صفحة الكاتب : حيدر الخضر

فــي ذكرى رحيـّل د. علي الورديّ ..من علمنيّ حرفاً .. ملكنيّ عبداً
حيدر الخضر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 تمر هذه الأيام ذكرى رحيل العالم العراقيّ الكبير د.علي الورديّ فرحل يوم 13 تموز 1995 ولم يحصل على مكانه الذي يستحقه بسبب خلافه مع السلطة آنذاك فعاش الورديّ في عزلة عن المجتمع منذ السبعينيات إلى وفاته نتيجة سلطة جائرة متعسفة جردت العراق من طاقاته العلمية والمعرفية وعزلت المثقف عن المجتمع واستمر هذا التهميش للمثقف العراقيّ حتى يومنا هذا فالوردي لم يأخذ مكانته التي يستحقها وهو رائد علم الاجتماع العراقيّ ولا نغالي إذا قلنا العربي فهذا العالِم طرح نظريات أبهرت العالم وهي تدرس في كثير من الجامعات العالمية وأفكاره التنويرية لاقت صدى واسع وخاصة عند المثقفين وهو لا يقل أهمية في عصره عن الفلاسفة اليونانيين كأفلاطون وأرسطوطاليس وسقراط وكذلك العرب كابن خلدون وغيرهم كما أنه يعد جزء من حركة إصلاحية ظهرت في الأربعينيات الخمسينيات من القرن الماضي دعت إلى التجديد والحداثة والثورة على التقاليد والعادات السفططائية وكل ما امتلكه من معرفة مدين له بها فهو معلميّ وأستاذيّ بالفكر الإنسانيّ الذي ينظر للإنسان كإنسان دون اعتبار أخر كما أنه يتجرد من الهوى والميل عند ما يدرس ظاهرة أو يقيم شخصية لقد أثارني الوردي كثيراً بأطروحاته الجريئة التي لا مثيل لها فهو أول من طرح قضية العقيدة والمذهب ودورهما في سير حياة الناس فكشف عن عيوب المؤسسة الدينية ونزع القداسة عنها وقال إنها مؤسسة اجتماعية وليس إلهية فهي قابلة للصواب والخطأ وهذا ما أثار حوله الضجيج وحورب من بعض رجال الدين المتزمتين والمتعصبين الذين لا ينظرون إلى الدين نظرة إنسانية وإنما ينظرون له نظرة ضيقة من زاوية واحدة ويختزلون الدين عليهم ويكفرون غيرهم فأتهم الوردي بالإلحاد ؛ لأنه أراد أن يعكس الدين بصورته الناصعة والحقيقية وهو يقترب كثيراً في أطروحاته الإنسانية من الشيخ د. احمد الوائليّ –رحمه الله – ومن ابرز القضايا التي سلط عليها الضوء الوردي هي قضية البداوة المتأصلة في نفوس العرب فرأى أن الجاهلية لم تزل تسيطر على عقولنا ونفتقد إلى التمدن والحداثة في التطبيق حتى وان تصورنا إننا متحضرون فقال : (( مجتمعنا بدويّ الطبع .. مدنيّ التطبع )) أي أن مجتمعنا يميل إلى الحداثة ويتظاهر بها دون تطبيق فسرعان ما تظهر الروح القبلية المتخلفة وهذا أهم سبب في تأخر المجتمعات ومواكبة الأمم المتطورة فهو كشف عيوب المجتمع واسماها بمسمياتها دون اعتبارات دينية أو طائفية أو سياسية كما أنه تناول الموضوعات بحيادية وتجرد من الميل والهوى فكان يحلل الظواهر الاجتماعية تحليل علمي دقيق بعيداً عن رأيه الشخصي وأسس لحركة نقدية جديدة ففي كتبه نجد ثقافة النسبية أي لا يقول وهذا الرأي المطلق وإنما يقول هذا الرأي الأرجح وربما يكون خاطئ تميّز الوردي عن غيره من الكتاب كونه كان يعطي مساحة للأخر ويترك المتلقي يحلل ويقيم وقلة من الكتَّاب يتناولون الموضوعات بحيادية وتجرد وهذا ما جعله متميزاً عن غيره ورائداً في علم الاجتماع بالإضافة إلى انه كان يؤرخ فنجد كتابه ( لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث ) يتناول به تاريخ العراق وكأنه مؤرخ وليس عالم اجتماع فيمكن أن نوجز القول بأن الوردي هو نموذج الإنسان المثقف ؛ لأنه يمتلك ثقافة عامة وهذا ما دفع إعجاب الناس به ومن ضمن أرائه أن البيئة الاجتماعية هي التي تكون الفرد وثقافته ودينه وعقيدته وإيديولوجيته لهذا يؤمن الفرد بكل ما اكتسبه من بيئته بل يتعصب به وهذا ما فسره في كتابه ( مهزلة العقل البشري ) فيقول : ((  حين يدافع الإنسان عن عقيدة من عقائده المذهبية يظن أنـَّـه إنما يريد بذلك وجه الله أو حب الحق والحقيقة . وما درى أنه بهذا يخدع نفسه . انه في الواقع قد أخذ عقيدته من بيئته التي نشأ فيها . وهو ولو كان قد نشأ في بيئة أخرى لوجدناه يؤمن بعقائد تلك البيئة من غير تردُّد ثم يظن انه يسعى وراء الحق والحقيقة . لم يبتكر العقل البشري مكيدة أبشع من مكيدة الحق والحقيقة ولست أجد إنساناً في هذه الدنيا لا يدعي حب الحق والحقيقة . حتى أولئك الظلمة الذين ملأوا صفحات التاريخ بمظالمهم التي تقشعر منها الأبدان . لا تكاد تستمع إلى أقوالهم حتى تجدها مفعمة بحب الحق والحقيقة والويل عندئذٍ لذلك البائس الذي يقع تحت وطأتهم فهو يتلوى من شدّة الظلم الواقع عليه منهم بينما هم يرفعون عقيرتهم هاتفين بأنشودة الحق والحقيقة .... )) وهكذا يخادع الإنسان نفسه دون يدري بان الحق عنده وحده وهذه من المفاهيم المغلوطة التي يعيشها الإنسان فالفرد العربي يتعامل مع العادات والتقاليد على إنها أمور شرعية واجب العمل بها ولهذه الآراء التي طرحها الوردي كان اثر كبير على سمعته حتى بعد موته فكثير من قنوات الإعلام اليوم لم تسمح بالتحدث عن الوردي ؛ لأنه كشف حقيقتهم ولم يطيب للسياسيين أرائه الجريئة  . 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الخضر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/07/11



كتابة تعليق لموضوع : فــي ذكرى رحيـّل د. علي الورديّ ..من علمنيّ حرفاً .. ملكنيّ عبداً
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net