إلى جهابذة بلادي: كل غزة وأنتم بخير
محمد الحمّار
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الحمّار
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إلى السادة والسيدات أصحاب الأطروحات الجامعية والبحوث المعمقة والشهائد المنمقة، إلى نوابغ السياسة والفكر السياسي: من غزة إلى غزة لا أراكم تحرّكتم شبرا واحدا عن قواعدكم ولا أراكم حرّكتم ساكنا. أراكم دائما سالمين على الأرائك متكئين. من أرائك فندق الـ"أفريكا" الذي جمعتني بكم فيه الصدفة (17-12-2008، مؤتمر"الاجتهاد وحقوق الإنسان والديمقراطية، أية علاقة؟" "بإشراف "المعهد العربي لحقوق الإنسان" و"الرابطة التونسية لحقوق الإنسان") إلى أرائك صالونات الفرجة على صورٍ حارقة، ثلاثية الأبعاد، قادمة من غزة المحروقة إلى بلدٍ مبتل بشتاء عربي معتل. لقد كان لقائي الأول بكم في يوم أغرّ عرفَت فيه العاصمة والأماكن المجاورة للفندق مسيرة كبيرة للتنديد بالعدوان على غزة، الذي كان في أشده آنذاك. لقد جالستكم قليلا، ولمّا يئست من سماع مادة لا تشبه التكرار غادرت المبنى واندمجتُ في المسيرة.
أيها السادة والسيدات العلماء وفقهاء الدين والساسة العظام: ها نحن نعيش غزة أخرى بعد أيام معدودات من اطمئنان بن الحسين على عرشه الأمريكي للمرة الثانية على التوالي و بعد وُلُوجِهِ إلى داخل قلوبكم من فتحة الحسن والإحسان، وها أنّ بلدكم، الذي هو بلدي، يؤكد لكم حاجته إلى خدماتكم أكثر من أيّ وقت مضى. إلا أنّ الشعب يئس منكم. ذلك أنه كان ولا يزال شاهدا على تعاليكم عليه وفي الوقت نفسه تعاليكم على العِلم الذي تدّعون بكل اعتداد تملكه. فبالله عليكم، عدا محمد الطالبي ويوسف الصديق وقلةٌ من نفرٍ آخرين ممن يتملكون نظريات علمية حقيقية، من منكم نزل بعلمه و اختلط بالشعب الشغوف المحتار فآنسه واستأنس به في المراحل المتتالية التي تتواتر أمام عيونه منذ انتفاضة 14 جانفي إلى الآن؟ ناهيك أن تكونوا قدمتم له ما يشفي غليله قبل ذلك التاريخ المرجع ومن باب أحرى في إحدى "الغزّتين" .
لم أكن لألومكم لو نصحتم الشعب بالاتعاظ بما تقوله تلك الأقلية العالمة، وأيضا لو بحثتم عمّن هم أقدر منكم على إيتاء الإضافة العلمية والفكرية والسياسية الضرورية. لكن الغريب في الأمر أنكم لا تكتفون بالتنصل من مهامكم كمثقفين وكمهنيين وبالإخلال بواجبكم المتمثل في تأطير الشعب وغرس الثقة في قلوب بالناس، بل تتنكّرون للمعروف لمّا يأتي من عند غيركم وبالتالي اخترتم أن تحرموا هؤلاء، بسكوتكم المبهم، من الوصول إلى قاع الشعب. فأنتم يا أيها الراسخون في العلم، وأيها النوابغ في الإعلام، ويا أيتها القامات الشاهقة في مجال الإفتاء للرضع الكبار، تريدون الجمَل وما حمَل الجمل. تالله لا تعرفون من العلم إلا اسمه، حيث إنّ علما بلا منهاجٍ مَثلهُ مثلُ طعامٍ بلا ملح أو تجارةٍ بلا ربحٍ.
يا جهابذة بلادي: تلومون الدهماء بالشح في القراءة؛ فهلا كتبتم لهم ما يقرءون؟ تؤاخذون الجماهير على شعبَويتهم؛ فهلا بثثتم لهم من البرامج الإذاعية و التلفزية ما يلبي حاجياتهم الآنية، وهلا جلبتم لهم غير الحقوقيين والقانونيين والسياسيين كي يستيقظوا؟ ألا تخجلون من ترككم الدهماء يستنشقون غاز "الشيست" منذ عامين ونيف حتى أصابتهم وإياكم غزة تلو غزة؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat