(تأملات في كتاب المصابيح لسماحة السيد أحمد الصافي) 38
علي حسين الخباز

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 كتب الإمام السجاد عليه السلام في كتاب الصحيفة السجادية منهجا شاملا في علم الأخلاق، من أجل خلق حصانة روحية عند المجتمع، عبر نشر القيم الإيمانية الفاعلة ومقاومة الإغواء والإضلال الشيطاني 
قدم كتاب المصابيح لسماحة السيد أحمد الصافي تلك الأفكار والرؤى القائمة على العقل والإيمان، ومن أخلاق خطاب المعصوم الدعاء ومشاركة الأولاد والاقرباء والجيران وكل من يقر بالوحدانية 
 ومثل هذا الإجراءُ يخلق مساحةً تأثيرية لمشاركة أوسع في الخطاب الروحي (الدعاء) والعمل على تمكين المتلقي من استيعاب المنهج الأخلاقي وانتقاء مفردات عامرة بالمعنى لتوضيح مزايا الخطاب مثل: 
(عقد)  
تعبير الإمام عليه السلام (أحلك ما عقد) الشيطان يعقد ويكيد ويحتكم على سبل مختلفة، منها دغدغة المشاعر ليتوصل إلى مآربه ببعض الشهوات الحسية وبعض المكاسب، وترك لنا ومضات نقية في الدعاء تعطينا مقاربة لمفهوم الحصانة الأخلاقية على مستوى الفرد _ المجتمع _ ونسير لجوهر الإيمان وتفسير بعض الظواهر الاجتماعية مثل السرقة، الرشوة، والمال الحرام، والنظر بمنظور تأملي لتلك الومضات، إذا أستعان الإنسان بالله تعالى دائما، فالله لا يمكن أن يخذله، ولا يمكن أن يتركه 
 الإنسان إذا وثق بالله تبارك وتعالى لا شك أن الله يكون عند حسن ظن العبد المؤمن، هذه السمات المميزة للمعرفة الأخلاقية، لمعرفة مناطق التمكن الإنساني، ضد المكيدة واستحكامات الشيطان، واليقظة توفيق الهي، يظهر لنا الحجم الحقيقي للشيطان، فهو أضعف طاقة من الإنسان، الإنسان أقوى لو تجاوز الغفلة. 
***  
(الفتق والرتق)  
 مثل هذه البنى الاستهلالية تشكل مغزى الهدف التضاد بين الفتق والرتق، هو المعنى الكامن لتفسير جملة الدعاء (وافتق ما رتق) الرتق حالة من حالات اللحام، وجعل الأمر يبدو متماسكا يصعب اختراقه لقوة استحكام الشيطان، التركيز على المبنى الظاهري لقوة الاستحكام، للتماسك الذي هو غير حقيقي، يظهر الدعاء (اللهم أفتق ما رتق) قدرة الله سبحانه وتمكنه من رعاية المؤمن 
قراءة سماحة السيد الصافي تبحث في أخلاقيات المنهج المعصوم، وقدمت مفهوم الإدراك لتحقيق الذات الإنسانية وترسيخ تلك القيم والسلوكيات، رسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله بعظمتها اعتبرها البعض سحرا، والبينة النبوية والدليل لا يزيدهم إلا عنادا أو صلفا لإن الشيطان استحكم على عقولهم 
والخطاب الأخلاقي اليوم يحتاج إلى تحليل الأزمة الاخلاقية أولا، التي لا ترى فيما تعانيه أزمة لذلك هي تصدر التهم ضد أمير المؤمنين علي عليه السلام، من أجل التعبئة والاستقطاب وترميه بالزهو، ومن أجل تحليل هذه البنية تجد أن سماحة السيد الصافي تعامل معها على أنها حالة من حالات الحسد، ويكشف لنا مفهوم الحسد بأنه مسعى شيطاني 
إن الحسد ليس من الله سبحانه، تبدأ النصرة من انتصار الإنسان لنفسه أن تخلف منه الحسد، الشيطان لا يأتي إلى العبد بعنوان المعصية، بل لديه مبررات لارتكاب الفعل، والخطاب الأخلاقي للإمام السجاد عليه السلام يبحث عن يقظة أخلاقية 
يشعر الناس أن الأزمة التي يعيشونها وليدة هذا الغياب غياب الأخلاقي، لا يمكن أن يقدم الإنسان للتطاول على الإنسان، والسعي لإسقاطه من أعين الناس بدافع الحسد، إلا بعد أن يحسن الشيطان له الصورة فيكشف سماحة السيد الصافي العقد المكبوتة التي لا بد أن يتخلص منها الإنسان، وهي ناتج من عدم الوقاية وعدم تحصين الذات، البعض جعل الأخلاق أكثر مادة لحديثه لكونها غائبة عن سلوكه 
 
(إهمال النفس وعدم التنبيه) 
جعل الله الكثير من المنبهات التي تحثنا على اليقظة لكننا لا ننتبه، قد يتحدث الإنسان عن الحرية وهو يمارس الاستبداد، ويدعو إلى المساواة وهو يعمل بمنهج مخالف لما يقول، وينحرف عن المقاومة الروحية مع الأساليب  الشيطانية بل الخشية الحقيقية هي أن يتعود على أكل الحرام، على الجيل الجديد أن يعي أن اللسان يوم القيامة يتبرأ من الإنسان، وبهذا المنحى نحتاج إلى منبه يكسر لنا نمطية الممارسات العبادية التي تؤدى بلا روح حقيقية، الصلاة نعم المنبه، وما عبد الرحمن إلا بالعقل فهو نعم المنبه، الله يغلبنا في الخصومة دائما لأن له الحجة علينا، والانتباه مطلب حسن يتنافس عليه العقلاء حين يكتمل الرتق الشيطاني أي يتماسك الإنسان بقوة النسيج، تتحول القضية إلى تعالق روحي مع الرتق، يحتاج حينها الإنسان للاستعانة بالله  سبحانه لفتق الرتق.  
  
 (تسويف التوبة)  
لكل مثابة من تلك المثابات التي ينطلق منها سماحة السيد أحمد الصافي إلى حكمة جديدة، ومعنى آخر من معاني الأخلاق نقف عند التوبة.  
1ـ نحن نحتاج إلى التوبة وعلينا أن نتعامل معها بحرص  
 2ـ الله سبحانه تعالى لا يحتاج إلى توبتنا 
3ـ تسويف التوبة هي السذاجة  
4ـ الموازنة بين حاجات الإنسان الخاصة وبين الفوز الحقيقي وهذا الأمر له علاقة بالعقل وبالحكمة فمن لا يحسن التصرف لا يحسن أن يرتقي سبل

ومضة فكرية يشخصها لنا سماحة السيد الصافي، إن الإمام زين العابدين عليه السلام يحذرنا من عملية الإصغاء إلى إغواءات الشيطان، الإنسان يدعو الله سبحانه بينه وبينه، لا أحد يسمعه كيف يزن العلاقة بينه وبين الله من جهة، وبين الشيطان من جهة أخرى، الإنسان قادر على ان يميز العلاقة بينه وبين الله من جهة وبينه وبين الشيطان من جهة أخرى، الإنسان قادر على أن يميز العلاقة في الدنيا 
 ممكن أن يصحح لنفسه درجات الميل، درجات اليقظة، الانتباه إلى محاسبة النفس، لمعرفة النتيجة، وهذه فطنة جوهرية منها ينطلق التغيير الحقيقي والذي هو نعمة من نعم الله سبحانه أنعم بها على الإنسان.

الموضوع السابق الفيلسوف الفرنسي أدغار موران في العتبة العباسية المقدسة

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat