بعض الأسئلة المحورية، تضعنا أمام يقظة الفكر ــ الثقافة ــ والضمير، وأول عتبات الفطنة هي الإيمان، أو لنقل ثقافة الإيمان كي لا تأخذنا الشبهة إلى صوبها بسذاجة التأثير الآني.
أرسلت أستاذة جامعية تسأل:
ـ إذا كانت الإمامة واجبة عندكم كالنبوة لهداية الناس من الضلالة، فلماذا إمامكم المهدي غائبا؟
أ ليس في غيابه نقض الغاية؟
الغرض الذي خلق من أجله التحاور في مسائل الإمام المهدي عليه السلام
البعض يطرح أسئلته ليختبرَ أو ليطعنَ ولا يسأل ليفهم، لأن التحاور يحتاج إلى النضوج الفكري، وبما أنها أستاذة جامعية لا بد أن يكون تحاورها من أجل غاية فكرية وليس من أجل التعصب، كتبت لها:
- إذا تدارسنا موضوع غيبة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف لا بد أن نتذاكر غيبة الأنبياء عليهم السلام لنعرف إنها ليست بدعة وليست شيئا جديدا وإنما الغيبة شيء متعارف عليه في غيبيات الدين الإسلامي وغاب أنبياء كثيرون قبل غيبة الإمام عليه السلام، وسأذكر لك عدد من الأنبياء الذين غابوا عن الناس.
مثل نبي الله إدريس (عليه السلام)، حدثتنا الروايات عن طريق أهل البيت (عليهم السلام) تنحى عن القرية الّتي كان فيها، وكان أهلها يعبثون، وأخبرهم بأن الله سبحانه يحبس عنهم المطر بدعائه، وآوى إلى كهف، ووكل الله سبحانه به ملكا يأتيه بطعامه كلّ مساء، فمكثوا بعده عشرين سنة لم يمطروا
وكذلك نبي الله صالح (عليه السلام) قد غاب عن قومه وهو كهلاً فعاد إليهم، وهو شيخ كبير ما عرفه أحد من قومه، قال الإمام الباقر عليه السلام:
إنّ صالحاً (عليه السلام) غاب عن قومه زماناً، وكان يوم غاب كهلاً حسن الجسم، وافر اللحية، ربعة من الرجال، فلما رجع إلى قومه لم يعرفوه.
والخضر (عليه السلام) غائب أيضاً حتّى ساعتنا هذه، ولم يعرفه أحد إلاّ موسى الكليم (عليه السلام).
قال تعالى: ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا* قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ بناءً على أنّ العبد الصالح هو الخضر عليه السلام.
ونبي الله موسى (عليه السلام) قد غاب في بيت فرعون منذ ولادته إلى ثلاثين سنة حينما خرج إلى المدينة، ورأى رجلين يقتتلان ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ﴾ وغاب قرابة عشرين سنة في أهل مدين عندما هرب من فرعون. وعيسى (عليه السلام) قد غيّبه الله بشخصه إلى أن يأذن الله في خروجه. ونبي الله يوسف (عليه السلام) غاب عن الناس في بيت العزيز وفي السجن عشرات السنين دون أن يتعرّف عليه أحد، يونس (عليه السلام) غاب عن قومه ثمانية وعشرين يوماً
هذا يعني يا دكتورتنا العزيزة أن غيبة الإمام المنتظر (عليه السلام) لم تكن بدعة من القول، ولم تكن أمراً غريباً لم يحصل مثله، وأحب أن أوضح لك إنّ للقائم غيبتان، غيبة بالشخص، وغيبة بالعنوان، أمّا الأولى، مثل غيبة النبي عيسى (عليه السلام).
وغيبة العنوان فهي لكلّ الأنبياء (عليهم السلام) الذين ذكرتهم.
سألتني حينها لو تسمحين ليتم تفاعلي معك.
ـ هل غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) كغيبة عيسى أم كغيبة باقي الأنبياء (عليهم السلام)؟ أجبتها وبحسب الأدلة، غيبة عنوانيّة لا شخصية، ولهذا سنعود للسؤال ما فائدة إمام غائب؟
فائدته أنه يمارس ما أوكل إليه من مهام دون أن يعرفه أحد، ومن مهامه (عليه السلام) هداية الناس عن طريق ما يفيض علينا من وجوده المقدّس وهي الهداية الّتي تكون في جميع جوانب الحياة، وغير محدودة في شيء، لولا وجود الإمام لساخت الأرض بأهلها، فالهداية تتحقق من المهدي حتى حفظ الدين من تلاعب المندسين فيه ونقصد الدين هو الدين الواقعي الذي جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله) محفوظا عنده صلوات الله عليه، باعتبار أنّ أهل البيت هم أهل العلم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
الآن علينا يا دكتوره أن نقر بأمر جاد هو أن الأمة مالت إلى الضلالة أكثر مما مالت إلى الهداية والرشاد، حرفوا الشريعة السمحاء واختاروا الدين الذي هم شرعوا قوانينه وأبعدوا قوانين الشريعة وهذا الأمر هو أحد الأسباب التي غيبت الإمام عن التعامل اليومي وإلا لقتلوه لأنه يغيب لهم دينهم الوضعي
عند وفاة النبي الأكرم نست الأمة وصية الرسول من الخليفة من بعده، وراحت تنصب لها خليفة على قياسات دينها.
تركوا أئمة أهل البيت الذين هم أمان أهل الأرض من العذاب
والأمام المهدي منصَّب من قبل الله، وقد أمرنا الله تعالى بالرجوع إليه، في كل زمان ومكان لذلك أدام لنا وجود الرحمة واللطف عجل الله فرجه الشريف.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat