صفحة الكاتب : د . اكرم جلال

"حُسَيْنٌّ مِنِّي وَ أَنَا مِنْ حُسَيْنِ" .. الأخلاقُ الحُسينيّة في ميادين الصراع (الجزء الأول)
د . اكرم جلال

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الرسالات السماويّة وما جاءت به من شرائع وقوانين إلهيّة إنّما هو لتثبيت القِيَم والمبادئ الأخلاقيّة وصياغة مفاهيم وأحكام تؤطر السلوك الإنساني وترشده إلى إتّباع الخُلُق الحَسَن، وهذا ما ظهر واضحاً في العديد من الآيات القرآنيّة والأحاديث الواردة عن المصطفى وأهل بيت الرسالة صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، فقول رسول الله وهو القائد والقُدوة والأُسوة واضحٌ جَليّ في هذا الشأن: (أدّبني ربّي فأحسن تأديبي1)، وعنه أيضاً: (إنّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق2).

والقران قد شهدَ له بالخُلُق العظيم في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4]، فقد روي في سبب نزول هذه الآية أنّ المُصطفى صلّى الله عليه وآله وسلم قد لَبِسَ بُرداً نجرانيّاً ذا حاشية غليظة، فبينما هو يمشي إذ جذبه أعرابيّ من خلفه فحزّت وأثّرت في عنقه، وقال له الأعرابيّ: أعطني عطائي يا محمّد، فالتفت إليه صلوات الله عليه وآله متبسّماً وأمر له بعطائه، فنزل قوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، فمدحه الله بهذه مدحةً التي لم يمدح بها أحداً من خلقه 3).

وليس بخافٍ على المنصفين كيف أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قد ربىّ وَلَدَه الحُسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) وهيّأه وأعدّه لما ينتظره من دور رسالي قد تجسّد في حفظ الرسالات السّماوية ومنعها من التشويه والضياع.

وحينما يكون الإمام الحُسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) هو مِنْ رسولِ الله ورسولُ الله مِنْهُ، كما جاء على لسان رسول الله: (حسين مني وأنا من حسين أحبّ الله من أحبّ حسينا 4)؛ وهو من الأحاديث المعتبرة والصحيحة السَنَد، فالحديث مروي بطرق العامة والخاصة ومقبول عند عموم المسلمين، وفيه دلالات عظيمة وأسرار جمّة ومعاني خفيّة، لا شكّ أنّها من العلوم الإلهيّة، خصوصاً عندما يصرّح بها من قال الله تعالى فيه: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3- 4]، حيث يكشف الحديث عن حالة الارتباط الروحي بين رسول الله وبين الحسين عليهما السلام، وهذا الإرتباط له آفاق وأوجه متعددة، فأما الوجه الأول فيتجسّد في كون المُصطفى والإمام كانا نورين متقاربين في عالم الذّر، عالم المَلَكوت، قَبلَ خَلْقِ الخَلق، فَكَما جاء في زيارة الجامعة الكبيرة: (خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه مُحدقين)، وفي الحديث كذلك إشارة إلى عُمق العلاقة الروحيّة والقلبيّة، ولا شكَّ أن الارتباط الروحي هو من أوثق الروابط وأقواها.

وهناك أيضاً ارتباط وعلاقة بين الروحين يُصطلح على تسميتها بالعلاقة والصلة الاعتبارية، فالإمام الحسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) أبواه على نحو الحقيقة علي وفاطمة عليهما السلام، وأمّا على نحو الاعتبار فأبوه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بنصّ العديد من الأحاديث والروايات الواردة عن أهل بيت العصمة. وبناءً على عُمق تلك العلاقة والترابط نستطيع القول أنّها كانت من الأسباب التي جَعَلت الإمام يَرِثُ من رسول الله العِلْمَ والأخلاق الإرادة والصبر والثبات، فكان منذ صباه ينهل من علمه ويَنتَهِج سبيله ويسير على خطاه ويحذو حذوه متأسياً به، آخذاً بسنّته.

لقد ورث الإمام الحسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) من جدّه كلّ شيئ، وأنّ كلام المصطفى يعكس التمام والإطلاق حينما يقول: "حسين مني وأنا من حسين"، وحينما يرث الحسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) كلّ ما عند رسول الله، فَمِنَ المنطقي أنْ تكونَ الأخلاق هي أعظمَ ما ورثه الإمام من جدّه صلى الله عليه وآله، فلقد سلك الإمام نهج رسول الله وتأدّب بآدابه وجسّدها منهجاً وممارسة في سِلْمه وَحَربه، ولأنّ مَنهج الإمام سلام الله عليه كان منهجاً رسالياً محمدياً لذلك نَجِدُ أخلاقه الحميدة كانت من أبرز الصفاة التي اتّسم بها في سلوكه مع محبيه ومع مبغضيه، على حدٍ سواء، فكانت أخلاقه بحقّ هي أخلاق رسول الله وأخلاق القرآن، ولذلك فقد جسّد حديث رسول الله (حسينٌ منّي) أعظمَ تجسيد، فكان هو الإسلام بفكره ومنطقه، وكان القرآن الناطق بما يحمله من أخلاق وقيم.

لقد قدّم الإمام لنا صوراً رائعة ومواقف أخلاقية سامية في كل محطّات حياته، فمن المعلوم أنّ الإنسان حينما يواجه ظروفاً استثنائية ومشاكل حياتيّة قاسية نَراه يخرج في سلوكه وأقواله عن الضوابط الأخلاقية، إلّا أنَّه سلام الله عليه وخصوصاً في نهضته أمام ظُلم بني أميّة كان كلّما اشتدت به المحن وعصفت به النوائب تراه أكثر بأساً وثباتاً وحباً وتحنناً، فكان بحق القرآن الناطق والإسلام الذي تجسّد في هيئة إنسان فكان الحسين؛ كانَ مَنهجه محمديّاً، وفكره علويّاً، وصبره فاطميّاً، وكرمه حَسَنيّاً. لقد كان يتدفق خُلقاً كلّما لاقى من أعداه ظلماً؛ خلاصة الطُّهر والكّمال الإنساني، خُلُقٌ غذاه الله تعالى به فتشرّبَه من نبع جدّه وأبيه وأمّه وأخيه.

 

وللحديث تتمة في الجزء الثاني ...

 

المراجع

1. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج16، ص210.

2. م. ن.

3. إرشاد القلوب – الديلمي - ج1، ص262.

4. روى الحافظ أحمد بن حجر الهيثمي المكي في كتابه «الصواعق المحرقة» في الفصل الثالث في الأحاديث الواردة في أهل البيت (عليهم السلام) قال: أخرج البخاري في «الأدب المفرد» والترمذي وابن ماجه، عن يعلى بن مرة: ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «حسينٌ مني وأنا منه أحب الله من أحب حسيناً، الحسن والحسين سبطان من الأسباط».

 

 

 

 

"حُسَيْنٌّ مِنِّي وَ أَنَا مِنْ حُسَيْنِ" .. الأخلاقُ الحُسينيّة في ميادين الصراع

(الجزء الثاني)

د. أكرم جلال كريم

 

أثبَتَ الإمامُ الحسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) أن الردّ على المسيء بالإحسان هو الأولى ضمن دائرة الأمر الإلهي وقواعد التشريع الإسلامي؛ ورغم أنَّ الإمام تحرّك بكلّ واقعيّة وعمل بالأسباب فلاقى ما لاقى من أهوال وصعاب، لكنّ خُلُقه لَم يَتَزعزع، فكان مَنطقُ الإمام وسلوكه رسالياً، لذا نراه كان حريصاً على هداية حتى من تجمّعوا لقتله، فلم يترك الإمام فرصة إلّا وكان فيها مبادراً لتقديم النّصح وكشف الحقائق وتبيان ما خَفِيَ عنهم؛ لقد كان في كلّ حركاته وسكناته تجسيداً حياً للآية القرآنيّة: ﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125]، وحواره مع جيش الحرّ بن يزيد الرياحي أفضل مصداق وأوضح دليل؛ حيث تجلّى الخُلُق الحُسيني بأبهى صُوَره وهو يُقدم النُصح لقوم جاءوا من أجل محاصرته ومنعه من تغيير مساره.

ثم أنّه سلام الله عليه خطب فيهم بعد أن حمد الله وأثنى عليه قائلاً: (أَيُّهَا اَلنَّاسُ؛ إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ قَالَ: «مَنْ رَأَى سُلْطَاناً جَائِراً مُسْتَحِلاًّ لِحُرَمِ اَللَّهِ؛ نَاكِثاً لِعَهْدِ اَللَّهِ؛ مُخَالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ اَللَّهِ؛ يَعْمَلُ فِي عِبَادِ اَللَّهِ بِالْإِثْمِ وَ اَلْعُدْوَانِ فَلَمْ يُغَيَّرْ عَلَيْهِ بِفِعْلٍ وَ لاَ قَوْلٍ، كَانَ حَقّاً عَلَى اَللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مُدْخَلَهُ» أَلاَ وَ إِنَّ هَؤُلاَءِ قَدْ لَزِمُوا طَاعَةَ اَلشَّيْطَانِ، وَ تَرَكُوا طَاعَةَ اَلرَّحْمَنِ، وَ أَظْهَرُوا اَلْفَسَادَ، وَ عَطَّلُوا اَلْحُدُودَ، وَ اِسْتَأْثَرُوا بِالْفَيْءِ، وَ أَحَلُّوا حَرَامَ اَللَّهِ، وَ حَرَّمُوا حَلاَلَ اَللَّهِ، وَ أَنَا أَحَقُّ مَنْ غَيَّرَ. قَدْ أَتَتْنِي كُتُبُكُمْ وَ قَدِمَتْ عَلَيَّ رُسُلُكُمْ بِبَيْعَتِكُمْ أَنَّكُمْ لاَ تُسَلِّمُونِّي وَ لاَ تَخْذُلُونِّي، فَإِنْ تَمَمْتُمْ عَلَى بَيْعَتِكُمْ تُصِيبُوا رُشْدَكُمْ، فَأَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَ اِبْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ، نَفْسِي مَعَ أَنْفُسِكُمْ، وَ أَهْلِي مَعَ أَهْلِيكُمْ، فَلَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ، وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ نَقَضْتُمْ عَهْدَكُمْ، وَ خَلَعْتُمْ بَيْعَتِي مِنْ أَعْنَاقِكُمْ فَلَعَمْرِي مَا هِيَ لَكُمْ بِنُكْرٍ، لَقَدْ فَعَلْتُمُوهَا بِأَبِي وَ أَخِي وَ اِبْنِ عَمِّي مُسْلِمٍ! وَ اَلْمَغْرُورُ مَنِ اِغْتَرَّ بِكُمْ؛ فَحَظَّكُمْ أَخْطَأْتُمْ، وَ نَصِيبَكُمْ ضَيَّعْتُمْ «وَ مَنْ نَكَثَ فَإِنَّمٰا يَنْكُثُ عَلىٰ نَفْسِهِ» وَ سَيُغْنِي اَللَّهُ عَنْكُمْ، وَ اَلسَّلاَمُ 1).

وفي ليلة العاشر من محرّم أخبر الإمام (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) أصحابه بحقيقة ما ينتظرهم المصير المحتوم الذي سيلقونه غداً، ولأنّه الخُلُق المُحمديّ فقد بادَرَ إلى دعوتهم بالانسحاب وتركه يواجه الأعداء وحده، ففي هذا الشأن خطب الإمام قائلاً: (اُثني على الله أحسن الثناء وأحمده على السرّاء والضرّاء، اللهمّ إنّي أحمدك على أنْ أكرمتنا بالنبوّة، وعلّمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدةً، ولَم تجعلنا من المشركين. أمّا بعد، فإنّي لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي جميعاً. وقد أخبرني جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنّي سأُساق إلى العراق فأنزلُ أرضاً يقال لها عمورا وكربلاء، وفيها اُستشهد. وقد قرب الموعد. ألا وإنّي أظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً. وإنّي قد أذِنت لكم فأنطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام. وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً، وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، فجزاكم الله جميعاً خيراً! وتفرّقوا في سوادكم ومدائنكم، فإنّ القوم إنّما يطلبونني، ولَو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري 2)، فأيّ خُلُق أسمى وأرفع من هذا الخُلُق.

كان الإمام وهو في ساحة الحرب، يَعلم بيقين حقيقة النفوس التي اجتمعت لقتاله، فقد وصفهم قائلاً: (عبيد الأمة وشذاذ الآفاق ونبذة الكتاب ومحرفي الكلم وعصبة الإثم ونفثة الشيطان ومطفئي السنن)، ورغم قساوة قلوبهم واجتماعهم على أمر عظيم، وهو قتل ابن بنت نبيّهم وَسَبي عياله، لكنّ نَفْسَ الإمام كانت شفّافة وروحه كانت رساليّة، فقد كان مصداقاً لِقِيَم النُبل والشّهامة، جَسّدها وهو في ساحة الحرب، حيث رفض أن يبدأهم بقتال، ففي اليوم العاشر من المحرّم تقدّم شمر ابن ذي الجوشن عليه لعائن الله ووقف أمام معسكر الإمام الحسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)، وبدأ يسب ويشتم الإمام، فأراد مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فقال له الإمام: (لا ترمِه؛ فإنّي أكره أن أبدأهم 3).

لم يكن سلام الله عليه يحمل ضغينة حتى لمن أساء إليه، وهذا الحر ابن يزيد الرياحي رضوان الله تعالى عليه خير مثال، فهو الذي مَنَع الإمام ومَن معه وجعجع بهم، لكنّه عندما عقد العزم على التوبة جاء إلى معسكر الإمام وقال له مخاطباً:

(أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق، وجَعجعتُ بك في هذا المكان، والله الذي لا إله إلّا هو، ما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم أبداً، ولا يبلغون منك هذه المنزلة، فقلت في نفسي: لا أُبالي أن أُطيع القوم في بعض أمرهم، ولا يرون أنّي خرجت من طاعتهم، وأمّا هم فسيقبلون بعض ما تدعوهم إليه، ووالله، لو ظننت أنّهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك، وإني قد جئتك تائباً ممّا كان منّي إلى ربي، ومواسياً لك بنفسي حتّى أموت بين يديك، أفترى ذلك لي توبة؟ قال: نعم يتوب الله عليك ويغفر لك. وقال: أنت الحرّ كما سمتك أُمّك، أنت الحرّ إن شاء الله في الدنيا والآخرة، انزل. قال: أنا لك فارساً خير منّي راجلاً، أُقاتلهم على فرسي ساعة وإلى النزول ما يصير آخر أمري. قال الحسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): فاصنع يرحمك الله ما بَدا لك 4).

كان ينظر إليهم بعين الرأفة والرحمة، ففي ذروة القتال وفي ذلك الجو المُلتهب بحرارة المعركة والعطش الذي أخَذَ من الإمام سلام الله عليه مأخذه، حتى تقول بعض الروايات أنّه قد أثّر في نظره فكان لا يرى الأشياء بوضوح وأصبح لسانه كالخشبة اليابسة، والشفاه ذابلة، والكبد مفتت من حر الظمأ، حيث ورد في بعض المصادر إنّ الإمام الحسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) قال لأعدائهِ: (الآن اسقوني قطرة من الماء فقد تفتت كبدي 5)، وكان ذلك من باب إقامة الحجة، ودعوتهم للتوبة والإنابة.

وحينما بدأ الشّهداء يرتمون في أحضان الحور العين الواحد تلو الآخر، وبقي الإمام وحيداً فريداً ينظر مرة إلى مخيم النساء ويفكر بما سيجري عليهم بعد قليل، وينظر تارة إلى القوم الذين احتوشوه من كلّ جانب، بدأت دموعه تتساقص على خدّيه، فسألته أخته العقيلة زينب لماذا البكاء؟ قال قولته التي ستبقى مُدوية ما بقي اللّيل والنهار: أبكي لهؤلاء القوم الذين يدخلون النار بسببي.

وأمام هذه الصور التي أبكتب السماوات والأرضين والملائكة أجمعين نجد أنّ الأقلام المأجورة ومنذ نهضة الإمام سلام الله عليه وحتى يومنا هذا كانت ولا زالت تبحث عن أي زلل أو خطأ في مسيرة هذا الإنسان الكامل، مُتوهّمين أن بمقدورهم النّيل من نَهج وسُلوك وخُلق الإمام سلام الله عليه، لكنّ التأريخ يشهد أنّ محبّيه أخذوا يملؤون أصقاع الأرض، كلٌ ينادي واحسيناه، وأنّ صفحاته ستبقى مضيئة مشعّة بنور ذكره الذي بَلَغَ مِنَ الكّمال الخلقيّ أعلى المقامات وأسمى المراتب والتي جعلت عدوّه معاوية بن أبي سفيان يُذعن ويعترف له بالفضل والكمال؛ فحينما طُلِب منه أن يَذكُر عيباً للإمام الحُسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) أجاب: (وما عسيتُ أن أعيبَ حسيناً، وما أرى للعيب فيه موضعاً 6).

وشمائلٌ شهِد العدو بفضلها

والفضل ما شهدت به الأعداء.

 

 

 

المراجع

1. مقتل الحسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) - أبو مخنف الأزدي - ص85 ـ 86.

2. الإرشاد - الشيخ المفيد - ج2، ص91.

3. مقتل الحسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) - أبو مخنف الأزدي - ص116.

4. لمنتخب في جمع المراثي والخطب - الطريحي - ص 451، وذريعة النجاة - الكرمرودي التبريزي - ص 135، الخصائص الحسينية.

5. مقتل الحسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) - أبو مخنف الأزدي - ص120 ـ 122. والكامل في التاريخ - ابن الأثير- ج4، ص64.

6. الاحتجاج – الطبرسي - ج2، ص22.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . اكرم جلال
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/07/14


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • عليٌّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) مِرآةُ الوَعيُ الجَمالِي وَمَنارٌ نَحو مَراتب القُرب الإلهي  (المقالات)

    • الإمامةُ أصلٌ مِن أُصول الدين  (المقالات)

    • فاطِمَة (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) هِيَ البرزخُ بينَ النبوّة والإمامة  (المقالات)

    • فاطِمَة الزَّهْراء(عَلَيْهَا السَّلاَمُ) يَومَ المَحشر يُعرفَ قَدرها  (المقالات)

    • الإمامُ الحُسينُ (عَلَيْهِ السَّلامُ) وَالفَناءُ المُطلق في ذاتِ اللهِ تَعَالى  (المقالات)



كتابة تعليق لموضوع : "حُسَيْنٌّ مِنِّي وَ أَنَا مِنْ حُسَيْنِ" .. الأخلاقُ الحُسينيّة في ميادين الصراع (الجزء الأول)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net