ضرر الفساد في أمثلة (نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا) (ح 24)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
خصصت وزارة زراعة 5 مليون دولار لرش سماد عضوي غير سام على أشجار التفاح. مدير دائرة الاسمدة الفاسد في الوزارة اتفقت مع شركة اجنبية في شراء أسمدة سامة بسعر خمس سعر المبلغ المخصص. وبعد سنة وجد ان عدد كبير من متناولي التفاح اصيبوا بسرطانات معوية بلغ نحو 15 ألف شخص ثلثهم توفوا، والثلثين الآخرين صرفوا مبالغ لا تقل عن 10 آلاف دولار لكل مريض سرطان لغرض العلاج. كم المبلغ المختلس، وكم اقل تقدير للمبالغ التي صرفها المرضى لعلااجهم؟
المبلغ الذي اختلسه مدير دائرة الاسمدة = المبلغ المخصص - مبلغ السماد الفاسد = 5 - 1 = 4 مليون دولار. عدد المتوفين بالسرطان نتيجة أكلهم التفاح المسموم بالاسمدة = 15000 × 1/3 = 5000 متوفي. عدد المصابين المتبقين الذين يعالجون بعد اكتشاف السرطان بأجسامهم = 15000 - 5000 = 10000 مصاب تحت العلاج. كمية المبالغ التي صرفوها على علاج السرطان = 10000 × 10000 = 100 مليون دولار.
عن تفسير الميسر: قوله تعالى عن الفساد "إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ" (غافر 26) فرعون اسم علم، وقال فرعون لأشراف قومه: اتركوني أقتل موسى، وليدع ربه الذي يزعم أنه أرسله إلينا، فيمنعه منا، إني أخاف أن يُبَدِّل دينكم الذي أنتم عليه، أو أن يُظْهِر في أرض مصر الفساد.
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى عن الفساد "تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" (القصص 83) "تلك الدار الآخرة" يعني الجنة "نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض" أي تجبرا وتكبرا على عباد الله واستكبارا عن عبادة الله "ولا فسادا" أي عملا بالمعاصي عن ابن جريج ومقاتل وروى زاذان عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يمشي في الأسواق وحده وهو دال يرشد الضال ويعين الضعيف ويمر بالبياع والبقال فيفتح عليه القرآن ويقرأ "تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا" ويقول نزلت هذه الآية في أهل العدل والمواضع من الولاة وأهل القدرة من سائر الناس. وروى أبو سلام الأعرج عن أمير المؤمنين عليه السلام أيضا قال إن الرجل ليعجبه شراك نعله فيدخل في هذه الآية "تلك الدار الآخرة" الآية يعني أن من تكبر على غيره بلباس يعجبه فهو ممن يريد علوا في الأرض قال الكلبي يعني بقوله "فسادا" الدعاء إلى عبادة غير الله وقال عكرمة هو أخذ المال بغير حق. "والعاقبة للمتقين" أي والعاقبة الجميلة المحمودة من الفوز بالثواب للذين اتقوا الشرك والمعاصي وقيل معناه الجنة لمن اتقى عقاب الله بأداء فرائضه واجتناب معاصيه.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى عن الفساد "تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" (القصص 83) نتيجة حبّ التسلط والفساد في الأرض: بعد البيان المثير لما حدث لثري مستكبر ومتسلط، وهو قارون، تبدأ الآية الأُولى من هذا المقطع ببيان استنتاج كلي لهذا الواقع وهذا الحدث، إذ تقول الآية "تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً". أجل، فهم غير مستكبرين ولا مفسدين في الأرض وليس هذا فحسب، بل قلوبهم مطهّرة من هذه المسائل، وأرواحهم منزهة من هذه الأوساخ ! فلا يريدون ذلك ولا يرغبون فيه. وفي الحقيقة إنّ ما يكون سبباً لحرمان الإنسان من مواهب الدار الآخرة، هو هذان الأمران: (الرغبة في العلو) أيّ الإستكبار و(الفساد في الأرض) وهما الذنوب. لأنّ كل ما نهى الله عنه فهو على خلاف نظام خلق الإنسان وتكامل وجوده حتماً، فارتكاب ما نهى الله عنه يدمر نظام حياة الإنسان، لذا فهو أساس الفساد في الأرض حتى مسألة الإستعلاء ـ بنفسها ـ هي أيضاً واحدة من مصاديق الفساد في الارض، إلاّ أن أهميته القصوى دعت إلى أن يذكر بالخصوص من بين جميع المصاديق للفساد في الأرض. وقد رأينا في قصّة (قارون) وشرح حاله أنّ السبب الاساس في شقوته وهلاكه هو العلو و (الإستكبار). ونجد في الرّوايات الإسلامية اهتماماً بهذه المسألة حتى أنّنا نقرأ حديثا عن الإمام أمير المؤمنين على (عليه السلام) يقول: (إن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه فيدخل تحتها). (وهذا أيضاً فرع صغير من الاستعلاء). ومن الطريف أنّ صاحب (تفسير الكشاف) يعلق بعد ذكر هذا الحديث فيقول: بعض الطامعين ينسبون (العلوّ) في الآية محل البحث لفرعون بمقتضى قوله: "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ" (القصص 4) والفساد لقارون بمقتضى قوله: "وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ" (القصص 77) ويدعون بأن من لم يكن كمثل فرعون وقارون فهومن أهل الجنّة والدار الآخرة، وعلى هذا فهم يبعدون فرعون وقارون وأمثالهما من الجنّة فحسب، ويرون الباقين من أهل الجنّة، إلاّ أنّهم لم يلاحظوا ذيل الآية (والعاقبة للمتقين" بدقة ـ كما لاحظها الإمام علي عليه السلام. وما ينبغى إضافته على هذا الكلام هو أن هؤلاء الجماعة اخطاؤا حتى في معرفة قارون وفرعون. لأنّ فرعون كان عالياً في الأرض وكان من المفسدين "إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ" (القصص 4) وقارون أيضاً كان مفسداً وكان عالياً بمقتضى قوله: "فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ " (القصص 79). ونقرأ في حديث آخر عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنّه كان يسير في الأسواق أيام خلافته الظاهرية، فيرشد التائهين إلى الطريق ويساعد الضعفاء، وكان يمرّ على الباعة والكسبة ويتلوا الآية الكريمة "تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً". ثمّ يضيف سلام الله عليه: (نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل القدرة من الناس). ومعنى هذا الكلام، أنّه كما لم يجعل الخلافة والحكومة وسيلة للاستعلاء، فلا ينبغي أن تجعلوا أموالكم وقدرتكم وسيلة للتسلط على الآخرين، فأنّ العاقبة لأولئك الذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً وكما يقول القرآن في نهاية الآية "والعاقبة للمتقين". و(العاقبة) بمفهومها الواسع هي النتيجة الصالحة، وهي الانتصار في هذه الدنيا، والجنّة ونعيمها في الدار الأخرى. وقد رأينا أنّ قارون وأتباعه إلى أين وصلوا وأيّة عاقبة تحمّلوا مع أنّهم كانوا مقتدرين ولكن حيث كانوا غير متقين فقد ابتلوا بأسوأ العاقبة والمصير. ونختم كلامنا في شأن هذه الآية بحديث للإمام الصادق عليه السلام وهو أنّ الإمام الصادق حين تلا هذه الآية أجهش بالبكاء وقال: (ذهبت والله الأماني عند هذه الآية). وبعد ذكر هذه الحقيقة الواقعية، وهي أن الدار الآخرة ليست لمن يحب السلطة والمستكبرين، بل هي للمتقين المتواضعين وطلبة الحق، تأتي الآية الثّانية لتبيّن قانوناً كلياً وهو مزيج بين العدالة والتفضل، ولتذكر ثواب الإحسان فتقول: "من جاء بالحسنة فله خير منها"
وردت كلمة الفساد نحو 49 مرة في القرآن الكريم. والفساد مرافق للتكبر والطغيان "تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" (القصص 83). والفساد في حقيقته مجابهة وحرب مع الله تعالى "الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا" (المائدة 33) فإذا سعيت للفساد كانك تحارب الله. والقيادة الفاسدة يعني البلاء والهلاك"وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ * قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ" (النمل 48-49).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat