صفحة الكاتب : محمد الرصافي المقداد

 سوريا إلى اين؟
محمد الرصافي المقداد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 من كان يعتقد أن الذي حصل في سوريا كان ثورة فليصحح اعتقاده، لأنّ ما حصل منذ بدأ سقوط النظام البعثي ويحصل اليوم - وفي تجاهل تام من الإعلام العربي والعالمي - دالّ على أنّ الشعب السوري وقع ضحيّة مؤامرة خسيسة، غُلّفت بغلاف استحقاق الشعب في الحريّة والعيش الكريم، وقد بانت حقيقتها من خلال جنايات عديدة، لا تزال ترتكبها فصائل مسلحة تابعة لهيئة تحرير الشام، تستهدف بالخصوص أقليات شيعية، استضعفت أوّلا باعتماد سياسة تجاهل لوجودها، في قرى حلب وادلب وحمص وريف دمشق ودرعا.  

الأخبار الأكيدة التي وصلتنا، برهنت على أن هذه الفصائل المسلحة مع قادتها، قد اثبتوا أنهم غرباء على سوريا، وبعيدون عن الإنسانية بعد المشرقين، فضلا عن الإسلام دين التسامح والعفو، دين خاتم لا مكان فيه لانتقام من أحد، ( وإن تعفو وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم )(1) وهذا ما لم نره في تصرفات من برهن على نية في العدوان، واخذ البريء بجريرة المذنب، وتصفية المقبوض عليهم دون محاكمة عادلة، وما أثار الإستياء والتنديد فعلا أعمال خطف الأبرياء وانقطاع اخبارهم وفي احسن الحالات يُعثرُ عليهم قتلى، وقد بلغت الأمور هناك مبلغا خطيرا يصعب تحمله واستمراره، وتفشّي أعمال السرقة بين قرى حمص الشيعية، استهدفتها العصابات أو الجماعات المسلحة تحديدا، حتى أنّه لم يسلم مسجد شيعي،  ففي (أمّ العمد) بريف حمص، مثلا حيث وقع الإعتداء على مسجدها من خلال انتزاع  معلّقاته الداخلية  ورميها خارجه، والدوس عليها بأقدام المسلحين ، ولم يسلم من العدوان حتى مقام السيدة رقية بنت الحسين عليها السلام في دمشق، حيث أخذت التُّرّبُ من الصناديق المخصصة لها بأمر من الهيئة ، هكذا اخبرني بعض القائمين عليه هناك.

لم يتوقف الأمر عند التهديد والوعيد، واقتحام البيوت الآمنة، بل وصل الأمر إلى أعمال خطف وقتل على الهويّة، ارتُكب في عدد من المناطق بسوريا وخصوصا بريف حمص، وبلغ مبلغا لا يمكن السكوت عليه مستقبلا، وهو ما ستكون له تداعيات أمنية خطيرة على مستقبل الحكام الجدد، الذين أنستهم نشوة إسقاط النظام البعثي واجباتهم، في حفظ الأمن والعمل على استتبابه، ليعمّ جمع المناطق دون استثناء، والوقوف بحزم في وجه المعتدين، مهما كان مواقعهم القريبة من الهيئة.

سوريا التي كان يأمل أهلها انفراج أزماتهم، وذهاب العابثين بمستقبلهم، لينفتح عليهم باب من الأمل بمستقبل مشرق، أصبحت اليوم في وضع متأرجح بين الإستقرار والفوضى، بين تحقق الوعد بالأمن بين جميع مكونات الشعب السوري وبين انعدامه، ودخول البلاد في حالة من التناحر الطائفي، وهو بلا شك مخطط وقع تأليف فصوله، بهدف تحييد سوريا عن دورها وموقعها، لتصبح مشغولة بحالتها الداخلية الطارئة بعد سقوط نظام البعث.

ضريبة تغيير النظام البعثي، ليس من العدل في شيء، أن يدفعها السوريون الشيعة، فيفرّون من بيوتهم وقراهم على وجههم، هربا من أعمال القتل والإغتصاب والسرقة، بعدما لاحظوا عيانا نماذج منها، فلم يسعهم البقاء، وتلك الاعتداءات الحاصلة، كانت خلاف ما تعهد به الجولاني وائتلاف فصائله، من ضمان حقوق الأقليات الدينية في سوريا، ومع ذلك لا نرى للعالم ردّة فعل أو موقف من شأنه أن يوقف تلك الإعتداءات.

المستفيد الوحيد من الوضع السوري الحالي هي إسرائيل، هذا الكيان الغاصب لفلسطين، تقدّمت قواته لتستولي على مساحة أخرى من الأرض السورية، وفي الأثناء لتدمّر جميع ما بنته ايران من قواعد مضافا إليها قواعد ومواقع الجيش السوري، ومع كل العنف الذي ارتكبته قواتها، بقيت دول الغرب صامتة، حتى أنّها لم تستنكر شيئا من غاراتها، ولا لتسلل قواتها واستيلائها على مساحات جديدة من جبل الشيخ والجولان، مستغلة خلوّ الساحة من قوات مدافعة، من شأنها أن تتصدى لذلك التغلغل المفاجئ، ولكنّه متوقع نظرا لنزعة الكيان الغاصب العدوانية.

ووفق قراءة (إيلان بيرمان)، الكاتب والصحفي في مجلة (نيوزويك) الأمريكية للمشهد، فإن النظام الجديد قد يبدو مفيداً لإسرائيل للوهلة الأولى، فهو ساعد في الإطاحة بالأسد وبالتالي إزاحة الوجود الإيراني القوي على الحدود الشمالية لإسرائيل، وانقطاع "الجسر البري" بين طهران وبيروت الذي استخدمه النظام الإيراني لسنوات لتزويد حزب الله في لبنان بالأسلحة.(2)

من هذه القراءة نفهم أن من خطط وحرك الفصائل المسلحة من أجل الإطاحة بنظام البعث هم تحالف غربي مع دول عربية، كانت ترى في الوجود الإيراني عامل عرقلة للتمدد الصهيوني في المنطقة، وخطرا يتهدد وجوده على ارض فلسطين، فجيمع المطبعين من مصر والأردن والامارات وقطر والبحرين والمغرب والسودان، ومن ورائهم محرك التطبيع السعودية، التي ستكون زفت الختام في معْبثه بالمنطقة، ولن تطبع إلا بعد أن تطمئن على الجميع، وهيهات أن يتحقّق لها هذا الحلم.

يمكن القول اذا أننا نقف أمام حالة طارئة من عدم الاستقرار في سوريا، فهل ستطول هذه الحالة، ليتشرّد فيها السوريون الشيعة دون غيرهم؟ أم أن العقل سيكون حاكما بالعدل في الأخير ليعيد للشعب السوري ألفته وتوازنه، في مواجهة تحدّيات مستقبله، والتصدّي لمخاطره، خصوصا تلك التي تهدد شأنه الداخلي، كل الأمل أن يحتكم السوريون لعقولهم ويلتمسوا سبيلا للتعايش ا الأخوي السلمي، كما كانوا متعايشين من قبل، وليس هناك ما يمنعهم اليوم.

المراجع

1 – سورة التغابن الآية 14

2 – التحول في سوريا يمثل تحدياً استراتيجياً عميقاً بالنسبة لإسرائيل – نيوزويك
https://www.bbc.com/arabic/articles/c30n499p474o
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الرصافي المقداد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/01/07



كتابة تعليق لموضوع :  سوريا إلى اين؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net