَرُ مِمَّا يُؤَاخِذُ بِه» .
من جهةٍ أخرى، تذكرُ بعضُ الرواياتِ أنَّ الرخاءَ والنعيمَ والسلامَ الذي يحصلُ ببركةِ ظهورِ الإمامِ المهدي سيصِلُ إلى مراحلَ عاليةٍ جدًا، لم يسبقْ لها نظير، وسيشملُ جميعَ مرافقِ الحياة، ومنها جانبُ الصحةِ العامة.
فقد رويَ عن الإمامِ عليٍ بن الحسين أنّه قال: «إذا قامَ القائمُ أذهبَ اللهُ عن كُلِّ مؤمنٍ العاهة، وردَّ إليه قوته.
وفي نقلٍ آخر عنه قال: «إذا قامَ قائمُنا أذهبَ اللهُعن شيعتِنا العاهة، وجعلَ قلوبهم كزُبُرِ الحديد، وجعلَ قوّةَ الرجلِ منهم قوّةَ أربعين رجلًا، ويكونون حُكّامَ الأرضِ وسنامها».
فمثلُ هذه الروايات تُصرّحُ بأنَّ اللهَ (تبارك وتعالى) سيمنُّ على المؤمنِ الشيعي بإذهابِ العاهةِ منه في زمنِ الظهور، وهي أمارةُ الصحةِ العامةِ وابتعادِ الأمراضِ عنه.
وقد يتبادرُ إلى الذهنِ سؤالٌ مفاده:
هل هذا يعني الاستغناءَ عن علمِ الطبِّ في زمنِ الظهور؟
هل ستُغلَقُ الجامعاتُ الطبية؟
هل ستُلغى المُستشفيات؟
الجواب: هنا عدّةُ أجوبةٍ مُحتملة:
الجواب الأول: إنَّ الروايةَ صرّحتْ بأنَّ إذهابَ الآفاتِ سيكونُ عن شيعةِ أهلِ البيتِ لا عن جميعِ الناس، ومن ثمّ تبقى الحاجةُ إلى الطبِّ من غيرِ الشيعة، لو بقيَ هناك من لا يؤمن بأهل البيت وبولايتهم آنذاك.
الجواب الثاني: إنَّ الروايةَ حصرتْ ما سيُذهبه اللهُ (تبارك وتعالى) بالعاهةِ فقط، والتي قد تُفسَّرُ بأنّها العجزُ الدائمُ في بعضِ الأعضاء، كالشلل، والسكّري الذي هو عجزٌ في البنكرياس، والعرج، والعمى، وما شابه، فمثلُ هذه الأمراضِ ستُرفَع، أما غيرُها فتبقى، فيكونُ للطبِّ موضوعٌ ووجود.
الجواب الثالث: إنَّ الحاجةَ إلى الطبِّ تبقى من جهةِ الحاجةِ إلى الوقايةِ من الأمراض، بمعنى: أنَّ إذهابَ العاهةِ أو عمومِ الأمراضِ عن الشيعةِ إنّما هي الخطوةُ الأولى للصحة، وتبقى الخطوةُ الثانيةُ مُتمثّلةً بالوقايةِ من الأمراضِ المُحتملة، التي قد تفتكُ بالجسمِ الصحيح، فنبقى بحاجةٍ إلى علمِ الطبِّ لتوفيرِ الطرقِ الوقائيةِ من الأمراض، وما يستلزمُه ذلك من نشرِ الوعي الصحي مثلًا، أو نشرِ الوعي الديني الذي يقتضي الابتعادَ عن مُمارسةِ الأفعالِ التي تؤدّي إلى المرض.
الجواب الرابع: إنَّ المقصودَ من ذهابِ الأمراضِ ليس هي الموجبةَ الكلية، بحيث ترتفعُ الأمراضُ كُلُّها عن جميعِ الناسِ كُلّهم، وإنّما المقصودُ هو أنَّ الحالةَ العامةَ للناسِ هي الصحة، وإنْ كانتِ الأمراضُ موجودة، لكنّها قليلةٌ جدًا، بحيث لا تُعطى رقمًا مُهِمًّا في مقياسِ الصِحةِ العالمي لو صحَّ التعبير.
الجواب الخامس: إنَّ المقصودَ هو أنَّ الأمراضَ يُحكَمُ عليها بالارتفاعِ والإذهابِ بسبب: أنَّ الطبَّ تطوّرَ جدًا، وأنّه وَجَدَ علاجًا لكُلِّ مرض، فلا مرضَ إلا وله علاجٌ ناجعٌ وسريعُ المفعول، بحيث لا يمرضُ الإنسانُ إلا ويتمكّنُ من علاجِ المرضِ ورفعه بكُلِّ سرعةٍ ويُسر، وفي هذه الحالةِ يُعبّرُ بارتفاعِ كُلِّ الأمراضِ مجازًا.
وتبقى هذه احتمالاتٌ قد تصح أو يصح بعضها وقد لا، ونسأل الله تعالى أن يُدركنا بعصر الأمن والأمان مع صاحب العصر والزمان.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat