صفحة الكاتب : محمد الحمّار

هل سننقذ تونس سرا أم جهرا؟
محمد الحمّار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 أن يواصل فرد أو مجموعة نشاطه سرا في ما هو مرخص له أن يقوم به علانية هو بمثابة أن يفطر المسلم خلسة في يوم عيد الفطر (وفي أي يوم من أيام الفطر). وهذه الوضعية تنطبق على حزب حركة النهضة الذي لم ينقطع عن العمل في السرية بينما هو حزب مرخص له أن يعمل علانية وذلك منذ شهر مارس/آذار من سنة 2011.

لم نُورد هذا التشبيه لنحث هذا الحزب على العمل جهرا بقدر ما أردنا أن نبيّن كم أضاعت تونس من الوقت والجهد والمال جرّاء منح الترخيص الرسمي لهذا الحزب (الديني) بأن ينشط كأي حزب آخر(مدني) بينما هو مجبول على الإيقاع السري دون سواه، ومنه أن نستقرأ سبيلا للنجاة . 
بالفعل، منذ إقحام حزب حركة النهضة في المشهد السياسي التونسي قد ثبت في أكثر من جزئيةٍ واحدة وفي أكثر من حدثٍ واحد وفي أكثر من سلوكٍ واحد أنّ الذي تعوّد على السكوت لا يجوز حملُه على النهيق (إن صحّ قلب الاستعارة). وإذا حدث النهيق فسيفرز نوعا من الخلط يطال الفكر والممارسة يمكن تصنيفه  بين التقية والنفاق ، بين الفعل الواعي والفعل اللاواعي، بين المقول واللامقول. 
فبِوَحْيٍ من هذا الخلط الفُصامي (الشيزوفريني) تسربت "مجموعات مجهولة" إلى داخل المساجد وفعلت ما يحلو لها من فتنة وتعنيف لفظي؛ و تم تحويل وجهة هِبات مالية هامة من طرف بلدان صديقة من طريقها إلى صندوق وزارة المالية إلى حساب وزارة أخرى غير معنية بالتحويل؛ وتم توريد الحليب  إلى بلد الحليب حتى آل أمره إلى مقاطعة المستهلكين له؛ و حدث إبرام صفقة عربات "التكتك" من دون استشارة الذوق العام قبل العدول عن تنفيذ الصفقة نهائيا عدا بعض المقربين؛ وحصل استقدام خرفان رومانيا بخْسَة الثمن وعرضها للبيع بأسعار ربحيّة، ولو لم تطَل هذه الدوابَ ريبةُ المستهلكين على التوّ لَضحك على التونسيين مُوَردون هواة تحجب عنهم عيونُهم المُغَشاة بضباب لندن الرؤيةَ الواضحة للواقع المحلي. وبسبب الخلط المرَضي ها أنّ التونسيين اليوم يتأرجحون بين الرغبة في معرفة من يعطي الأوامر لتنفيذ اغتيالات سياسية جبانة وبين من يغض البصر عن استيراد الأسلحة ومن يفجر الألغام في جبل الشعانبي.
وحتى "الشريعة" لم تشذ عن قاعدة التداخل المفلس بين السر والجهر. فبينما في حقيقة الأمر كل مسلم يؤمن بالشريعة، ويفعل ذلك من منظور التوازن بين النظر والممارسة أي يؤمن أيضا وبنفس القوة أنّ ممارسة الفعل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي تحظى بنفس المشروعية التي يحظى بها لديه مفهوم الشريعة، فإنّ الإسلام السياسي أدخل عنصر التسطيح على هذه المسألة وبموجبه أصبحت النظرية (الشريعة) مرادفة للممارسة (الواقع كنتاج سياسي) في أذهان الإسلاميين. والحال أنّ كل مؤمن بدين، بكل دين، يميل إلى "قول" وفِعل ما يستطيع فعله بحُكم عقيدته وإلى "كتمان" (اللامقول) ما لا يستطيع فعله بحُكم نفس العقيدة، شأنه في ذلك شأن متكلم اللغة، الذي يوظف ما يستطيع توظيفه من كلام ومن قواعد النحو والصرف مع كتمان الكلام الذي لا يستطيع إليه سبيلا (المعجم السالب) وحتى القوانين اللغوية التي له التباس بشأن استعمالها الصحيح.
  كما أنّ التسطيح لم يطَل فقط الموضوع المفعول به (شريعة/واقع) وإنما تسرب إلى الفاعل أي أنّ الإسلام السياسي نزع أيضا، سرا وجهرا، إلى فرض المعادلة بين الشريعة والحياة على أذهان المسلمين كافة.
قد تكون هذه الشطحات المضحكة المبكية تُنذرُ برقصة الديك المذبوح، عذرا برقصة الدين المذبوح، وتوذن بقرب انتهاء صلوحية الرخصة الحزبية الملتبسة التي انتفع بها لمدة عامين ونصف حزب الإسلام السياسي الحاكم في تونس (منذ ما يناهز العامين).
 لكن الذي يهم التونسيين أكثر الآن هو كيف يتم تعديل الكفة لصالح المجتمع ككل في إطار برنامج الإنقاذ الوطني. ما من شك في أنّ تحوّل النهضة إلى حزب مدني أو تبدله إلى جمعية أضحى أمرا استعجاليا، إلا أنّ الأهم هو الاهتداء إلى ما سيمكث في الأرض بعد أن يذهب الزبد جفاءً. ويبدو لنا أنّ ذلك رهنٌ بنظام الحكم الذي سيفرزه الحراك السياسي الحالي لكن شريطة أن يكون هذا الحراك مدعوما بحراك فكري متسق. 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الحمّار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/08/10



كتابة تعليق لموضوع : هل سننقذ تونس سرا أم جهرا؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net