جدلية المصطلحات والعقوبات في عصر الفاشنستات
د . حنان الكامل
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . حنان الكامل
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ظهرت مؤخراً هجمة تصاعدية طالت مصطلح (المحتوى) الذي يتجلى هدفه الاساس تعليمياً كان أو تثقيفياً أو ترويجياً وتسويقياً بإثراء الرسالة الإعلامية بمحتوى فعَّال يجذب المتلقي قارئاً كان أم مشاهداً أو متصفحاً، بما يساعده أو يدفعه على اتخاذ قرار ما إزاءقضية او ظاهرة او خدمة أو سلعة ما معينة.
إذ يشير أصل مفردة المحتوى لغة الى (حوى الشيء حوايةً، تجمّع، والمحتوى: بيوت الناس من الوبر مجتمعة على ماء).
بينما يقصد بالمحتوى اصطلاحاً كلّ ما تضمنته دفّتا كتاب ما من معلومات وحقائق وأفكار ومفاهيم، تحملها رموز لغوية، ويحكمها نظام معيّن من أجل تحقيق هدف ما، ومن ثم فأن مصطلح المحتوى هنا يشير الى معنى ذي قيمة مهمة تساعد المتلقين على تعزيز قناعاتهم وادراكهم للمستجدات التي تطرأ على المجتمع في المجالات كافة.
وبهنا يكون هذا المعنى مغايراً لما يتم تداوله حالياً عمّا يُطلق عليه من بعض المؤسسات الإعلامية والجهات الحكومية والمجتمعية بالمحتوى المسيء (الهابط), والذي يعد من أحد أهم الإشكاليات الناتجة عن تطورات التقدم التكنولوجي الاتصالي , وهو مصطلح غير واضح المعالم من جهتي التعريف والاساس القانوني الذي يتم تكييفه بشأنه.
هذه الجدلية التي تفرض علينا مناقشتها من الناحية الاكاديمية والقانونية وهي كيف نطلق مصطلح محتوى يصاحبه مفردة هبوط فكري او اساءة لقيم ما أو عادات وتقاليد أُسست عليها مجتمعات وكيانات ومؤسسات فعالة.
إذ يشير تفسير مفردة (الهبوط) الى النزول من علوّ ومنه انخفاض القيمة والانحدار من جهة والى المعنى العام للشيء الذي فقد قيمته وجزء اساسي من تكوينه من جهة أخرى.
ولقد أوضح المختصين بقضايا النشر والإعلام من إن مصطلح (المحتوى الهابط) المقترن غالباً بظهور المبتذلات ممّا يُعرفن ڊ(الفاشنستات - المشاهير) والذي يتداول في وسائل الإعلام، يُعرف قانونياً تحت مواد الجرائم المخلّة بالآداب والأخلاق العامة أو القيام بالفعل الفاضح الذي ينافي الحياء العام.
وبعد الاطلاع على راي المختصين بالجانب القانوني نجد أنفسنا أمام مطب اخر الا وهو هل إن ما يتم نشره من قبل بعض المستخدمين الذين يطلق عليهم تسمية (الفاشنستات والبلوكرات) في مواقع التواصل الاجتماعي يستحق ان يصنف ضمن مستوى جريمة ام أن التفسير اعلاه بحاجة الى توضيح أخر يسند الى اراء خبراء القانون المختصين فضلاً عن الإعلاميين , لئلايتم اتهام الجهات القضائية والحكومية بانها تسعى الى تضيق الحريات وتكميم الافواه والوقوف ضد حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل ووصفها بالملاحقات غير الدستورية ، بحسب تفسير البعض ازاء خطوة الاعتقالات التي طالت بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بتهمة النشر المسي للذوق العام والمخل بالآداب العامة والعادات والتقاليد التي تحكم المجتمع .
وممّا يشار اليه بأن مجلس القضاء الأعلى قد بادر في العام 2021 إلى تشكيل لجنة خاصة مشتركة من عدة جهات برئاسة مجلس القضاء الأعلى وعضوية ممثلين عن هيئة الإعلام والاتصالات، ونقابة الصحفيين، ونقابة الفنانين، وجهاز الأمن الوطني، ومجموعة أخرى من أجهزة الدولة , تكون مهامها معنية برصد حالات التجاوز الذي ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي وملاحقة مرتكبيها وفق أحكام القانون، إلاّ أن هذه اللجنة بسبب الظروف التي رافقت تشكيلها آنذاك من انتشار جائحة كورونا والظروف السياسية العامة التي كان يمر بها البلد وقتها , ممّا أدى الى التوقف عن المباشرة بالموضوع الذي شُكلت من أجله ، على أثر تشكيل مجلس القضاء الأعلى في عام 2022 محاكم مختصة للنظر بقضايا النشر والإعلام ، والطلب من وزارة الداخلية تشكيل لجنة منها حصراً تتولى رصد الحالات المخالفة للقانون التي تتضمن نشر محتوى يسيء إلى الأخلاق العامة أو يتضمن فعلاً فاضحاً , وتقييد عرضها على محكمة تحقيق الكرخ المختصة بقضايا النشر والإعلام , والتي سارعت لتدشين منصة (بلّغ) الالكترونية على الموقع الرسمي للوزارة وذلك للدلالة على منشورات وناشري المحتوى الهابط المضرة بالمصلحة العامة والتبليغ عنها.
وقد تطرق قانون العقوبات العراقي 111 لسنة 1969 إلى الجرائم المضرة بالمصلحة العامة وتناولها بالمواد من (399-404) بوصفها من الأفعال الفاضحة والمخلّة بالحياء العام.
وبالمقارنة بين ما يتم تداوله عبر منصات التواصل الاجتماعي وبين ما يشير الى المعنى الدقيق للمحتوى الرقمي نجد أن الاخير يشر الى إن عملية صناعته تسير وفق نهج واضح، غير متغير، وقد يبدو الأمر خلاف ذلك، لكن خلف الستار، تجد أن المحتويات المختلفة تسير وفق نهج واحد، وهي:
(1- تحديد الجمهور المستهدف, 2- تحديد الهدف , 3- تحديد الوسيلة المناسبة , 4- تحديد نوع المحتوى المناسب).
وتبين القاعدة الإعلامية من إنك إذا قدمت محتوى ما للجميع فأنت بهذا لا تقدم محتوى لأحد!
ممّا يعني أنه عليك وفق الخطوات أعلاه من تحديد جمهورك المستهدف، من جهة العمر والجنس والاهتمامات والفروق الفردية المهمة للغاية، وهدفك المطلوب تحقيقه، وتحدد أيضا الحالة المادية والتمويلية المناسبة لنشاطك عبر الوسيلة المناسبة، وسيجعلك هذا تعرف ضخ أي المحتويات الصحيحة لفئة الجمهور المستهدفة في الوقت المناسب.
ومن خلال تطبيق الخطوات اعلاه نجد ان المحتوى الرقمي يسير وفق استراتيجية محددة من اجل أن الارتقاء بالمصطلح, ومن هنا يظهر هنا تساؤلاً مهماً , وهو هل إن منشئيّ المحتوى السيء (الهابط المقترن بالفاشنستات) الذين صدرت على عدد منهم أحكاماًقضائية رادعة بالسجن لهم المام كافِ بهذه الخطوات , ام أن ما يتم نشره من قبلهم هي مادة لا ترتقي لأن نطلق عليها تسمية محتوى, والذي يُعرف كما تقدم بأنه يؤدي دورا أساسيا على صعيد المعلومات والمعرفة ومساهمته الحيوية في بلوغ أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة ، فضلاً عن تفعيل دور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إنتاج هذه المعلومات وتصنيفها وتبادلها ونشرها, والفيصل في ذلك كله هو التمييز بين النشر العفوي الذي من الممكن معالجته عبر النصيحة والتوجيه والاعتذار والحذف والتعهد بعدمتكراره , وبين مدى تحوله الى صناعة وفق منهجية محددة لأفساد الذائقة والأخلاق العامة وتقبله ممّا ينبأ بتداعيات آنية ومستقبلية مجتمعية وآمنية خطيرة.
ومن ثم فأننا ندعو المؤسسة التشريعية الى تعديل المادة (403) من قانون العقوبات العراقي
(11 لسنة 1969) وشمول ما أطلق عليه تسامحاً بالمحتوى الهابط ضمنها بالإشارة والتحديد الواضح وفق صياغة قانونية مانعة جامعة , وكذلك ندعو هيئة الاعلام والاتصالات المعنية بعد التشاور مع المختصين بورش وندوات عملية الى اصدار لائحة لقواعد البث خاصة بمواقع التواصل الاجتماعي من جهة، ووزارة الداخلية والمؤسسات القضائية والإعلامية والجهات المختصة من جهة أخرى الى اعادة النظر بتسمية (المحتوى الهابط) واستبدالها بمصطلح أخر يندرج تحت طائلة (النشر غير اللائق او المسيء للذوق العاموالمخلّ بالآداب العامة) وفق التوصيف القانوني المحدد.
ولنا وقفة أخرى امام المصطلحين الغريبين اللذين ظهرا على الساحة الاجتماعية والإعلامية
(الفاشنستات والبلوكرات) ... ولله في خلقة شؤون ...
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat