( التأملات الثرية في كتاب لعلهم يتذكرون) (تأملات كونية في فضاءات مطلقة للأستاذ شاكر اليوسف)
علي حسين الخباز
علي حسين الخباز
أغلب النقاط التي اعتمد عليها الأستاذ شاكر اليوسف في كتابه لعلهم يتذكرون هي نتاج تأملي حر ، و تجوال عفوي، واعتبار محض في الأنفس والآفاق والأعماق، كتبها كمتأمل يسرح بنظره في أرجاء هذا الكون و زواياه، وفي ظاهر الخلق وخباياه، يتفكر و يتدبر و يستنتج في حدود ما أتيح له من معلومات أجتهد في أن يتأكد منها ويضيف إليها عبر ما توفر له من مصادر البحث ، فجاءت هذه التأملات ثرية ، وإن كانت أصل أفكارها عفوية، تحلق في زوايا مختلفة من الكون، وتتبع الاستدلال المنطقي الفطري للعقل بأشكاله المختلفة ، بعضها يتبع الاتقان أي أن كل مخلوق يحمل من كمال الاتقان ما يدل على وجود خالق مبدع كامل القدرة والصفات كما جاء في القرآن الكريم (صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون) النمل 88، وبعضها يندرج ضمن دلالة التناسق، العالم كله يخضع لسنن كونية متناسقة ثمرتها التوافق والاتساق بين المخلوقات من ضمنها الإنسان وفي هذا الإطار يشير القرآن الكريم إلى التنسيق في النظام الكوني المسخر لتحقيق غرض و ليخدم بعضه بعضًا فيقول (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) النحل 12 وبعضها ينضوي تحت دلالة النظم ،برهان النظم يعبر عن الفلسفة ببرهان العناية وفي علم الكلام ببرهان النظم في الفيزياء بالضبط الدقيق وفي البيولوجيا بالتعقيد غير القابل للاختزال كما عبر عنه( مايكل بيهي )وقد استحوذ هذا البرهان على جميع الأنظار وقال به الطراز الأول من علماء الفيزياء مثل (مارتن ريس) رئيس الجمعية الفلكية البريطانية صاحب كتاب (فقط ستة أرقام )ونوه به (ليونارد سسكيند ) مدير معهد ستانفورد للفيزياء النظرية وقال (بول ديفيس) إن هناك اتفاقًا على نطاق واسع بين علماء الفيزياء على أن الكون خاضع لضبط الدقيق، وبعضها يندرج ضمن دلالة الضبط، والتوافق الدقيق ، وبعضها يعتمد دلالة التنوع على طلاقة القدرة الإلهية وبعضها ينضوي تحت دلالة وحدة المدبر ، وبعضها يندرج تحت دلالة إيجاد الأحسن وبعضها يعتمد على الاستدلال من خلال المقارنة
ويرى الأستاذ شاكر اليوسف أن ما وقف عليه العلماء والباحثون في جميع التخصصات من تفاصيل دقيقة في قوانين الطبيعة، وتشريح الحيوان والنبات يضع يفوق بأضعاف ما تناوله في هذا الكتاب، وما قد يبدو للإنسان العادي ثم عرض له وهو يدون هذه الأفكار والتأملات أن يذكر في مواضع كثيرة ما حضر نصه مما جاء في القرآن الكريم ذكره تصريحًا أو تلميحًا من معاني هذه النقاط المسجلة تثمينًا للفائدة واشهارًا لحقيقة أن مؤلف كتاب الايجاد والتكوين والمراد من كتاب التكوين أي عالم الخلق والكثرة فقد سماه القرآن كتابًا على ما يحتمل في تفسير قوله تعالى( وما فرطنا في الكتاب من شيء) 38 الأنعام من احتمال أن يكون المقصود بالكتاب هو عالم الوجود إذ أن عالم الخليقة مثل الكتاب الضخم يضم كل شيء ولا ينسى شيئًا ،ويحتمل ذلك ايضًا فيقول تعالى ( ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتابٍ إن ذلك على الله يسير )الحج 70 ،
وأيضًا في قوله تعالى (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) الأنعام 59 ،كتاب الايجاد والتكوين هو نفسه منزل كتاب التشريع والتدوين ( القرآن الكريم) وإن الخالق هو الهادي سبحانه وتعالى (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون) الزمر 27 قوله تعالى (ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فابى اكثر الناس الا كفورا )الاسراء 89،
وقوله تعالى ( ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلًا) الكهف 54 ،وإن الخالق هو الهادي سبحانه وتعالى و هو العالم بكل حرف وضعه في الكتابين أي كتاب التكوين وكتاب التدوين فجاءت هذه المذكرة تأملات كونية بإشراقة قرانية ،
ولا حظنا أثناء قراءتنا دقة ما تضمنه النص القرآني من إشارات علمية ولغوية في دلالاته البيانية وعرفنا أنه لا يمكن أن يقوله إلا الخالق الذي صمم هذا الكون وقدر( ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون ) الأعراف ،52
وقوله تعالى ( قل أنزله الذي يعلم السر ما في السماوات والأرض إنه كان غفورًا رحيمًا ) الفرقان: 6، وأحاط به بكل شيء وضعه فيه وإنه لا يمكن لأنسان مهما أوتي من علم أن يلم بكل هذه التفاصيل الدقيقة عن الكون الشاسع وقوانين الطبيعة و عوالم الأحياء البرية منها والبحرية وعالم النبات قوله تعالى (ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) النحل: 89
ضمن المحيطات العلمية المتواضعة لدى البشر وقت نزول القرآن قال الله سبحانه (ما كان حديثًا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) يوسف 111
لا بل حتى مع تطور العلوم قال الله تعالى( قال لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا) الإسراء :88
إلا أن يكون قد تلقى ذلك عن طريق الوحي من لدن خالق تلك العوالم المحيط بجملتها، الخبير بمسائلها، الواضع لقوانين الطبيعة التي تحكمها ،قال تعالى( وإنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علمًا ) طه: 98 ،وقال تعالى (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) الملك: 14، جعل الفصول التي تندرج تحتها هذه الأفكار والتأملات ستة، الأول خاض في قوى الطبيعة وقوانينها ، والثاني في علم النبات، والثالث في علم الحيوان، والرابع في الانسان، وفصل خامس في جمالية تصميم الكون وتصوير الخلق والطبيعة، وفصل الأخير للمتعمقين الباحثين، وذوي الإختصاص ثم انتهى إلى ذكر 12 نتيجة مستخلصة من كل هذا الاستعراض والبحث .
وجاء في خاتمة المدخل دعاء تأملي( ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat