حوارية (١٣٥) [التميز والتمايز ] ما هي أبرز الدروس العميقة في العمرة الرجبية؟
زاهر حسين العبدالله
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
زاهر حسين العبدالله
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
☝️السائل:
نحن على أبواب الرحمة، وفي حنايا رب العزة والجلال، ونريد أن تعلمنا أبرز الدروس التي يريدها الله منا أن نكتسبها في العمرة الرجبية.
✋الجواب: بسمه تعالى
إن الله سبحانه وتعالى واسع المغفرة، عظيم الجود، يُحب عباده، وهو غني عنهم. مهما عصوه ومهما خالفوه، يفتح لهم أبواباً يرجعون إليه، ويُرغبهم في التوبة، فيتوب الله عليهم.
هناك محطات في السنة وضعها سبحانه لعباده كي يتزودوا فيها من نعمه، سبحانه، ويستثمرونها في طلب غفرانه، ومنها شهر رجب المرجب.
وسمي رجب الأصب لأن رحمة الله تصب على عباده صبا، وهذه دلالة على عظيم لطف الحق سبحانه على عباده. فقد ورد في الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: [ألا إن رجب شهر الله الأصم، وهو شهر عظيم، وإنما سمي الأصم لأنه لا يقارِيه شهر من الشهور حرمة وفضلاً عند الله تبارك وتعالى]. وعنه (صلى الله عليه وآله)
قال: [رجب شهر الله الأصم (الأصب) يصب الله فيه الرحمة على عباده].
وروي عن عبد الله بن عباس: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا جاء شهر رجب جمع المسلمين حوله وقام فيهم خطيباً... أيها المسلمون، قد أظلكم شهر عظيم مبارك، وهو شهر الأصب، يصب فيه الرحمة على من عبده، إلا عبداً مشركا أو مظهر بدعة في الإسلام]. (١)
☝️السائل :
شوقتني لجواب سؤالي بعد هذه المقدمة
بعد هذه الروايات العظيمة،
س: ما هي أبرز الدروس التي يريدها الله منا أن نكتسبها في العمرة الرجبية؟
✋الجواب :
سؤالكم مهم جداً وحيوي، وهو:
والدروس في هذه الرحلة الربانية عميقة جداً، يغرف فيها المؤمن كل على حسب قربه من ساحة قدس الله سبحانه، ولكن سنذكر هنا جملة من الدروس التي أخال أنه يُحبها الله سبحانه أن يكتسبها عباده الصالحون منها:
١- أن تنعدم الطبقية والتميز والتمايز بين عباده حينما يلبسون لباساً واحداً متمثلًا في إحرامهم الأبيض، وكذلك النساء الأسود أو الأبيض. هذه دلالة على أننا تركنا الدنيا ومتاعها وزبرجها وزخرفها وآتيناك ملبين طائعين مسلمين ووالهين وعاشقين وطامعين في فيض جودك وغزير كرمك ووافر رحمتك بأن تعتق رقابنا من النار وتقربنا إلى أوليائك الصالحين: النبي الأعظم المختار محمد وآله المصطفين الأبرار، وأمير المؤمنين علي وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء وسيدي شباب أهل الجنة الإمامين الحسن والحسين والتسعة من ذرية الحسين عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه أجمعين.
٢- نكتسب صفات المتقين التي ذكرها أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته حيث
قال: عظم الخالق في قلوبهم فصغُر مادونه في أعينهم.
أي نروض النفوس على التواضع ولين الجانب ولذة الاعتراف بما قدمت أيدينا وما فرطنا في جنب الله سبحانه، وشكر النعمة التي أفاضها الله علينا بواسع رحمته، وتركناها خلفنا. وأن نذوق طعم العبودية الحقة له سبحانه وتعالى ونمتص رحيق المناجاة من فيض كرمه وجوده، ونقترب من مشكاة نوره وسُبحات وجهه الكريم.
٣- نتعلم في هذه الرحلة الإيمانية كيف نجاهد هذه النفس التي غرقت في شهواتها، فنزكيها بالدعاء والاستغفار والمناجاة والجهد البدني. وتمتلئ أرواحنا رحمةً على كل من حولنا، فنلبس جلباب مكارم الأخلاق وزينة الصبر وتاج الحلم، ونتحمل مشقة الأعمال الممزوجة بروح الدعاء والبكاء على ما قدمت أيدينا من ظلم أنفسنا.
٤- نتذوق طعم التقوى والبعد عن الدنيا إذا قرأنا قول الله عز وجل: {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّـهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣)} (الحجرات). حينما نرى جميع الجنسيات والقوميات بمختلف أشكالها وألوانها وأجناسها ولغاتها، أنهم مثلنا، لا فرق بيننا وبينهم، وكلاً يطلب مغفرته ورضوانه في هذا المكان المقدس، كما ورد في الرواية عن سيد الأكوان محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله): [إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ودينكم واحد، ونبيكم واحد، ولا فضل لعربي على عجمي، ولا عجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى](٢)
٥- نتعلم كيف نكبح جماح شهواتنا بأن لا نقع في محظورات الإحرام بعد عقد نية الإحرام، فنكون ممن ترحم عليهم أهل البيت عليهم السلام في عدة أقوال نأخذ منهم مثالاً على ذلك من سيرتهم العطرة عليهم السلام .
ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: [اطلبوا الخير دهركم كله، وتعرضوا لنفحات الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده]. وعنه عليه صلوات الله وملائكته ورسله والناس أجمعين: [تعرضوا لرحمة الله بما أمركم به من طاعته]. وروي عن سيد الموحدين وربيب الوحي أمير المؤمنين: [رحم الله امرءاً جعل الصبر مطية حياته، والتقوى عدة وفاته]. وعنه عليه السلام: [رحم الله امرءاً قصر الأمل وبادر الأجل واغتنم المهل وتزود من العمل]. وعنه روحي فداه: [رحم الله امرءاً راغب ربه، وتوكف ذنبه، وكابر هواه وكذب مناه... دائم الفكر، طويل السهر... يظهر دون ما يكتم، ويكتفي بأقل مما يعلم، أولئك ودائع الله في بلاده، المدفوع بهم عن عباده]. (٣)
٦- أخيرًا وليس آخرًا. نتعلم الصبر على الطاعة و نتعلم أمور ديننا وما يصلح أمرنا في سبيل نجاتنا في الآخرة، والبُعد عن المعصية، ونذكر أنفسنا أننا خلق ضعيف ذليل مسكين مستكين، لا نملك لأنفسنا نفعا ولا ضرا، ولاحياة ولا نشوراً، وأننا راحلون من هذه الدنيا تاركين متاعها. فعلينا أن نعمر ما سيأتي بعد الموت بالأعمال الصالحة، ونرضى بما منّ ربنا من نِعم بما تركناه من متاع الدنيا،
والأفضل أن تكون هذه النعم جسر خير وبركة إلى الآخرة. وأن ندعو دائماً في ظل هذه الفتن بدعاء الغريق، فقد روي عن ابن سنان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: [ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى ولا إمام هدى، لا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق. قلت: وكيف دعاء الغريق؟ قال: تقول: يا الله يا رحمان يا رحيم، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك..](٤)
اللهم ثبتنا على ولاية محمد وآل محمد ، والحمد لله رب العالمين.
🔆المصادر
(١)(ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٢ - الصفحة ١٠٥٢).
(٢)ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٤ - الصفحة ٣٦٢٩.
(٣)(ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٢ - الصفحة ١٠٥١) .
(٤)(بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٢ - الصفحة ١٤٩)
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat