(السيرة النفسية في مجموعة / قلقي شاسع صحراؤك ضيقة/ للشاعر كفاح وتوت ) ( من منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراق )
علي حسين الخباز
علي حسين الخباز
حين يمتلك المنجز الشعري مساحة واسعة من الحالات الشعورية الفاعلة، ستكون للقدرة التأثيرية امكانية بث الوعي الجمالي، والراحة النفسية والفرح ، ليرى الواقع عبر مخيلة ناضجة تترجم الواقع إلى فكر وروح ،ويصنع لنا من هذه الأفكار واقعًا يتفاعل نفسيًا وروحيًا بإنزياحات توسع مدارك الحلم، و يحلق بسردية شعرية تثير لواعج الداخل الإنساني ممزوجة بالعاطفة والخيال
(وقفت أرنو على شباك طلعتها
لألمح النور من محرابها الخجل
أبكي على بعدها في كل حالكة
وهي التي من غيوم العين
تضحك لي) ص٦
تقرب المعرفة النفسية للشاعر معناه، ومعنى الحياة، وعلاقة الإنسان بذاته ــ والآخر ــ وتفاعل تلك العلاقات في الخيال الشعري وفاعلية النظير تمنحنا انطباعات سلوكية تعبر عن جوهر المشاعر الإنسانية
(يجتاحني ظمأ
في التيه أسكبه
استأذن النحل أن أرويه
من عسلي)ص٦
التعبير عن السيرة النفسية تحتاج إلى موهبة مهارية عالية تساعده في تشكيل أفكار ، تلك السيرة وتحقيقها دلاليًا باعتبارها نشاط إبداعي وإدراك حسي يفعّل خيال الشاعر ،يبدأ بالتصور والفكرة ويتوسع الإدراك لينهل من الخيال ويصوغ منه الواقع
عمق التجربة تمنحه المرونة لتكون أقرب إلى معنى السليقة الشعرية وعبر فاعلية التنظير تتنوع الأفكار
(يا حالمًا بمعان منك منبعها
لأنت حرف
له فضل على الجمل)ص٨
وهذا يعني أن السيرة النفسية لها قابلية النفاذ وبعد النظر ، والاعتماد الكلي على الطاقة الإيجابية الكامنة داخل إنسانية الشاعر، (كفاح وتوت) شاعر أديب وفنان خريج فنون سينمائية وأتقن حرفة الإخراج ،عاشق كربلائي يعشق مدينة الجمال وهذه النواة التكوينية للبنية الروحية والعاطفية، رجل مسالم خلوق يحب السلام والسلامة، متصالح مع نفسه ، من هذا المنطلق يولد الجمال ويسعى لتحقيق الذات بهذه الأريحية النفسية، والايمان الذي يؤدي إلى الشعور بالسعادة ويكوّن للسيرة النفسية رقي إحساس كونها غير مفتعله تمتلك قدرة تأثيرية انعكست في تهذيب المشروع الشعري،
(وتدفق الماء السخي
ليطفئ الأضغان والأتراح
فهو الغاسل
من عذب حرف من تماهي عاشق
تحنو وتنبت في القلوب
شمائل)ص٩
من أولى مكونات السيرة النفسية الصفاء والاطمئنان النفسي الذي يرى الجزء المضيء من الحياة، ويبتعد عن العقد النفسية التي دمرت شاعرية الكثير من الأدباء والشعراء والكتاب ،كل كاتب يجسد ما بداخله من معنى،
يصاغ الشعر من الاقتران بسجايا الذات وطبيعة الموضوع الحياتي، واقعًا أو خيالًا ،وهذا هو التكوين الأول لمعنى الإثارة المبدعة، يلجا الشاعر إلى تعزيز هذه الإثارة بتفاعلات نفسية ليجذب استجابة المتلقي.
إن تجربته المتنوعة في عالم النشاط المدرسي والمسرحي والأدبي جعلته يعرف ما يحتاجه المتلقي من منجز يرتقي به إلى معناه، والى الجمال الإنساني واستنهاض القيم الروحية
(وانا هنا
ما زلت أوقد شمعة
فيها أدور على الردى
واقابل
وبها أبدد عتمة من أنفس
عاشت على أوهامها
تتقاتل)
ليصل بنا إلى جوهر مسعاه القصدي
(ما أوحش الأيام دون مودة
ما أخسر الإنسان
و هو الراحل) ص١٤
يلعب الأثر النفسي دورًا مهما في النظر إلى جمالية الرؤى ويكون حافزًا يحث على الرضا النفسي، بالولوج إلى الأعماق المعنوية، مصادر هذه السيرة هي الحياه نفسها، الذات والوجدان والمضمون الذي جعلته التجربة الحياتية للشاعر
(أتعود أغنية على
فم ظامىء
يبست حدائقه
وأحرقها الشرر
إن الزمان لقاحل
إن لم تعد خضلا
وتجري
حيثما شاء النهر) ص٢٠
الإبداع الحقيقي هو التعبير عن أفكاره الشاعر وقد استخدم الشاعر كفاح وتوت الأسلوب الوعظي بأرقى صوره ،وبعوامل التكثيف والتعويض والتنفيس، استثمر الهدوء الفطن للاستفادة منه كمحلل نفسي متمكن في تكوين البعد العلمي والمجازي عبر الاستثارة. البسيطة
(ينبض الحب الكبير/الحب معراج القلوب/نجاة نفسي بالرضا/لا تأمن الأيام/أعمل/ فأرم السلام إذا اعتراك الجاهل/اردع/امضي مع الأنهار/انثر بذور الحب/)
تعتمد السيرة النفسية عند الشاعر كفاح وتوت على التداعي الحر جوهر الفكرة الذي به يصل العقل الشعوري بجمالية الانزياح فيجعل التداعي غير مباشر
(غزاك الورد فانتبه اليباس
لكم تعبت بعشق الورد
ناس)ص٢١
اليقظة تصنع الأحلام ،حين يكون الوعي أثرًا نفسيًا يبعث الدهشة، وعافية المعنى ،وفي كل الأحوال هو معطى جمالي دلالي يبحث عن يقظ الوعي ، شعور يتعالى عبر مسارات القصيدة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat