على عاتق السؤال يكون اليقين) قراءة في مجموعة (لا تأبه لمغيب الشمس) للشاعر علي هادي الفتلاوي
علي حسين الخباز
علي حسين الخباز
يعد التكثيف الشعري أحد أهم سمات القصيدة الحديثة، فالشاعر قادر على صياغة المشهد أو الموقف أو الأحاسيس بألفاظ قليلة معبرا عن الفكرة، حتى وأن احتفظت بمباشرتها أو خطابتها فالإيجاز سمة من سمات التعبير التي تحتاج إلى الفطنة والنباهة كونها تومض على خاطر المتلقي وتؤثر فيه.
يعد الشاعر الشعبي (علي هادي الفتلاوي) من أحد شعراء الومضة، كونه تخصص في هذا النوع من الأدب، فهو يحرص على إنشاء خطاب اتصالي يثير انفعالات المتلقي ويجعله يشاركه مشاعره، وخاصة أن هذه المجموعة من القصائد الحسينية التي عاشت عوالم الطف الحسيني تعددت زوايا الالتقاط فيها، وهذا التعدد يحتاج إلى فهم الواقعة ومعرفة التاريخ ليجيد فن الأخذ، فمن الصعب أن نحتفل بواقع تاريخي بحجم واقعة الطف على ورق.
صار القلم فرشاة رسم للوحة متنوعة المشاهد، تذهب إلى اللغة المغايرة، والشاعر (علي هادي الفتلاوي) ذهب إلى لغة أليفة ولها بيئة معلومة، ولكل شاعر ومضة له مميزاته الخاصة، وليس من السهل أن تعتمد اللفظة الشعرية على سمات الألفة والبساطة التعبيرية، وخلق الأثر الفني عبر البرقيات السريعة التي يرسلها الشاعر، وإذا أردت أن أنصفَ هذا الشاعر لا بد لي أن اقرأ كل ومضة من تلك الومضات على حدة، وهذا أمر غير ممكن، لذلك سأقرأ التجربة بكاملها من حيث الأسلوب والمعالجة وطرق الاشتغال.
الشاعر (علي هادي الفتلاوي) اشتغل هذه المجموعة الشعرية بأسلوبين مهمين، وكل أسلوب له عوالمه.
الأسلوب الأول... الاستفهام
الأسلوب الثاني... الإجابة عن أسئلة مغيبة
يمتلك الأسلوب الاستفهامي القوة التأثيرية لتنوع المواضيع، و لتعدد أدوات الاستفهام، مثلا منها ما ترتكز على أداة (شلون)
(بس هاي آني الدايخ بيها
ابتشييع الحسن بكل عام
العباس شلون اتحمل
من تابوته انترس اسهام)
قوة التأثير أنها تحيلك إلى المرجع التاريخي وقضية منع الأمويين من دفن الإمام الحسن السبط عليه السلام عند قبر جده النبي "صلى الله عليه وآله وسلم"، وهذا المسعى من مساعي الأخبار، استفاد من قوة هذا الأسلوب لاستذكار الموقف التاريخي، وبيان الواقع المر عبر التلميح والدلالة، وعبر الأسئلة الحوارية الكثيرة لإثارة متلقيه
(الدرب ساعه.. اثنين توصل للديار
بس العليله شلون تخبرها بالصار)
الحوار بواسطة أداة الاستفهام شيصير؟
(يل صرتوله مثل السيف
كلكم منشهر ضده
كلولي الحسن شيصير
لو مدفون يم جده)
تارة الرمز التاريخي هو الذي يسأل، وهذا استفهام حواري
(من يا كثر تردون آني أبدي بيها
قصتي الجان الشام شاهد عليها)
ومن الاستفهام الحواري هناك ما يكون صوت الشاعر هو من يسأل
(أويلي على السجاد أويلي
تخيلوا بحاله شيصير
شاف أبوه كدام عينه
أمكطع أو لمه ا بحصير)
والاستفهام عند الشاعر علي هادي الفتلاوي ليس لطلب الفهم أو الإخبار عن حالة معينة، بل يجعل القصد المرجعي في ذهن متلقيه، وهذا الاستفهام يسمى الاستفهام المجازي، كونه لا يريد جوابا من أحد، بل إيصال معاني ودلالات أخرى، فهو يعرف لماذا يسأل، ويعرف ماذا يريد من سؤاله، لأنه يسأل عن أشياء يعرفها، بمعنى يجسد معاناة الرموز التاريخية، والسؤال لتوسيع المعنى، لإثراء الفكرة والصورة والموقف، وهذا الأسلوب سيبعده عن التقريرية، وتنوعت أدوات الاستفهام بين شلون/شيصير/شنهو/شو
(ما فسرها بروفيسور
ولا عالم فسر شيء منها
قصه دم عبد الله البالطف
شو كلولي اشاكتب عنها)
أو استعمل (إلمن) وأغلبها تأتي للإخبار
(لو رادت تسولف صدك
إلمن تسولف همها
وهي العليلة امدده
أو كل المصايب يمها)
ويسأل بـ منو عن وجا (جا زينب شيظل بيها) أو (جا كلت جرحك يهون)
وبعض صيغ السؤال
(يا ابن حيدر تقبلها أظل وحدي)
الاستفهام عن طريق يمكن أو عن طريق عن
(عن يا عطش تحجون والعلقمي انشال
بيد الكفيل وراح وداه للعيال)
الاستفهام يبسط أمر مشاركة المتلقي، ليبثه أفكاره ومشاعره، والمشاركة تعني صدق الإحساس لذلك هو لم يستعمل في جميع استفهاماته (هل لأنه) لا يحتاج إلى استفهام حقيقي، الشاعر لا يسأل بأنه يرتاب، ولا يسأل بأنه يحتار من شيء، أو لا يعرف شيء، بل هو يسأل ليجسد المعاناة والرموز، وهذه مقدرة أن يبوح الشاعر عبر الاستفهام، والاستفهام يخدم الرثائيات كونها تؤدي إلى عمق دلاله التحسر، والتوجع، والاسى، والألم، هذا الأسلوب الأول أما الأسلوب الثاني، شعرية جواب تلك الأسئلة أي أنه يكون الجواب لسؤال مجازي، وبيان الحال والمشاعر، فهو يعمل على التشويق، والأفكار، والنفي، والتعجب، والاسى، والحسرة، والكثير من الدلالات، بدون سؤال يجيب عن سؤال غير موجود
(ما اتعب روحي آني ولا دور علأريده
بس أصيحن آه يا زينب تنولد عندي القصيده)
وكأن هذه الومضة جواب للسؤال مقدر، كيف تكتب القصيدة فيجيب أو يسال سؤال آخر في بال المتلقي.
(راح اسولف على الوفاء
الشافه بالطف الحسين)
شاف عباس على طوله مدد وما عنده أديين)
ومحاور البحث عن تلك الأجوبة كثيرة، والاستشهادات تطول، ونحن نطمح أن تكون القراءة تحليلية وليست إحصائية لاستجلاء جوهر الشعر في مجموعة حسينية ترتكز على الومضات
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat