صفحة الكاتب : الاب حنا اسكندر

الأب حنا اسكندر يجيب على رد البيومي
الاب حنا اسكندر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بداية اشكر أدارة موقع كتابات في الميزان لتكرمهم بنشر بحثي المتواضع هذا على موقعهم، وأكرر شكري لجناب السيد يوسف البيومي الذي أكرمني برده الشريف والمتعالي وأمتعني بأسلوبه الهادئ الذي نفتقر إليه في شرقنا الحبيب. وإن ردي ليس هو وضع نقاط على الحروف، ليبدو أي منا منتصرا أو مهزوما لا سمح الله، ولكن بداية حوار عقلاني مبني على الاحترام المتبادل، وأؤكد لكم  أني أكن لشخصكم الكريم، ولكل شخص من إخوتنا المسلمين كل محبة وتقدير واحترام.
أنتم تعلمون كيف تعلَّمنا في مجتمعاتنا المنغلقة نوعا، وكيف كفَّر بعضنا الآخر، لكني، ومع احترامي للجميع، قد سبحت، من زمن بعيد، عكس التيار، وبدأت بالبحث عن المشتركات بين الإسلام والمسيحية بدلا من التنقيب على نقاط الخلاف وتسليط الضوء عليها، وهذا حسب رأيي  يقرّب قلوب وعقول المسلمين والمسيحيين.
والآن اسمحوا لي  أن أجيبكم على اقتراحاتكم القيمة بعد كل مقطع لكي لا نضيع القارئ:
 
الرد القويم على: صلب المسيح وقيامته من خلال آيات القرآن الكريم.
الجزء الأول من الرد:
 
بادئ ذي بدئ إذ أننا نشكر حضرة "الأب حنا اسكندر" ونثمن محاولته التي حاول من خلالها أن يقرأ في عقيدة المسلمين وفي كتابهم القرآن الكريم لكي يخرج بالنتيجة أو بالبحث الذي أسماه: "صلب المسيح وقيامته من خلال آيات القرآن الكريم". 
 
وبما أنكم نشرتم هذا البحث ونحن أكيدون من حسن نيتكم والقصد من هذا البحث هو التقارب مع المسلمين إلا أن هناك بعض الأمور الجوهرية التي فاتتكم أو غفلتم عنها سهواً، ولا بد أن ننبه عليها لكي نكمل هذا الحوار الهادئ والمثمر، إذ أننا وكما يقال: "نحن أبناء الدليل نميل معه كيفما يميل".
ونحن كذلك يا سماحة السيد والحمد لله بداية التقينا وهذا من المشتركات الهامة للبحث العلمي.
 
ولكن قبل مناقشة البحث الذي نشرتموه لا بد من توضيح بعض الأمور:
أولاً: إن مسألة المقارنة فيما بين الأديان تثير الكثير من الإشكاليات حول الدين الحق، وقد سعى أتباع كل دين إلى نصرة دينهم، من خلال النصوص المقدسة لدى الدين الآخر، وتجلّت هذه الظاهرة بأبهى صورها بين الإسلام والمسيحية، نظرًا لانفتاح كل منهما على دعوة الناس للإيمان به واتّباعه.
أخي بالرب، كل ما أبغي، ليس نشر المسيحية بل البحث عن المشتركات فيما بيننا لأن اختصاصي التاريخ والإسلاميات وما تبين لي أن جذورنا مشتركة والكثير الكثير يجمعنا والقليل القليل يفرقنا وما غايتي إلا البحث عن الذي يجمعنا.
 
إن من الطبيعي أن يستند المتأخر - في إثبات حقانيته - إلى نصوص الدين السابق، استنادًا إلى أن الدين السابق يشتمل - بشكل أو بآخر- على إرهاصات وبشائر تتحدث عن الدعوة التالية، ما دام الكل يربطون أنفسهم بالله تعالى، وأن الدين كله حلقة مترابطة يكمل بعضها بعضاً.
جيد أيضا، الدين كله حلقة مترابطة يكمل بعضها البعض، فلماذا إذا لا نساهم في إكمال بعضنا البعض وإغناء بعضنا البعض وخاصة نحن رجال الدين المسؤولين المباشرين عن العناية بالمؤمنين.
 
وقد استفادت المسيحية والتي قامت ركائزها على قوانين ونصوص العهد القديم، وعمل المسيحيون على الاستفادة من هذه النصوص في إثبات صحة ديانتهم.
ونفس الأمر حصل بالنسبة للدين الإسلامي المتأخر عن الديانتين السابقتين اليهودية والمسيحية، فقد استند في الكثير من المواضع إلى نصوص العهدين لإثبات حقانيته أيضاً، لكن ليس بمعنى أن صحة الإسلام متوقفة على تصديق تلك النصوص، بل بمعنى إلقاء الحجة على من يؤمنون بها، بعد ملاحظة الظروف التي أُنزل القرآن الكريم بها، وبيان وحدانية الدين عند جميع الأنبياء (عليهم السلام).
يا جناب السيد، ويا أخي في الرب، أنا كل ما أبغيه البحث عن المشتركات وأكرر الكثير الكثير يجمعنا والقليل القليل يفرِّقنا.
 
بل لقد صرحت بعض الآيات القرآنية الشريفة أن أهل الكتاب يعرفون نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) كما يعرفون أبناءهم، وأنهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل
ثانياً: لقد عمد "الأب حنا اسكندر" إلى الإستفادة من النصوص الإسلامية في تثبيت أركان ديانته. وهذا في الحقيقة من المفارقات الغريبة، لأنه ما دامت الكنيسة لا تعترف بقدسية نصوص القرآن الكريم، وإنكم لا تؤمنون بأنها من وحي السماء، فمن غير المنطقي أن تشكل مستندًا بالنسبة إليكم، تتمسكون به لإثبات بعض عقائدكم من خلاله
صراحة لم يعد أمامي سوى هذا السبيل لوضع نقطة انطلاق لحوار مع إخوتي المسلمين الذين أكنُّ لهم كل التقدير، لأن إن حاججتهم بالإنجيل يجيبوا إنجيلكم محرَّف. وإن حتى استندنا الى مصادر أخرى غير مسيحية يعتبرها المسلمون غير موثوق بها
وإن استندنا بالطبع إلى كتابات الشراح والمؤرخين المسيحيين في القرون المسيحية الأولى فهي أيضا مشكوك فيها...
لذلك لم يعد أمامي إلا البحث في القرآن الكريم والمصادر الإسلامية، لوضع نقطة انطلاق للبدء بالحوار. وأنا لا أبغي إثبات عقيدتي بقدر ما أبغي بدء لقاء وحوار مبني على المنطق والاحترام المتبادل، ولأقول لأخي المسلم، يا أخي تعال أنت إنسان عزيز وكريم ومحترم بالنسبة لي وأنت أخي في الإنسانية، واسمح لي، وفي الدين أيضا، فلنبدأ الحوار
والجدير بالذكر في مقامنا هذا أن كثيرًا من استنادات علماء أهل الكتاب إلى القرآن الكريم وإن ظهرت في صورة المجادلة مع المسلمين، إلا أنها في حقيقتها استنادات تأسيسة، يراد بها تقوية المعتقد المسيحي، وقد فاتكم أن ذلك لا يفيد بشيء، لأن الفرض عندكم هو عدم كون القرآن الكريم وحيًا من عند الله تعالى، وتعتقدون بعدم صحة نبوة النبي (صلى الله عليه وآله)، وهذا سوف يُفقد هذا المستند أية قيمة تذكر بالنسبة لكم، فلا بد من القول أن مثل هذا الاستناد إنما ينشأ من موقع غير القوي، وهذا ظاهر
يا أخي العزيز في الرب، أنا أحترم كل الاحترام الاسلام وكتبه المقدسة، وأكرر ما قلته سابقا الكثير الكثير يجمعنا، فلماذا نُصرّ على البدء بنقاط الخلاف، أنا حسب رأيي نبدأ بالمقاربات وسنجد حلا للخلافات، فحسب رأيي المتواضع لا خلاف قطعا بين الاسلام والمسيحية، وفعلا أنا مذهول مما اكتشفته ولا أزال اكتشفه من مشتركات بين الاسلام والمسيحية، وأقولها لكم الآن، أني من وقت قريب اكتفشت أن الرسول مارس الحياة النسكية، وصلَّى صلوات الرهبان، ورتَّل تراتيلهم، وحدَّث بأخبارهم، وأيضا عاش فقرهم واهتمَّ باليتيم والبائس والفقير، وعاش طاعتهم، وحتى لا تفاجأ: مارس عفتهم، وإن ما نسب زورا إلى الرسول عن تعدد النساء، (باستثناء خديجة وبعد وفاتها، ماريا القبطية) وجعلت منه بعض الأحاديث زير نساء، ليست إلا أحاديث غير صحيحة، كتبها، حسب اعتقادي، من تولَّى على المسلمين، وخاصة من بدايات عهد بني أميّة، إلى العصر العباسي، الذين لم يكن يهمهم الا المال والنساء فلكي يبرروا شذوذهم، نسبوا تلك الأحاديث الى الرسول، وهو بالطبع منها براء. وإلا ولو كان صحيحا، أنه تزوج هذا الكم من النساء، فلماذا لم ينجب منهن أطفالا، وهذا أعتقد أن دليل كاف على طهارة الرسول.
 
ولا يُنقض على هذا الكلام، بأن الإسلام وعلماء المسلمين يستندون إلى نصوص العهدين، في إثبات بعض الحقائق الدينية الإسلامية التي صدع بها النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، لأن الإسلام، وإن أثبت التحريف والتلاعب في نصوص العهدين، إلا أنه لم يفترض عدم صحة شيء منهما، لأن حقيقة التحريف لا تعني إلا التصرّف في الأصل، باللفظ أو بالمعنى، وعليه فيمكن الإستفادة من النصوص الباقية، بعد تمييزها وتمحيصها والتدقيق بها، وبعد افتراض أصل الصحة في أسفار العهدين.
هذا يفرحنا جدا أن يبدأ إخوتنا بقراءة الإنجيل وخاصة العلماء منهم وأن ينتقوا ما يروه مناسبا فهذا رائع وخطوة مهمة نحو التقارب والتفاهم وبالطبع الرب يبارك عندما يرانا نتحاب ونلتقي ونتحاور.
 
وبهذا ينحل الإشكال الذي عمل بعض المسيحيين على إيراده على القرآن الكريم، حيث حاول الدكتور "وليم كامبل"، في جوابه على الدكتور "موريس بوكاي"، أن يثبت أن بعض الحقائق العلمية التي وردت في القرآن الكريم قد ورد مثيلات لها في نصوص العهدين، محاولاً بذلك إثبات صحة هذين العهدين من خلالها(1
جيد يا حضرة السيد، وقد أفرحني انكم مهتمون بالثقافة المسيحية.
من هنا فإن الإسلام لا يعارض هذه النظريات العلمية على فرض ورودها في أسفار الكتاب المقدس، انطلاقًا من اعتقاد المسلمين بأن أصل الوحي موجود فيه، فإن لازم ذلك أن يقبل المسلمون أن هذه الإشارات من بقايا الوحي الإلهي في الكتاب المقدس، ومن الظاهر أن المسلمين لا يعيشون عقدة تجاه هذه المسألة، كما هو الحال عند أهل الكتاب، بل تشكّل قرينة إثبات أخرى على صدق القرآن الكريم، وعلى أنه وحي من السماء، لفرض قدرته على التمييز بين الحقائق والأخذ بها، وطرح التلاعبات وتزييفها، خصوصًا بملاحظة عدم اطلاع النبي (صلى الله عليه وآله) على هذه الأسفار، فضلاً عن عدم وجود أية وسيلة في ذلك الزمان، يمكن أن يستند إليها في التمحيص سوى الوحي.
جيد ان الاسلام لا يعارض النظريات العلمية، وأؤكد لكم أن المسيحية أيضا بهذا التفكير، ولا تعارض العلم، وهذا أيضا من نقاط الالتقاء الحمد لله.
 
ثالثاً: إن حضرة "الأب حنا اسكندر" قد صرح أنه اعتمد على التفسير الإسلامي التقليدي لآيات القرآن الكريم، من هنا فإننا نريد أن نوضح مسألة ذات أهمية وهي أنه ليس للمسلمين كتاب تفسير واحد يعتمدون عليه على أنه هو المرجع النهائي لما تعنيه تلك الآيات فكل علماء التفسير حاولوا تفسير آيات القرآن الكريم حسب نظرية معينة: فمنهم من فسر القرآن لغوياً، ومنهم من خلال الروايات والأحاديث، ومنهم من فسر الآيات القرآنية بحسب آيات آخرى، فلا معنى لذكر (تفسير إسلامي تقليدي)، فكما هو الحال عند علماء التفسير اللاهوتين وغيرهم الذي تجدهم في المسيحية والذين قد قبلت الكنيسة بتفسيرهم ومن ثم قامت برفضه، واعتمدت غيره، فلا يمكن أن أقول أن هناك تفسير مسيحي تقليدي، وإلا كان لازماً علينا أن نلزمك ببعض التفاسير من القرون الوسطى والتي ترفضها الكنيسة الآن.
 ما تبين لي إلا الآن أن المفسرين المسلمين يعتمدون على أساسين في التفسير، الأول والمهم وهو من خلال الاحاديث والروايات، والثانية من خلال اللغة، ولكنهم يعتمدون فقط على اللغة العربية وخاصة على الشعر الجاهلي، دون التطرق الى اللغات الاخوات كالسريانية والارامية، والعبرية وغيرها. أما الثالثة وهي تفسير الكلمات من خلال ورودها في كل القرآن الكريم فهذه الطريقة لم تتبع إلى الآن حسب معلوماتي، أقله بشكل واسع، وقد بدأ بهذا الطريق المفكر الليبي وعذرا نسيت اسمه، وقد لاقى معارضة شديدة على طروحاته، ولكن هذا الامر جيد جدا وهو التفسير من خلال ورود الكلمة في كل القرآن الكريم. 
أما ما اقصد به التفسير التقليدي هو ما أجمع عليه المسلمون إلى اليوم، لان هناك قواسم مشتركة عند الجميع مع اختلاف المفسرين والمدارس. وبالتفسير المسيحي، أقصد بالعودة إلى مراجع مسيحية، وهذا لا يعني أنها ليست علمية، أو هي ضعيفة وغير ثابتة، لأن ما ذكرته كله إن من التوراة أو الانجيل أو كتب الشراح المسيحيين هي جميعها، حسب الدراسات العلمية الحديثة، تسبق نصوص القرآن الكريم، وبالتالي إن هناك تشابه مع نصوص القرآن الكريم، يحق لي، وهذا من سعة صدركم ومحبتكم، أن أعطيها تفسيرا انطلاقا من هذه النصوص، وهذا حسب رأيي بداية دعوة مهمة لاخوتنا المسلمين الى التعرف الى المصادر المسيحية وهذا ما يزيد الود والتقارب كما انا تعلمت الإسلام وأحببته.
 
رابعاً: لا يمكن لأحد أن يثبت حادثة ما أو واقعة ما بشكل إجمالي ومختصر، فهناك قاعدة تقول ما من عام إلا وخصص، وما من مطلق إلا وقيد. ومن هنا فإننا لا نستطيع أن نثبت مسألة قد نفاها المسلمون من خلال شرح الكلمة بغض النظر عن ما سبقها أو ما قد أتى بعدها وإلا كان هذا يسما في العلم تحريفاً، وتدليساً، وهذا ما نترفع نحن وحضرة الأب عنه.
يا جناب السيد لا أدَّعي امتلاك الحقيقة، إن كل ما قمت به هو محاولة فهم النص بطريقة مختلفة مما يزيد من التقارب والودّ بيننا.
 
خامساً: إن ذكر بعض الروايات والأحاديث ليس بالضرورة ينفع كدليل على عقيدة ما وذلك لأسباب عدة منها:
 
1 ـ إن الروايات والأحاديث لا تكن في مقام الحجة إلا أن تكون قد اثبتت ومن خلال التمحيص أنها قد وردت على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فنحن نعتقد بأنه ليست كل الأحاديث صحيحة بل تحتاج إلى إثبات من خلال طرق معينة أثبتها "علم أصول الفقه". فعندنا ليس كل حديث هو مسلم الصدور.
يا سيدي الكريم ويا اخي العزيز، أنا اختصاصيٌّ في قراءة المخطوطات وتحقيق النصوص، ويا ليت تقوم مدرسة من المدارس الاسلامية بالبدء في تحقيق نصوص مخطوطات المصادر باختلاف انواعها ونقدها وتمحيصها، على طريقة مدارس الغرب، وهذا اقتراح فقط، وبذلك يصير بين أيدينا نصا سليما ثابتا، ولكن ما حيلتي، هذا ما هو موضوع بين يدي، وأنا بإلحاح أطلب تحقيق وتمحيص المخطوطات وانتظر هذا الأمر بفارغ الصبر.
 
2 ـ لا يمكن أن نستدل على عقيدة ما لأن كلمة قد وردت في أحدى الروايات أو الأحاديث على أنها بالضرورة لها نفس المعنى العقائدي عند الآخرين، وهذا ما يسمى في اللغة المشترك اللفظي، ولكن ليس هناك من مانع أنها تختلف من حيث المعنى، وبالتالي لا يصلح دليلاً على أنها مطابقة للمعنى الذي أردتم إسقاطه.
اكرر الكلام نفسه ما حيلتي هذا ما هو موجود وهذا يقرّ به قسم كبير من المسلمين
 
 
سادساً: لا يمكن لأحد أن يسقط عقيدة ما على عقيدة أخرى من خلال (ترانيم وتراتيل)، فهذا لا يصلح أن يكون دليلاً، فإن الكلمات وقد قلنا سابقاً تتشابه من حيث المبنى ولكن قد تختلف من حيث المعنى. فكيف لي أن أعتمد على ترانيم وتراتيل قد تتبدل "التراتيل قد تتغير لكن المعنى يبقى نفسه (محبة اﻻنسان) وفي حقبات معينة قد تتغير الكلمات في الترتيلة ولكن يبقى المعنى نفسه للتراتيل"(2).
 الترانيم التي استشهدت بها تعود الى الجيل الرابع والخامس والسادس كأبعد حد. وقد أثبتت هذه المقولة المدراس العلمية الغربية من خلال دراسة المخطوطات والمقارنة بينها للوصول الى نص ثابت وأيضا من خلال تبيان كلمات الكاتب ونوعيتها إن هي له أم لا...
 
فما يدرينا أن هذه الترانيم والتراتيل التي استشهدت بها إنما هي تغيرت وتبدلت من حيث الكلمات، وقد صرح المطران أنها في أعلان محبة الله وتريد منا أن نأخذها دليل لإثبات مسألة عقائدية، فما هي العلاقة بين إظهار محبة الله عز وجل وبين إثبات صلب المسيح؟! فهذا في العلم يقال له: "تحميل ما لا يحتمل".
أنا لم أذكر العلاقة بين محبة الله واثبات الصلب من خلال الترانيم، لكن ذكرت الترانيم لأعطي تفسيرا لآيات قرآنية لما رأيت من تشابه بينها.
 
سابعاً: أضف إلى ذلك أن تفسير بعض الآيات من وجهة النظر المسيحية وإسقاطها على أنها تعني المعنى الفلاني أو غيره، إذ لا دليل واضح في اللغة أو في الأصول على أنها تعني هذا المعنى الذي حاول حضرة الأب أن يسقطه عليها، أو أن نحاول تفسيرها بشكل منفصل.
من هنا وقبل مناقشة البحث، والذي قد يطول إلى حلقات في حال أراد أن يخوض حضرة الأب حنا اسكندر في غماره، لا بد من نقاط علمية أساسية يجب أن يعتمد عليها لا الباحث فلا يأتي على سبيل المثال بكلمة "صليب" التي هي موجودة في القرآن الكريم ليقول أنه "الصليب" الذي يعتقد المسيحيون به، فهذا يحتاج إلى دليل.
وهذا يفرحني ان يطول الحوار، وأنا زرت العراق مرتين وقد سحرت بكرم أهله ومحبتهم، ولا أنسى احترامهم ولطفهم، وان شاء الله، وبركة لي أيضا أن أتمتع بالحوار معكم، وأغتني بفكركم، وهذا ما ينمي شخصي أيضا فشكرا لكم. أما بالنسبة إلى وجود كلمة صليب في القرآن ومعناها، فإني قمت بمحاولة لشرحها بالاستناد الى التوراة والانجيل، وليس بالطبع أن يكون دائما الحق الى جانبي ولكنها محاولة
 
يمكن أن نستشهد بعبارة "المسيح ابن الإنسان" كمثال لتوضيح المراد من التفسير لكلمة ما أو عبارة. فهذه العبارة وهي قد وردت في الأناجيل الأربعة يمكن أن نقول أنها دليل على أن المسيح (عليه السلام) هو انسان وليس ابن الله كما يقول المسيحيون في عقائدهم.
إذ أن كلمة (ابن الإنسان) من الكلمات التي تكرّر ورودها في الأناجيل الأربعة، إلى حد قد لا يمر إصحاح (فصل)، أو صفحة دون ورودها فيها، وقد ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بمفهوم الملكوت الوارد في الأناجيل.
 
ومن المتسالم عليه بين المسيحيين، أنه أريد بها في كافة موارد استعمالها شخصُ السيد المسيح (عليه السلام)، حتى صارت من أهم ألقابه في الذهن المسيحي، ولم نرَ أحدًا منهم أشار، أو احتمل إرادة غيره منها في أي مورد من الموارد.
 
ولقد اتفق المسيحيون على أن السيد المسيح (عليه السلام) هو الذي اختار هذا اللقب لنفسه، وأنه كان أحب الألقاب إلى نفسه الشريفة، حتى أنه "عندما كان يخاطب بلقب المسيح كان يستبدله بلقب ابن الإنسان"(3).
جميل جدا افرحتموني انكم تقرأون الانجيل وهذا ما يسهل اللقاء بيننا أنتم تقرأون الانجيل وأنا أقرأ القرآن، يا ليت كل مسيحي ومسلم يفعل هذا، فيزيد الحب والتلاقي والاحترام المتبادل
 
مما لا شك فيه أن كلمة (ابن الإنسان) تعني - بحسب المعنى المتبادر منها - نفس معناها اللغوي، وهو الكائن البشري نفسه، ولا تحتمل أيّ معنى آخر، ما لم تقم قرينة خاصة تدل على خلاف هذا المعنى اللغوي.
 
وقد حرص السيد المسيح (عليه السلام)، على استخدام هذا اللقب دون سواه، في كافة الموارد، التي تحدّث فيها عن نفسه الشريفة، كما أشرنا إليه وسيأتي.
إنّ صاحب التفسير الحديث للكتاب المقدس قد أفاض في الحديث عن دلالات هذه الكلمة في الأناجيل الأربعة، فقال ما حاصله: "إن عبارة (ابن الإنسان) في اللغتين العبرية والآرامية تعني ببساطة إنسانًا أو بشرًا، وتعني في الغالب إنسانًا ضعيفًا بالمقارنة مع الله تعالى"(4).
ولكن الكاتب ناقَضَ نفسه في نفس الكتاب، حيث يقول: "والقول بأنها جاءت هنا بمعناها الأساسي لتعني الإنسان بوجه عام إنما هو قول ليس له أي معنى"(5)، دون أن يذكر وجهًا لدعواه هذه.
 
ومن الظاهر أنه لا يمكن قبول هذا الادّعاء، لعدم استناده إلى أي دليل، مهما كان واهيًا، ولا تساعد عليه أيّة قرينة لفظية أو غيرها، ويمكن أن يستشعر عدم اقتناع الكاتب نفسه به، ولذلك أرسله إرسال المسلمات من دون ذكر وجه أو تبرير, خصوصًا بعدما تقدّم معناها منه نفسه.
ومن خلال هذا المثال أردت أن أبين وقبل الدخول في مناقشة أصل البحث إلى هذه الأمور الواضحة والتي لا تحتاج للكثير من البحث، على أن يأتي الرد بشكل تفصيلي على كل ما ورد في بحثكم هذا.
شكرا لكم يا جناب السيد، فعلا لقد أذهلني تواضعكم وقبولكم للفكر الآخر، وإن شاء الله سنتعاون في المستقبل
 
[ وهذا يظهر في اللغة أن الشد ليس بالضرورة هو (الشد على الخشبة) يعني من خلال نقر اليدين والرجلين بالمسامير، وإنما هو (أَوْثَقَ يَدَيْهِ مَمْدُودَتَيْنِ وَرِجْلَيْهِ مَشْدُودَتَيْن) يعني باستخدام الحبال وليس المسامير].
صلب: وهو تعليق الإنسان على شجرة أو على جذع(2).
[ من هنا فإن الصلب لا يجب أن يكون على الشكل المتعارف عليه عند المسيحيين من تسمير اليدين والقدمين، فمن الممكن أن يكون شد اليدان إلى الأعلى وأن يفتح القدمان، التعليق ليس بالضرورة أن يكون على خشبة لها الشكل المصلب المتوازي أي كلُّ ما كان على شكل خطين متقاطعين من خشب أو معدن أو نقش أو غير ذلك ].
 
يا سيدي الكريم الحق الى جانبكم، إن طرق الصلب مختلفة وأشكاله مختلفة، ولكن المتفق عليه أنه حالة من حالات الاعدام التي مارسها الحكام وخاصة الرومان، والارجح تثبيت المصلوب بالمساير لا بالحبال لانهم يريدون تعذيب المصلوب امام المارة وإعدامه ليرهبوا الباقين، لأن الحبل لا يسبب ألما ولا يؤدي الى الموت، لكن المسامير تسبب ألما حادا مصحوبا بنزيق من الدم يؤدي الى الوفاة.
 
الصليب: الودك. كما نقل حضرة الأب، وماهو الودك في اللغة..
الوَدَكُ: الدَّسَم، أو دَسَم اللَّحم ودُهنُه الذي يُستخرَجُ منه.
والوَدَكُ: شحْم الألية والجنْبين في الخروف والعِجْل، يُسلأ ويستعمل إهالة لحبر الطباعة.
وَوَدَكُ المَيْتة: ما يسيل منها ويقال: ما فيه وَدَكٌ: لم يكن عنده طائل(3).
[ الودك يكون في اللغة هو الجيفة أو الميتة التي يسيل منها الشحم، ولا أعرف ما علاقة الجيفة والميتة وسيلان الشحم منها بالصليب وإثبات الصلب، وهذا يحتاج إلى توقف، فهل ظل معلقاً السيد المسيح (عليه السلام) حتى أصبح جيفة وسال منه الشحم، مع أن هذا خلاف ما تنقله الأناجيل التي تروي حادثة الصلب، فاللغة لا تخدم المعنى الذي يريد أن يأخذنا إليه حضرة "الأب حنا اسكندر"].
سامحني يا جناب السيد، لقد وضعت الكلمة وحدها دون تعليق وذلك لوضع معان اخر لكلمة الصليب، والحق الى جانبك ربما لم تكن ضرورية لانها لم تصبّ في المعنى المطلوب ولكن كل ما في الامر معلومة جديدة، فأطلب المعذرة.
 
ثوب مصلب: نقش عليه شكل الصليب.
[ وهذا ثوب خاص برجال الدين المسيحيون، ولا علاقة له بإثبات الصلب عند المسلمين، فهو من تراث المسيحيين حصراً ].
 
 أنا استندت الى الاحاديث لأذكر هذه الرواية، ولكن أكرر أتمنى وألح أن تقوم دراسة علمية وتمحيص الاحاديث، ووضعها بين أيدينا لنعتمد عليها في البحث والكتابة
 
نقل حضرة الأب "حنا اسكندر":
والصليب وهو آلة عذاب مكوّنة من خشبة عاموديّة قطعت بلوحة خشبيّة أفقيّة. ويسمّر عليها من يريدون إعدامه. وهذه الطريقة كانت متّبعة بكثرة عند الرومان.
[ لقد نقل حضرة الأب هذا المعنى من مصدر أجنبي، ليس له علاقة بتراث الإسلامي أو العربي بالحد الأدنى لا من قريب ولا من بعيد، ولقد نقلنا لكم أن فعل الصلب ليس بالضرورة أن يكون على الشكل الذي هو متعارف عند المسيحيين، فقد يكون شجرة أو جذع أو لوح حديدي أو خشبي وقد يكون الصليب هو وتد يضرب في الأرض لتثبيت شيء كالخيم وغيرها، ولا يمكن صرف اللفظ على أنه آلة تعذيب إلا أن المصدر الذي اعتمد عليه حضرة الأب هو مصدر أجنبي ليس له علاقة بأثبات الصلب كما بيناه في اللغة العربية التي تعني هي شد الوثاق بأشكال مختلفة ولا يمكن حصره على انه آلة تعذيب، وقد أثبتنا أنه ليس من الضرورة أن يسمر عليها وإنما قد يربط بالحبال. وما يعنينا نحن أننا لا ننفي انها قد تكون آلة تعذيب عند الرومان ولكن لم يثبت عندنا أن السيد المسيح (عليه السلام) قد تم تعليقه على هذه الخشبة أو الصليب ].
وقال: لا خلاف اليوم على كلمة الصلب والصليب ومعروف شكله.
[ نعم إن كلمة الصلب والصليب هو معروف الشكل بالنسبة إلى ما هو متعارف عليه ولكن أيضاً هل هذا الشكل الذي كان آلة تعذيب عند الرومان هو موجود في القرآن الكريم  وعلى نفس الشكل المتعارف عليه فإن فعل الصلب قد يكون على أي  شيء من جذوع النخل والأشجار والألواح، كما يحاول حضرة الأب أن يظهر الصلب على الشكل الذي يريد، أضف إلى ذلك، إن القرآن قد نفى حالة الصلب التي سوف نأتي على بيانها فيما بعد ]. 
 
 إن المسيحية انتشرت في الغرب والشرق، وإذا استندنا الى مرجع غربي لا يعني أنه يفهم كلمة الصليب بشكل مختلف عن الشرقيين، وما استندت اليه هو كتاب علماني لا علاقة له بأي دين، يستند على أسس علمية حسب مدارس الغرب
 
لقد قال حضرة "حنا اسكندر": وهذه الكلمة، أيضا، انتقلت إلى اللغة العربيّة.
[ لقد نقلنا وحضرة الأب قد نقل من اللغة العربية ما تعنيه كلمة "صلب" ولا حاجة لنا لتكرار المعاني التي نقلها عن هذه الكلمة، ومن أين عرف أنها قد نقلت إلى العربية، وما هو مصدر ذلك الكلام، فهناك مشتركات بين كل اللغات فهل بالضرورة أنها تعني نفس المعنى، إذاً: فما معنى قوله أن هذه الكلمة قد انتقلت إلى اللغة العربية ].
أكرر ما قلته سابقا، علينا بدراسة اللغات الأخوات للغة العربية، كالسريانية والأرامية والعبرية وغيرها مثل اللغات العربية الشعبية اليوم فهي تفيدنا أيضا، وأعطيكم مثلا إذا تصفحتم قاموسا من القواميس العلمية في الغرب عندما تفتش عن كلمة يذكر لك أصلها: يوناني، أو لاتيني، أو عربي، لكن قواميسنا للتفسير يستشهدوا أما بالشعر وإما بالاحاديث، ولكن أيضا إذا اعتمدوا على اللغات الشقيقة فهذا يغني المعنى
 
ونهاية البحث في الموضوع اللغوي، لقد أظهرت اللغة أن الصلب ليس بالضرورة أن يكون على شكل معين وواضح كما حاول إظهاره حضرة الأب، وحتى شكل الصليب لم يكون واضحاً أو التعذيب على الصليب لم يكن واضحاً، في القرآن فكيف يريد أن يسقط عليه المعنى الذي يريد لكي يثبت صلب المسيح (عليه السلام) من القرآن الكريم.وإلى الجزء الثالث من الرد على بحث الأب حنا اسكندر..
_______________________
(1) معجم المغني، مصدر كلمة صلب.
(2) معجم المصطلحات الفقهية، مصدر كلمة صلب.
(3) معجم الوسيط، أصل كلمة ودك. 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الاب حنا اسكندر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/06/11



كتابة تعليق لموضوع : الأب حنا اسكندر يجيب على رد البيومي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : وليد البعاج ، في 2013/06/11 .

نرحب بجناب الاب حنا اسكندر كعضو جديد وعزيز واحد كتاب الموقع الذين سيرفدون الموقع بكتاباتهم






حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net