صفحة الكاتب : محمد كاظم الموسوي

مسؤولية الدولة في إعادة تأهيل الفرد العراقي
محمد كاظم الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 مرَّ العراق في العقود المتأخرة الماضية بفترة مظلمة شملت الجوانب المهمة من حياته السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والاجتماعية, ومرَّ في خلال تلك الفترة الزمنية بانتكاسات عديدة طالت حتى الراسخ من القيم والعادات والتقاليد التي عاشت مع المجتمع العراقي في أزقته وبين أحضانه لسنين وعهود مديدة.

فلقد عاش العراق في الفترة الماضية في ظل حكومة انتهجت سياسة الخراب والدمار الشامل لكل مناحي الحياة, واتخذت سياسة محاربة الدين منهاجاً لها, فادخلت العراق في مشاكل كثيرة وحروب اقليمية طويلة أرهقت كاهله اقتصادياً وثقافياً, فحطمت بُناه التحتية, وأضعفت قدراته الدفاعية والتنموية, وأفرغت العراق من قواه الكامنة, ومنعته من مسايرة ركب الحضارة, وأبعدته عن موروثه الثقافي والاجتماعي, وفصلت بينه وبين محتواه في البعد الحضاري.

ولايخفى أن كل ما مر به العراق من المآسي في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية وفي الجوانب الحضارية والأخلاقية والتربوية وآثارها الحاضرة فهو بسبب السياسات التي انتهجتها الحكومة السابقة وحزبها الفاشي ـ حزب البعث ـ

ولم يكن هذا أمراً عفوياً أو نزوات حاكم ظالم جاهل,  أو تصرفات عبثية, بل كان جميع ذلك وفق خطط مدروسة مرسومة مقننة سار عليها حزب البعث وقياداته لتدمير العراق وبنيته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, وكان المحتوى الذاتي للمواطن هو المستهدف الأول في هذه السياسات الاجرامية.

وقد نجحت هذه السياسات في إرساء ما خطط له, خصوصاً مع ملاحظة طول الفترة الزمنية التي عاشها العراق في ظل تلك السياسات العدائية للذات.

فقد أثرت هذه السياسات والبرامج على طبيعة الفرد العراقي عموماً وعلى نمط تفكيره وطرز سلوكه, وبالتالي أثرت على طبيعة المجتمع في الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والتربوية والاجتماعية في كل أبعادها من العادات والتقاليد والقيم والأحكام والأخلاق, واحترام الآخر, واحترام القوانين, وحب الوطن, وتقديس المال العام, والتحرز عن ظلم الآخرين وأكل مال الغير, والجد والمثابرة والنشاط في العمل, والصدق في الحديث, وأداء الأمانة, ونبذ الكذب والخيانة.

لقد صار المعروف منكراً والمنكر معروفاً, وصار الخير شراً والشر خيراً, واستعملت مصطلحات دخيلة في مجتمعنا بعد أن كان مضرب الأمثال في المثل والقيم, لقد صار للكذب نوعان أبيض وأسود, وأصبحت الخديعة فن وشطارة, وصار التلفظ بالألفاظ النابية والفاحشة سمة الجميع حتى في الصحافة والإعلام إلا ما ندر, وغاب الوفاء عن الصداقة, وافتقدت الرحمة بين الأخلاء, وأصبح عنوان الضرورة وسيلة لنهب المال العام وللتجاوز على الحقوق.

لقد شاعت الأمية كتابة وقراءة وأخلاقاً وثقافة وسلوكاً وديناً وتحضراً, لقد نخرت البلادة والمفاهيم الزائفة الجوفاء عقول الشباب, وعاش الكبار على قصص التراث وحكايات الباشا والزعيم.

إن ما ينتظر العراق أكثر بكثير مما قلناه, فمن ينظر إلى الواقع التعليمي في العراق وإلى المستوى الثقافي والحضاري للهيئات التدريسية وإلى مستوى حرصهم على أداء وظيفتهم الشرعية, وإلى مقدار استيعابهم ووعيهم لما يحيط بالواقع المستقبلي للتعليم, وإلى نمط التدريس وكيفيته, يقطع بالعلم واليقين بهول الكارثة التي تنتظر العراق خصوصاً مع السكوت المطبق للهيئات العلمية والثقافية والحكومية ذات العلاقة.

فالتعليم الذي هو أساس بناء البلد والموضع السليم لصنع بذرة العراق ورسم مستقبله الواعد أصبح متدنياً وفي حالة تراجع ولايعطينا سوى أشباه متعلمين وأنصاف متأهلين.

وهذا كله من آثار السياسات الظالمة والمجحفة والمتعمدة التي مارستها الحكومات السابقة لتدمير العراق وطناً وشعباً.

إن على الحكومة العراقية الحالية تكليف مصيري وأساسي ومفصلي في تاريخ العراق ألا وهو تأهيل الفرد العراقي وإعادته إلى هويته السابقة بما تحمل من عناوين خيرة وقيم فاضلة في جوانب الثقافة والأدب والحضارة والأخلاق واحترام القوانين.

يجب على الحكومة أن تقوم بثورة ثقافية تستنهض لها ما تبقى من كوادر علمية وأدبية خيرة ونزيهة, وأن تخاطب ما تبقى من ضمير حي وحس وطني عند أبناء العراق, وأن توظف لها أغلب مؤسسات الدولة وأجهزتها, وأن تكثف من وضع البرامج والدورات التعليمية والتثقيفية والتبليغية, وأن تساهم بفتح مراكز البحوث والدراسات والمكتبات العامة, وأن تقوم بنشر الصحف والمجلات الثقافية في المدارس والأماكن العامة كالمستشفيات والمعامل وغيرها, وأن تشجع المواهب وتدعم الإبداع والمبدعين وتتبناهم, وعليها أن تضع الخطط والبرامج وفق دراسات دقيقة كما تفعل الدولة المتحضرة التي قطعت أشواطاً طويلة في ركب الحضارة, وعلى أن تبدأ خططها وبرامجها برياض الأطفال وتنتهي بدور المسنين والعجزة لا تستثني أحداً.

يجب على الحكومة أن تتابع ومن خلال المؤسسات الثقافية المعنية كل ما من شأنه أن يساهم في تأهيل وتثقيف المواطن, فيجب أن يكون لها دور وكلمة حتى في أسماء المواليد وعناوين المحال التجارية والعناوين والكتابات الموضوعة على الملابس ووسائل النقل.

يجب على الحكومة أن تقوم بالمعجزات من أجل سلخ الثقافة المغلوطة التي حملها النظام السابق في أذهان المواطنين وخصوصاً في المؤسسات التعليمية, وعليها أن تقوم بالمعجزات من أجل تأهيل المواطن وتثقيفه معرفياً وأخلاقياً وحضارياً, وأن تستعين بالمؤسسات الدينية وغيرها, وأن توظف الإعلام بما يحمل من إمكانات هائلة لهذه الثورة المصيرية في تاريخ العراق.

إن تأهيل الفرد العراقي ثقافياً ومعرفياً وأخلاقياً واجتماعياً واستنقاذه إلى أن يجد هويته وذاته, من أهم تكاليف وواجبات الحكومة الحالية, ومن أهم الخطوات في مسيرة البناء والتنمية الوطنية الشاملة.

محمد كاظم الموسوي ـ بغداد  


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد كاظم الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/07/18



كتابة تعليق لموضوع : مسؤولية الدولة في إعادة تأهيل الفرد العراقي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net