اقتحام مكافحة الجرائم ليس خرقا امنيا
جواد البولاني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
جواد البولاني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
توطئة
نحتاج في هذا المقام للاطالة والتوسع حتى نتمكن من الاحاطة بالموضوع من جميع الوجوه وتقديم صورة واضحة للقاري عن ماحصل عند اقتحام مديرية مكافحة الجرائم الكبرى في وسط بغداد وقريبا جدا من مقر وزارة الداخلية .
الصراع بين الخارجين على القانون والمكلفين ببسط الامن لم ولن ينتهي مهما كانت قوة الطرف الاخر او ضعفه ويبقى مفتوحا والتفوق فيه ادواريا وحسب امكانات واستعدادات كل طرف منهما ’ ومع ان الطرف المسؤول عن بسط الامن وتنفيذ القانون يتميز بوجود ظاهري معلن وامكانيات ومعدات وقيادات وقطعات مدربة ومخصصة لكل الاغراض قد يجد نفسه احيانا في موقف حرج في صراعه مع الطرف الاخر وان كان هذا الطرف يمارس الكتمان على وجوده وخططه وفعالياته بحكم طبيعة الصراع بينه وبين نقيضه . وماحدث في بغداد امس الاول عندما تم اقتحام مديرية مكافحة الجرائم الكبرى يعتبر حالة غرائبية في العرف الامني وفي كل المقاييس الكبرى من حيث قلب المهاجمون المعادلة تماما ووضعوا القوات الامنية في الزاوية الحرجة وتفوقوا بشكل لايقبل التأويل او الشك حتى وان لم ينجحوا في تنفيذ الغرض الذي هاجموا من اجله تلك المديرية وهو اطلاق سراح رفاقهم الموقوفين على ذمة قضايا ارهابية كبرى وقبل الخوض في تفاصيل الهجوم وصفحاته علينا رسم خارطة وصفية لمديرية مكافحة الجرائم .
ان موقع الهدف يعتبر من ضمن عرين الاسد (موقع وزارة الداخلية ) اذ لايبعد عنه اكثر من 2 كيلومتر ولاتفصل بينها وبينه مواقع او موانع عازلة وبأستطاعة قوات الوزارة الاصلية والاحتياط الوصول اليه في ظرف زمني يقل عن الـ(5 ) دقائق والموقع مختار بعناية فائقة ومحصن تحصينا جيدا جدا وتم اغلاق كافة الطرق المؤدية اليه وهو محاط من جهة الشرق بمستشفى الواسطي ومن الغرب بدائرة الجوازات ومن الشمال باكبر نقطة سيطرة في داخل بغداد ومن الجنوب بنقطة سيطرة وحواجز كونكريتية ولايسمح بمرور السيارات قريبا منها وبالمناسبة المدخل المؤدي لها من مستشفى الواسطي لايسمح بمرور السيارات ايضا وتحرسه نقطة سيطرة تجبر راكبي السيارات على تركها في مرآب مخصص لذلك الغرض ومن جهة سيطرة الشمال الطريق مغلق ايضا وبحواجز كونكريتية ولايسمح بمرور السيارات علاوة على ان تلك السيطرة لايمكن لسيارة ان تجتازها بالظروف العادية في اقل من نصف ساعة ومن الجنوب هناك حفريات واعمال لتصليح الشارع تجبر السيارات على الانحراف والاتجاه نحو مستشفى ابن الهيثم للعيون بعيدا عن الموقع المستهدف ومع كل هذه التحصينات والاجراءات الامنية استطاع المهاجمون الاختراق والوصول الى الهدف بوقت قياسي . والسؤال كيف تمكنوا من ذلك ؟ وهل يمكن حصولهم على تواطؤ بعض من يعملون بالمديرية المذكورة معهم ؟ انا شخصيا استبعد حصول تواطؤ لكن قد تكون كيفية وصولهم ليس صعبة للاسباب التالية :
1- التحصينات المبالغ فيها اعطت شعور زائف بالامان وعدم قدرة الارهابين على الوصول
2- عدم كفاءة او جدية السيطرات المحيطة بالهدف والقدرة على التعامل مع الحدث بحس امني مبكر
3- ضعف تدريب حراس المديرية وقلة خبرتهم ومحدودية اسلحتهم .
4- قدرة المهاجمين على خلق حالة من الرعب والصدمة عندما قاموا بتفجيرين في ساحة الاندلس القريبة وتفجير ثالث قرب مستشفى الواسطي مما اربك جميع منتسبي المديرية المذكورة والسيطرات وقد يكون البعض اخلوا اماكنهم طلبا للنجاة بانفسهم
5- عدم وضع خطة وخطط بديلة من قبل ادارة المديرية لمواجهة هكذا احداث كبيرة مما جعل الجميع يعيشون حالة تشتت وفقدان السيطرة .
6- التهويل الاعلامي المسبق عن قوة الارهاب وقدرة عناصره على تفجير انفسهم عند مواجهة وضع معين
7- عدم وجود غرفة عمليات مركزية تدار من قبل المقر مباشرة وتسيطر على المقرات التابعة للوزارة .
8- عدم وجود قائد او ضابط متخصص يقود هذة المديرية لان الاختيار غالبا ما يكون عن طريق التزكية الحزبية وليس سجل الكفاءة.
9- غياب وزير للداخلية يتابع شؤون الضباط والمنتسبين ويكون ضهيرا داعما لهم فضلا عن دوره في المراقبة والمتابعة.
وهناك اخطاء قد تكون للناظر بسيطة لكنها ادت الى نتائج كارثية ومنها :
1- وجود موقف ملحق بالمديرية يضم الكثير من الارهابيين الخطرين وهذا ما يجعلها هدفا على الدوام من قبل الارهابيين الاخرين لتحرير رفاقهم .
2- عدم نقل هؤلاء المساجين بعد فترة وجيزة او بأنتهاء التحقيق وربما يكون الروتين وتاخير تقديمهم للمحاكم لحسم قضاياهم ونقلهم الى سجون مختصة سببا اخر .
3- عدم تكليف قوة من خارج المديرية لاناطة مهمة الحراسة بها وتفرغها لهذا الواجب
4- تحميل منتسبي المديرية واجبات الادارة وواجبات الحراسة مما يضعهم تحت ضغط العمل وممارسة التغيب او التحايل .
بعد هذا لنرى كيف قام الارهابيو بعملهم وكيف قام المسؤولين عن الامن بواجبهم على اساس معطيات ما افرزته ساحة المعركة من وقائع اظن ان الارهابيين خططوا بالطريقة التالية :
اعتدنا بتعاملنا مع الارهاب على انفجار او اثنين يعقب الثاني الاول لكي يلحق الاذى باكبر عدد من المتجمهرين بفعل الانفجار الاول . لكن طريقة اقتحام مديرية الجرائم كانت خارج الاعتياد اذ قام الارهابيون بضرب ساحة الاندلس ساعة الذروة وانتهاء الدوام لكي يسحبون اكبر عدد ممكن باتجاهها وفي نفس الوقت ضربوا مستشفى الواسطي لكي يشعر من يقع بين مكاني الضربة بالخطر الزاحف فيخلي المكان بقدر ما يتاح له وبذا استطاعوا ضمان طريقا سالكة الى هدفهم بعد ان نشروا الرعب وساعدهم على ذلك تخبط القوات الامنية وعدم التزامها الهدوء والسيطرة على الوضع لظنها ان الامر انتهى واكتفى المهاجمون بتفجير السيارات المفخخة في تلك الاماكن كما منحتهم القوات الامنية فرصة ذهبية بغلق المنافذ وخصوصا جسر ملعب الشعب ومقترباته بحيث استطاعوا قطع المسافة بسرعة ويسر للوصول الى الهدف والتمركز فيه . هذا ما حصل خارج اسوار الهدف او بعيدا عنه نسبيا طيبا كيف جرت الامور بداخله وكيف ادارت القوات الامنية المعركة ؟ من خلال الخبرة والمتابعة الميدانية وما تناقلته القنوات الفضائية بدى الامر اشبه بالمزحة اذ يعلن المسؤولين الامنيين ان المهاجمين الذين تمكنوا من دخول المديرية هم اربعة يرتدون احزمة ناسفة واستطاعوا قبل دخولها قتل بعض الحراس في حين يبلغ تعداد المديرية اضعاف اضعاف هذا العدد بكثير وفيهم من افنى سنوات طويلة بالخدمة كشرطي محترف ووصل الى اعلى الرتب . الا يمكن لضابط جريء او حتى عنصر امني كفوء ومثل مانشاهد بالاستعراضات العسكري ان يلتف عليهم ويطلق رصاصات مسدسه ويصيب من احدهم مقتلا ليشجع الاخرين ومن ثم يتم محاصرتهم والقضاء عليهم بدون ضجة وهم اربعة اشخاص لاغير . هذا من جانب الجانب الاخر كيف تم ادارة المعركة ان كانت هناك معركة فعلا ؟ اعود للقنوات الفضائية كشاهد موثوق على ماحدث ونقلته لنا عبر شاشاتها ’ لقد تم تحشيد اكثر من قوة بمافيها القوات الضاربة (سوات) وحضر اكثر من مسؤول كبير لكنهم لم ينجحوا بحسم المعركة حتى بعد مقتل ثلاثة من المهاجمين وبقاء واحد واستمرت حتى ساعات الظلام وكان كل ماقاموا به هو تسوير (تطويق ) المكان وانتظار ما تسفر عنه الامور مع التاكيد على عدم وجود خطة في كل مايحصل من خروقات امنية .
في النهاية اعتقد جازما ان ما احصل او وقع في مديرية مكافحة الجرائم الكبرى لم ولن يكن خرقا امنيا وانما كان كشفا واضحا لقدرات القيادات الامنية وضعفها وعدم تعاملها مع الاحداث باستحقاقاتها ولو كان الارهابيون بضعف عددهم ربما لحدثت كارثة او فضيحة امنية قد لاتنسى فصولها زمنا طويلا
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat