العَفْو ... أهميتهُ وآثارهُ في الدّنيا والآخِرة
محمد فرج الله الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد فرج الله الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نلخص الموضوع بنقاط أهمها:
1- تعريف العفو.
2- آثار العفو.
3- أهمية العفو .
١ – تعريف العفو.
العفو : هو التجاوز عن الذنب ، وترك العقاب عليه عند التمكّن من فاعله.
وهي سجيّة عظيمة ؛ يمتلكها قسمٌ من الناس أرواحُهم حلّقت شامخة في عالَم الأخلاق ، حاملة معها الكرم والعاطفة والمحبة الصادقة ، واتصفت بنقاء السريرة والسّمت .
والعفو من صفات الله سبحانه وتعالى وأسمائه .
قد أمرنا عز وجل التحلي بهذه الصفة في آيات عديدة وأَوْلَى لها أهميّة بالغة ؛ وكذلك في أحاديث أهل بيت العصمة والطهارة ، وسيرتهم التي تميّزت بحملها .
قال تعالى :
{ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة : 219] .
وقال تعالى :
أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا. النساء ١٤٩.
يقول السيد الطباطبائي في الميزان:
و قوله "فإن الله كان عفوا قديرا" سبب أقيم مقام المسبب و التقدير: إن تعفوا عن سوء فقد اتصفتم بصفة من صفات الله الكمالية – و هو العفو على قدرة – فإن الله ذو عفو على قدرته ، فالجزاء جزاء بالنسبة إلى بعض الشروط .
وقال الشيخ الطبرسي في مجمع البيان : { فإن الله كان عفوّاً } أي صفوحاً عن خلقه يصفح لهم عن معاصيهم { قديراً } أي قادراً على الانتقام منهم ، وهذا حثّ منه سبحانه لخلقه على العفو عن المسيء مع القدرة على الانتقام ، والمكافأة فإنه تعالى مع كمال قدرته يعفو عنهم ذنوباً أكثر من ذنب من يسيء إليهم .
هاهو الإمام السجاد عليه السلام يجسد لنا جلياً صفة العفو عن المسيء في دعائه.
قال عليه السلام : وعَوِّضْنِي مِنْ عَفْوِي عَنْهُمْ عَفْوَكَ ، ومِنْ دُعَائِي لَهُمْ رَحْمَتَكَ ، حَتَّى يَسْعَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِفَضْلِكَ ، ويَنْجُوَ كُلٌّ مِنَّا بِمَنِّكَ . الصحیفة السجادیة ص168 .
يالها من عظمة ورحمة عند إمامنا زين العابدين حيث يدعو للمسيئين إليه بالرحمة ؛ ويطلب من الله تعالى الفضل لهم والنجاة.
جميعنا نطلب من الله تعالى العفو في أدعيتنا .
ربما بسبب بعض ذنوبنا ؛ أو لتجاوزنا على حقوق الآخرين.
فنلتجأ إليه سبحانه بطلب العفو عنّا من ذنوبنا تارةً ؛ وأن يُرضي عنا خصمائَنا تارةً أخرى ؛ لأنه تعالى وحدهُ القادر بتدبيره وحكمته على ذلك.
لكن ... من منّا يلتزم نهج إمامه السجاد عليه السلام في الدعاء للعفو عمن أساءَ إليه ؟ .
٢- آثار العفو.
إن للعفو عن المسيء له آثارٌ وضعية على حياة الإنسان العمليّة ، وكذلك آثارٌ مُرضية مُجزية يوم القيامة .
فأما التي في الدنيا :
روي أن اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ : وَإِنَّ اَلْعَفْوَ يَزِيدُ صَاحِبَهُ عِزّاً فَاعْفُوا يُعِزَّكُمُ اَللَّهُ . الكافي ج۲ ص۱۲۱
قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ خَلاَئِقِ اَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةِ ؛ اَلْعَفْوُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ ، وَتَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ ، وَاَلْإِحْسَانُ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ ، وَإِعْطَاءُ مَنْ حَرَمَكَ . الكافي ج۲ ص۱۰۷
وقال أمیرالمؤمنین (علیه السلام) : اَلْعَفْوُ يُوجِبُ اَلْمَجْدَ. ( العزة والرفعة والشرف ) . غرر الحكم ص58
قال أمیرالمؤمنین (علیه السلام) :اَلْعَفْوُ أَفْضَلُ اَلْإِحْسَانِ. غرر الحكم ص39
وقال عليه السلام : اَلْعَفْوُ زَكَاةُ اَلظَّفَرِ. غرر الحكم ص31
والآثار كثيرة نذكر منها :
1- هو امتثالٌ لأمرِ الله سبحانه وتعالى.
2- يُنال صاحب هذه السجية همة عالية وراحة نفسية وسعادة غامرة في التجاوز عن المسيئين ؛ مما يؤهله في اكتساب الصفات الحميدة للرقي في دماثة الأخلاق وعلو الشأن.
3- العامل بهذه الصفة لايحمل سوى الحب والعاطفة والتواضع والتسامح ؛ وبذلك يتم صلاح المجتمع ، لتنتشر فيه الفضيلة والسماحة والمحبة والوئام .
4- والأهم من ذلك كله أن العَفْوَ يعتبر شكراً عمليّاً لله تعالى ؛ ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) ابراهيم ٧.
قال أمير المؤمنين عليه السلام :أِذا قَدِرْتَ عَلىَ عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ العَفْوَ عَنْهُ شُكراً للقُدْرَةِ عَلَيْهِ. وسائل الشيعة ج١٢ص١٧١
وأما التي في الآخرة :
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذا أوقف العباد نادى مناد : ليقم من أجره على الله وليدخل الجنة ، قيل : من ذا الذي أجره على الله ؟ قال : العافون عن الناس . ميزان الحكمة ج3ص2012
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : رأيت ليلة أسري بي قصوراً مستويةً مشرفةً على الجنة ، فقلت : يا جبرئيل لمن هذا ؟ فقال : للكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين . ميزان الحكمة ج3ص2012
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : شيئان لا يوزن ثوابهما : العفو والعدل . غرر الحكم ص414
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : العفو مع القدرة جُنة من عذاب الله سبحانه. عیون الحکم و المواعظ ص27
قال لقمان الحكيم لابنه يابني :
أذكر اثنين وانسَ اثنين ؛ أذكر الله والموت ؛ وانس إحسانك إلى الناس وإسائتهم إليك.
٣ – أهمية العفو.
تتبين أهمية هذه الخصلة من خلال هذا الدعاء الوارد عن إمامنا السجاد عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي العفو عمن نال منه :
اللَّهُمَّ وأَيُّمَا عَبْدٍ نَالَ مِنِّي مَا حَظَرْتَ عَلَيْهِ، وانْتَهَكَ مِنِّي مَا حَجَزْتَ عَلَيْهِ، فَمَضَى بِظُلَامَتِي مَيِّتاً، أَوْ حَصَلَتْ لِي قِبَلَهُ حَيّاً فَاغْفِرْ لَهُ مَا أَلَمَّ بِهِ مِنِّي، واعْفُ لَهُ عَمَّا أَدْبَرَ بِهِ عَنِّي، ولَا تَقِفْهُ عَلَى مَا ارْتَكَبَ فِيَّ، ولَا تَكْشِفْهُ عَمَّا اكْتَسَبَ بِي، واجْعَلْ مَا سَمَحْتُ بِهِ مِنَ الْعَفْوِ عَنْهُمْ، وتَبَرَّعْتُ بِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ أَزْكَى صَدَقَاتِ الْمُتَصَدِّقِينَ، وأَعْلَى صِلَاتِ الْمُتَقَرِّبِينَ وعَوِّضْنِي مِنْ عَفْوِي عَنْهُمْ عَفْوَكَ، ومِنْ دُعَائِي لَهُمْ رَحْمَتَكَ حَتَّى يَسْعَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِفَضْلِكَ، ويَنْجُوَ كُلٌّ مِنَّا بِمَنِّكَ.
ومن دعائه في طلب العفو من الخلق - وهو المنزه عن ذلك - :
اللَّهُمَّ وأَيُّمَا عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِكَ أَدْرَكَهُ مِنِّي دَرَكٌ، أَوْ مَسَّهُ مِنْ نَاحِيَتِي أَذًى، أَوْ لَحِقَهُ بِي أَوْ بِسَبَبِي ظُلْمٌ فَفُتُّهُ بِحَقِّهِ، أَوْ سَبَقْتُهُ بِمَظْلِمَتِهِ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وأَرْضِهِ عَنِّي مِنْ وُجْدِكَ، وأَوْفِهِ حَقَّهُ مِنْ عِنْدِكَ ثُمَّ قِنِي مَا يُوجِبُ لَهُ حُكْمُكَ، وخَلِّصْنِي مِمَّا يَحْكُمُ بِهِ عَدْلُكَ، فَإِنَّ قُوَّتِي لَا تَسْتَقِلُّ بِنَقِمَتِكَ، وإِنَّ طَاقَتِي لَا تَنْهَضُ بِسُخْطِكَ، فَإِنَّكَ إِنْ تُكَافِنِي بِالْحَقِّ تُهْلِكْنِي، وإِلَّا تَغَمَّدْنِي بِرَحْمَتِكَ تُوبِقْنِي.
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْهِبُكَ يَا إِلَهِي مَا لَا يُنْقِصُكَ بَذْلُهُ، وأَسْتَحْمِلُكَ، مَا لَا يَبْهَظُكَ حَمْلُهُ. أَسْتَوْهِبُكَ يَا إِلَهِي نَفْسِيَ الَّتِي لَمْ تَخْلُقْهَا لِتَمْتَنِعَ بِهَا مِنْ سُوءٍ، أَوْ لِتَطَرَّقَ بِهَا إِلَى نَفْعٍ، ولَكِنْ أَنْشَأْتَهَا إِثْبَاتاً لِقُدْرَتِكَ عَلَى مِثْلِهَا، واحْتِجَاجاً بِهَا عَلَى شَكْلِهَا. وأَسْتَحْمِلُكَ مِنْ ذُنُوبِي مَا قَدْ بَهَظَنِي حَمْلُهُ، وأَسْتَعِينُ بِكَ عَلَى مَا قَدْ فَدَحَنِي ثِقْلُهُ. فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وهَبْ لِنَفْسِي عَلَى ظُلْمِهَا نَفْسِي، ووَكِّلْ رَحْمَتَكَ بِاحْتِمَالِ إِصْرِي، فَكَمْ قَدْ لَحِقَتْ رَحْمَتُكَ بِالْمُسِيئِينَ، وكَمْ قَدْ شَمِلَ عَفْوُكَ الظَّالِمِينَ. فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، واجْعَلْنِي أُسْوَةَ مَنْ قَدْ أَنْهَضْتَهُ بِتَجَاوُزِكَ عَنْ مَصَارِعِ الْخَاطِئِينَ، وخَلَّصْتَهُ بِتَوْفِيقِكَ مِنْ وَرَطَاتِ الْمُجْرِمِينَ، فَأَصْبَحَ طَلِيقَ عَفْوِكَ مِنْ إِسَارِ سُخْطِكَ، وعَتِيقَ صُنْعِكَ مِنْ وَثَاقِ عَدْلِكَ. إِنَّكَ إِنْ تَفْعَلْ ذَلِكَ يَا إِلَهِي تَفْعَلْهُ بِمَنْ لَا يَجْحَدُ اسْتِحْقَاقَ عُقُوبَتِكَ، ولَا يُبَرِّئُ نَفْسَهُ مِنِ اسْتِيجَابِ نَقِمَتِكَ تَفْعَلْ ذَلِكَ يَا إِلَهِي بِمَنْ خَوْفُهُ مِنْكَ أَكْثَرُ مِنْ طَمَعِهِ فِيكَ، وبِمَنْ يَأْسُهُ مِنَ النَّجَاةِ أَوْكَدُ مِنْ رَجَائِهِ لِلْخَلَاصِ، لَا أَنْ يَكُونَ يَأْسُهُ قُنُوطاً، أَوْ أَنْ يَكُونَ طَمَعُهُ اغْتِرَاراً، بَلْ لِقِلَّةِ حَسَنَاتِهِ بَيْنَ سَيِّئَاتِهِ، وضَعْفِ حُجَجِهِ فِي جَمِيعِ تَبِعَاتِهِ فَأَمَّا أَنْتَ يَا إِلَهِي فَأَهْلٌ أَنْ لَا يَغْتَرَّ بِكَ الصِّدِّيقُونَ، ولَا يَيْأَسَ مِنْكَ الْمُجْرِمُونَ، لِأَنَّكَ الرَّبُّ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا يَمْنَعُ أَحَداً فَضْلَهُ، ولَا يَسْتَقْصِي مِنْ أَحَدٍ حَقَّهُ. تَعَالَى ذِكْرُكَ عَنِ الْمَذْكُورِينَ، وتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُكَ عَنِ الْمَنْسُوبِينَ، وفَشَتْ نِعْمَتُكَ فِي جَمِيعِ الْمَخْلُوقِينَ، فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. الصحیفة السجادیة ص168 .
فلو أن لكل منّا عَهِدَ إلى نفسه أن يعفوَ عمن أساء إليه ؛ ترى ماذا سيكون حالنا الحاضر ومستقبلنا الآتي ؟؟؟.
الخلاصة :
بقدر عفونا عمن أساء إلينا في هذه الدنيا ؛ سيعفو عنّا خصمائنا فيها ، ويوم الحساب أيضا .
وبقدر عفونا وتجاوزنا عمن أساء إلينا ؛ فإنه تعالى سيعفو عنّا سيئاتَنا وذنوبَنا فيما بيننا وبينه إن شاء الله تعالى ، مع عدم الإصرار على ارتكاب الذنب .
محمد فرج الله الأسدي
٢٢ /صفر /٢٤٤٦ هـ
٢٨/٨/٢٠٢٤ م .
اللهم وفقنا للعفو عمن ظلمنا ؛ وأرضِ عنّا خصمائَنا ؛ واعف عنا واغفر لنا ذنوبنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat